الأحكام الفقهية الخاصَّة باللُّقَطة واللَّقِيط ونَشْد الضَّوال في المسجد
الخطبة الأولى: ــــــــ
الحمد لله الملك الجبَّار، الواحد القهَّار، الذي خلق الإنسان مِن صلصال كالفخّار، وخلق الجانَّ مِن مارج مِن نار، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ربُّ السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفَّار، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، وإمام المتقين الأبرار، فصلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه البَررة الأخيار.
أمَّا بعد، أيها المسلمون:
فقد صحَّ عن زيد بن خالد الجُهَني ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا، دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا»، وَسَأَلَهُ عَنِ ضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: «خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» )).
وهذا الحديث الصحيح ــ يا عباد الله ــ فيه بيان شيء مِن الأحكام الشرعية المتعلقة بالُلقَطَة.
واللقَطَة: هي الشيء الذي ضاع مِن صاحبه.
وسواء كان الشيء الضائع نقودًا، أو ذهبًا، أو حيوانًا، أو بضاعة، أو لباسًا، أو هاتفًا، أو ساعة، أو قلمًا، أو كتابًا، أو جهازًا، أو غير ذلك.
وسُمي لُقَطَة، لأنَّ الإنسان يجده على الأرض فيلتقطه بيده ويأخذه.
والشيء المُلْتَقَطُ له ثلاثة أحوال:
الحال الأول: أنْ يكون مِن الأشياء التي لو ضاعت مِن أوساط الناس معيشة فلا يهتمون بالبحث والسؤال عنه، كالسواك، أو القلم الرَّخيص، أو قليل التمر والحبِّ والفاكهة، أو عُلبة العصير، أو الحَبْل، أو العصا، أو النقود الزهيدة جدًا، وأشباه ذلك.
وهذا يجوز لِمَن التقطه أنْ يأخذَه لنفسه، وينتفعَ به، ولا يجب عليه أنْ يُعلنَ عنه، ويبحثَ عن صاحبه، وإنْ بحث عن صاحبه أو تصدَّق به عنه فهو أفضل، فإنْ كان يعلم صاحبه بعينه وجب أنْ يردَّه إليه، وإنْ جاءه صاحبه بعد أنْ تصرَّف فيه أو انتفع به، فلا يجب عليه أنْ يردَّ إليه مثله، أو يعطيَه قيمته، لِمَا صحَّ عن أنس ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً في الطريق، فَقَالَ: « لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» )).
وصحَّ: (( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَاهُ رَجُلٌ وَجَدَ جِرَابًا فِيهِ سَوِيقٌ, فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثًا, ثُمَّ أَتَاهُ, فَقَالَ: لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ, فَقَالَ عُمَرُ: «خُذْ يَا غُلَامُ هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ السِّبَاعُ وَتُسْفِيَهُ الرِّيَاحُ» )).
الحال الثاني: أنْ يكون مِن الأشياء التي لو ضاعت مِن أوساط الناس معيشة فإنهم يهتمون لها، فيبحثون عنها ويسألون، كالساعة، أو الهاتف، أو جهاز الكمبيوتر، أو النظارة الماركة، أو قطعة ذهب، أو النقود التي ليست بزهيدة، وأشباه ذلك.
وهذا يجب على مَن التقطه أنْ يُعرِّفِه ــ أي: يُعلنَ عنه ــ سَنة كاملة، بأنْ يبحثَ عن صاحبه، ويسألَ أهل الأمكنة التي وجدها فيه، ويُعلنَ عنه في الأماكن التي يغلُب على ظنه الوصول إلى صاحبه، ويكون التعرِّيف على حسب العُرف، ولا يتصرف فيه بشيء خلال هذه السَّنة، بل يبقى عنده أمانة، إلا إنْ كان مما يَفسُد فله التصرُّف بما فيه مصلحته، فإذا انتهت السَّنَة ولم يأت صاحبه فيجوز للمُلتقِط أنْ يتصرَّف فيه لمصلحة نفسه بما شاء، وإنْ تصدَّق به على الفقراء عن صاحبه فهو أفضل عند أكثر العلماء، وإنْ جاء صاحبه بعد السَّنَة وهو لا زال عنده وجب أنْ يردَّه إليه، فإنْ كان قد استمتع به واستنفقه لنفسه ردَّ لصاحبه مثله أو قيمته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ )).
ويكون ردُّ اللُّقَطَةِ إلى صاحبها بعد أنْ يُخبِرَ المُلتقِطَ بصفاتها الدَّقيقة والخَفِيِّة، كنوعها، وعددها، ولونها، ومكانها، ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا )).
وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لِمَن وجد صُرَّة بها مئة دينار: (( اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا )).
والمراد بالعِفاص: الوعاء الذي تكون فيه اللُقَطَة مِن جِلد أو قماش أو غيرهما.
والوكاء هو: الخيط الذي يُربط به هذا الوعاء.
وإذا تصدَّق المُلتقِط باللُّقَطَةِ عن صاحبها ثم جاءه يطلبها فإنَّه يُخيِّرُه بين أنْ يُمضِيَ فِعله بالتصدُّق بها عنه، أو يُعطيَه مثلها أو قيمتها، ويكون أجْرُ التصدَّق للمُلتقِط، لِما صحَّ عن سُويدٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ أَنْ تُعَرَّفَ اللُّقَطَةُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تُصُدِّقَ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا خُيِّرَ )).
وصحَّ عن أبي عَقْرَبٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( الْتَقَطْتُ بُرْدَةً، فَأَتَيْتُ بِهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: «عَرِّفْهَا حَوْلًا»، فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهَا، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ سُبُلِهَا؟ تَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَاخْتَارَ الْمَالَ غَرِمْتَ لَهُ، وَكَانَ الْأَجْرُ لَكَ، وَإِنِ اخْتَارَ الْأَجْرَ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ، وَلَكَ مَا نَوَيْتَ»)).
وثبت نحوه أيضًا عن: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبي هريرة ــ رضي الله عنهم ــ.
وأمَّا إذا كان مَن وجَد الشيء الضائع لنْ يُعرِّفَه سَنَة أو يَعْرِف مِن نفسه ضَعْف الأمانة، فلا يَحِلُّ له التقاطه، إلا إذا كان سَيُسلِّمه للجهات المعنية بحفظ مثل هذه الأمور مِن قِبل الدَّولة، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا )).
الحال الثالث: أنْ يكون الشيء الضائع مِن الحيوانات.
والحيوانات الضائعة مِن أصحابها نوعان:
النوع الأول: الحيوانات التي تستطيع حماية نفسها مِن صغار السِّباع، وتجِد الماء والعُشب، كالإبل وأشباهها، فهذه لا يجوز أخذها والتقاطُها، لقول النبي صلى الله عليه سلم الصَّحيح حين سُئِل عن ضالة الإبل: (( مَا لَكَ وَلَهَا، دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا )).
النوع الثاني: الحيوانات التي لا تستطيع حماية نفسها مِن صغار السِّباع، كالشِّياة والمَعز وأشباه ذلك، فهذه يجوز أخذها والتقاطُها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ )).
فإنْ علِمَ المُلْتَقِطُ صاحبها وجبَ عليه ردُّها إليه، وإنْ لم يعلمه فأكلها بعد تعريفها والسؤال عن صاحبها فلا بأس، وإنْ جاءه بعد أنْ أكلها فطلبها منه ردَّ إليه مثلها أو قيمتها عند أكثر الفقهاء.
أيها المسلمون:
إذا كان الشيء الضائع قد وُجِدَ في أرض الحَرَم، حَرَمِ مكة، فإنَّه لا يجوز لأحد أخْذَه والتقاطُه إلا إذا كان سَيُعرِّفُه ويبحث عن صاحبه طُول حياته، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال عن لُقّطَة مكة: (( وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ )).
وفي لفظ آخر: (( لاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا )).
والمراد بالمُنشِد والمُعرِّف: الذي يبحث عن صاحبها على الدَّوام، ولا يتملكها لنفسه أبدًا.
وقد صحَّ: (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ )).
وإذا خشي الرجل على لُقَطَة الحَرم مِن التَّلف أو السَّرقة فلا بأس أنْ يأخذها إلى الجهات التي خصَّصتها الدولة لحفظ الأمانات، إذا كان يَعرِف مِن نفسه الحرص والأمانة، فإنْ كانت نفسه ضعيفة، فلا يَحِلُّ له أنْ يلتقطها، سلامة نفسه عن الإثم أولى له وأوجب مِن سلامة مال غيره.
أيها المسلمون:
إنَّ المساجد بيوت الله تعالى، وأحبُّ البقاع إليه، وأماكن عبادته، وإنَّما بُنِيَت لِذكر الله والصلاة وقراءة القرآن والاعتكاف، فلا يصلُح أنْ يقوم الإنسان فيها فيسأل عن ما ضاع أو ضلَّ مِنه، أو يقوم فيقول قد وجَدت شيئًا فَمَن صاحبه، لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا )).
