تذكير المُسلمين بوجوب إخراج زكاة الفطر عن المجانين
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فقد أخرج الإمامان البخاري (1503)، واللفظ له، ومسلم (984)، في “صحيحيهما”، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:
(( فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ )).
وفي لفظ للإمام مسلم:
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ )).
وأخرج البخاري (1506)، ومسلم (985)، واللفظ له، في “صحيحيهما” أيضًا، عن أبي سعيد الخدري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ )).
وهذان الحديثان يَدُلان على وجوب إخراج زكاة الفطر عن المجنون مِن جهتين:
الأولى: دخوله في عموم قوله: (( عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ )).
وقوله: (( عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ )).
وقوله: (( عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ )).
والثانية: إلحاقه بالصغير.
حيث وجبَت في حقِّه مع أنَّه غير مُكلَّف، فكذلك المجنون.
قلت:
وإخراجها عن المجنون ووجوبه هو المشهور في مذاهب الأئمة الأربعة، وابن حزم مِن الظاهرية.
ودونكم ــ سلَّمكم الله وفقَّهكم ــ بعض ما وقفت عليه:
أوَّلًا ــ المذهب الحنفي.
1 ــ جاء في كتاب “الأصل” (2/ 74) لمحمد بن الحسن الشَّيباني صاحب أبي حنيفة وتلميذه ــ رحمهما الله ــ:
قلت: أرأيت الرجل يكون له العبد وهو مجنون مغلوب لا يفيق ولا يعقل أيجب على مولاه فيه صدقة الفطر؟
قال: نعم، وكذلك الأَمَة.اهـ
2 ــ جاء في “الجوهرة النيرة على مختصر القدوري” (1/ 133):
إذا كان للولد الصغير والمجنون مال فإنَّ الأب يُخرج صدقة فطرتهما مِن مالهما، عندهما.
وقال محمد وزُفَر: لا يُخرج مِن مالهما، ويخرج مِن مال نفسه، لأنَّه قُربة، ومِن شرطها النية، فلا تجب في مال الصَّبي والمجنون، كسائر العبادات، فإذا أثبت أنَّه لا يُخرجها مِن مالهما صارا كالفقيرين، فيُخرج الأب عنهما مِن ماله.
ولهما: أنَّ الفِطرة تَجري مَجْرى المؤنة بدليل أنَّ الأب يتحملها عن ابنه الفقير، فإذا كان غنيًا كانت في ماله، كنفقته ونفقة خِتانه، فيخرج أبوهما أو وصيُّه أو جدُّهما أو وصيه فِطرة أنفسهما ورقيقهما مِن مالهما…وأمَّا الولد الكبير المجنون إذا كان فقيرًا إنْ بلَغ مجنونًا ففِطرته على أبيه، وإنْ بلغ مفيقًا ثم جُنَّ فلا فِطرة على أبيه، لأنَّه إذا بلغ مجنونًا فقد استمرت الولاية عليه، وإذا أفاق فقد انقلبت الولاية إليه،…، وقيل: إذا كان الأب فقيرًا مجنونًا تجب على ابنه فطرته لوجود الولاية والمؤنة.اهـ
3 ــ جاء في كتاب “العناية شرح الهداية” (2/ 285):
وقوله: [ فإنْ كان لهم مال يُؤدَّى مِن مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف ــ رحمهما الله ــ ].
وهو استحسان.
وقال محمد، وهو قول زُفر ــ رحمهما الله ــ: وهو القياس لا يُؤدَّى إلا مِن مال نفسه، ولو أدَّى مِن مال الصغير ضمِن لأنَّها زكاة في الشريعة كزكاة المال، فلا تجب على الصغير ولأنَّها عبادة، والصغير ليس بأهل لوجوبها.
وجْه الاستحسان: أنَّ الشرع أجراه مَجرى المؤنة حيث أوجب على الإنسان مِن جهة غيره فأشبه النفقة، ونفقة الصغير في ماله إذا كان له مال، وكما يُؤدَّى عن الصغير مِن ماله، فكذلك عن مماليك الصغير، والمجنون في ذلك بمنزلة الصغير.اهـ
4 ــ جاء في كتاب “الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة” (ص: 51):
الخامس: أنَّه يجب على الصبي والمجنون العُشر في أرضهما، وصدقة الفطر في مالهما بالإجماع…اهـ
5 ــ جاء في كتاب “الاختيار لتعليل المختار” (1/ 124) عن زكاة الفطر:
[ وإنْ كان للصغير مال أدَّى عنه وليه، وعن عبْده ]
لأنَّها مؤنة كالجناية ونفقة الزوجة.
وقال محمد: لا تجب في ماله كالزكاة، والمجنون كالصبي.اهـ
6 ــ جاء في كتاب “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” (2/ 69):
وأمَّا العقل والبلوغ فليسا مِن شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، حتى تجب صدقة الفطر على الصَّبي والمجنون إذا كان لهما مال، ويُخرجها الولي مِن مالهما…اهـ
ثانيًا ــ المذهب المالكي.
جاء في “المدونة الكبرى” (1/ 386):
قلت: أرأيت مَن كان له عبد أعمى أو مجنون أو مجذوم أيؤدِّي عنهم زكاة الفطر؟
فقال: نعم.
قلت:
وهذا قول مالك.اهـ
ثالثًا ــ المذهب الشافعي.
1 ــ جاء في كتاب “الحاوي الكبير” (15/ 125):
ولا يجوز لولي الطفل والمجنون أنْ يُضحِّي عنهما مِن أموالهما.
ويجب أنْ يُخرج زكاة الفطر عنهما مِن أموالهما، لأنَّ الزكاة فرض، والأضحية سُنَّة.اهـ
2 ــ جاء في كتاب “المجموع شرح المهذب” (5/ 329):
فإنَّ أبا حنيفة ــ رحمه الله ــ وافقنا على إيجاب العُشر في مال الصبي والمجنون، وإيجاب زكاة الفطر في مالهما.اهـ
رابعًا ــ المذهب الحنبلي.
1 ــ جاء في كتاب “المغني” (2/ 465) عند الكلام على حديث (( رفع القلم عن ثلاثة )):
والحديث أُرِيد بِه رفْع الإثم والعبادات البدنية، بدليل وجوب العُشر وصدقة الفطر والحقوق المالية.اهـ
2 ــ و 3ــ جاء في كتاب “دليل الطالب لنيل المطالب” (ص: 85)، وكتاب “بداية العابد وكفاية الزاهد في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل” (ص: 61):
ويَلزم أنْ يُخرج عن الصغير والمجنون وليهما.اهـ
خامسًا ــ المذهب الظاهري.
قال ابن حزم الظاهري – رحمه الله – في كتابه “المُحلَّى بالآثار” (4/ 263 – مسألة: 715):
مسألة:
والزكاة للفطر واجبة على المجنون إنْ كان له مال، لأنَّه ذَكَر أو أنثى، حُرٌّ أو عَبد، صغير أو كبير.اهـ
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.