تأنيس الفضلاء بالأحكام الفقهية لعيد الأضحى
الحمد لله العليِّ العظيمِ، العزيزِ الكريم، الغفورِ الرَّحيم، ذي العرشِ المجيد، والصَّلاة والسَّلام على عبده ورسوله محمَّد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه المَيَامِين، ومَن تَبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد، أيُّها الفُضَلاء النُّبَلاء ــ أكرمَكم الله برضوانه والجنَّة ــ:
فهذه رسالة فقهية بعنوان:
«تأنِيس الفُضَلاء بأحكام عِيد الأضْحَى».
وقد تضمَّنت جُملة طيبة ومُختصَرة مِن أحكام عيد الأضحى، وسُننه، وآدبه، وحرصت فيها على ثبوت الأدلة.
وجعلتها في مسائل لِيسهُل فهمُها، ويَحصل الإلمامُ بها، وتُضبط جيدًا.
والله ــ عزَّ وجلَّ ــ:
المسؤول أنْ يجعلها خالصة لوجهه، مُدنية مِن رضاه، وأنْ ينفع بها كاتبها، والقارئ لَهَا، والسَّاعي بين الناس في نشرها، أو تفقيههم بِها، إنَّه سميع الدعاء، وأهل الرَّجاء، وواسع الفضل والعطاء.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
ثم أقول مستعينًا بالله العزيز القدير ــ جلَّ وعلا ــ:
المسألة الأولى:
عن صلاة العيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة فروع:
الفرع الأوَّل:
عن مشروعية صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (23/ 161)، في شأن صلاة العيد:
«إنَّها مِن أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لَها أعظم مِن الجمعة».اهـ
ومشروعيتها ثابتة بالسُّنَّة النَّبوية المُشتهرة المُستفيضة بين الناس، والمُتواترة حديثيًا، وإجماع أهل العلم.
1 ــ وقد قال إمام الحرمين عبد الملك الجُويني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “نهاية المطلب في دراية المذهب” (2/ 611- رقم:1569):
«الأصل فيها الكتاب، والسُّنة، والإجماع.
قال الله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }، قيل: أراد صلاة العيد، ونَقلُ صلاة العيد متواترٌ، والإجماع مِن الكافة مُنعقِد».اهـ
2 ــ وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 253):
«الأصل في صلاة العيد الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع.
أمَّا الكتاب، فقول الله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }، والمشهور في التفسير أنَّ المُراد بذلك: صلاة العيد.
وأمَّا السُّنَّة، فـثبَت بالتواتر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي صلاة العيدين، وأجمع المسلمون على صلاة العيدين».اهـ
وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء مِن بعده يُداومون عليها، ولم يأت عنهم ترْكها في عيد مِن الأعياد.
وقال عبد الله بن عباس ــ رضي الله عنهما ــ:
(( شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ــ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ )).
[ رواه البخاري (962)، واللفظ له، ومسلم (884). ]
بل حتى النساء كُنَّ يَشهدنها على عهده صلى الله عليه وسلم، حيث قالت أمُّ عطية ــ رضي الله عنها ــ:
(( كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ )).
[ رواه البخاري (971)، واللفظ له، ومسلم (890). ]
1 ــ وقال الإمام إسحاق بن راهويه ــ رحمه الله ــ كما في “مسائل إسحاق بن منصور الكوسج” (2/ 375 – رقم:2865)، عن خروج النساء لصلاة العيد:
«يُستحب الخروج لهُنَّ في العيدين، لِمَا مضَت السُّنَّة بذلك، ولكن لا يتزيَّن، ولا يتطيَّبن».اهـ
2 ــ وجاء في كتاب “الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني” (ص: 246)، مِن كتب المالكية:
«وإذا خرجت المرأة إليها لا تلبس المشهور مِن الثياب، وهو: ما شأنه أنْ ترُقب الناس له، ولا تتطيب خوف الفتنة».اهـ
فإذا خرجت النساء على هذه الصِّفة، جمَعن بين فِعل السُّنَّة، واجتناب وتجنيب الفتنة.
الفرع الثاني:
عن نوع مشروعية صلاة العيد، وعدد ركعاتها، وصلاتها في جماعة.
ــــ صلاة العيد مِن السُّنَن المؤكَّدة عند أكثر أهل العلم.
وقد نسَبه إليهم:
أبو زكريا النَّووي الشافعي في كتابه “المجموع شرح المُهذّب” (5/ 6)، وابن جُزَي المالكي في كتابه “القوانين الفقهية” (ص:103)، وغيرهما.
ومِن حُجَّتِهم على سُنِّيتها:
ما أخرجه البخاري (1891)، واللفظ له، ومسلم (11)، عن طلحة بن عبيد الله ــ رضي الله عنه ــ:
(( أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا )).
ووجْه الاستدلال مِن هذا الحديث:
ما قاله الفقيه أبو محمد ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلَّى” (2/ 228 ــ مسألة رقم: 275)، عقبه:
«وهذا نصُّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا، وأنَّه ليس إلا واجب أو تطوع، فإنَّ ما عدا الخمس فهو تطوع، وهذا لا يَسع أحدًا خلافه».اهـ
ــــ وصلاة العيد ركعتان بنصِّ السُّنَّة النَّبوية، والإجماع.
حيث قال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 265):
«لا خلاف بين أهل العلم في: أنَّ صلاة العيد مع الإمام ركعتان.
وفيما تواتر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه صلَّى العيد ركعتين، وفَعَله الأئمة بعده إلى عصرنا، لم نعلم أحدًا فعَل غير ذلك، ولا خالَف فيه».اهـ
ــــ ويُسنُّ أنْ تُصلَّى صلاة العيد جماعة بنصِّ السُّنَّة النَّبوية، والإجماع.
حيث قال فقيه الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذّب” (5/ 24):
«تُسنُّ صلاة العيد جماعة، وهذا مجمعٌ عليه، للأحاديث الصَّحيحة المشهورة».اهـ
الفرع الثالث:
عن مكان إقامة صلاة العيد لأهل مكة، وأهل البلدان الأُخْرى.
المُستحب لجميع الناس في كل البلدان أنْ يُصَلُّوا صلاة العيد في مُصلَّى خارج البلد، عدا أهل مكة، فإنَّهم يُصَلُّون في المسجد الحرام.
1 ــ حيث قال الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأُمّ” (1/ 389):
«بلغَنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَخرج في العيدين إلى المُصلَّى بالمدينة، وكذلك مَن كان بعده، وعامَّة أهل البلدان.
إلا أهل مكة، فإنَّه لم يَبلغْنا أنَّ أحدًا مِن السَّلف صَلَّى بهم عيدًا إلا في مسجدهم، …، ولم أعلمُهم صلَّوا عيدًا قطّ، ولا استسقاء، إلا فيه».اهـ
1 ــ وقال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (6/ 31):
«وقد اتفق مالكٌ وسائر العلماء على:
أنَّ صلاة العيدين يُبْرَزُ لَهَا في كل بلد، إلا بمكة فإنَّها تُصلَّى في المسجد الحرام».اهـ
وأخرج البخاري (956)، واللفظ له، ومسلم (889)، عن أبي سعيد الخُدري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ )).
وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (2/ 522 – حديث رقم:956)، عقب هذا الحديث:
«واسْتُدِل بِه على:
استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد، وأنَّ ذلك أفضل مِن صلاتها في المسجد، لِمواظبة النَّبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده».اهـ
وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 260):
«السُّنَّة أنْ يُصلَّى العيد في المُصلَّى.
ولَنَا: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يَخرج إلى المُصلَّى، ويَدَع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده.
ولا يَترك النَّبي صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قُرْبِه، ويَتكلَّف فِعل الناقص مع بُعده، ولا يَشرَع لأمَّته ترْك الفضائل، ولأنَّنا قد أُمِرنا باتِّباع النَّبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بِه، ولا يجوز أنْ يكون المأمور بِه هو الناقص، والمَنهِي عنه هو الكامل، ولم يُنقل عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه صلَّى العيد بمسجده إلا مِن عُذر.
ولأنَّ هذا إجماع المسلمين، فإنَّ الناس في كل عصر ومِصر يَخرجون إلى المُصلَّى، فيُصلون العيد في المُصلَّى مع سَعة المسجد وضِيقه، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في المُصلَّى مع شرَف مسجده».اهـ
المسألة الثانية:
عن الاغتسال للعيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة فروع:
الفرع الأوَّل:
عن مشروعية الغُسل للعيد.
الاغتسال للعيد فِعل أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
حيث ثبَت عن نافع ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ كَانَ يَغْتَسِلُ لِلْعِيدَيْنِ )).
[ رواه الفِريابي في “أحكام العيدين” (15). ]
وثبَت عن الجَعْد بن عبد الرحمن ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى )).
[ رواه الفِريابي في “أحكام العيدين” (16). ]
وقال الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (1/ 505):
«أجمع العلماء على: استحسان الغُسل لصلاة العيدين».اهـ
الفرع الثاني:
عن وقت الاغتسال للعيد.
الأفضل أنْ يكون الاغتسال للعيد بعد صلاة الفجره مِن يومه، وقبل الذهاب إلى مُصلَّى العيد.
وأنْ تكون صِفته كصِفة غُسل الجنابة.
وعلى هذا تَدُلُّ ظاهرُ أكثر الآثار الواردة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
حيث ثبَت عن ابن إسحاق أنَّه قال: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ يُصلِّي يوم العيد؟ فقال:
(( كَانَ يَشْهَدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ فَيَغْتَسِلُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فَيَجْلِسُ فِيهِ حَتَّى يَجِيءُ الْإِمَامُ, فَإِذَا جَاءَ الْإِمَامُ صَلَّى مَعَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَدْخُلُ مَسْجِدَ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْتِي بَيْتَهُ )).
[ رواه الحارث ابن أبي أسامة في “مُسنده” كما في كتاب “المطالب العالية” (2753) وكتاب “بُغية الباحث عن زوائد مُسند الحارث” (207). ]
وثبَت عن الجَعْد بن عبد الرحمن ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى )).
[ رواه الفِريابي في “أحكام العيدين” (16). ]
وإنْ اغتسل الإنسان قبل صلاة الفجر لِضيق الوقت، وحتى يتمكَّن مِن التبكير إلى المُصلَّى فلا حرَج.
وقد فعَله جمْع مِن السَّلف الصَّالح، واستحسنه كثير مِن الفقهاء.
الفرع الثالث:
عن أهل غُسل العيد.
قال فقيه الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذّب” (2/ 233):
«ومِن الغُسل المَسنون غُسل العيدين، وهو سُنَّة لكل أحدٍ بالاتفاق، سواء الرِّجال والنِّساء والصِّبيان.
لأنَّه يُراد للزِّينة، وكلُّهم مِن أهلها، بخلاف الجمعة فإنَّه لِقطع الرائحة، فاختُصَّ بحاضرها على الصَّحيح».اهـ
المسألة الثالثة :
عن التَّجمُل في العيد بأحسن الثياب والطِّيب.
أخرج البخاري (3054)، ومسلم (2068)، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:
(( وَجَدَ عُمَرُ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ، فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ )).
1 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/ 67-68)، بعد هذا الحديث:
«وقد دلَّ هذا الحديث على: التَّجمُل للعيد، وأنَّه كان معتادًا بينَهم.
وهذا التَّزيُن في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته، حتى النساء والأطفال».اهـ
ــــ وقال أيضًا (5/ 372):
«ولا خلاف بين العلماء ــ فيما نعلمه ــ في: استحباب لبس أجود الثياب لشهود الجمعة والأعياد».اهـ
2 ــ وقال الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأُمّ” (1/ 387):
«ويَلبس الصبيان أحسن ما يَقدرون عليه ذكورًا وإناثًا».اهـ
وثبَت عن محمد بن إسحاق أنَّه قال: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ يُصلِّي يوم العيد؟ فقال:
(( كَانَ يَشْهَدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ فَيَغْتَسِلُ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فَيَجْلِسُ فِيهِ )).
[ رواه الحارث ابن أبي أسامة في “مُسنده” كما في كتاب “المطالب العالية” (2753) و كتاب “بُغية الباحث عن زوائد مُسند الحارث” (207). ]
1 ــ وقال الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “الأوسط” (4/ 265) للحافظ ابن المُنذر:
«سمعت أهل العلم: يستحبُّون الزِّينة والتَّطيب في كل عيد».اهـ
2 ــ وقال الحافظ ابن عبد البَر النَّمري المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (7/ 11)، في شأن الاغتسال للعيدين:
«واتفق الفقهاء على: أنَّه حسَن لِمن فعَله، والطِّيب يُجزئ عندهم مِنه، ومَن جمعَهما فهو أفضل».اهـ
وأمَّا المرأة، فإذا خرجت إلى صلاة العيد، فإنَّها تخرج غير مُتزيِّنة ولا متطيِّبة, ولا متبرِّجة ولا سافرة عن حجابها، لأنـَّها مَنهيَّـة عن ذٰلك في جميع أحوال خروجها، والخروجُ للعبادة أشدّ في النَّهي.
1 ــ وقد قال الإمام إسحاق بن راهويه ــ رحمه الله ــ كما في “مسائل إسحاق بن منصور الكوسج” (2/ 375 – رقم:2865)، عن خروج النساء لِصلاة العيد:
«يُستحب الخروج لهُنَّ في العيدين، لِمَا مضَت السُّنَّة بذلك، ولكن لا يتزيَّن، ولا يتطيَّبن».اهـ
2 ــ وجاء في كتاب “الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني” (ص: 246)، مِن كتب المالكية:
«وإذا خرجت المرأة إليها لا تلبس المشهور مِن الثياب، وهو: ما شأنه أنْ ترُقب الناس له، ولا تتطيب خوف الفتنة».اهـ
وثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ )).
[ أخرجه أحمد (19711 و 19747)، والنسائي (5126)، واللفظ لهما، وأبو داود (4173)، والترمذي (2786)، وغيرهم. ]
فإذا خرجت النساء على هذه الصِّفة الطيِّبة، جمَعن بين فِعل السُّنَّة، واجتناب وتجنيب الفتنة.
المسألة الرَّابعة:
عن ترْك الإنسان الأكل يوم عيد الأضحى حتَّى يَرجع مِن مصلَّى العيد.
1 ــ قال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الـمُغني” (3/ 258-259):
«السُّنَّة أنْ يأكل في الفِطر قبل الصَّلاة، ولا يأكل في الأضحَى حتَّى يُصلِّي، وهذا قول أكثر أهل العلم, لا نعلم فيه خلافـًا».اهـ
2 ــ وقال الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (1/ 514):
«وأجمعوا على أنـَّه: يُستحبُّ أنْ يُفطِر في عيد الفطر قبل الغُدوِّ إلى المُصلَّى، وأنْ لا يُفطِر يوم الأضحَى إلَّا بعد الانصراف مِن الصَّلاة».اهـ
وثبَت عن سعيد بن المُسيِّب تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ أنـَّه قال:
(( كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ )).
