إرشاد خطباء الأمة بأحكام ختم الخطبة بـ(أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم)
الحمد لله الملك العظيم الأعلى، وسلَّم على أشرف المخلوقين محمدٍ المُصطفى، وعلى آله وصحبه وصلَّى، وعنَّا معهم يا سامع السِّر والنَّجوى.
وبعد، يا خطيب الناس وواعظهم – سددك الله وزاد مِن فقهك -:
فهذا جزء فقهي حول ما وقفت عليه من أحكام حول قول الخطيب في خاتمة خطبته:
” أقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم “، أو ” أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم “.
وأسأل الله تعالى أن ينفعني وإياك به، ويزيد به من فقهنا، وسائر من قرأه، إنه ربي سميع الدعاء.
وسوف يكون الكلام عن هذا الموضوع في ثلاث وقفات، فأقول مستعينًا بالله – عزَّ وجلَّ -:
الوقفة الأولى / عن الأحاديث والآثار الدالة على ختم الخطب بأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
أولًا: قال ابن حبان البستي – رحمه الله – في “صحيحه”( 3828):
أخبرنا مكحول ببيروت، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال:
(( طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ وَمَا وَجَدَ لَهَا مُنَاخًا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْرِجَتْ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، فَأُنِيخَتْ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
“أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى رَبِّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى رَبِّهِ”.
ثم تلا: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } حَتَّى قَرَأَ الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: “أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي ولكم” )).
وقد صححه:
ابن خزيمة، وابن حبان، والألباني.
وقال العلامة الألباني – رحمه الله – في كتابه “سلسلة الأحاديث الصحيحة”( 2803) عقبه:
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير مكحول وشيخه محمد بن عبد الله بن يزيد وهما ثقتان معروفان، وللحديث طريق أخرى عن ابن دينار.اهـ
قلت:
وهذا الطريق الآخر قد أخرجه عبد بن حميد في “المنتخب”(795) فقال:
أنا أبو عاصم، عن موسى بن عبيدة الرَّبَذي، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر – رضي الله عنهما -:
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ وَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَجِدْ مُنَاخًا فَنَزَلَ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَكَبُّرَهَا بِآبَائِهَا، النَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”.
ثُمَّ تَلَا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى }.
ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ )).
وقيل:
إن الصواب في الحديث “موسى بن عبيدة” الضعيف، عن عبد الله بن دينار، وليس “موسى بن عقبة” الثقة.
فقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(6/ 527):
وقد ورد في الحديث ما يوضح ذلك ففي “صحيحي” ابن خزيمة وابن حبان و “تفسير” ابن مردويه، من رواية عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: (( خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال: … )).
ورجاله ثقات، إلا أن ابن مردويه ذكر أن محمد بن المقرئ راويه عن عبد الله بن رجاء، عن موسى بن عقبة، وهِم في قوله: “موسى بن عقبة”، وإنما هو: “موسى بن عبيدة”، وابن عقبة ثقة، وابن عبيدة ضعيف، وهو معروف برواية موسى بن عبيدة، كذلك أخرجه ابن أبي حاتم، وغيره.اهـ
قلت:
والأرجح أن الحديث صحيح.
فإن موسى بن عقبة أيضًا مِمن رووا عن عبد الله بن دينار، فلا يمتنع أن له عن عبد الله بن دينار طريقين، طريق موسى بن عقبة الثقة، وطريق موسى بن عبيدة الضعيف.
وإن كان الصواب فيه طريق موسى بن عبيدة فقد تابعه أخوه عبد الله بن عبيدة، فيتقوى ويكون حسنًا.
وعبد الله بن عبيدة، قال عنه النسائي: ليس به بأس، وقال الدارقطني: ثقة، وقال مرة: صالح، وذكره ابن حبان في كتابه “الثقات”، وقال ابن حجر العسقلاني: ثقة، وضعفه ابن معين وابن عدي، وقال أحمد: لا يشتغل به.