وصحَّ أيضًا: (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لَمَّا بُنِيَتْ لَهُ» )).
ولا يَصلح أيضًا أنْ تُوضَع إعلانات عن اللُّقَطَةِ داخل المسجد، ولا في ساحاته وحوشه، فإنْ عُلَّقَت ورقة في الجِدار أو الباب الخارجيين جهة الشارع كُتِب فيها عن الشيء المفقود، فقد قال الإمام ابنُ بازٍ ــ رحمه الله ــ: لا بأس.اهـ
أيها المسلمون:
لقد علمتم شيئًا طيِّبًا مِن الأحكام الشرعية المتعلِّقة باللُّقَطَةِ، فاتقوا الله ربكم بالعمل في هذا الباب وغيره مِن أبواب الدِّين بما يُوافق نُصوص شرعه، حتى لا تكونوا مِن المُعذَّبِين، فقد قال سبحانه مُحذِّرًا لكم ومُرهِّبًا: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
واحفظوا الأمانة وقوموا بها خير قيام، وأدُّوها إلى أهلها، طاعة لله ربكم، حيث قال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }.
ولا تكونوا مِن الخائنين، فقد زجَرَكم ربُّكم عن ذلك، فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.
الخطبة الثانية: ــــــــ
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد خاتَم النَّبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
فقد مضى في الخطبة الأولى الكلام عن شيء مِن أحكام اللُّقَطَةِ، وبقي الكلام عن بعض أحكام اللَّقِيط.
واللقيط: هو المولود الصغير ــ ذكرًا كان أو أنثى ــ الذي يُوجد في الطريق أو على باب مسجد ولا يُعرف له أَبٌ أو أهلٌ أو كفيلٌ أو وصيٌّ.
وهو آدميٌ محترمٌ له حقوقٌ شرعية كغيره، ولا يجوز أنْ يبقى في مكانه، لأنَّه سيهلك أو يتضرَّر، بل يجب أنْ يُؤخذ، ولِمَن أخذه أجرٌ كبير، فقد قال الله سبحانه عن السَّاعين في حياة نفوس عباده: { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }.
فإنْ وُجِدَ في بلاد مسلمين فحكمه حكمهم باتفاق العلماء، وإنْ كان في بلاد كفار ووجِدَ في مكان يخُصُّ الكفار، فحكمه حكمهم، وإنْ وُجِد في مكان يخُصُّ المسلمين، فحكمه حكمهم، ولِمن وجدَه كفالته ورعايته والقيام على مصالحه إنْ كان أمينًا، وهو الأحَقٌّ به إنْ أراد ذلك، وإلا فيُعطى إلى الجهات التي خصَّصتها الدَّولة لأمثال هؤلاء، إذْ نفقته على بيت مال المسلمين، لِما صحَّ عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال لرجل وَجَد لقيطًا: (( هُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لَكَ، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ )).
وإذا سُمِّي اللَّقِيط فلا يجوز أنْ يُنسَب إلى قبيلة، أو عائلة وأُسرة معروفة بعينها، أو إلى مَن وجَدَه والتقطه، لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ ــ وَهُوَ يَعْلَمُهُ ــ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )).
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ )).
ويُسمَّى الذَّكر اللَّقِيط بأسماء مُعبَّدة لله ــ عزَّ وجلَّ ــ كعبد الله بنِ عبد الكريم بنِ عبد الرحمن، لأنَّنا جميعًا عَبيدٌ لله تعالى، وليس في هذه التسمية كذب ولا إضرار بأحد، والأنثى تُسمَّى بأيِّ اسم، وتُنسب إلى أبٍ وجَدٍّ اسمه مُعبَّدٌ لله، كفاطمةَ بنتِ عبد الله بنِ عبد الرحمن، هذا أفضل وأسلم، كما ذكر أهل العلم.
هذا وأسأل الله ــ عزَّ وجلَّ ــ أنْ يوفِّقنا لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، وأنْ يهدينا الصراط المستقيم، وأنْ يتجاوز عن تقصيرنا وسيئاتنا، ويغفر لنا ولوالدينا وجميع أهلينا، ويبارِك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأقواتنا وأوقاتنا، وأنْ يكشف عن المسلمين ما نَزل بهم مِن ضُرٍّ وبلاء، وفقر وتشرُّد، وضعف وتمزُّق، وقتل واقتتال، وأنْ يُوسِّع عليهم في الأمْن والرِّزق والعافية، ويجنِّبَهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنَّ ربي سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.