[ رواه الشافعي في كتابه “الأمُّ” (1/ 387). ]
وثبَت عن عامر الشَّعبي تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ أنـَّه قال:
(( إنَّ مِن السُّنَّة أنْ يَطْعَم يوم الفِطر قبْل أنْ يَغدُو، ويُؤخِّر الطَّعام يوم النَّحر حتَّى يَرجع )).
[ رواه ابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (5590). ]
المسألة الخامسة:
عن سُنَن الخروج إلى مُصلَّى العيد والعودة مِنه.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأوَّل:
عن استحباب ذهاب الناس إلى مُصلَّى العيد مشيًا على الأقدام.
ثبَت عن زِرِّ بن حُبيش تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ فِي يَوْمِ فِطْرٍ أَوْ فِي يَوْمِ أَضْحَى فِي ثَوْبِ قُطْنٍ مُتَلَبِّبًا بِهِ يَمْشِي )).
[ رواه ابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (5590). ]
وثبَت عن جعفر بن بُرْقان ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْعِيدَ مَاشِيًا فَلْيَفْعَلْ )).
[ رواه عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (5664)، وابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (5604) واللفظ له. ]
1 ــ وقال الإمام الترمذي ــ رحمه الله ــ في “سُننه” (2/ 264):
«أكثر أهل العلم: يَستحِبون أنْ يَخرج الرَّجل إلى العيد ماشيًا».اهـ
2 ــ وقال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط” (4/ 264):
«المشي إلى العيد أحسن، وأقرب إلى التَّواضع، ولا شيء على مَن ركب».اهـ
الفرع الثاني:
عن استحباب ذهاب الإمام والمأمومين إلى مُصلَّى العيد مِن طريق، والرجوع إلى بيوتهم مِن طريق غيره.
أخرج البخاري في “صحيحه” (986)، عن جابر بن عبد الله ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:
(( كَانَ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ )).
1 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/ 166):
«وقد استحبَّ كثير مِن أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أنْ يرجعوا في غيره».اهـ
2 ــ وقال الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (1/ 221-222):
«وأجمعوا على: أنَّه يُستحب أنْ يَرجع مِن غير الطريق التي مشَى عليها، لثبوت ذلك مِن فِعله ــ عليه الصلاة والسلام ــ».اهـ
المسألة السَّادسة:
عن صلاة النَّوافل في مُصلَّى العيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة فروع:
الفرع الأوَّل:
عن تطوُّع الإمام قبل صلاة العيد.
أخرج البخاري (989) ومسلم (884) واللفظ له، عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ:
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا )).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/ 186):
«فأمـَّا الإِمام، فلا نَعلمُ في كراهة الصَّلاة له خلافـًا، قبْلها وبعدها، وكل هذا في الصَّلاة في موضع صلاة العيد».اهـ
الفرع الثَّاني:
عن تطوُّع المأموم قبل صلاة العيد.
قال الإمام مالك ــ رحمه الله ــ في كتابه “الموطَّـأ” (ص:14- رقم:422):
عن نافع: (( أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَلاَ بَعْدَهَا )).
وإسناده صحيح جدًّا.
وقال أبو الـمُعلَّى ــ رحمه الله ــ:
(( سَمِعْتُ سَعِيدًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَرِهَ الصَّلاَةَ قَبْلَ العِيدِ )).
[ ذَكره البخاري في “صحيحه” (عند حديث رقم: 989)، معلَّقًـا بالجزْم ]
وثبَت عن يزيد بن أبي عُبيد تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( صَلَّيْتُ مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا الْمُصَلَّى، فَجَلَسَ وَجَلَسْتُ حَتَّى جَاءَ الْإِمَامُ، فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ رَجَعَ )).
[ رواه الفِريابي في “أحكام العيدين” (173). ]
وقال الإمام الزُّهري تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ:
«لم أسمع أحدًا مِن علمائنا يَذكر عن أحد مِن سَلف هذه الأمَّـة أنَّه كان يُصلِّي قبلها ولا بعدها».اهـ
وقد نَسَب الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (1/ 511-512):
ترْك التَّطوع قبل صلاة العيد وبعدها إلى أكثر أهل العلم.
وقال الفقيه فخْر الدِّين الزَّيلعي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق”(1/ 224-225)، عن التنفل بالصلاة في مُصلَّي صلاة العيد:
«وهو مكروه في المُصَلَّى قبل صلاة العيد اتِّفاقًا.
واختلفوا في البيت قبل الصلاة، وبعدها في المُصَلَّى.
وعامَّتُهم على الكراهة قبل الصلاة مُطلَقًا، وبعدها في الْمُصَلَّى، لِمَا رُوِيَ:
(( أَنَّهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – خَرَجَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا ))».اهـ
الفرع الثَّالث:
عن تحيـَّة المسجد إذا كانت صلاة العيد في المسجد.
إذا صلَّى العبد صلاة العيد خارج البلد في المُصلَّى الـمُعدّ لذلك، فلا يصلِّي ركعتين تحيـَّةً لهذا المُصلَّى، لأنَّ ركعتي التَّحيـَّة خاصَّة بالمسجد.
وقد دلَّ على ذلك:
ما أخرجه البخاري (444)، ومسلم (417)، عن أبي قتادة ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ )).
فخَصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التَّحية بالمسجد، والمُصلَّى ليس بمسجد.
ــــ وأمـَّا إذا صلَّى العيد في المسجد.
ففي الغالبُ أنـَّه يأتي إلى المسجد في وقت نَهيٍ عن صلاة التطوع.
وصلاة تحيـَّة المسجد في وقت النَّهي للعلماء ــ رحمهم الله ــ فيها قولان مشهوران:
القول الأوَّل: أنَّها لا تُصلَّى في المسجد وقت النَّهي.
وهو قول أكثر أهل العلم.
للأحاديث المُتعدِّدة في النَّهي عن الصَّلاة مِن طلوع الشمس حتى ترتفع.
ومِن هذه الأحاديث:
ما أخرجه مسلم (831) عن عُقبة بن عامر الجهني ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ )).
وهذا القول هو الأظهر.
القول الثاني: أنَّها تُصلَّى وقت النَّهي في المسجد.
وهو القول المشهور عن الإمام الشَّافعي ــ رحمه الله ــ.
ووجْه هذا القول:
أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم علَّق فِعل التَّحية بدخولِ المسجد، وقد وقع، فتُصلَّى.
وقد أُجِيبَ عن هذا الاستدلال بجوابين:
الجواب الأوَّل:
أنَّ حديث الأمْر بالصَّلاة عند الدُّخول إلى المسجد عامٌّ في جميع الأوقات، وحديث النَّهي خاصٌّ ببعض الأوقات.
فيُقدَّم العمل بخاصِّ الأوقات على عامِّها.
الجواب الثَّاني:
أنَّ النَّهي الوارد للتَّحريم، وتحيَّـة المسجد سُنَّـة بالإجماع، وترْك المحرَّم أوْلى مِن فِعل المُستحبّ.
وقد كتبت قبل أكثر مِن عشرين سنة رسالة بعنوان:
«إفادة الأَنْجَاب بأنَّ الأمْر النَّبوي الوارِد في تحيَّة المسجد بإجماع لِلنَّدْب لا الإيجَاب».
وهي موجودة في موقعي على شبكة الإنترنت، لِمَن أحب مراجعتها.
المسألة السابعة:
عن التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد.
وتحت هذه المسألة سِتَّة فروع:
الفرع الأوَّل:
عن المُراد بالتَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد.
المُراد بالتَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد:
«التَّكبيرات التي تكون بعد تكبيرة الإحرام في الرَّكعة الأولى، وبعد تكبيرة النُّهوض إلى الرَّكعة الثَّانية».
الفرع الثاني:
عن مشروعية التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد.
التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة عيد الفِطر وعيد الأضحى مشروعة بآثار الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وإجماع أهل العلم.
أمَّا آثار الصحابة:
فقد ثبَتت التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد عن:
ابن مسعود، وابن عباس، وأبي سعيد الخُدري، والمُغيرة بن شُعبة، وأنس بن مالك، مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي ذِكر بعض هذه الآثار.
وأمَّا الإجماع:
1 ــ فقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح معاني الآثار” (4/ 350- حديث رقم: 6779):
«ورأينا صلاة العيدين قد أُجْمِع أنَّ فيهما تكبيرات زائدة على غيرهما مِن الصلوات».اهـ
2 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (24/ 224):
«واتفقت الأمَّة على: أنَّ صلاة العيد مخصوصة بتكبير زائد».اهـ
3 ــ وقال الفقيه بدر الدِّين العَيني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “نُخب الأفكار” (16/ 461):
«وقع عليه الإجماع».اهـ
ــــ ومشروعية التكبيرات الزوائد في صلاة العيد مشروعية استحباب بلا خلاف بين العلماء.
1 ــ حيث قال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغْنِي” (3/ 275):
«والتَّكبيرات والذِّكر بينها سُنَّة، وليس بواجب، ولا تبطل الصَّلاة بتركه عمدًا أو سهوًا، ولا أعلم فيه خلافـًا».اهـ
2 ــ وقال الفقيه شمس الدِّين السفاريني الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “كشف اللثام شرح عمدة الأحكام” (3/ 186):
«التكبيرات الزوائد، والذِّكر بينهما، والخطبتان، سُنَّة، لا تبطل الصلاة بترْك شيء مِن ذلك، ولو عمدًا، بلا خلاف».اهـ
الفرع الثالث:
عن عدد التَّكبيرات الزَّوائد في كلِّ ركعة مِن صلاة العيد.
ذهب أكثر أهل العلم ــ رحمهم الله ــ إلى أنَّ الإمام:
1 ــ يُكبِّر في صلاة العيد سَبع تكبيرات في الركعة الأولى مِنها.
واختلفوا هل مع هذه السَّبع تكبيرة الإحرام أمْ لا؟
2 ــ ويُكبِّر خمس تكبيرات في الركعة الثانية، غير تكبيرة النُّهوض لَهَا.
وذلك للآثار الثابتة عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ بهذا العدد.
حيث قال الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ في كتابه “الموطَّـأ” (ص:144 – رقم:421):
أخبرنا نافع مولى عبد الله بن عمر، أنـَّه قال:
(( شَهِدْتُ الأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ بِخَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ )).
وإسنادُه صحيح جدًّا.
وقال الحافظ ابن أبي شَيبة ــ رحمه الله ــ في “مصنَّفه” (5703):
حدثنا ابن إدريس، عن عُبيد الله، عن نافع، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ، قال:
(( كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا، كُلُّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ )).
وإسناده صحيح.
ــــ وبنحوه عند:
عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (5680 و 5681 و 5682)، بسند صحيح.
ــــ وثبت نحوه أيضًا:
عن عبد الله بن عبَّاس ــ رضي الله عنهما ــ.
وقد أخرجه:
ابن أبي شَيبة في “مصنَّفه” (5704 و 5724)، والفِريابي في “أحكام العيدين” (126- 127 و 129)، وابن المُنذر في “الأوسط” (2154 و 2154)، وغيرهم.
1 ــ وقال الفقيه أبو سليمان الخطَّابي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “معالم السُّنن” (1/ 217 – رقم:319)، عن هذا العدد:
«وهذا قول أكثر أهل العلم».اهـ
2 ــ وقال فقيه الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذَّب” (5/ 19):
«وحَكاهُ صاحب “الحَاوي”: عن أكثر الصَّحابة، والتَّابعين».اهـ
3 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” ( 24/ 220):
«وأمـَّا التَّكبير في الصَّلاة، فيكبِّر المأموم تبعًا للإمام.
وأكثر الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ والأئمَّـة: يكبِّرون سبعًا في الأُولى، وخمسًا في الثَّانية».اهـ
4 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/ 177):
«فأمَّا التكبير في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، فهو قول جمهور العلماء.
وقد رُوي عن:
عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعن عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جُبير، ومجاهد، والزُّهري، وقال: (( مَضَت السُّنَّة بِه )).
وحكاه ابن أبي الزِّناد عن فقهاء المدينة السَّبعة.
وهو قول: مكحول، وربيعة، والليث، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود.
وأكثر أهل الحديث، مِنهم: ابن المَديني، وابن أبي شَيبة، وأبو خيثمة، وسليمان بن داود الهاشمي، وغيرهم».اهـ
5 ــ وقال الفقيه عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (2/ 506):
«والمذهب هو الأشهر، فعن ابن عباس سبع في الأولى، وخمس في الآخرة.
ونحوه عن أبي هريرة وغيرهما، وعن عروة أن أبيًّا وزيدًا أمراه أنْ يُكبِّر سبعًا وخمسًا.
وهو مذهب الشافعي، وغيره من الأئمة، والفقهاء السَّبعة.
وقال العراقي: “هو قول أكثر أهل العلم مِن الصحابة والتابعين والأئمة”.
وقال مالك: هو الأمر عندنا.
وجاءت فيه الأحاديث المرفوعة، فهو سنة، قال المُوفَّق: “لا أعلم فيه خلافًا”».اهـ
الفرع الرابع:
عن تَرك التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد أو شيءٍ مِنها عمدًا أو سهوًا.
وتحت هذا الفرع ثلاثة أمور:
الأمر الأوَّل:
عن حُكم تَرْك التَّكبيرات الزوائد في صلاة العيد أو شيء مِنها عمدًا أو سهوًا.
1 ــ قال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغْنِي” (3/ 275):
«والتَّكبيرات والذِّكر بينها سُنَّة، وليس بواجب، ولا تبطل الصَّلاة بتركه عمدًا أو سهوًا، ولا أعلم فيه خلافـًا».اهـ
يعني: خلافًا بين أهل العلم.
2 ــ وقال الفقيه منصور البهوتي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “كشَّاف القِناع عن مَتن الإقناع” (2/ 56):
«[ والتكبيرات الزوائد ] سُنَّة لا تَبطل الصلاة بتركها عمدًا ولا سهوًا، بغير خلاف علِمناه، قاله في “الشَّرح”».اهـ
3 ــ وقال الفقيه شمس الدِّين السفاريني الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “كشف اللثام شرح عمدة الأحكام” (3/ 186):
«التكبيرات الزوائد، والذِّكر بينهما، والخطبتان، سُنَّة، لا تبطل الصلاة بترْك شيء مِن ذلك، ولو عمدًا، بلا خلاف».اهـ
الأمْر الثاني:
عن الذي يَفعله مِن نَسِي، فتَرَك التَّكبيرات الزوائد في صلاة العيد أو شيء مِنها بعد أنْ شرَع في قراءة الفاتحة.
اختلف العلماء ــ رحمهم الله ــ فيمَن نَسي التَّكبيرات الزوائد مِن صلاة العيد، وشَرَع في قراءة الفاتحة، ماذا يَفعل، على قولين:
القول الأوَّل: أنَّه يَرجِع ويأتي بالتَّكبيرات الزَّوائد، ثُمَّ يَقرأ الفاتحة، ويُكمِل صلاته.
وهو قول الأكثر.
مِنهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في “القديم”، وأبو ثور، وغيرهم.
ووجْه هذا القول:
أنَّه لا يَزال في مَحَلِّ التكبير، وهو القيام، ولم يَفُت، فَيُنتَقل مِنه إلى موضِعٍ آخَر كالركوع.