حيث قال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(38074):
حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة, عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
(ح) وعن أخيه عبد الله بن عبيدة:
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ حِينَ دَخَلَهَا وَهُوَ مُعْتَجِرٌ بِشُقَّةِ بُرْدٍ أَسْوَدَ، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ، وَفِي يَدِهِ مِحْجَنٌ يَسْتَلِمُ بِهِ الأَرْكَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا وَجَدْنَا لَهَا مُنَاخًا فِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ، ثُمَّ خُرِجَ بِهَا حَتَّى أُنِيخَتْ فِي الْوَادِي ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ:
“أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظَّمَهَا بِآبَائِهَا، النَّاسُ رَجُلاَنِ: فَبَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ، وَكَافِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ.
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }.
أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ )).
وقال الحافظ جمال الدين الزيلعي – رحمه الله – في كتابه “تخريج أحاديث الكشاف”(3 / 350):
وقرَن ابن أبي شيبة مع موسى بن عُبيدة أخاه عبد الله بن عُبيدة، كلاهما عن ابن دينار، به.اهـ
وأخرجه أيضًا من طريق موسى بن عبيدة، به:
الفاكهي في “أخبار مكة”( 1793 )، وابن أبي حاتم في “تفسيره”( 18622)، والبغوي في “شرح السنة”(3544)، وفي “تفسيره”(7/ 348).
ثانيًا: قال ابن أبي الدنيا – رحمه الله – في كتابه “قصر الأمل”(190):
حدثني أحمد بن عبد الأعلى، قال: حدثني أبو جعفر المكي، قال: قال الحسن البصري:
(( طَلَبْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ فَأَعْيَتْنِي، فَلَزِمْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ لَكُمْ عِلْمًا فَانْتَهُوا إِلَى عِلْمِكُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ: بَيْنَ أَجْلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجْلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي كَيْفَ اللَّهُ صَانِعٌ فِيهِ، فَلْيَتَزَوَّدِ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبَابِ قَبْلَ الْهِرَمِ، وَمِنَ الصِّحَّةِ قَبْلَ السَّقَمِ فَإِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ، وَالدُّنْيَا خُلِقَتْ لَكُمْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ، وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا مِنْ دَارٍ إِلَّا الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلَكُمْ ” )).
وفي إسناده أحمد بن عبد الأعلى الشيباني، ذكره ابن حبان في كتابه “الثقات”( 12074)، وابن قطلوبغا في “الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة”(355).
وقال أبو الليث السمرقندي – رحمه الله – في كتابه “تنبيه الغافلين”(309):
حدثنا الثقة بإسناده عن الحسن البصري، قال:
(( طَلَبْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ …)) الحديث.
ويقويه ما في “المدونة الكبرى”(1/ 231-232):
قال سحنون، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أنه قال:
(( بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْدَأُ فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ جَلَسَ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى إذَا قَضَاهَا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى )).
وقال أبو داود في كتابه “المراسيل”(55):
حدثنا ابن السَّرح، وحدثنا سليمان بن داود، أنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال:
(( بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى إِذَا قَضَاهَا اسْتَغْفَرْ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى )).
وإسناد هذا المرسل إلى الزهري صحيح.
