إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة بعنوان: “الترغيب في صيام شعبان والتحذير مِن الاحتفال بِذكْرى المِعراج “.

خطبة مكتوبة بعنوان: “الترغيب في صيام شعبان والتحذير مِن الاحتفال بِذكْرى المِعراج “.

  • 20 أبريل 2017
  • 7٬982
  • إدارة الموقع

 الترغيب في صيام شعبان والتحذير مِن بدعة الاحتفال بذِكْرى المعراج

الخطبة الأولى:ــــــــــــــــــ

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقُّ المُبين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله سيِّدُ المرسلين، وخِيْرَةُ الله مِن خلقه وخاتَمُ النَّبيين، صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته البَررة المُنْتَخَبين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد، عباد الله:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ــ عزَّ وجلَّ ــ فاتقوا الله في السِّر والعلن، وراقبوه مُراقبة أصحاب القلوب الخاشية، وإياكم والأمنَ مِن مَكْرِه، والقُنوطَ مِن بِرِّه، وتعرَّضوا لأسباب رحمته ومغفرته، واعملوا كل سبب يُوصلكم إلى رضوانه وفضله العظيم، ويُقرِّبُكم مِن جنَّته، ويُباعدكم عن ناره، فإنَّ رحمة الله قريب مِن المحسنين، وقد قال سبحانه آمِرًا لكم بتقوا، ومُذَكِّرًا بمحاسبة النَّفْس، ومُحذَّرًا مِن نسيانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

واعلموا أنَّ مِن أعظم ما تقرَّب به المتقرِّبون إلى الله ربِّهم، وأوصلَهم المنازل العالية، وهذّبَ نفوسَهم وأخلاقَهم، ورقّقَ قلوبًهم وأصلحها، وأعفَّ عن الحرام فروجَهم وألسنَتهم، عبادةَ الصيام، تلك العبادة التى صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في تعظيم شأنها: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي )).

وثبت عن أبي أمامة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال لِرسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ», فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ )).

عباد الله:

إنَّكم على مَقرُبة مِن شهر شعبان، وما أدراكم ما شهر شعبان؟ إنَّه شهر تُرفع فيه أعمال العباد إلى ربِّهم ــ جلَّ وعزَّ ــ ، فهنيئًا لِمن رُفعَت له فيه أعمال صالحة، فقد جاء بإسناد حسَّنه عديد مِن العلماء عن أسامة بن زيد ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ، إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فّقَالَ صلى الله عليه وسلم: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ، إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ )).

وصحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها سُئلَت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (( وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )).

فبادروا ــ سدَّدكم الله وقوَّاكم ــ إلى الاقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم بالصيام في شهر شعبان، والإكثار مِنه، حتى إذا رُفعَت أعمالكم إلى ربكم ــ جلَّ وعلا ــ رُفعَت وأنتم صائمون.

عباد الله:

لقد تكاسل وتشاغل أكثرنا عن صيام التطوع، مع عِظَم وجلالة ما ورَد في شأنه مِن الأحاديث الكثيرة المُبيِّنة لأنواعه، والمُرغِّبة فيه، والمُعدِّدة لِثماره، وما فيه مِن الحسنات الكثيرات، والأجور العاليات، والمكاسب الطيبة التي تنفع العبد في دنياه وأُخْراه.

ولمَّا كانت النُّفوس تَتُوق وتَتشوَّق لِما له فضائل، وتتزايد أُجُوره، وتعلو منزلة أهله،  فدونكم ــ سلَّمكم الله ــ جُملة مِن فضائل صيام التطوع، والتنفل بالصيام.

فَمِن هذه الفضائل:

أنَّه مِن أسباب تكفير الذنوب والخطايا، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ )).

ومِن هذه الفضائل:

أنَّه مِن أسباب البُعد والعِفَّة عن الحرام، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).

ومِن هذه الفضائل:

أنَّه يُسَدُّ بِه يوم القيامة النَّقصُ والخلَلُ الذي وقع مِن صاحبه في صيام الفريضة، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم إنَّه قال: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ )).

ومِن هذه الفضائل:

أنَّه مِن أسباب نَيل العبد محبَّة ربِّه سبحانه له، ودَفْعِه ودِفَاعِه عنه، وتوفِيقه وتسديده، وإجابة دعوته، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

وسبحان ربك ربِّ العزة عما يَصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:ــــــــــــــــــ

الحمد لله المُنعِم على مَن شاء مِن خلقه بمتابعة سيَّد ولد آدم أجمعين، وصحابته المُكرَمِين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على النِّبي محمد المصطفى الأمين، وعلى آله وأصحابه والمتَّبِعين لهم بإحسان في كل ناحية وحين.