1 ــ وقال القاضي عبد الوهاب المالكي ــ رحمه الله ــ في شرحه على كتاب “الرسالة” (1/ 34):
«قال مالك: إذا سَها الإمام فقرأ قبل التكبير أتَى بالتكبير، ثم أعاد القراءة، وسجد بعد السلام.
وهذا ما لم يَركع.
وقال الشافعي في “القديم”: يعود إلى التكبير».اهـ
ــــ وقال (1/ 35)، أيضًا:
«إذا أتَى بالتكبير أعاد القراءة، ولم يَعتد بالقراءة الأولى، وفيه خلاف على مذهب الشافعي.
وإنَّما قُلنا ذلك: لأنَّ مَحلَّ القراءة باق عندنا ما لم يَركع، فيجب أنْ يأتي بها لِبقاء محلِّها.
وأمَّا سجود السهو، فلأنَّه تارك لِمسنون، وهو التكبير، فيلزمُه السهو.
وإنَّما قلنا: إنَّه بعد السلام، لأنَّه سهو زيادة، ألا تَرى أنَّ القراءة الأولى غير مُعتدٍّ بها، وإنَّما الاعتداد بالقراءة الثانية.
فإنْ لم يَذكر حتى ركع، مضَى، وسجد قبل السلام لتركه التكبير».اهـ
2 ــ وقال الفقيه أبو الحسين العِمراني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البيان في مذهب الإمام الشافعي” (2/ 639):
«فإذا قُلنا بالقديم، وذَكَر ذلك في أثناء الفاتحة، قطَع الفاتحة، وأتَى بالتكبيرات، فإذا فرَغ مِن التكبيرات أعاد الفاتحة، لأنَّه قد قطعها بغيرها متعمدًا.
وإنْ ذَكَر ذلك بعد الفراغ مِن الفاتحة، أتَى بالتكبيرات، ولا يَجب عليه إعادة الفاتحة، لأنَّها وقعَت موقعها، ولكن يُستحب له أنْ يُعيدها، لتكون بعد التكبيرات».اهـ
القول الثاني: أنَّه لا يَرجع، ويُكمِل قراءته.
وهو قول الشافعي في “الجديد”، وقول عند الحنابلة، وقول بعض الحنفية.
ووجْه هذا القول:
أنَّه تَرَك مسنونًا بالإجماع، ودَخل في رُكن يَعقبه، وهو قراءة الفاتحة، ففات بالقراءة.
واختاره: ابن باز، وابن عثيمين.
1 ــ وقال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإشراف على مذاهب العلماء” (2/ 175):
«ففى قول مالك، وأبي ثور: إنْ ذَكر قبل أنْ يركع عاد فكبَّر وسجد سجدتي السهو، وإنْ ركع مضَى ولم يُكبِّر ما فاته في الركعة الثانية وسجد سجدتي السهو.
وفي قول الشافعي: إذا افتتح القراءة لا يقطعها، ولا قضاء عليه، آخِر قوليه، وقد كان يقول قبل كقول مالك».اهـ
2 ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذَّب” (5/ 26):
«في مذاهبهم فيمَن نسِي التكبيرات الزائدة حتى شرع في القراءة.
قد ذَكرنا أنَّ مذهبنا الجديد الصَّحيح: أنَّها تفوت، ولا يعود يأتي بها.
وبهذا قال أحمد بن حنبل، والحسن بن زياد اللؤلؤي صاحب أبي حنيفة.
والقديم: أنه يأتي بها ما لم يَركع.
وبِه قال أبو حنيفة، ومالك».اهـ
الأمر الثالث:
مَن أدرك الإمام وهو راكع، فإنَّه يُكبِّر تكبيرة الإحرام ثم يركع مُباشرة، ولا يشتغل بقضاء التكبير الزوائد، بالإجماع.
حيث قال الفقيه عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (2/ 508):
«إجماعًا، كما أنَّه لا يشتغل بقراءة الفاتحة في الفريضة فهُنا أولَى».اهـ
الفرع الخامس:
عن رفع اليدين إلى حَذْو المنكبين أو إلى فُروع الأذنين مع التَّكبيرات الزَّوائد.
1 ــ قال الإمام ابن قيِّم الجوزية ــ رحمه الله ــ في كتابه “رفع اليدين في الصلاة” (ص:295):
«وقد ثبت عن الصحابة رفع اليدين في تكبيرات العيدين».اهـ
وثبت عن ابن جُرَيْج ــ رحمه الله ــ أنـَّه قال:
(( قُلْتُ لِعَطَاءٍ: يَرْفَعُ الْإِمَامُ يَدَيْهِ كُلَّمَا كَبَّرَ هَذِهِ التَّكْبِيرَةِ الزِّيَادَةَ فِي صَلَاةِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَيَرْفَعُ النَّاسُ أَيْضًا )).
[ رواه عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (5699). ]
2 ــ وقال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح السُّنَّـة” (4/ 310):
«ورفعُ اليدين في تكبيرات العيد سُنَّة عند أكثر أهل العلم».اهـ
3 ــ وقال العلامة ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (2/ 506)، عن هذا الرفع:
«نص عليه، وهو مذهب جمهور العلماء، أبي حنيفة والشافعي، والأوزاعي، وداود، وابن المُنذر، وغيرهم، ورواية عن مالك، ورُوي عن عمر.
وقياسًا على الصلاة، قاله الشافعي وغيره.
ورَوى الأثرم عن ابن عمر: (( أنَّه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، في الجنازة، وفي العيد ))، ولم يُعرف له مخالِف من الصحابة».اهـ
واختار هذا القول: ابنُ قيم الجوزيَّة، وابنُ باز، وابنُ عثيمين.
الفرع السادس:
عن حُكم الذِّكر بين التَّكبيرات الزَّوائد، بحمد الله تعالى، والثناء عليه، والدعاء، والصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم.
اختلف العلماء ــ رحمهم الله ــ في حكم الذِّكر بين التكبيرات الزوائد مِن صلاة العيد على قولين:
القول الأوَّل: أنَّه لا ذِكر يُقال بين التكبيرات الزوائد.
وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وابن حزم.
واختاره: ابن الأمير الصنعاني.
وقال فقيه الشافعية النَّووي ــ رحمه الله ــ في شرح على “صحيح مسلم” (6/ 180 – عند حديث رقم:890):
«وجمهور العلماء: يَرى هذه التكبيرات متوالية مُتَّصلة».اهـ
يَعني: لا ذِكر بينها.
ومِن حُجَّة هذا القول:
أنَّه لم يُحفظ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك.
حيث قال الإمام ابن قيِّم الجوزية ــ رحمه الله ــ في كتابه “زاد المعاد في هَدي خير العِباد” (1/ 427):
«ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ذِكرٌ مُعيَّن، ولكن ذُكِر عن ابن مسعود…».اهــ
القول الثاني: أنَّه يُسَنُّ الذِّكر بين هذه التكبيرات.
وهو قول عطاء بن أبي رباح مِن التابعين، والشافعي، وأحمد، وابن المُنذر، وابن تيمية، والفوزان.
وهذا القول هو الراجح.
وذلك لِثبوت الذِّكر بين التكبيرات عن جمْع مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
ــــ حيث أخرج الجهضمي في كتابه “فضل الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم” (88 و 89) واللفظ له، والبيهقي (6186)، عن علْقَمة ــ رحمه الله ــ:
(( أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ ــ رضي الله عنهم ــ خَرَجَ عَلَيْهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ قَبْلَ الْعِيدِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الْعِيدَ قَدْ دَنَا فَكَيْفَ التَّكْبِيرُ فِيهِ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «تَبْدَأُ فَتُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً تُفْتَتَحُ بِالصَّلَاةِ، وَتَحْمَدُ رَبَّكَ، وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تَدْعُو أَوْ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقْرَأُ ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَرْكَعُ، ثُمَّ تَقُومُ فَتَقْرَأُ وَتَحْمَدُ رَبَّكَ وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَدْعُو وَتُكَبِّرُ اللَّهَ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَرْكَعُ»، فَقَالَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ )).
وصحَّحه: ابن كثير، والسَّخاوي، والألباني.
وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ: «ثبت».اهـ
وقال مرَّة أُخْرى: «رواه البيهقي بإسناد حسن».اهـ
وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني ــ رحمه الله ــ: «وسنده قوي».اهـ
ــــ وأخرجه أيضًا:
عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (5697) مختصرًا، ومِن طريقه الطبراني في كتابه “المُعجم الكبير” (9523).
1 ــ وقد ذَكر الحافظ البيهقي الشافعي في كتابه “السُّنن الكبرى” (6186):
أنَّه لا يُعرف مُخالِف لابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ في ذلك.
فقال ــ رحمه الله ــ :
«وهذا مِن قول عبد الله بن مسعود موقوفًا عليه، فنُتابعه للوقوف بين كل تكبيرتين للذِّكر، إذ لم يُروَ خلافه عن غيره».اهـ
2 ــ وقال القاضي أبو يَعلى الفرَّاء الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة” (4/ 44)، عن قول ابن مسعود هذا:
«قيل له: هذا القول ظهر مِنه وانتشر، ولم يعُرف له مُخالف، فيجب أنْ يكون حُجَّة».اهـ
قلت:
وقد أقرَّ ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ عليه أيضًا، وصدَّقه فيه:
صحابيان، هُما: أبو موسى الأشعري وحذيفة ــ رضي الله عنهما ــ فقالا:
(( صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ )).
وقولهما مُشعِر بالرَّفع.
وبِه قال أيضًا:
عطاء بن أبي رباح تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ
وقد أخرجه عنه:
عبد الرزاق في “مًصنَّفه” (5696)، بسند صحيح.
ومَن لم يَذكر الله تعالى بين التكبيرات الزوائد بالحمد، والدعاء، والصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم، وما أشبَه ذلك، فلا جُناح عليه، وصلاته صحيحة بلا خلاف بين العلماء.
1 ــ حيث قال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 275):
«والتَّكبيرات والذِّكر بينها سُنَّة وليس بواجب، ولا تبطل الصَّلاة بتركه عمدًا أو سهوًا، ولا أعلم فيه خلافـًا».اهـ
2 ــ وقال الفقيه شمس الدِّين أبو الفرَج عبد الرحمن ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الشرح الكبير” (2/ 245):
«مسألة: “والتكبيرات الزوائد” والذِّكر بينهما” والخطبتان سُنة” لا تبطل بتركه الصلاة عمدًا ولا سهوًا بغير خلاف علمناه».اهـ
3 ــ وقال الفقيه شمس الدِّين السفاريني الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “كشف اللثام شرح عمدة الأحكام” (3/ 186):
«التكبيرات الزوائد، والذِّكر بينهما، والخطبتان، سُنَّة، لا تبطل الصلاة بترْك شيء مِن ذلك، ولو عمدًا، بلا خلاف».اهـ
المسألة الثامنة:
عن دعاء الاستفتاح في صلاة العيد.
دعاء الاستفتاح مُستحبٌّ في صلاة العيد قياسًا على باقي الصَّلوات.
وإلى هذا ذهب عامَّة مَن يَرى مشروعيَّة دعاء الاستفتاح في الصلاة.
إلَّا إنَّهم اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة:
القول الأوَّل: أنَّ المُصلِّي يُقول دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، ثمَّ يُكبِّر بعده التَّكبيرات الزَّوائد.
وهو قولُ أكثر العلماء، أو عامَّتهم.
مِنهم: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد في الرواية التي عليها أكثر أصحابه.
واختاره: ابن باز، وابن عثيمين.
1 ــ وقال الفقيه شمس الدِّين السرخسي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المبسوط” (20/ 42):
«ثم لا خِلاف: أنَّه يأتي بثناء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح والزوائد إلا في قول ابن أبي ليلى، فإنه يقول: يأتي بالثناء بعد تكبيرات الزوائد».اهـ
2 ــ وقال الفقيه عبد الملك الجُويني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “نهاية المَطلب في دراية المذهب” (2/ 616):
«والذي عليه اتفاق الأئمة، وهو المنصوص عليه في التكبير:
أنَّه يأتي بدعاء الاستفتاح عقيب تكبيرة الإحرام، ثم إذا نَجَز، ابتدأ التكبيرات الزائدة».اهـ
3 ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذَّب” (5/ 21):
«مذاهبهم في مَحَلِّ التكبير:
قد ذَكرنا أنَّ مذهبنا أنَّ التكبيرات الزوائد تكون بين دعاء الاستفتاح والتعوذ، وبِه قال العلماء كافة إلا أبا حنيفة فقال: :يقرأ في الثانية قبل التكبيرات ثم يُكبِّر».اهـ
ووجْه هذا القول:
ما قاله الفقيه فخْر الدِّين الزَّيلعي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق”(1/ 225):
«وأمَّا الثَّنَاء قبْل التكبيرات الزَّوائد، فلأنَّه شُرِع في أوَّل الصلاة، فيُقدَّم على سائر الأفعال والأذكار».اهـ
ومُراده بالثناء: دعاء الاستفتاح.
وهذا القول هو الأظهر.
القول الثاني: أنَّ المُصلِّي يقول دعاء الاستفتاح بعد الانتهاء مِن التَّكبيرات الزَّوائد.
ونُقِل هذا القول عن ابن أبي ليلى، وهو قول الأوزاعي، ورواية عن أحمد.
ووجْه هذا القول:
ما قاله الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأوسط في السُّنن والإجماع والاختلاف” (4/ 281):
«واحتَجَّ بعض مَن وافق الأوزاعي في هذا القول، قال:
لَمَّا كان ذلك في كل صلاة بعد التكبير، كان كذلك في صلاة العيد، يقوله بعد التكبير».اهـ
القول الثالث: أنَّ المُصلِّي مُخيَّر في دعاء الاستفتاح، إنْ شاء قاله قبل التكبيرات الزوائد وإنْ شاء بعدها.
وهو رواية عن أحمد.
وسهَّل في ذلك الفقيهان: ابن باز، وابن عثيمين.
وقال الفقيه علاء الدِّين المَرداوي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف”(5/ 341):
«وقوله: [ بعد الاستفتاحِ ] هو المذهب، وعليه الأكثر.
وعنه: يَستَفتِح بعد التكبيرات الزَّوائد، اختاره: أبو بكر الخَلَّال، وصاحبه أبو بكر عبد العزيز، وأطلَقَهُما فى “المُستَوعِب”.
وعنه: يُخَيَّر بينَ ذلك».اهـ
المسألة التاسعة:
عن التعوذ قبل قراءة الفاتحة في صلاة العيد.
1 ــ قال الفقيه عبد الملك الجُويني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “نهاية المَطلب في دراية المذهب” (2/ 616):
«ثم إذا نَجَز ابتدأ التكبيرات الزائدة، فيأتي بسبع تكبيرات سوى تكبيرة العَقد.