ثالثًا: قال القاسم بن موسى الأشيب – رحمه الله – في “جزئه”(48):
أخبرنا الزبير بن بكار، حدثني عبد الله بن نافع الصائغ، أخبرني عبد الله بن مصعب بن خالد بن زيد بن خالد الجهني، عن أبيه، عن جده زيد بن خالد، قال:
(( تَلَقَّيْتُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَوْثَقُ الْعُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَخَيْرُ الْمِلَلِ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَخَيْرُ السُّنَنِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْرَفُ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ, وَأَحْسَنُ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ، وَخَيْرُ الأُمُورِ عَوَازِمُهَا، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ الأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَشْرَفُ الْمَوْتِ قَتْلُ الشُّهَدَاءِ, وَأَعْمَى الضَّلالَةِ ضَلالَةٌ بَعْدَ الْهُدَى، وَخَيْرُ الْعَمَلِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرُ الْهُدَى مَا اتُّبِعَ، وَشَرُّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَمَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَشَرُّ الْمَعْذِرَةِ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ، وَشَرُّ النَّدَامَةِ نَدَامَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَأْتِي الْجُمُعَةَ إِلا نَذْرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَذْكُرُ اللَّهِ إِلا هَجْرًا، وَمِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا اللِّسَانُ الْكَذُوبُ، وَخَيْرُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ، وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقْوَى، وَرَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرُ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ، وَالارْتِيَابُ مِنَ الْكُفْرِ, وَالنِّيَاحَةُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْغُلُولُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ، وَالسُّكْرُ مِنَ النَّارِ، وَالشِّعْرُ مِنْ إِبْلِيسَ، وَالْخَمْرُ جَمَاعَةُ الإِثْمِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَشَرُّ الْكَسْبِ كَسْبُ الرِّبَا، وَشَرُّ الْمَالِ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالسَّعِيدُ مِنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَوْضِعِ أَذْرُعٍ, وَالأَمْرُ إِلَى آخِرَةٍ,، وَمِلاكُ الأَمْرِ فَرَائِضُهُ، وَشَرُّ الرُّؤْيَا رُؤْيَا الْكَذِبِ، وَكُلَّمَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ، وَأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، وَمَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ كَذَّبَهُ، ومَنْ يَغْفِرْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ سَمِعَ الْمُسْتَمِعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ يَكْظِمِ الْغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرَزِيَّةِ يُعَوِّضْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَصُمْ يُضَاعِفْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، – ثَلاثَ مَرَّاتٍ -، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ» )).
وأخرجه أيضًا من طريق الزبير بن بكار:
ابن عدي في “الكامل في ضعفاء الرجال”(1 / 113)، والهروي في “جزئه”(5)، وابن عساكر في “معجمه”(702).
وقال ابن عساكر – رحمه الله – عقبه:
هذا حديث حسن غريب، لم يُرو إلا بهذا الإسناد.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة”(2 / 315-316 – ترجمة رقم: 2369):
قال الذهبيّ في “الميزان”: “روى عبد الله بن مصعب بن خالد الجهني، عن أبيه، عن جدّه، فرفع خطبة منكرة، وفيهم جهالة”.
قلت:
تلقّف ذلك من ابن القطان، فإنه ذكر الحديث الذي سأذكره، ثم قال: “عبد الله وأبوه لا يُعرفان في هذا أو نحوه”.
ولم يتعرض لخالد فأصاب، لأن في سياقه: (( تلقفت هذه الخطبة من فيِّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بتبوك، فسمعته يقول: «والخمر جماع الإثم» )).
هكذا أخرجه الدارقطني في “السنن” من طريق الزبير بن بكَّار، عن عبد الله بن نافع، عن عبد اللَّه بن مصعب بن خالد بن زيد بن خالد الجهني، عن أبيه، عن زيد بن خالد، قال: (( تلقفت )).
وخالد بن زيد الذي حاول الذهبي تجهيله لا رواية له أصلًا في هذا الحديث، ولا في غيره، فإن مقتضى سياق الدارقطني أن يكون الضمير في قوله: “عن جده” لمصعب، وجدّه هو زيد بن خالد الصحابي المشهور. وكذا أخرج الترمذي الحكيم هذا الحديث في “نوادر الأصول” وصرح بأن الخطبة طويلة.
ثم أخرجه أيضًا من رواية عبد الله بن نافع بهذا السند، ولفظه: (( استلقفت هذه الخطبة ))، فذكر مثله، ولكن اقتصر من المتن على قوله صلى الله عليه وسلم: (( خير ما ألقي في القلب اليقين )).
وقد وقعت لنا هذه الخطبة مطولة من وجه آخر.
أخرجها أبو أحمد العسكري في “الأمثال”، والديلمي في “مسند الفردوس”، من طريقه بسند له إلى عبد الله بن مصعب بن منظور، عن حميد بن سيار، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، قال: خرجنا في غزوة تبوك.
فذكر الحديث بطوله، وأوله: (( يؤمهم عن صلاة الفجر )).
وفيه: (( فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: «أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب اللَّه …» )).
فذكره بطوله، وفيه: (( وخير ما ألقي في القلب اليقين )).
وعبد اللَّه بن مصعب هذا غير صاحب الترجمة، وهو أيضًا كذا.اهـ
وقال العلامة الألباني – رحمه الله – في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة”( 2059) عقبه:
وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن مصعب وأبوه فيهما جهالة، كما قال الذهبي.