أمَّا بعد، عباد الله:

فإنَّ مِن أعظم نِعم الله ومِنَنه على كثير مِن عباده توفيقَهم للإقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم في القول والفِعل والتَّرْك، وسَيْرِهِم على ما كان عليه سلفُهم الصالح مِن أهل القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ ، ولا ريب عند كلِّ ذِي دِينٍ وإيمان أنَّ مَن وافقهم في القول أو التَّرْك أو الفِعل كان مُصيبًا، وعلى الحق والهُدى، ومَن خالفهم كان على انحراف، وفي وضلال.

وقريبًا سندخل ــ بإذن ربِّنا سبحانه ــ في ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجب، وقد جرَت عادة جُموع مِن المسلمين في بِقاع شتَّى على الاحتفال فيها بِذِكْرى الإسراء والمعراج، حيث يعتقدون أنَّ حادثة الإسراء والمعراج قد حصلت في هذه الليلة.

وهذا الاحتفال يَكتَنِفُه أمران:

الأمر الأول: أنَّه غير جائز، لأنَّه لم يَرد في نصوص القرآن والسُّنَّة النَّبوية، ولا فَعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ ، ولا أحدٌ مِن أئمة المسلمين في القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، ولا أئمة المذاهب الأربعة المشهورة، والخيرُ كلُّه والأجْرُ والسلامة في مُتابعتهم.

ولعلَّ مَن ابتدأ هذا الاحتفال وأَتَى بِه هُمُ الشِّيعة الرافضة، فبئسَ القدوة، وبئسَ التَّشَّبُه.

والعلماء العارِفون بالشريعة يَحكمُون على ما كان هذا حاله مِن الاحتفالات بأنَّه بِدعة، والبِدعة مِن أشدِّ المحرَّمات، وأغلظِها جُرمًا، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يُحذِّر مِنها في خُطبِه فيقول: (( وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )).

وثبت عن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ )).

ولا ريب عند الجميع بأنَّ ما وُصِف بأنَّه شرٌّ، وأنَّه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يَدخل في المحرَّمات والسيئات، والمنكرات والخطيئات، والآثام والأوزار.

الأمر الثاني: أنَّ ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجبٍ لا دليل على أنَّها الليلةُ التي حصل فيها الإسراء والمعراج، بل قد اختلف العلماء والمؤرِّخون في تاريخ وقت الإسراء والمعراج على عشَرة أقوال أو أكثر، ذكر ذلك الحافظ ابن حجرٍ العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري”.

بل واختلفوا في سَنة وقوعها، وفي شهر حصولها، وفي يوم حدوثها، ولا يصحُّ في تحديد وقتها حديث ولا أثر، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ.

وقد قال الإمام تيمية ــ رحمه الله ــ:

لم يَقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النُّقول في ذلك مُنقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به.اهـ

وقال العلامة ابن الأمير الصنعاني ــ رحمه الله ــ:

هي ليلةٌ معينة، لم يِرِد بتعيينها سُنَّة صحيحة.اهـ

وقال العلامة ابن باز ــ رحمه الله ــ:

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجبٍ ولا غيره، وكل ما ورَد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث.اهـ

بل إنَّ مِن أضعف الأقوال هو قول مَن قال:

حصل الإسراء والمعراج في شهر رجب في ليلة السابع والعشرين مِنه.

إذ قال المُحدِّث والفقيه أبو الخطَّاب الأندلسي المالكي ــ رحمه الله ــ:

وذَكر بعض القُصَّاص أنَّ الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب.اهـ

وقال أيضًا:

وقيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجالٌ معروفون بالكذب. اهـ

وقال الفقيه الشافعي ابن العطَّار الدِّمشقي ــ رحمه الله ــ:

وقد ذكر بعضهم أنَّ المعراج والإسراء كان فيه ــ يعني: في رجب ــ، ولم يَثبت ذلك.اهـ

وقال الحافظ ابن رجبٍ الحنبلي البغدادي ــ رحمه الله ــ:

ورُوي بإسنادٍ لا يصحُّ عن القاسم بن محمد أنَّ الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين مِن رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي، وغيره.اهـ

وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ:

يظن بعض الناس أنَّ الإسراء والمعراج كان في رجب، في ليلة سبعة وعشرين، وهذا غلط، ولم يصحّ فيه أثر عن السَّلف أبدًا، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشَرة أقوال.اهـ

هذا وأسأل الله أنْ يُجنِّبني وإياكم الشِّرك والبدع، وأنْ يرزقنا لزوم التوحيد والسُّنَّة والاستقامة عليهما إلى الممات، اللهم طهِّر أقوالنا وأسماعنا وجوارحنا عن كل ما يغضبك، وآمِنَّا في مراكبنا ومساكننا ومساجدنا وأعمالنا وأسفارنا، وأصلح ووفق ولاتنا وجندنا وأهلينا، اللهم ارفع الضر عن المتضررين مِن المسلمين، وارفع عنهم القتل والاقتتال، وأزل ما بهم مِن خوف وجوع، وقهم الأمراض والأوبئة، وأعذهم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.