فإذا فرَغ مِن التكبيرات السَّبع، فقد ذَكر الأئمة:
أنَّه يَتعوذ بعد الفراغ مِن التكبيرات الزائدة، فإنَّ التعوذ حقُّه أنْ يَتصِل بالقراءة، ولا يَتخلل بينه وبين القراءة شيء ».اهـ
2 ــ وقال العلامة ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (2/ 505):
«وكون التكبيرات الزوائد بعد الاستفتاح وقبل التعوذ، هو:
قول العلماء كافة إلا أبا حنيفة».اهـ
المسألة العاشرة:
عن حُكم قضاء صلاة العيد، وكيفية هذا القضاء.
مَن فاتَته صلاة العيد مع الإمام:
فإنَّ له أنْ يَقضيَها، ويكون قضاؤه لَهَا على نفس صفتها المشهورة التي يُصلِّيها الأئمة في مُصلَّى العيد، وسواء قضاها في بيته، أو في مُصلَّى العيد، أو في غيرهما مِن الأماكن.
وإلى هذا ذهب أكثر العلماء.
مِنهم: قتادة، وعطاء بن أبي رباح، وابن الحنفية، ومجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وإبراهيم النَّخعي، ومحمد بن سِيرين، مِن التابعين.
وأبو حنيفة في قول، وأبو إسحاق السَّبيعي، وحمَّاد بن سلمة، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد في رواية، وأبو ثور، والبخاري، وأبو بكر بن أبي شَيبة، وابن المُنذر.
وهذا القول هو الصواب لأمور:
الأمر الأوَّل:
أنَّ القضاء يَحكي الأداء.
حيث أخرج البخاري (908)، ومسلم (602)، عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا )).
الأمر الثاني:
أثر الصحابي أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ الثابت حين لَم يشهد صلاة العيد مع الإمام فصلاها على نفس صِفة الإمام.
1 ــ حيث أخرج عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (٥٨٥٥) عن أنس ــ رضي الله عنه ــ:
(( أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِي مَنْزِلِهِ بِالزَّاوِيَةِ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ بِالْبَصْرَةِ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَوَالِيَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَوْلَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ )).
2 ــ وأخرجه ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” (٥٨٠٣)، بلفظ:
(( أَنَّ أَنَسًا كَانَ رُبَّمَا جَمَعَ أَهْلَهُ وَحَشَمَهُ يَوْمَ الْعِيدِ، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ رَكْعَتَيْنِ )).
3 ــ وقال الإمام البخاري في “صحيحه” (2/ 23 ــ قبل حديث رقم: 987)، جازمًا:
(( وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ، وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ )).
وقد صحَّح أثر أنس ــ رضي الله عنه ــ هذا: الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ.
وقوَّاه: المُحدِّث عبد الله الدويش ــ رحمه الله ــ.
الأمر الثالث:
فتوى الصحابي عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ بقضاء صلاة العيد لِمَن فاتته.
حيث أخرج عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (٥٧١٣)، وابن أبي شيبه في”مُصنَّفه” (٥٧٩٩ و ٥٨٠٠)، وابن المُنذر في كتابه “الأوسط” (٢١٨٦)، والطبراني في كتابه “المُعجم الكبير” (9532 و 9533)، وغيرهم، عن عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا )).
وذكر الحافظان ابن رجب الحنبلي، وابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ:
أنَّ إسناده عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ صحيح.
الأمر الرابع:
ما قاله الإمام البخاري – رحمه الله – في “صحيحه”(2/ 23 ــ قبل حديث رقم: 987):
«باب: “إذا فاته العيد يُصلِّي ركعتين”، وكذلك النساء، ومَن كان في البيوت والقُرى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( هذا عيدنا أهل الإسلام ))».اهـ
1 ــ وقال الفقيه بدر الدِّين العَيني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “عُمدة القاري” (٦/ ٣٠٨)، في بيان وجْه استدلال الإمام البخاري مِن هذا الحديث:
«وجْه الاستدلال بِه:
أنَّه أضافه إلى كل أُمَّة الإسلام، مِن غير فرْق بين مَن كان مع الإمام أو لم يكن».اهـ
2 ــ وقال الفقيه أبو الحسن ابن بطال المالكي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “صحيح البخاري” (2/ 573):
وأولَى الأقوال بالصواب:
أنْ يُصليها كما سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذى أشار إليه البخارى، واستَدَل على ذلك بقوله ــ عليه السلام ــ: (( هذا عيدنا أهل الإسلام ))، و (( إنَّها أيام عيد ))، وذلك إشارة إلى الصلاة.
وقد أبان ذلك بقوله: (( أوَّل نُسكنا فى يومنا هذا أنْ نُصلِّى، ثم نَنحر، فمَن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا ))، فمَن صلَّى كصلاة الإمام فقد أصاب السُّنة».اهـ
وأخرج ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” (٥811)، بإسناد حسن أو صحيح، عن التابعي محمد بن سيرين ــ رحمه الله ــ تلميذ الصحابة:
(( فِي الَّذِي يَفُوتُهُ الْعِيدُ، قَالَ: «كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ مِثْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ عَلِمَ مَا قَرَأَ بِهِ الْإِمَامُ، قَرَأَ بِهِ» )).
وأخرجه البيهقي في “السُّنن الكبرى” (3/ 428)، بلفظ:
(( كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا فَاتَ الرَّجُلَ الصَّلَاةُ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى الْجِبَانِ فَيَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ )).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة العلامة عبد العزيز ابن باز ــ رحمه الله ــ كما في “الفتاوى” ( 8/ 306 -307 – رقم : 2328 و4517):
«ومَن فاتته وأحبَّ قضاءها استُحِب له ذلك، فيُصليها على صفتها، مِن دون خطبة بعدها.
وبهذا قال: الإمام مالك، والشافعي، وأحمد، والنَّخعي، وغيرهم مِن أهل العلم.
والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا )).
وما رُوي عن أنس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه: (( كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمَع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عُتبة مولاه فيصلِّي بهم ركعتين، يُكبِّر فيهما )).
ولِمَن حضَر يوم العيد والإمام يخطب أنْ يستمع الخطبة، ثم يقضي الصلاة بعد ذلك، حتى يجمع بين المصلحتين».اهـ
ــــ وقالت أيضًا:
«مَن أدرك التشهد فقط مع الإمام مِن صلاة العيدين، صلَّى بعد سلام الإمام ركعتين، يَفعل فيهما كما فعل الإمام، مِن تكبير، وقراءة، وركوع، وسجود».اهـ
تنبيه وخلاصة:
عن أقوال العلماء ــ رحمهم الله ــ فيمَن فاتته صلاة العيد.
اختلف العلماء ــ رحمهم الله ــ فيمَن فاتته صلاة العيد مع الإمام على أقوال عدَّة.
فقالت طائفة: يُصلِّي ركعتين فقط، وعلى نفس صِفة صلاة الإمام بالناس في مُصلَّى العيد.
وهو قول أكثر العلماء، كما تقدَّم، وهو الأرجح.
وقالت طائفة: يُصلِّي أربع ركعات.
وصحَّ هذا القول عن ابن مسعود كما تقدَّم، ونُقل عن علي بن أبي طالب، مِن الصحابة، وبِه قال الشعبي مِن التابعين، وسفيان الثوري، وأحمد في رواية عنه.
وقالت طائفة: يُصلِّي إنْ شاء ركعتين، وإنْ شاء أربع ركعات.
ونُقل عن أبي حنيفة.
لِثبوت الأمرين عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
وقال الأوزاعي: يُصلِّي ركعتين ولا يَجهر فيهما بالقراءة، ولا يُكبِّر تكبير الإمام الزائدة.
وهو رواية عن أحمد.
وقال إسحاق بن راهويه: إنْ صلاها في مُصلَّى العيد صلَّى ركعتين،، وإنْ صلاها في غيره صلَّى أربعًا.
ونُقل عن علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ، ولا يَصح.
وقال أحمد في رواية: أنَّه مُخيَّر، إنْ شاء صلَّى بتكبير، وإنْ شاء صلَّى بغير تكبير.
ورُوي عن أحمد: الجمْع بين فِعل أنس بن مالك وقول ابن مسعود ــ رضي الله عنهما ــ.
فإذا كان مَن فاتته صلاة العيد قد صلاها مع غيره جماعة، صلى كصلاة الإمام ركعتين، كما فعل أنس.
وإنْ صلاها وحدَه صلَّى أربع ركعات، كما قال ابن مسعود.
المسألة الحادية عشرة:
عن مُختصَر صِفة صلاة العيد.
1 ــ إذا طلعت الشمس وارتفعت قليلًا ومَضَى على ارتفاعها نحو ربع ساعة ــ وهذا أوَّل وقت صلاة العيد ــ توجَّه المُصلِّي إلى القبلة، ونَوى بقلبه صلاة العيد، ولا يَتلفظ بها بلسانه.
ثُمَّ يَرفع يَديه إلى حَذو منكبيه أو فروع أُذنيه، ويُكبِّر تكبيرة الإحرام، فيقول: “الله أكبر”، ثُمَّ يأتي بدعاء الاستفتاح.
2 ــ ثُمَّ يُكبِّر سِت أو سَبع تكبيرات مُتتابعات، ويَرفع يديه مع كلِّ تكبيرة إلى حَذو منكبيه أو فروع أُذنيه.
وإنْ أحبَّ أنْ يَذكُر اللهَ بين كلِّ تكبيرتين ــ فيَحمد الله، ويُثنِي عليه، ويَدعوه، ويُصلِّي على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فحسنٌ جدًّا، لثبوته عن عدد مِن الصحابة، وإنْ تابع بين التكبيرات مِن غير ذِكرٍ لله بينهما فلا حرَج.
3 ــ ثُمَّ يَستعيذ بالله مِن الشيطان، ويُبسمِل، ويَقرأ سورة الفاتحة، وبعدها سورة “ق”، أو سورة “الأعلى”، لثبوت ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو ما تيَسَّر له مِن القرآن، وتكون القراءة جهرًا.
4 ــ ثُمَّ يَركع مُكبِّرًا، ويقول في ركوعه: “سبحان ربِّي العظيم”، ثلاثًا أو أكثر.
ثُمَّ يَرفع قائلًا “سمِع الله لِمَن حمِده”، فإذا استوى قائمًا قال: “ربَّنا ولك الحمد”.
ثُمَّ يَسجد مُكبِّرًا، ويقول في سجوده: “سبحان ربِّي الأعلى”، ثلاثًا أو أكثر، ويدعو إنْ شاء.
ثمَّ يَرفع مُكبِّرًا، ويقول في جلسته بين السجدتين: “ربِّ اغفر لِي” ثلاثًا أو أكثر، أو يقول: “اللهمَّ اغفر لِي، وارحمني، وعافني، وارزقني واهدني، واجبرني، وارفعني”، ثُمَّ يَسجد مُكبِّرًا، ويُسبِّح في سجوده.
5 ــ ثُمَّ يَقوم مُكبِّرًا إلى الركعة الثانية، فإذا استوى واقفًا كبَّر خمس تكبيرات مُتتابعات، ويَرفع يديه مع كل تكبيرة إلى حَذو منكبيه أو فروع أُذنيه.
وإنْ أحبَّ أنْ يَذكُر اللهَ بين كل تكبيرتين بما تقدَّم فحَسَنٌ، لِثبوته عن الصحابة.
ثُمَّ يَستعيذ بالله مِن الشيطان، ويُبسمِل، ويَقرأ سورة “الفاتحة”، وبعدها سورة “القمر” إنْ كان قرأ في الركعة الأولى بسورة “ق”،، أو يقرأ سورة “الغاشية” إنْ كان قرأ في الركعة الأولى بسورة: “الأعلى”، لثبوت الجمع بين كلِّ سورتين مِنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد.
ثم يَركع، ثُمَّ يَرفع مِن الركوع، ثُمَّ يَسجد سجدتين يَجلس بينهما.
ثُمَّ يَرفع مِن السجود، ويَجلس للتَّشهُد والصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو، ثُمَّ يُسلِّم عن يمينه وشماله.
6 ــ وأمَّا مَن يُصلُّون خلْفَ الإمام صلاة العيد، فإنَّهم يَفعلون مِثل فِعله، غير أنَّهم يَقتصرون فقط على قراءة سورة “الفاتحة” سِرًّا، ويقولون دعاء الاستفتاح، ويَستعيذون مِن الشيطان قبل “الفاتحة”، ويُبسمِلون، ولا يقولون: “سمِع الله لِمَن حمِده”، بل يَقتصرون على قول: “ربَّنا ولك الحمد”.
المسألة الثانية عشرة:
عن شهود خطبة العيد.
وتحتها هذه المسألة فرعان:
الفرع الأوَّل:
عن الجلوس لاستماع خطبة العيد.
مَن صَلَّى صلاة العيد مع الإمام فالسُّنـَّة والأكمل في حقِّه أنْ لا ينصرف حتَّى يسمع خطبة العيد.
وقد قال الحافظ ابن عبد البَر النَّمري المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (7/ 61):
«وعلى هذا جماعة الفقهاء».اهـ
قلت:
وهو المعمول بِه على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم.
حيث أخرج البخاري ( 956)، واللَّفظ له، ومسلم (889)، عن أبي سعيد الخُدري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ.
ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ )).
وأمَّا حديث:
(( إِنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ )).
فأكثر أئمة الحديث على أنَّ الصَّواب فيه الإرسال.
مِنهم: ابن مَعين، وأبو زُرعة الرَّازي، والنَّسائي، وأبو داود، والبَيهقِي، ومُقبل الوادِعي.
والـمُرْسل مِن أقسام الحديث الضَّعيف.
الفرع الثاني:
عن كلام الناس في أثناء خطبة العيد.
يُكره لِمن حضَر خطبة العيد أنْ يتكلم في أثنائها مع غيره مِن المصلَّين، أو عبر الهاتف الجوَّال.
لِـمَا في ذلك مِن الانشغال عن الانتفاع بالخطبة، والتَّشويش على المُستمعين، والإخلال بأدب حضور مجالس الذِّكر.
وقد قال فقيه المالكية أبو الحسن ابن بطَّال ــ رحمه الله ــ في شرح على “صحيح البخاري” (2/ 572):
«وكَرِه العلماء: كلام النَّاس والإمام يخطب».اهـ
المسألة الثالثة عشرة:
عن بدأ خطبة العيد بالتكبير وليس الحمد.
بَدأ خطبة العيد بالتَّكبير جرَى عليه عملُ السَّلف الصَّالح ــ رحمهم الله ــ.
حيث أخرج سعيد بن منصور في “سُننه” كما في كتاب “المُغني” (2/ 239)، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( يُكَبِّرُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَخْطُبُ، وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ )).
وسندُه صحيح.
و(عبيد الله) هذا:
قال عنه الحافظ ابن عبد البَرَّ المالكي ــ رحمه الله ــ: «هو أحد الفقهاء العشرة، ثمَّ السَّبعة الَّذين تدور عليهم الفتوى».اهـ
وقال عنه الحافظ ابن حِبَّان البُستي ــ رحمه الله ــ: «وهو مِن سادات التَّابعين».اهـ
وثبَت عن إسماعيل بن أميَّة ــ رحمه الله ــ وهو مِن أتباع التَّابعين أنَّه قال:
(( سَمِعْتُ أَنَّهُ يُكَبَّرُ فِي الْعِيدِ تِسْعًا وَسَبْعًا )).