وعبد الله بن نافع الصائغ، ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، كما قال الحافظ.
والحديث أورده السيوطي في “الجامع” من رواية البيهقي في “الدلائل”، وابن عساكر عن عقبة بن عامر الجهني، وأبي نصر السجزي في “الإبانة” عن أبي
الدرداء، وابن أبي شيبة في “المصنف” عن ابن مسعود موقوفًا.
وزاد المناوي في تخريجه فقال:
“رواه العسكري والديلمي عن عقبة، وأبو نعيم في “الحلية”، والقضاعي في “الشهاب” عن أبي الدرداء، قال بعض شرائحه: حسن غريب”.
وقال في “التيسير” في حديث ابن مسعود الموقوف:
“وإسناده حسن”.
قلت:
وفي إسناد حديث عقبة عند الديلمي (1/ 2/ 216 – 217):
عبد العزيز بن عمران، وهو متروك، ويعقوب بن محمد الزهري وأبو أمية الطرسوسي، وهما ضعيفان.اهـ
قلت:
وقد أخرج حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه -:
أبو القاسم ابن منده في “المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرجال للمعرفة”(1/ 399)، والبيهقي في “دلائل النبوة”(5/ 241)، وابن عساكر في “تاريخ دمشق”(51/ 239-240 – ترجمة رقم: 6058)، من طريق:
أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، عن محمد بن يعقوب بن عيسى الزهري، عن عبد العزيز بن عمران.
وقد مضى كلام العلامة الألباني – رحمه الله – في تضعيف هؤلاء الثلاثة.
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في كتابه “البداية والنهاية”(5/ 18) عقبه:
وهذا حديث غريب، وفيه نكارة، وفي إسناده ضعف.اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه “زاد المعاد”(1/ 179 أو 189):
وكان صلى الله عليه وسلم يختم خطبته بالاستغفار.اهـ
رابعًا: قال أبو بكر الدينوري – رحمه الله – في كتابه “المجالسة وجواهر العلم”( 1290):
نا إبراهيم بن إسحاق، نا خلف بن هشام، عن أبي عوانة، عن هلال، عن عبد الله بن عُكيم قال:
(( لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَنَزَلَ مِرْقَاةً مِنْ مَقْعَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمَدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وأن أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، وَإِنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ، إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ؛ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زِغْتُ؛ فَقَوِّمُونِي، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَلا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللهُ بِالْفَقْرِ، وَلا ظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ؛ إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَلاءِ؛ فَأَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ؛ فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ )).
ورجال إسناده ثقات غير مصنف كتاب “المجالسة”، فقد قال عنه الحافظ الذهبي – رحمه الله – في “سير أعلام النبلاء”(15/ 428):
ضعفه أبو الحسن الدارقطني.اهـ
لكن له شواهد يتقوى بها ويثبت.
ومِن هذه الشواهد:
1- ما أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام – رحمه الله – في كتابيه “الأموال”(8) والسياق منه، و”الخطب والمواعظ”(119) فقال:
حدثني علي بن هاشم بن البُريد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
(( خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ، وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَلَكِنَّهُ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَسَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَّمَنَا فَعَمِلْنَا، وَاعْلَمُنَّ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ الْهُدَى – أَوْ قَالَ: التُّقَى، شَكَّ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ: التُّقَى -، وَأَنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ، وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنْ أَنَا أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَنَا زُغْتُ فَقَوِّمُونِي، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ )).
وإسناده حسن أو صحيح إلى عروة بن الزبير.
وعروة بن الزبير لم يسمع من جده أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -، وقد روى عن أمه أسماء بنت أبي بكر، وخالته عائشة – رضي الله عنهما – وغيرهما من الصحابة.
2- ما أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام – رحمه الله – في كتابيه “الأموال”(9) و “الخطب والمواعظ”(120) عقب أثر عروة بن الزبير، فقال:
وحدثنا علي بن هاشم – يعني: ابن البُريد -، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن حازم، أو غيره، عن أبي بكر، نحو ذلك.اهـ
فإن كان الأثر عن قيس بن حازم فالإسناد حسن أو صحيح، فقد سمع من أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -.
