هل صلاة الجمعة تسقط بشهود صلاة العيد ولا يُصلى يومها ظهرًا ولا جمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
أولًا: قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى” (٢٤/ ٢١١):
ﺇﺫا اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻭاﺣﺪ ﻓﻠﻠﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﻮاﻝ
أحدها:
ﺃﻧﻪ ﺗﺠﺐ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﺷﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ، ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺐ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﻤﻊ ﻟﻠﻌﻤﻮﻣﺎﺕ اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺏ اﻟﺠﻤﻌﺔ.
ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ:
ﺗﺴﻘﻂ ﻋﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒَﺮِّ، ﻣﺜﻞ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻮاﻟﻲ ﻭاﻟﺸﻮاﺫ.
ﻷﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ – رضي الله عنه – ﺃﺭﺧﺺ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟﻤﺎ ﺻﻠﻰ ﺑﻬﻢ العيد.
ﻭاﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻟﺚ:
ﻭﻫﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﻣَﻦ ﺷﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﻥ ﻳُﻘﻴﻢ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻟﻴﺸﻬﺪﻫﺎ ﻣَﻦ ﺷﺎء ﺷﻬﻮﺩﻫﺎ، ﻭﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ.
ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻤﺄﺛﻮﺭ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ:
ﻛﻌﻤﺮ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻭاﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻻ ﻳُﻌﺮﻑ ﻋﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺧﻼﻑ.
ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻘﻮﻟﻴﻦ اﻟﻤﺘﻘﺪِّﻣَﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻬﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣِﻦ اﻟﺴُّﻨَّﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻤﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻪ ﻋﻴﺪاﻥ ﺻﻠﻰ اﻟﻌﻴﺪ ﺛﻢ ﺭﺧَّﺺ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ:
(( ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻧﻜﻢ ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺘﻢ ﺧﻴرًا، ﻓﻤَﻦ ﺷﺎء ﺃﻥ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻠﻴﺸﻬﺪ، ﻓﺈﻧﺎ ﻣﺠﻤﻌﻮﻥ )).
ﻭﺃﻳﻀًﺎ:
ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫا ﺷﻬﺪ اﻟﻌﻴﺪ ﺣﺼﻞ ﻣﻘﺼﻮﺩ اﻻﺟﺘﻤﺎﻉ، ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﻳُﺼﻠﻲ اﻟﻈﻬﺮ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﺘﻜﻮﻥ اﻟﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻬﺎ، ﻭاﻟﻌﻴﺪ ﻳْﺤﺼِّﻞ ﻣﻘﺼﻮﺩ اﻟﺠﻤﻌﺔ.اهـ
ثانيًا: قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البَرِّ النَّمري المالكي – رحمه الله – في كتابه “التمهيد” (١٠/ ٢٧٠-٢٧١):
ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻘﻮﻝ اﻷﻭﻝ:
” ﺇﻥ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺗﺴﻘﻂ ﺑﺎﻟﻌﻴﺪ وﻻ ﺗُﺼﻠَّﻰ ﻇﻬﺮًا ﻭﻻ ﺟﻤﻌﺔ”.
ﻓﻘﻮﻝ ﺑﻴِّﻦ اﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﻇﺎﻫﺮ اﻟﺨﻄﺄ، ﻣﺘﺮﻭﻙ ﻣﻬﺠﻮﺭ ﻻﻳُﻌﺮﺝ ﻋﻠﻴﻪ، ﻷﻥ اﻟﻠﻪ – ﻋﺰَّ ﻭﺟﻞَّ – ﻳﻘﻮﻝ:
{ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ }، ﻭﻟﻢ ﻳﺨُﺺّ ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪ ﻣِﻦ ﻏﻴﺮﻩ.
ﻭﺃﻣﺎ اﻵﺛﺎﺭ اﻟﻤﺮﻓﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎﻥ ﺳﻘﻮﻁ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻭاﻟﻈﻬﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮُّﺧﺼﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺨﻠﻒ ﻋﻦ ﺷﻬﻮﺩ اﻟﺠﻤﻌﺔ.
ﻭﻫﺬا ﻣﺤﻤﻮﻝ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻴﻦ :
ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ:
ﺃﻥ ﺗَﺴﻘﻂ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﺼﺮ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻭﻳُﺼﻠﻮﻥ ﻇﻬﺮًا.
ﻭاﻵﺧﺮ:
ﺃﻥ اﻟﺮُّﺧﺼﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻭﺭﺩﺕ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻷﻫﻞ اﻟﺒﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻣَﻦ ﻻﺗﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺠﻤﻌﺔ.اهـ