[ رواه عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (5671 – باب: “التكبير في الخطبة”). ]
وإسناده صحيح.
وقد نصَّ جمْع مِن أكابر أئمة أهل الحديث والسُّنَّة على أنَّ هذا التكبير:
“مِن السُّنَّة”.
وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشَّافعي، وأحمد بن حنبل، وابن أبي ذئب، وابن المُنذر، وغيرهم.
بل جاء في مذاهب الأئمة الأربعة: أنـَّه يُسنُّ.
فقال العلَّامة أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (2/ 141-142):
«ويسنُّ أنْ يَستفتح الأولى بِسبع تكبيرات (وم) نسقًا (و)، … والثَّانية بسبع (وش).
قال أحمد: “وقال عُبيد الله بن عُتبة: (( إنَّـه مِن السُّنَّـة ))».اهـ
و”الواو” (و) تعني: موافقة الحنفية والمالكية والشافعية للحنابلة في حُكم المسألة.
وتابعه على نَقل اتفاق المذاهب الأربعة:
جمال الدِّين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي في كتابه “مُغني ذوي الأفهام” (7/ 350 ــ مع “غاية المرام”)، وعبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي في كتابه “حاشية الروض المُربع” (2/ 551).
قلت:
ولم يَمر بِي بعد بحث طويل، ومذاكرة مع بعض طلاب العلم، عن أحد مِن السَّلف الصالح، ولا الأئمة المُتقدِّمين أنَّه قال بخلاف ذلك.
والخروج عن جادتهم صعب، والعمل بخلافهم ليس برُشد، لأنَّهم عند الجميع أفهَم للنصوص، وأشد في العمل بها وأحرص، بل إنَّ الأحاديث والآثار لا تُفهم إلا على ضوء فُهومِهم، وإلا كان الخطأ والزَّلل.
وخطبة العيد أيضًا ظاهرة، يشهدونها، ويسمعون كيف تُبدأ؟ أبالتكبير أمْ بالحمد.
ثمَّ إنَّه لا تَنافر بين التكبير والحمد، إذ هُما جميعًا تعظيمٌ لله ــ عزَّ وجلَّ ــ، وثناء عليه سبحانه، ومَن بدأ خطبته بالتكبير فقد بدأها بالثناء على الله سبحانه كالحامد.
وقد كتبت رسالة مُستقلَّة عن هذا الموضوع بعنوان:
«تذكير الخَلَفِ بأنَّ بدأَ خطبة العيد بالتكبير هو المنقول عن السَّلف».
ومَن رَام الاستزادة والتوسع، فليُطالعها في موقعي، أو يَضع عنوانها في برنامج “قوقل”، وستخرج له بإذن الله تعالى.
المسألة الرابعة عشرة:
عن خطبة العيد وأنَّها اثنتان لا واحدة.
لا خلاف بين العلماء ــ رحمهم الله ــ:
أنَّ للعيد خطبتين يُفصَل بينهما بالجلوس.
ذَكَرَ ذلك فقيه الظاهرية ابن حزم الأندلسي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلى” (3/ 543 – مسألة: 543)، فقال:
«فإذا سلَّم الإمام قام فخطب الناس خطبتين، يجلس بينهما جلسة, فإذا أتمَّهما افترق الناس، فإنْ خطب قبل الصلاة فليست خطبة, ولا يجب الإنصات له.
كل هذا لا خلاف فيه إلا في مواضع نذكرها إنْ شاء الله تعالى».اهـ
ثم لم يَذكر ــ رحمه الله ــ بعد ذلك خلافـًا في الخطبتين.
قلت:
فإذا لم يكن خلاف بين مَن تقدَّمَنا مِن أهل العلم ــ رحمهم الله ــ في الخطبتين، وأجمعوا عليهما، فينبغي أنْ لا يحصل بيننا، والأسلم لَنا مُتابعتهم، وجعلهم قدوتنا في ذلك، بل لا يَسعنا إلا ذلك.
1 ــ وقال العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “مسائل الإمام ابن باز” (ص:82 ـــ تقييد وجمع: عبد الله بن مانع):
«العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين، فلا ينبغي العُدول عنه».اهـ
ــــ وقال أيضًا كما في كتاب “فتاوى نُور على الدَّرب” (13/ 364):
«خطبة العيد خطبتان، يَخطب خطبتين كالجمعة، هكذا قال أهل العلم».اهـ
2 ــ وقال العلامة أحمد بن يحيى النَّجمي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الرب الودود في الفتاوى والرسائل والردود” (3/ 117):
«علمًا بأنَّ العمل الآن جارٍ على الخطبتين عند مُعظم الناس، وعامة الفقهاء.
وفي الإتيان بخطبة واحدة جالب للبلبلة وكثرة النقاش والتساؤلات، فلو عمل الخطيب بما جَرى عليه الفقهاء فهو أحسن في نظري».اهـ
وكلامهما ــ رحمهما الله ــ تأكيد لِما تقدَّم مِن أنَّ هذا هو المنقول عن السَّلف الصالح، وسارت عليه الأمَّة.
وقد كتبت رسالة مُستقلَّة عن هذا الموضوع بعنوان:
«إسعاد الصُّحبة بأنَّ السَّلف الصالح على أنَّ للعيد خطبتين لا خطبة».ا
ومَن رام الاستزادة والتوسع، فليُطالعها في موقعي، أو يَضع عنوانها في برنامج “قوقل” وستخرج له بإذن الله تعالى.
المسألة الخامسة عشرة:
عن التهنئة بالعيد.
التهنئة بالعيد جَرى عليها عمل السَّلف الصالح مِن أهل القرون المُفضلة، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
1 ــ وقد قال الفقيه أبو عبد الله بن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (2/ 15)، عن التهنئة بالعيد بقول “تقبَّل الله مَنَّا ومِنكم “:
«في “النصيحة”: أنَّه فِعل الصحابة، وأنَّه قول العلماء».اهـ
وصاحب كتاب “النصيحة” هو: الإمام أبو بكر الآجُرِّي ــ رحمه الله ــ.
2 ــ وأخرج الحافظ ابن حِبَّان ــ رحمه الله ــ في كتابه “الثقات” (9/ 90 – رقم:15348)، عن علي بن ثابت ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
«سألت مالك بن أنس عن قول الناس يوم العيد: ” تقبل الله منا ومنك “، فقال:
(( مَا زَالَ ذَلِك الْأَمر عِنْدنَا، مَا نَرَى بِهِ بَأْسًا ))».اهـ
ــــ وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 295):
«وقال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سَنة، وقال:
(( لَمْ يَزُلْ يُعْرَفُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ ))».اهـ
3 ــ وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (2/ 446 – قبل حديث رقم: 951):
«وَرُوِّينَا في “المحامليات” بإسناد حسن، عن جُبير بن نُفير، أنَّه قال:
(( كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ ))».اهـ
وحسَّن إسناده أيضًا:
جلال الدِّين السيوطي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الحاوي للفتاوى” (1/ 81).
ــــ وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ أيضًا في كتابه “جزء التهنئة في الأعياد” (ص:34):
«وَرُوِّينَا في كتاب “التُّحفة” المذكور، بسند حسن أيضًا إلى محمد بن زياد الألهاني ــ وهو مِن رجال الصحيح ــ قال:
(( رأيت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ صَاحِب رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي الْعِيدِ لِأَصْحَابِهِ: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُم ))».اهـ
4 ــ وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (2/ 295):
«وقال أحمد: إسناد حديث أبي أُمَامة إسناد جيد».اهـ
وجوده أيضًا:
ابن التُّركماني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الجوهر النَّقي” (3/ 319 – بهامش “سُنن” البيهقي).
وصحَّح التهنئة في العيد بذلك عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ:
العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “تمام المِنَّة في التعليق على فقه السُّنة” (ص:355).
وقال في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (12/ 387 – بعد رقم: 5666):
«لكن قد ثبَت ذلك مِن طريق أُخْرى قوية: أنَّ الصحابة كانوا إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (( تقبَّل الله مِنَّا ومِنك ))».اهـ
قلت:
وبعض الناس ــ سدَّدهم الله ــ قد يُهنئون بالعيد قبل حلوله بيوم أو أكثر، أو يُهنئون بِه في ليلته.
والمنقول عن السَّلف الصالح أنَّهم كانوا يُهنئون بعضهم في نهار يوم العيد، ولا ريب أنَّ الأحب عند الجميع هو فعلهم.
ومع ذلك فأرجو أنْ لا يَضيق الأمْر، ولا يُشدَّد فيه، إذ ليلة العيد هي ليلة يومه.
المسألة السادسة عشرة:
عن حُكم صوم يوم عيد الأضحى وأيَّام التشريق.
أخرج البخاري (1991)، واللفظ له، ومسلم (827)، عن أبي سعيد الخُدري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( نَهَى النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ )).
وأخرج البخاري (1990) واللفظ له، ومسلم (1137)، عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال في خطبة العيد:
(( هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَاليَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ )).
وقال الحافظ ابن عبد البَر النَّمري المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التَّمهيد” (13/ 26):
«وصيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء أنـَّه لا يجوز على حال مِن الأحوال، لا لِـمتطوعٍ, ولا لناذرٍ, ولا لقاض فرضًا, ولا لمتمتع لا يجد هدْيًا, و لا لأحد مِن الناس كلهم أنْ يصومهما، وهو إجماع لا تنازع فيه».اهـ
ومِمَّن نقل الإجماع على التحريم أيضًا:
أبو الحسن المَاوردي الشافعي، وموفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي، وأبو زكريا النَّووي الشافعي، وابن حجر العسقلاني الشافعي، وبدر الدِّين العَيني الحنفي، وعبد العزيز ابن باز، وغيرهم.
وأيام التَّشريق هي:
«الأيَّام الثلاثة التي بعد يوم عيد الأضحى، يعني: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر».
وهذه الأيـَّام لا يجوز صيامها لا تطوعًا ولا فرضًا إلا لِمَن لم يَجد الـهَدْي.
وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
وذلك لِـمَا أخرجه البخاري (1997- 1998)، عن عائشة وابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنـَّهما قالا:
(( لم يُرَخَّص في أيام التَّشريق أن يُصَمْنَ إلَّا لمن لم يجد الـهَدْي )).
وثبَت عن أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عُقَيْلٍ:
(( أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَذَلِكَ الْغَدَ أَوْ بَعْدَ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو طَعَامًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَفْطِرْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِفِطْرِهَا، وَيَنْهَى عَنْ صِيَامِهَا، فَأَفْطَرَ عَبْدُ اللَّهِ، فَأَكَلَ )).
[ أخرجه أحمد (17768)، وأبو داود (2418)، والدارمي (1808)، وابن خزيمة (2149) واللفظ له، والحاكم (1589). ]
وصحَّحه: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، والألباني، وغيرهم.
المسألة السابعة عشرة / لا عيد للمسلمين إلا عيدان.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع فتاويه ورسائله” (3/ 111):
«إنَّ جنس العيد الأصل فيه أنـَّه عبادة وقُرْبة إلى الله تعالى».اهـ
وصحَّ عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال:
(( قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )).
[ رواه أحمد (13622)، وأبو داود (1134)، والنسائي (1556)، وغيرهم. ]
وصحَّحه: الحاكم، والبغوي، والنَّووي، وابن تيمية، والذهبي، والعَيني، وابن حجر العسقلاني، والألباني، وغيرهم.
1 ــ وقال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين ــ رحمه الله ــ في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (5/ 113)، بعد هذا الحديث:
«وهذا يدلُّ على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُحب أنْ تُحدِث أمـَّته أعيادًا سوى الأعياد الشَّرعية التي شرعها الله ــ عزَّ وجلّ ــ ».اهـ
1 ــ وقال المحدِّث المُناوي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فيض القدير” (4/ 511 – حديث رقم: 6106):
«وقال المَجد ابن تيمية:
الحديث يُفيد حُرمَة التَّشبُه بهم في أعيادهم، لأنَّه لم يُقرُّهم على العيدين الجاهليين، ولا ترَكهم يلعبون فيهما على العادة، وقال: (( أبدلكم ))، والإبدال يقتضي ترْك المُبْدَل مِنه».اهـ
المسألة الثامنة عشرة:
عن التَّكبير في أيَّام العشر الأُوَل مِن شهر ذِي الحِجَّة، ويوم عيد الأضحى، وأيَّام التَّشريق.
وتحت هذه المسالة عشرة فروع:
الفرع الأوَّل:
عن مشروعيَّـة التَّكبير المُطلَق في أيَّام عشر ذي الحِجَّة الأُوَل، ويوم عيد النَّحر، وأيَّام التشريق.
التَّكبير المُطلَق في أيَّام عشر ذي الحِجَّة الأُوَلِ، ويومِ النَّحر، وأيَّام التشريق، قد جَرَى عليه العملُ زمَن السَّلف الصَّالح مِن أهل القرون المفضَّلة، وعلى رأسهم أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
1 ــ فقد قال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث رقم:969)، جازمًا:
(( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ــ رضي الله عنهما ــ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا )).
وزاد غيرُه:
(( لا يَخْرُجَانِ إلَّا لِذَلِك )).
2 ــ وقال ميمون بن مِهران التابعي ــ رحمه الله ــ:
(( أدْرَكتُ النَّاسَ وإنـَّهُم لَيُكَبِّرونَ في العْشِر، حتى كُنْتُ أُشَبِّهُهُ بالأمْوَاجِ مِن كَثْرَتِهَا )).
3 ــ وأخرج الفاكِهيُّ في كتابه “أخبار مكة” (1706)، بإسناد صحيحٍ، عن التابعي ثابت البُناني ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( كَانَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ أَيَّامَ الْعَشْرِ حَتَّى نَهَاهُمُ الْحَجَّاجُ، وَالْأَمْرُ بِمَكَّةَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ، يُكَبِّرُ النَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْعَشْرِ )).
4 ــ وقال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث:907)، عن التكبير أيَّام التشريق، جازمًا:
(( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ــ رضي الله عنهما ــ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا )).
ووصَله:
الحافظ ابن المُنذر في كتابه “الأوسط” (2199)، والفاكِهي في كتابه “أخبار مكة” (4/ 228 – رقم: 2583).
وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (2/ 462)، عقب أثَرِ ابن عمر هذا، وغيرِه مِن الآثار عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ:
«وقد اشتمَلت هذه الآثار على وجود التَّكبير في تلك الأيَّام عقب الصلوات، وغير ذلك مِن الأحوال».اهـ
5 ــ وقال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ أيضًا في “صحيحه” (عند حديث رقم:907)، عن التكبير أيَّام التشريق، جازمًا:
(( وَكَانَ عُمَرُ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ــ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى، فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ، وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا )).
وهذا التَّكبير عند أكثر أهل العلم مشروع في حقِّ سائر النَّاس ذكورًا وإناثًا، وفي سائر الأوقات، وفي السَّفر والحضر.
ويقوله الإنسانُ وهو جالسٌ، أو قائم، أو راكب، أو مُضطجِع، أو وهو يمشي.
وفي البيت، والعمل، والسُّوق، والمراكب، والطرقات، وغيرها مِن الأماكن.