3- ما أخرجه أبو عبيد في “الخطب والمواعظ”(121)، ومن طريقه أبي نعيم في “حلية الأولياء”(1/ 35-36)، فقال أبو عبيد:
حدثنا أزهر بن عمير – وكان بالثغر -، قال: حدثني أبو الهذيل، عن عمرو بن دينار، قال:
(( خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ – رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ – فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِاللهِ لِفَقْرِكُمْ وَفَاقَتِكُمْ أَنْ تَتَّقُوهُ, وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ, وَأَنْ تَسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، ….، إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ نَسَبٌ, يُعْطِيهِ بِهِ خَيْرًا وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُ سُوءًا, إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ, وَإِنَّهُ لَا خَيْرَ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ, وَلَا شَرَّ بِشْرٍ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ )).
وعمرو بن دينار لم يدرك الصديق – رضي الله عنه -.
خامسًا: أخرج البخاري (58) واللفظ له، وأحمد (19152)، وأبو عوانة في “مستخرجه”( 175)، عن زياد بن عِلاقة، أنه قال:
(( سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ، وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ: «وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ )).
سادسًا: نُقل ذلك في الخطب أيضًا عن:
1- عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -.
أخرجه ابن شبَّة في “تاريخ المدينة”(2/ 674-676).
2- علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -.
أخرجه الآجري في “الشريعة”(1829 و1196)، وأبو نعيم في “حلية الأولياء”(1/ 77-79 و 1/ 79)، واللالكائي في “شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة”(2652 و2456)، وبحشل في “تاريخ واسط”(ص:166)، والضياء في ” النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب”(10).
3- الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما -.
أخرجه الحاكم في “المستدرك على الصحيحين”(4813)، والبيهقي في “دلائل النبوة للبيهقي”(6/ 444)، في “السنن الكبرى”( 17157)، والثعلبي في “الكشف والبيان عن تفسير القرآن”(6/ 314).
4- عمرو بن العاص – رضي الله عنه – كما في “الأخبار الموفقيات”(ص:190) للزبير بن بكار القرشي.
5- معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – كما في “حلم معاوية”(31) لابن أبي الدنيا، و”البداية والنهاية”(8/ 141).
الوقفة الثانية / عن العلماء القائلين بمشروعية ختم الخطبة بالاستغفار.
1- قال شيخ المالكية ابن القاسم – رحمه الله – كما في “المدونة الكبرى”(1/ 231):
وسمعته – “أي: الإمام مالك بن أنس رحمه الله -” يقول: “من سنة الإمام ومن شأن الإمام أن يقول إذا فرغ من خطبته: “يغفر الله لنا ولكم”، فقلت: يا أبا عبد الله فإن الأئمة يقولون اليوم: “اذكروا الله يذكركم”، قال: وهذا حسن، وكأني رأيته يرى الأول أصوب.اهـ
وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي – رحمه الله – في كتابه “النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات”(1/ 472):
قال في “المختصر”:
ويبدأ في الخطبة بالحمد لله، ويختم بأن يقول: “وأستغفر الله لي ولكم”، وإن قال: “اذكروا الله يذكركم” فحسن.اهـ
وقال الفقيه ضياء الدين الجندي المالكي المصري – رحمه الله – في “التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب”(2/ 59):
واستحب مالك أن يختم الثانية: “بأن يغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين”، وإن قال: “اذكروا الله يذكركم أجزأ”، والأول أصوب.اهـ
2- قال الإمام الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الأم”(1/ 201):
وأحب أن تكون قراءته ما وصفت في الخطبة الأولى، وأن يقرأ في الخطبة الثانية أية أو أكثر منها، ثم يقول: “أستغفر الله لي ولكم”.اهـ
وقال الفقيه المحدث أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”(4/ 529):
الثانية عشرة: يستحب للخطيب أن يختم خطبته بقوله: “أستغفر الله لي ولكم”، ذكره البغوي.اهـ
وقال الفقيه شمس الدين الرملي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج”(7/ 120):
ويُسن أن يَختم الثانية بقوله: “أستغفر الله لي ولكم”.اهـ