الفرع الثاني:
عن وقت التَّكبير المُطلق في أيَّام عشر ذي الحِجة، ويوم النَّحر، وأيَّام التشريق.
يُستحب التكبير في أيَّام عشر ذي الحِجَّة الأُوَل، ويومِ النَّحر، وأيَّامِ التشريق، في جميع الأوقات مِن ليلٍ أو نهار.
ويُسمَّى هذا التكبير عند العلماء ــ رحمهم الله ــ:
“بالتَّكبير المُطلَق”، لأنَّ قولَه لا يَتقيَّد بوقت، بل هو مُطلَق في جميع الأوقات.
إذ يقولُه المسلم في أيِّ وقتٍ شاءَ مِن ليلٍ أو نهار، وفي بيته، أو مركبته، أو سُوقه، أو المسجد، ويَفعله وهو قائم، أو جالس، أو مُضطجِع، أو في مشيه.
ويَبدأ هذا التكبير:
مِن بعد غُروب شمسِ آخِر يومٍ مِن أيَّام شهر ذي القَعْدة، ويَستمِرُّ إلى آخِر يومٍ مِن أيَّام التشريق، قبْل غُروبِ شمسه، ثُمَّ يُقطَع.
الفرع الثالث:
عن مشروعية التَّكبير المُقَيَّد في يوم عرفة، ويوم النَّحر، وأيَّام التشريق.
التكبير المُقيَّد هو:
«التكبير الذي يكون خلْف صلاة الفريضة، بعد السلام مِنها، وقبْل أذكارها».
وسُمَّى هذا التكبير “بـالتَّكبير المُقيَّد”، لأنَّ فعله قُيـِّد بالانتهاء مِن الصَّلاة بعد التسليم.
وهو مشروع بآثار الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، والإجماع.
1 ــ حيث قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/124):
«اتفق العلماء على: أنـَّه يُشرع التَّكبير عُقَيب الصَّلوات في هذه الأيـَّام في الجُملة.
وليس فيه حديث مرفوع صحيح.
بل إنـَّما فيه آثار عن الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ، ومَن بعدهم، وعملُ المسلمين.
وهذا يدلُّ على أنَّ بعض ما أجمَعت الأمـَّة عليه، لم يُنقل إلينا فيه نصٌّ صريح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، بل يُكتفَى بالعمل بِه».اهـ
2 ــ وقال الإمام موفق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 287-288):
«لا خلاف بين العلماء ــ رحمهم الله ــ: في أنَّ التكبير مشروع في عيد النَّحر، واختلفوا في مُدَّته».اهـ
3 ــ وقال فقيه الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذّب” (5/ 38-39):
«وأمَّا التكبير المُقيَّد، فيُشرع في عيد الأضحى بلا خلاف، لإجماع الأمَّة».اهـ
4 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (24/221):
«أمَّا التكبير، فإنَّه مشروع في عيد الأضحى بالاتفاق».اهـ
ــــ وقال أيضًا (24/ 221-222):
«وأمَّا التكبير في النَّحر، فهو أوكد مِن جهة أنَّه يُشرع أدبار الصلوات، وأنَّه مُتَّفَق عليه».اهـ
وقد ثبَت هذا التكبير عن جمعٍ مِن الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
مِنهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأمِّ المؤمنين ميمونة.
1 ــ وقال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث:907)، جازمًا:
(( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ــ رضي الله عنهما ــ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ )).
ووصَله:
الحافظ ابن المُنذر في كتابه “الأوسط” (2199)، والفاكِهي في كتابه “أخبار مكة” (4/ 228 – رقم: 2583).
وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (2/ 462)، عقب أثَرِ ابن عمر هذا، وغيرِه مِن الآثار عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ:
«وقد اشتمَلت هذه الآثار على وجود التَّكبير في تلك الأيَّام عقب الصلوات».اهـ
12 ــ وثبَت عند ابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (1/ 490 – رقم:5649)، عن إبراهيم النَّخعي تلميذ الصحابة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( كَانُوا يُكَبِّرُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَحَدُهُمْ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ )).
الفرع الرابع:
عن وقت التَّكبير المُقيَّد لغير الحُجَّاج وللحُجَّاج.
يَبدأ وقت التَّكبير المقيَّد لِغير الحُجَّاج:
«مِن فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر مِن آخِر أيـَّام التَّشريق، ثمَّ يُقطع».
1 ــ حيث قال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (1/ 561):
«وأشهرها الذي عليه العمل:
أنَّه مِن صلاة الصُّبح يوم عرفة إلى صلاة العصر مِن آخِر أيَّام التشريق».اهـ
2 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (24/ 220)، عن هذا التكبير:
«أصحُّ الأقوال في التَّكبير الَّذي عليه جمهور السَّلف والفقهاء مِن الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ والأئمَّة:
أنْ يُكبَّرَ مِن فجْر يومِ عرفة إلى آخِر أيـَّام التَّشريق، عقِب كلِّ صلاة».اهـ
ــــ وقال أيضًا (24/ 224):
«ولأنَّه: إجماعٌ مِن أكابِر الصحابة».اهـ
3 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/ 124):
«وقد حَكَى الإمام أحمد هذا القول إجماعًا مِن الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ، حكاه عن عُمر، وعَليٍّ، وابن مسعودٍ، وابن عباس».اهـ
ــــ وقال أيضًا (6/ 126):
«والإجماع الذي ذَكرَه أحمد، إنَّما هو في ابتداء التكبير يوم عرفة مِن صلاة الصبح.
أمَّا آخِر وقته، فقد اختلف فيه الصحابة الذين سمَّاهُم».اهـ
4 ــ وقال الفقيه شمس الدين السَّرخسي الحَنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المبسوط” (2/ 42):
«اتَّفقَ المشايخ مِن الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ: عُمر، وعَليٌّ، وابن مسعودٍ، أنـَّه يُبدأ بالتَّكبير مِن صلاة الغَداة مِن يوم عرفة».اهـ
5 ــ وقال الإمام مُوفَّق الدين ابن قُدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 288-289):
«ولأنَّه إجماعُ الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، رُوي عن عمر، وعليٍّ، وابن عباس، وابن مسعود.
وقِيل لأحمد: بأيِّ حديث تذهب إلى أنَّ التكبير مِن صلاة الفجْر يوم عرفة إلى آخِر أيَّام التشريق؟
قال: بالإجماع، عمر، وعليّ، وابن عباس، وابن مسعود ــ رضي الله عنهم ــ».اهـ
وأمَّا بالنِّسبة للحُجَّاج:
فالأصحُّ مِن أقوال أهل العلم أنَّهم كمَن لم يَحُج.
فيَبدأ تكبيرُهم أيضًا:
«مِن فجْر يوم عرفة، ويَستمر إلى عصر آخِر يوم مِن أيَّام التشريق، ثم يُقطَع».
وهو مذهب أبي حنيفة، وقولٌ للشافعي.
وذلك لعموم الآثار الثابتة عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، كعليِّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، إذ لم تُفرِّق بين حاجٍّ وغيره.
وقد اتَّفَقَت على الابتداء مِن صلاة الفجر.
وعُدَّ هذا مِن قِبَل بعض أهل العلم:
إجماعًا مِن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، لعدَم ثبوت مُخالِفٌ لهم مِنهم.
واتفق علي بن أبي طالب ــ وهو خليفة راشد ــ، وابن عباس، ــ رضي الله عنهم ــ على انتهاء هذا التكبير بصلاة العصر.
وذهب سفيان ابن عيينة، ومالك، وأحمد، وأبو ثور، والشافعي في قول:
إلى أنَّ الحاجَّ يَبدأُ بالتكبير مِن ظهر يوم النَّحر.
واختلفوا في وقت انتهاء تكبيره.
فمِنهم مَن قال: يَنتهي بصلاة فجْرِ آخِر أيَّام التشريق.
ومِنهم مَن قال: يَنتهي بصلاة عصْرِه.
الفرع الخامس:
عن الفرْق بين التَّكبير المُطلَق والتكبير المُقَيَّد.
التكبير المُطلَق والمُقيَّد يجتمعان في الوقت مِن فجر يوم عرفة إلى آخِر أيَّام التشريق.
ويَفترِقان في اختصاص المُطلَّق بالتكبير مِن غروب شمس آخِر يوم مِن شهر ذي القَعْدة.
أي: أنَّ التكبير المُطلَق يكون في أيَّام العشر جميعها، مع أيَّام التشريق.
والتكبير المُقيَّد يكون في يوم عرفة، ويوم عيد الأضحى، وأيَّام التشريق.
الفرع السادس:
عن وقت التكبير المُقيَّد وهل هو قبل أذكار صلاة الفريضة أمْ بعدها.
الذي وجَدتُّه مِن كلام أهل العلم والفقه ــ رحمهم الله تعالى ــ بعد البَحث والتفتيش في كُتبهم:
«أنَّ التكبير المُقيَّد يُقال بعد السلام مِن صلاة الفريضة مُباشرة على الفور، وقبْل أذكارها المعروفة».
ووجْه قولهم هذا:
أنَّ التكبير شِعار خاص بهذه الأيَّام القليلة، ولا يَتكرَّر بخلاف الأذكار، فيُقدَّم عليها.
ودونكم ــ سدَّدكم الله ــ بعض كلامهم:
أولًا ــ مذهب الإمام أبي حنيفة النُّعمان ــ رحمه الله ــ.
1ــ جاء في كتاب “الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة النُّعمان” (1/ 152):
«وينبغي أنْ يُكبِّر مُتصِلًا بالسلام، حتى لو تكلَّم أو أحدث مُتعمدًا سقط، كذا في “التهذيب”».اهـ
2ــ وجاء في كتاب “الأصل” (1/ 325)، للفقيه محمد بن الحسن الشيباني ــ رحمه الله ــ:
«قلت: فكيف التَّكبير؟
قال: إذا سلَّم الإمام، قال: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد” بلغَنا ذلك عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود».اهـ
ــــ وجاء فيه أيضًا (1/ 326):
«قلت: أرأيت المُحرِم يوم عرفة إذا صلَّى وسلَّم أيبدأ بالتكبير أو بالتلبية؟
قال: بل يبدأ بالتكبير، ثم يُلبَّي.
قلت: لِم؟
قال: لأنَّ التكبير أوجبَهما.
قلت: أرأيت الإمام إذا كان عليه سجدتا السهو أيُكبِّر قبل أنْ يسجدهما؟
قال: لا، ولكنَّه يسجدهما، ويسلِّم، ثم يُكبِّر.
قلت: أرأيت رجلًا سَبقه الإمام بركعة في أيَّام التشريق أيُكبِّر مع الإمام حين يسلِّم أو يقوم فيَقضِي؟
قال: بل يقوم فيقضي، فإذا سلَّم كبَّر».اهـ
3ــ وجاء في كتاب “المبسوط” (2/ 78)، للفقيه شمس الدين السَّرخسي ــ رحمه الله ــ:
«والتكبير أنْ يقول بعد التسلِّيم: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”».اهـ
ــــ وجاء فيه أيضًا (2/ 80):
«والتكبير يُؤدَّى في فور الصلاة».اهـ
ثانيًا ــ مذهب الإمام مالك بن أنس ــ رحمه الله ــ.
1ــ جاء في كتاب “كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني” (1/ 395)، للفقيه أبي الحسن المالكي ــ رحمه الله ــ:
«فإنْ حضَرت أيَّام النَّحر [ فليُكبِّر الناس ] استحبابًا [ دُبُرَ الصلوات ] المفروضات الحاضرة قبل التسبيح والتحميد والتكبير».اهـ
2ــ وقال أبو الحسن العدوي المالكي ــ رحمه الله ــ في حاشيته على كتاب “كفاية الطالب” (1/ 498):
«قوله: [ قبل التسبيح ] أي: وقبل آية الكرسي».اهـ
3ــ وجاء أيضًا في كتاب “الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني” (ص: 252)، للفقيه صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري ــ رحمه الله ــ.
بنحو ما جاء في كتاب “كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني” (1/ 498).
ثالثًا ــ مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي ــ رحمه الله ــ.
1ــ جاء في كتاب “المجموع شرح المُهذّب” (5/ 36) لأبي زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ:
«قال القاضي أبو الطَّيِّب في “الْمُجَرَّد”: وقد نَصَّ الشافعي على هذا فقال:
“فإذا سَلَّمَ كَبَّرَ خلف الفرائض”».اهـ
2ــ وجاء في كتاب “حاشية الجَمل” (2/ 103)، للفقيه سليمان العجيلي الأزهري المعروف بالجمَل ــ رحمه الله ــ:
« [ قوله أيضًا: وعَقِب كل صلاة، إلخ ]: ويُقدَّم على أذكارها، لأنَّه شعار الوقت، ولا يتكرَّر، فكان الاعتناء بِه أشد مِن الأذكار».اهـ
3 و 4ــ وجاء بنحوه أيضًا في كتاب “حاشية الشرواني” (3/ 51 ــ بذيل “تحفة المحتاج في شرح المنهاج”)، و كتاب “حاشية الشبراملسي” (2/ 397 – بذيل: “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج”)، وغيرهما.
رابعًا ــ مذهب الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ.
1ــ جاء في كتاب “الإنصاف” (5/ 374)، للفقيه علاء الدِّين المرداوي ــ رحمه الله ــ:
«فوائد:
الأولى: يُكبَّر الإمام إذا سلَّم مِن الصلاة، وهو مُستقبِل القبلة، على ظاهر ما نَقل ابن القاسم عنه، وقدَّمه في “الفروع”، و “الرعاية الكبرى”، و “الفائق”، و “تجريد العناية”، وابن رَزين في “شرحه”، واختاره أبو بكر، والمصنِّف، والشارح، قال في “الفروع”: والأشهر في المذهب أنه يُكبِّر مُستقبِل الناس.
قال في “تجريد العناية”: هو الأظهر، وجزم بِه في “مجْمع البحرين”، وقدَّمه ابن تميم، والحواشي، وقِيل: يُخَيَّر بينهما، وهو احتمال في “الشَّرح”.
وقيل: يُكبِّر مُستقبِل القبلة، ويُكبِّر أيضًا مُستقبِل الناس».اهـ
2ــ وجاء في كتاب “كشاف القناع عن متن الإقناع” (2/ 58)، لمنصور البهوتي ــ رحمه الله ــ:
« [ يؤيده: لو أخَّر الرَّمي إلى بعد صلاة الظهر، فإنَّه يجتمع في حقه التكبير والتلبية، فيبدأ بالتكبير ثم يُلبِّي نصًّا ] لأنَّ التكبير مِن جنس الصلاة.
قلت:
ويُؤخذ مِنه: تقديمه على الاستغفار، وقول: “اللهم أنت السلام” إلى آخِره».اهـ
3ــ وقال الفقية عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الروض المربع” (2/ 519):
«يُؤيده: أنَّه لو أخرَّ الرمي حتى صلى الظهر، اجتمع في حقه التكبير والتلبية، فيَبدأ بالتكبير، لأنَّ مثله مشروع في الصلاة، فهو بها أشبه.
ويُؤخذ مِنه: تقديمه على الاستغفار والتهليل والتسبيح، وهو الذي عليه عمل الناس».اهـ
وقد كتبت رسالة مُستقلَّة عن هذا الموضوع بعنوان:
«أقوال الفقهاء على أنَّ التكبير المُقيَّد يوم عرفة وعيد الأضحى وأيَّام التشريق يكون بعد السلام مِن الفريضة وقبل الأذكار».
ومَن رَام الاستزادة والتوسع، فليُطالعها في موقعي، أو يَضع عنوانها في برنامج “قوقل”، وستخرج له بإذن الله تعالى.
الفرع السابع:
عن مشروعيَّـة الجهر بالتَّكبير عند الخروج إلى صلاة عيد الأضحى.
ثبَت عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ:
(( أنـَّه كان إذا غدَا يوم الأضحى ويوم الفطر، يجهرُ بالتَّكبير حتَّى يأتي المصلَّى، ثمَّ يكبِّر حتَّى يأتي الإمام )).
[ رواه الدَّار قطني (2/45)، والفِريابي في “أحكام العيدين” (43،53). ]
1 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (24/220):
«وُيشرع لكلِّ أحد أنْ يجهر بالتَّكبير عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاق الأئمَّة الأربعة».اهـ
2 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/133):
«ولذلك يُشرع إظهار التَّكبير في الخروج إلى العيدين في الأمصار.
وقد رُوِي ذلك عن:
عمر، وعلي، وابن عمر، وأبي قتادة، وعن خَلق مِن التـابعين، ومَن بعدهم.
وهو إجماع مِن العلماء، ولا يُعلم بينهم خلاف في عيد النَّحر، إلَّا ما رواه الأثرم عن أحمد: أنـَّه لا يُجهر بَه في عيد النَّحر، ويُجهر بِه في عيد الفطر، ولعلَّ مراده أنْ يُجهر بِه في عيد النَّحر دون الجهر في عيد الفطر، فإنَّ تكبير عيد الفطر عنده آكد».اهـ
الفرع الثامن:
عن مشروعيَّة الجهر بالتَّكبير أيـَّام العشر, وفي يوم النَّحر, وأيـَّام التَّشريق.
1 ــ قال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث رقم: 969)، جازمًا، عن الجهر بالتكبير أيَّام العشر:
(( وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ــ رضي الله عنهما ــ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا )).
وقال أيضًا (عند رقم:970)، جازمًا، عن الجهر بالتكبير أيَّام التشريق:
(( وَكَانَ عُمَرُ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ــ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا )).
الفرع التاسع:
عن تكبير النِّساء.
أخرج البخاري (971)، واللفظ له، ومسلم (890)، عن أمُّ عطية ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت في شأن خروج النساء إلى مُصلَّى العيد:
(( كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ )).
وفي لفظ لمسلم:
(( الْحُيَّضُ يَخْرُجْنَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ )).
والشاهد مِنه قولها ــ رضي الله عنها ــ في شأن نساء الصحابة:
(( فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ )) و (( يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ )).
1 ــ وقد قال فقيه الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في شرح على “صحيح مسلم” (6/ 429 – عند حديث رقم:890):
وقولها: (( يُكبِّرنَ مع النَّاس ))، دليل على استحباب التكبير لكل أحد في العيدين، وهو مُجمَع عليه».اهـ
2 ــ وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (6/130)، بعد حديث أُمِّ عطية هذا:
«ولا خلاف في أنَّ النَّساء يُكبِّرن مع الرِّجال تبعًا إذا صلَّيْنَ معهم جماعة، ولكنَّ المرأة تخفض صوتها بالتَّكبير».اهـ
3 ــ وقال الفقيه أبو الحسن ابن بطَّـال المالكي ــ رحمه الله ــ في شرح على “صحيح البخاري” (2/567)، عن تكبير النساء:
«وهذا أمـرٌ مُستفيض».اهـ
4 ــ وقال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث:907)، عن التكبير أيَّام التشريق، جازمًا:
(( وكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ )).
(( وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ )).
5 ــ وقال الإمام مُوفَّق الدَّين ابن قُدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (3/ 291)، عن النساء أثناء التكبير:
«ويَنبغي لهنَّ أنْ يَخفِضن أصواتهنَّ حتى لا يَسْمَعَهُنَّ الرِّجال».اهـ
قلت:
فإنْ كن النساء في مكان لا رِجال فيه، أو لا يَسمعُهنَّ فيه أحد مِن الرِّجال، فلَهُنَّ الجهر بالتكبير.
الفرع العاشر:
عن صِيَغ هذا التَّكبير.
جاءت في هذا التَّكبير عِدَّة صِيغ عن الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ:
الصِّيغة الأولى:
(( اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ )).
وثبَتت عن عبد الله بن عباس ــ رضي الله عنهما ــ.
[ ورواها ابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (1/ 489-490 – رقم:5645 و 5654). ]
الصِّيغة الثانية:
(( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ )).
وثبَتت عن عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ.
[ ورواها ابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (1/ 488-490 ــ رقم: 5632 و 5633 و 5650-5652)، والفِريابي في “أحكام العيدين” (62)، وغيرهما. ]
وصحَّحها: العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ، وغيره.
وثبَتت هذه الصِّيغة أيضًا عن جمْعٍ مِن التَّابعين ــ رحمهم الله ــ.
وثبَت عند ابن أبي شَيبة في “مُصنَّفه” (1/ 490 – رقم:5649)، عن التابعي إبراهيم النَّخعي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( كَانُوا يُكَبِّرُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَحَدُهُمْ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ )).
وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (24/ 220)، عن هذه الصِّيغة مِن التكبير، إنَّها:
«صِفة التكبير المنقولة عن أكثر الصحابة».اهـ
الصِّيغة الثالثة:
ما ثبَت عند عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (20581)، ومِن طريقه البيهقي في “سُننه” (3/ 316 – رقم: 6282)، واللفظ له، عن أبي عثمان النَّهدي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال:
(( كَانَ سَلْمَانُ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ يُعَلِّمُنَا التَّكْبِيرُ يَقُولُ: كَبِّرُوا: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ قَالَ: تَكْبِيرًا، اللهُمَّ أَنْتَ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ صَاحِبَةٌ، أَوْ يَكُونَ لَكَ وَلَدٌ، أَوْ يَكُونَ لَكَ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، أَوْ يَكُونَ لَكَ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا، اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، اللهُمَّ ارْحَمْنَا )).
وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (2/ 462)، عن هذه الصِّيغة:
«أصحُّ ما ورد».اهـ
المسألة التاسعة عشرة:
عن مشروعية الأضحية.
1 ــ قال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ في كتابه “رسائل فقهية” (ص:45):
«الأضحيةُ هي: ما يُذبحُ مِن بهيمة الأنعامِ في أيَّام الأضحى بسبب العيدِ تَقرُّبًا إلى الله ــ عزَّ وجلَّ ــ».اهـ
2 ــ وقال الفقيه ابن الجوزي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “كشف المُشكل مِن حديث الصحيحين” (4/ 425):
«إنَّما سُمِّيت الأضحيةُ أضحيةً: لأنَّها تُذبح وقت الضُّحَى».اهـ
3 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (23/ 161):
«وأمَّا الأضحية، فإنَّها مِن أعظم شعائر الإسلام، وهي النُّسك العام في جميع الأمصار، والنُّسك المقرون بالصلاة، وهي مِن مِلَّة إبراهيم الذي أُمِرنا باتِّباع مِلَّته».اهـ
وهي مشروعة بالسُّنة النبوية المُستفيضة، وبالقول والفعل مِنه صلى الله عليه وسلم
حيث قال أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ:
(( ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ )).
[ رواه البخاري (5565 )، ومسلم (1966). ]
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم للناس في خطبة عيد الأضحى معلِّمًا ومرغِّبًا:
(( إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا )).
[ رواه البخاري (951)، ومسلم (1961) مِن حديث البَراء بن عازب ــ رضي الله عنه ــ. ]
بل وضَحَى النبي صلى الله عليه وسلم حتى في السفر، فقال ثوبان ــ رضي الله عنه ــ:
(( ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا ثَوْبَانُ: أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ»، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ )).
[ رواه مسلم (1975). ]
وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ غنمًا ليُضَحوا بها، حيث أخبَر عقبة بن عامر ــ رضي الله عنه ــ:
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ» )).
[ رواه البخاري (2500)، ومسلم (1965). ]
وجاء في كتاب “مَرْعَاة المفاتيح شرح مِشكاة المصابيح (5/ 71) للعلامة عُبيد الله المُباركفُوري الهِندي ــ رحمه الله ــ:
«والأصل في مشروعيتها الكتاب، والسُّنة، والإجماع.
أمَّا الكتاب، فقوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }، أي: صَلِّ صلاة العيد وانْحَر النُّسك، أي: الأضحية، كما قاله جمْعٌ مِن المفسِّرين.
وأمَّا السُّنة، فما رُويَ في ذلك مِن أحاديث الباب، وهي مُتواترة مِن جهة المعنى، لأنَّها مُشترِكة في أمْرٍ واحد، وهو مشروعية الأضحية.
وأمَّا الإجماع، فهو ظاهر، لا خِلاف في كونِها مِن شرائع الدِّين.
وقد تواتر عمَل المسلمين بذلك مِن زمَن النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
وهي مِن سُّنة إبراهيم ــ عليه السلام ــ لقوله تعالى: { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }».اهـ
قلت:
ومَن ضَحَّى وهو يَخشى الفقر والحاجة، فليُبشر بموعود الله الحسن له، حيث يُخلِفُه عليه في الدنيا بالبَدل، وفي الآخِرة بالجزاء والثواب.
لِقول الله ــ جلَّ وعلا ــ: { ومَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }.
وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (15/ 163-164):
«ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه ترْك الأضحية، ونَدَب إليها، فلا ينبغي لموسر تركها».اهـ
وثبَت عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( مَن وَجَدَ سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا )).
[ رواه الدار قطني (4743)، والحاكم (7566)، والبيهقي (19013)، وابن عبد البر في “التمهيد” (23/ 191)، وغيرهم. ]
وصحَّحه: الذهبي، وغيره.
وجاء هذا الأثر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح.
المسألة العشرون:
عن حُكم أخْذ المُضحي مِن شعره وأظفاره وجِلده في أيَّام العشر، ووقت بدايته ونهايته.
إذا دخلَت العشرُ الأُوَل مِن شهر ذي الحِجَّة، فإنَّ مُريد الأضحية مَنهِّي عن الأخْذ مِن شعره، وأظفاره، وجِلده، حتى يَذبح أو تُذبخ أُضْحِيته، لحديث أُمِّ سلَمة ــ رضي الله عنها ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا )).
[ رواه مسلم (1977). ]
1 ــ وقال الفقيه عون الدِّين ابن هُبيرة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإفصاح عن معاني الصِّحاح” (1/ 550-551):
«واتفقوا ــ يعني: الأئمة الثلاثة ــ: على أَنَّه يُكره لِمَن أراد الأضحية أنْ يأخذ مِن شَعْرَة وظُفره في العَشْر إلى أنْ يُضحِّي.
وقال أبو حنيفة: لا يُكره».اهـ
2 ــ وقال الفقيه جمال الدِّين الصردفي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة” (1/ 407):
«عند الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأكثر العلماء:
يُكره لِمَن أراد أنْ يُضحِّي إذا دخل عليه عشر ذي الحِجَّة أنْ يأخذ شعره وظُفره.
وعند أحمد في رواية، وإسحاق: يَحرُم عليه ذلك».اهـ
3 ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابيه “المجموع شرح المُهذّب” (8/ 363)، و “شرح صحيح مسلم” (13/ 147- 148- عند حديث رقم:1977):
« والمُراد بالنَّهي عن الحَلْق والقَلْم:
المنْع مِن إزالة الظُّفر بقَلْم، أو كسْر، أو غيره.
والمنْع مِن إزالة الشعر بحَلْقٍ، أو تقصير، أو نتْف، أو إحراق، أو أخذِه بِنَوْرَةٍ، أو غير ذلك.
وسواءٌ شعر العانة، والإبط، والشارب، والرأس، وغير ذلك مِن شعور بَدَنه».اهـ
ــــ فإنْ أخذ مُريد الأضحية مِن ذلك شيئًا فقد أساء، وخالف السُّنَّة، ولا كفارة عليه.
حيث قال الإمام مُوفَّق الدِّين ابن قُدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (13/ 362-363):
«فإنْ فعَل استغفر الله تعالى، ولا فِدية عليه إجماعًا، وسواء فعَله عمدًا أو نسيانًا».اهـ
ويَبدأ وقت المَنْع مِن الأخْذ: «مِن حين إهلال هِلال شهر ذي الحِجَّة، وغروب شمس آخِر يوم مِن شهر ذي القَعْدة».
ويَنتهي: «بذبح المُضَحِّي لأضحيته، سواء ذُبِحت في يوم العيد، أو في أوَّل أو ثاني يوم مِن أيَّام التشريق».
ويدُل على وقت ابتدائه وانتهائه:
ما أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه” (1977)، عن أمِّ سلَمة ــ رضي الله عنها ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ )).
المسألة الحادية والعشرون:
عن بعض المظاهر السَّيئة الَّتي تحصُلُ في يوم العِيد وما بعده مِن أيَّام.
العيد مِن أجمل الشعائر التي امتنَّ الله سبحانه بها على عباده.
إذ يجتمع المسلمون صباح يومه في مُصلَّياتهم، ويتقرَّبون إلى ربِّهم بعبادات شتَّى، ويُكبِّرون الله ويشكرونه على ما أنْعم عليهم، ويُواسِي غنيُّهم فقيرهم، ويَصِلُ القريب فيه قريبه، والجار جاره، وتصفُو النفوس، ويُصفَح ويُتَجَاوز، وتِحِلُّ الأُلفة، ويَظهر الكرم، ويكون السُّرور، ويُهنِّـأ النَّاسُ بعضهم بعضًا عليه.
إلَّا أنَّ ثَمة مظاهر كثيرة تُرى في العيد لا يليق بالمسلمين أو المسلمات أنْ تقع مِنهم، أو يكونوا مِن أهلها، أو مِن العاملين بها.
ومِن هذه المظاهر:
تشاغل كثير مِن الرِّجال عن أهمِّ شعائر العيد، وهي صلاة العيد، حيث يتشاغلون عنها بالنَّوم، أو التَّبضُّع، أو التَّجمُّل، أو الزَّبائن، أو أمور ضيافة الزُّوَّار والمُهنِّئين.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ كثيرًا مِن النِّساء قد جعلن العيد مظهرًا مِن مظاهر التَّبرج والسُّفور والتَّكشُّف، وإظهار المَفاتن والعورات.
فَيَفْتِن ويُفتَن، ويأثمْن ويتسبَّبن في الإثم.
ويُرى ذلك مِنهن وقت التَّزاور، أو عند حضور الولائم, أو في الشَّواطئ، والحدائق، وأماكن النُّـزُّهة.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ طوائف مِن النَّاس يكونون في العيد مِن الضَّارِّين لأنفسهم وأهليهم وأصدقائهم بحضور تجمُّعات الغناء والموسيقَى والرَّقص وحفلات أهلها، بل قد يُسافِرون في طلبها.