3- قال العلامة عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “حاشية الروض المربع”(2/ 458):
وذكر البغوي وغيره: استحباب ختم الخطبة بقوله: “أستغفر الله لي ولكم”، وعمل الأكثر عليه.اهـ
وقال في كتابه “الإحكام شرح أصول الأحكام”(1/ 452):
وذكر البغوي وغيره: استحباب ختم الخطبة بقوله: “أستغفر الله لي ولكم”، وقال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يختم خطبته بالاستغفار.اهـ
4- قال محمد بن أحمد عبد السلام خضر الشقيري الحوامدي – رحمه الله – في كتابه “السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات”(ص: 90):
وقد كانت الخطب تُختم في القرون الأولى بقولهم: “أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم”.اهـ
وقال أيضًا (ص:315):
في خاتمة خطب الجمعة والأعياد فإن السَّلف كان يقول قائلهم: “أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم”.اهـ
5- قال العلامة العثيمين – رحمه الله – كما في “لقاء الباب المفتوح”(137/ 11):
وقد كان الخطباء يقولون على المنابر: “أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم”…اهـ
6- يفعله في الخطب هؤلاء الأئمة:
محمد بن عبد الوهاب التميمي، وصديق حسن خان، وعبد الرحمن السعدي، وعبد الرحمن المعلمي، ومحمد بن صالح العثيمين، وصالح الفوزان.
الوقفة الثالثة / عن موضع قول “أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم” هل هو في نهاية الخطبة الأولى أم الثانية.
الوارد في الأحاديث والآثار المتقدمة أن الخطيب يقول: “أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم” ثم ينزل من المنبر.
وهذا يدُلُّ على أن موضعه في نهاية الخطبة الثانية، وهو الذي وجدته في كتب الفقهاء – رحمهم الله -.
ودونكم بعض ما وقفت عليه:
1- قال الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – كما في “المدونة(1/ 231):
مِن سُنَّة الإمام، ومِن شأن الإمام أن يقول إذا فرغ مِن خطبته: “يغفر اللَه لنا ولكم.اهـ
وقال الفقيه ضياء الدين الجندي المالكي المصري – رحمه الله – في “التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب”(2/ 59):
واستحب مالك أن يختم الثانية: “بأن يغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين”.اهـ
2- قال الإمام الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الأم”(1/ 201):
وأحب أن تكون قراءته ما وصفت في الخطبة الأولى، وأن يقرأ في الخطبة الثانية أية أو أكثر منها، ثم يقول: “أستغفر الله لي ولكم”.اهـ
وقال الفقيه شمس الدين الرملي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج”(7/ 120):
ويُسن أن يَختم الثانية بقوله: “أستغفر الله لي ولكم”.اهـ
3- لم أجد للحنفية كلامًا.
إلا أنهم يتناقلون في كتبهم ما روي عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه -.
حيث قال الفقيه علاء الدين الكاساني الحنفي – رحمه الله – في كتابه “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع”(1/ 262):
فإنه رُوي عن عثمان – رضي الله عنه -:
(( أَنَّهُ لَمَّا اُسْتُخْلِفَ خَطَبَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ، فَلَمَّا قَالَ” “الْحَمْدُ لِلَّهِ” ارْتَجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَكَانِ مَقَالًا، وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ مِنْ بَعْدُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهِ لِي وَلَكُمْ، وَنَزَلَ، وَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ )).
وقال الفقيه كمال الدين ابن الهمام الحنفي – رحمه الله – في “شرح فتح القدير”(2/ 60):
قصة عثمان لم تعرف في كتب الحديث، بل في كتب الفقه.اهـ
4- لم أجد للحنابلة كلامًا.
لكنهم قالوا في كتبهم في خطبة الاستسقاء كما في “الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل”(1 / 208)، و ” كشاف القناع عن متن الإقناع”(2 / 72):
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ ما تيسر، ثم يقول: “أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين”، وقد تمت الخطبة.اهـ
وتقدم قول العلامة عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “حاشية الروض المربع”(2/ 458):
وذكر البغوي وغيره: استحباب ختم الخطبة بقوله: “أستغفر الله لي ولكم”، وعمل الأكثر عليه.اهـ
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.