وهذا إفسادٌ للنفس والأهل والصُّحبة، وتكثيرٌ لِلوزْر، وتِبديد لِنعمة الله عليهم بالمال، وما هكذا تُشكر نِعم الله سبحانه، وإفضاله على عبده.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ مِن النَّاس ــ وهم كُثُرٌ جدًا ــ واقعهم في العيد:
سهرٌ بالليل لِمُتعة النَّفس، وإمتاعِ الأهل أو الرِّفقة، ثمَّ نومٌ بالنَّهار، تضيع بِه الصَّلوات، فلا تُؤدَّى في أوقاتها، وهذا إهلاك للنَّفس بتكثير الإثم، وإغضاب لِلرَّب الذي أنعم بهذه النَّفس وكل النِّعم.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ مِن الذُّكور والإناث مَن يَجعل عيده محلًا للتَّشبُّه بأهل الكفر والفجور والفساد في ألبستهم، وقصِّ شعورهم، ورقصاتهم، وأفعالهم، وعاداتهم.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ مِن الرِّجال والنِّساء مَن يُؤثِّم نفسه وغيره عند اللِّقاء في العيد والتَّزاور، بمصافحة مَن ليس أو ليست بمحْرَم، وبعضهم قد يَفعل ما هو أشد، فيُصافِح، ويُقبِّل في الخدود، ويَضُم البَدن إلى البَدن ويَلتزمه، مع مَن لا تَحِل له مِن النساء، وهي أجنبيَّة عنه.
ومِن هذه المظاهر:
تبديد المال الكثير في شراء المُفرقعات أو الألعاب النَّـارية للأولاد، وقد كرِه الله لَنا إضاعة المال، بل قد تكون هذه الأشياء سببًا في إيذاء النَّاس بها وبأصواتها، أو تُلحِق الضَّرر بالعيال، أو مَن حولهم، والمستشفيات والمطافئ شاهد حيٌّ على ذلك.
ومِن هذه المظاهر:
ما يحصل مِن بعضهم، حيث يَقْلِب لقاءه في العيد مع أهله وإخوانه وقرابته ورِفاقه إلى تشاحن وخصام وهجر، وزيادة في التَّباغض، بسبب ضَعف الحِلم، وسُرعة الغضب، وقِلَّة الرِّفق واللين، وفظاظة القول، وقساوة الطبع، وعلى أفعالٍ يسيرة وهيِّنة.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ طوائف كثيرة جدًا مِن النَّاس قد جعلوا العيد موسمًا لزيارة المقابر والجلوس فيها والتَّجمع عندها، وقراءة الفواتح لأهلها، فمَا إنْ ينتهوا مِن صلاة العيد إلا وتوجَّهوا إليها.
ولا يُعرف هذا التخصيص والتجمُّع عن سَلف الأمَّة الصالح، ولا خصَّصها بالزِّيارة فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته ــ رضي الله عنهم ــ، ولا مَن بعدهم، ولا أئمة المذاهب الأربعة.
وإنْ لم نَقتَد بهؤلاء الأكابر الأجلاء فبِمَن؟
وأكثر الناس لا يعلمون أنَّ هذه عادة رافضية أو صوفيه، أحدَثوها ونشروها بين الناس.
ومِن هذه المظاهر:
أنَّ كثيرًا مِن الآباء والأُمهات قد أنعم الله عليهم بِبُـنَـيَّـات، فتراهُم يُخرجونهنَّ في العيد بألبسة إنْ رأيتها لم تتذكَّر إلا ألبسَة الكاسيات العاريات المُفسدات.
وإنْ رأيت البُنيَّات سألت الله أنْ يُسلِّمهنَّ ويحفظهنَّ مِن الفِتن وأهلها، وخشِيت عليهنَّ مِن الشَّر وأهله ودعاته.
وخِفت أنْ يَكْبَرن على هذه الألبسة ويتعوَّدْنَ عليها، فيكُنَّ مِعْوَل إفسادٍ لأنفسهنَّ وبُلدانهنَّ ومُجتمعاتهنَّ، وطريق وِزْرٍ لأهل البيت.
ومِن هذه المظاهر:
ما يحصل مِن أعداد كثيرة مِن الذكور والإناث حيث يُضيِّعون مالهم، ويضرُّون أنفسهم ويُؤثِّمونها في العيد ببرامج الفضائيات والإذاعات ومكالمة أهلها لطلب الأغاني ومشاهد الفساد والتَّعرِّي فيها، فيَرونها، ويهدونها لغيرهم، ويتسبَّبون في أنْ يَسمعها ويراها غيرهم مِن النَّاس بسبب طلبهم لَها، فيُؤثِّمونَهم معهم، ويحملون أوزارًا مع أوزارهم.
ومِن هذه المظاهر:
ما يحصل مِن أعداد غفيرة مِن الشُّبان والشَّابات مِن مُعايدة غيرهم عبر الهاتف الجوَّال وبرامج التواصل المُختلفة بكلماتٍ ماجِنة، وأصواتٍ هابطة، وصور فاتنة، وأُغْنيات مُحرَّمة، والجميع لا يضرّ إلا نفسه وأخاه وصاحبه ومُجتمعه وبلده.
ومِن هذه المظاهر:
ما عليه النِّساء في مجتمعات وأُسَرٍ عِدَّة مِن الظهور في الأعياد والمناسبات أمام الأُخْريات بألبسة فاضحة مُنكرة، إنْ رأيتها لم تتذكَّر إلا نساء أهل الكفر والفجور والفساد والإفساد، وتتعجَّب وقوعه ممَّن أنْعم الله عليهنَّ بدينِه وشرعه، وستره وحفظه، وأفضاله الكثيرة.
وفي الختام، أسأل الله ــ جلَّ وعلا ــ:
أنْ يرزقنا توبة صادقة، وحسنات متزايدة، وقلوبًا تخشع، وإقبالًا على الطَّاعة يَكثر، وبُعدًا عن المعاصي، وترْكًا لأماكنها وأهلها وأسبابها وقنواتها ودعاتها، إنَّه سميع مجيب.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفهارس
المُقدِّمة:
صفحة (1).
المسألة الأولى / عن صلاة العيد.
مِن صفحة (2) إلى (7).
وتحتها ثلاثة فروع:
الفرع الأوَّل: عن مشروعية صلاة العيد.
مِن صفحة (2) إلى (4).
الفرع الثاني: عن نوع مشروعية صلاة العيد.
مِن صفحة (4) إلى (5).
ــــ وصلاة العيد ركعتان بنصِّ السُّنَّة النَّبوية، والإجماع.
صفحة (4).
ــــ ويُسنُّ أنْ تُصلَّى صلاة العيد جماعة بنصِّ السُّنَّة النَّبوية، والإجماع.
مِن صفحة (5).
الفرع الثالث: عن مكان إقامة صلاة العيد أهل مكة، وأهل البلدان الأخرى.
مِن صفحة (14) إلى (16).
المسألة الثانية / عن الاغتسال للعيد.
مِن صفحة (7) إلى (9).
وتحتها ثلاثة فروع:
الفرع الأول: عن مشروعية الاغتسال للعيد.
صفحة (7).
الفرع الثاني / عن وقت الاغتسال للعيد.
مِن صفحة (7) إلى (8).
الفرع الثالث: عن أهل غُسل الغسل.
مِن صفحة (8) إلى (9).
المسألة الثالثة / عن التَّجمُل في العيد بأحسن الثياب والطِّيب.
مِن صفحة (9) إلى (11).
المسألة الرَّابعة / عن ترك الإنسان الأكل يوم عيد الأضحى حتَّى يرجع مِن المصلَّى.
مِن صفحة (11) إلى (12).
المسألة الخامسة / عن سُنَن الخروج إلى مُصلَّى العيد والعودة مِنه.
مِن صفحة (12) إلى (14).
وتحتها فرعان:
الفرع الأول: عن استحباب ذهاب الناس إلى مُصلَّى العيد مشيًا على الأقدام.
مِن صفحة (12) إلى (13).
الفرع الثاني: عن استحباب ذهاب الإمام والمأمومين إلى مُصلَّى العيد مِن طريق والرجوع مِنه إلى بيوتهم مِن طريق آخَر.
مِن صفحة (13) إلى (14).
المسألة السَّادسة / عن صلاة النَّوافل في مُصلَّى العيد.
مِن صفحة (14) إلى (18).
وتحتها ثلاثة فروع:
الفرع الأوَّل: عن تطوُّع الإمام قبل صلاة العيد.
صفحة (14).
الفرع الثَّاني: عن تطوُّع المأموم قبل صلاة العيد.
مِن صفحة (14) إلى (16).
الفرع الثَّالث: عن تحيـَّة المسجد إذا كانت صلاة العيد في المسجد.
مِن صفحة (16) إلى (18).
المسألة السابعة / عن التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد.
مِن صفحة (18) إلى (31).
وتحتها سِتَّة فروع:
الفرع الأوَّل: عن المُراد بالتَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد.
صفحة (18).
الفرع الثاني: عن مشروعية التَّكبيرات الزَّوائد في صلاة العيد.
صفحة (18) إلى (20).
ــــ ومشروعية التكبيرات الزوائد في صلاة العيد مشروعية استحباب بلا خلاف بين العلماء.
صفحة (18) إلى (20).
الفرع الثَّالث: عن عدد التَّكبيرات الزَّوائد في كلِّ ركعة مِن ركعات صلاة العيد.
مِن صفحة (20) إلى (23).
الفرع الرابع: عن ترك التَّكبيرات الزَّوائد أو شيءٍ مِنها في صلاة العيد عمدًا أو سهوًا.
مِن صفحة (23) إلى (26).
وتحت هذا الفرع ثلاثة أمور:
الأمر الأوَّل: عن حُكم تَرْك التَّكبيرات الزوائد في صلاة العيد أو شيء مِنها عمدًا أو سهوًا.
صفحة (23) إلى (24).
الأمْر الثاني: عن الذي يَفعله مِن نَسِي، فتَرَك التَّكبيرات الزوائد في صلاة العيد أو شيء مِنها بعد أنْ شرَع في قراءة الفاتحة.
صفحة (24) إلى (26).
الأمر الثالث: مَن أدرك الإمام وهو راكع، فإنَّه يُكبِّر تكبيرة الإحرام ثم يركع مُباشرة، ولا يشتغل بقضاء التكبير الزوائد، بالإجماع.
صفحة (26).
الفرع الخامس: عن رفع اليدين إلى حذو المنكبين أو فروع الأذنين مع التَّكبيرات الزَّوائد.
مِن صفحة (27) إلى (28).
الفرع السادس: عن حُكم الذِّكر بين التَّكبيرات الزَّوائد، بحمد الله تعالى، والثناء عليه، والدعاء، والصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم.
مِن صفحة (28) إلى (31).
المسألة الثامنة / عن دعاء الاستفتاح في صلاة العيد.
صفحة (31) إلى (34).
المسألة التاسعة: عن التعوذ قبل قراءة الفاتحة في صلاة العيد.
صفحة (34).
المسألة العاشرة / عن حُكم قضاء صلاة العيد، وكيفية هذا القضاء.
مِن صفحة (34) إلى (40).
تنبيه وخلاصة: عن أقوال العلماء ــ رحمهم الله ــ فيمَن فاتته صلاة العيد.
صفحة (39) إلى (40).
المسألة الحادية عشرة: عن مُختصَر صِفة صلاة العيد.
صفحة (40) إلى (42).
المسألة الثانية عشرة / عن شهود خطبة العيد.
مِن صفحة (42) إلى (44).
وتحتها فرعان:
الفرع الأوَّل: عن الجلوس لاستماع خطبة العيد.
مِن صفحة (42) إلى (43).
الفرع الثاني: عن كلام الناس في أثناء خطبة العيد.
صفحة (43) إلى (44).
المسألة الثالثة عشرة / عن بدأ خطبة العيد بالتكبير.
مِن صفحة (44) إلى (46).
المسألة الرابعة عشرة / عن خطبة العيد وأنَّها اثنتان لا واحدة.
مِن صفحة (46) إلى (47).
المسألة الخامسة عشرة / عن التهنئة بالعيد.
مِن صفحة (47) إلى (50).
المسألة السادسة عشرة / عن صيام يوم عيد الأضحى وأيَّام التشريق.
مِن صفحة (50) إلى (52).
المسألة السابعة عشرة / لا عيد للمسلمين إلا عيدان.
مِن صفحة (52) إلى (53).
المسألة الثامنة عشرة / عن التَّكبير في أيَّام العشر الأُوَل مِن شهر ذِي الحِجَّة، ويوم عيد الأضحى، وأيَّام التَّشريق.
مِن صفحة (53) إلى (70).
وتحت هذه المسالة عشرة فروع:
الفرع الأوَّل: عن مشروعيَّـة التَّكبير المُطلَق في أيَّام عشر ذي الحِجَّة الأُوَل، ويوم عيد النَّحر، وأيَّام التشريق.
مِن صفحة (53) إلى (55).
الفرع الثاني: عن وقت التَّكبير المُطلق في أيَّام عشر ذي الحِجة، ويوم النَّحر، وأيَّام التشريق.
مِن صفحة (55).
الفرع الثالث: عن مشروعية التَّكبير المُقَيَّد في يوم عرفة، ويوم النَّحر، وأيَّام التشريق.
مِن صفحة (55) إلى (58).
الفرع الرابع: عن وقت التَّكبير المُقيَّد لغير الحُجَّاج وللحُجَّاج.
مِن صفحة (85) إلى (61).
الفرع الخامس: عن الفرْق بين التَّكبير المُطلَق والتكبير المُقَيَّد.
مِن صفحة (61).
الفرع السادس: عن وقت التكبير المُقيَّد وهل هو قبل أذكار صلاة الفريضة أمْ بعدها.
مِن صفحة (61) إلى (65).
الفرع السابع: عن مشروعيَّـة الجهر بالتَّكبير عند الخروج إلى صلاة عيد الأضحى.
مِن صفحة (65) إلى (66).
الفرع الثامن: عن مشروعيَّة الجهر بالتَّكبير أيـَّام العشر, وفي يوم النَّحر, وأيـَّام التَّشريق.
مِن صفحة (66) إلى (67).
الفرع التاسع: عن تكبير النِّساء.
مِن صفحة (67) إلى (68).
الفرع العاشر: عن صِيَغ هذا التَّكبير.
مِن صفحة (68) إلى (70).
المسألة التاسعة عشرة / عن مشروعية الأضحية.
مِن صفحة (70) إلى (73).
المسألة العشرون / عن حُكم أخْذ المُضحي مِن شعره وأظفاره وجِلده في أيَّام العشر، ووقت بدايته ونهايته.
مِن صفحة (73) إلى (75).
ــــ فإنْ أخذ مُريد الأضحية مِن ذلك شيئًا فقد أساء، وخالف السُّنَّة، ولا كفارة عليه.
مِن صفحة (74) إلى (75).
المسألة الحادية والعشرون / عن بعض المظاهر السَّيئة الَّتي تحصُلُ في العِيد.
مِن صفحة (75) إلى (79).
الفهارس:
مِن صفحة (79) إلى (78).
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.