أمور خمسة يُجاهَد بها الشيطان فيُهزَم
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــ
الحمد لله الذي خضعت العباد لعظمته، وأذعنت القلوب لألوهيته، واستسلمت الخلائق لسطوته، وضعفت الشدائد بقوته، وسلَّمت المخلوقات لبديع حكمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنفرد بالملك فليس لأحد معه فيه نصيب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلى الخلق بكتاب أنزله بالحق فبلغه كما أُمِر، ووسمه بالصدق، وحلاه بالرأفة والرفق، اللهم فصل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأخيار، وصحابته الأبرار، والتابعين لهم بإحسان، وعنا معهم يا عزيز يا غفار.
أمَّا بعد، معاشر أهل الإيمان:
فهذه أمورُ خمسة تُعين العبد بعد توفيق الله على الانتصار على شيطانه، وعلى نفسه الأمَّارة بالسوء، وعلى ذنوبه ومعاصيه، وعلى الرَّفيق السَّيِّء:
الأمر الأول: “لا تُصِرَّ ــ يا عبد الله ــ على الذُّنوب“.
ومعنى ذلك: أنْ لا تداوم على المعصية واحدة كانت أو متنوعة فتفعلها باستمرار، فتكون هي العادة والأصل الذي أنت عليه، بل اجعل الأصل في حياتك هو الاستقامة على طاعة الله ومراضيه، والزَّلة َمُجردَ خروج يسير عن طريق الاستقامة يحصل على حين غفلة منك، وغواية مِن الشيطان، كما هو الحال حين تعطَّل المركبة بك، فإنك إذا تعطلت تتوقف وتبتعد قليلًا ثم تُصلحها وتكمل طريقك، فبذلك تعتاد النفس إذا وقعت في الذنب أنْ ترجع إلى الطريق المستقيم وتكمل مسارها وطريقها.
وقد قال الله سبحانه عن أهل هذا الحال مِن عباده المتقين: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }.
وأمَّا مَن ينحرف عن الطريق المستقيم ويستمر بالانحراف، فهو في كل يوم يزداد بعدًا عن ربه، وعن صراطه المستقيم، وتثقُل صحيفة أعماله بالآثام، ويزداد تسلُّط الشياطين عليه، فيَهلك ويكن مِن الغافلين الخاسرين.
وهذا مثال واحد يتضح به الأمر، وتبان به عقوبته، وهلكة فاعله، ألا وهو الاصرار والاستمرار على معصية ترك شهود صلاة الجمعة مع الناس مُدَّة مِن الزَّمن، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَلَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ )).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ )).
بل إنَّ الإصرار والاستمرار على فعل المعصية التي هي مِن صغائر الذنوب يحولها إلى كبيرة مِن كبائر الذنوب، حيث ثبت عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( لَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ )).
الأمر الثاني: “لا تُجاهِر ــ يا عبد الله ــ بفعلِ الذُّنوب“.
أي: إنْ ضَعُفت ففعلت معصية أو شاهدتها أو استمعت إليها فلا تُجاهر بذلك أمام الناس قلُّوا أو كثُروا، ولا تُجاهر بإخبار أحد بأنك فعلتها، لأنَّ إثمها بذلك يعظُم ويكبُر ويتضاعف، ففعلك للمعصية ذنب، والمجاهرة بها ذنب آخَر، وأذية مَن رآها أو سمعها كارهًا لها ذنب ثالث، وتجريء الفساق على فِعلها أو إظهارها ذنب رابع، واقتداء أحدٍ بك في فِعلها ذنب خامس.
والمجاهرة بالمعاصي قولية كانت أو فعلية مِن نشر الفساد بالأرض، ومِن إفساد الناس، ومِن دعوتهم إلى الفساد، ومِن إعانة الشيطان على الفساد، والله لا يُحب الفساد، ولا يُصلح عمل المفسدين، وتَوعَّد المفسدين بأبأس العذاب وأشدِّه وأنكَلِه.
فليَحْذَر المسلم أنْ يكون عونًا ومعينًا للشيطان، ومِن دعاته، فإنَّ الشيطان قد جعل نفسه داعية لإفساد الناس وإبعادهم عن الجنة ونعيمها، وجنَّد كثيرًا مِن الناس لخدمته في ذلك، إمَّا بالدعوة إلى المعصية بالكتابة أو المقال أو الفعل، وإما بالنَّشر لها عبر الإعلام وبرامج التواصل المختلفة، وإمَّا بالمجاهرة بفعلها بين الناس، وقد صحَّ عن النبي ﷺ أنَّه غلَّظ في ذلك، وأعظَم أمرَه، وأبان عن شيء مِن فظيع وشديد عقوبته، فقال: (( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ: أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ )).
ومِن أمثلة المجاهرة الشَّنيعة التي يجب أنْ تُحذَر:
ما يفعله بعض الشُّبَّان أو الشَّبَّات مِن تسجيل مقاطع محرَّمة لهم أو لغيرهم، ثمَّ نشرها بين البشرية كلِّها عبْر اليُوتيوب أو سِناب شَات أو الفِيس بُوك أو تُويتر أو غيرها مِن برامج التواصل.
وللأسف أنَّ كثيرًا مِنهم لا يُراعي ما صوَّره أو سجَّله لنفسه مِمَّا هو محرَّم، لكونه لا زال مُراهقًا أو شابًّا، ونسي أنَّه سيكون غدًا أبًا، أو تكون هي أمًّا، ثمَّ بعد ذلك جدًّا أو جدَّة لأحفاد وحفيدات، ثمَّ موت، ثمَّ بعْث، ثمَّ حساب وجزاء، وأنَّ فِعله هذا محفوظ على مرِّ عصور عديدة، وسيُسمع ويُشاهد، بسبب الأجهزة والبرامج التي حفظته لأهل القرون المُقبلة، ونقَلَتْهُ إليهم، فأصبح تاريخه مَشين، وإثمه مستمِّر بعد موته أزمنة عديدة.
ومِن أمثلة المجاهرة أيضًا:
تشغيل الأغاني بأصوات عالية في السيارات، وفي الطُّرقات، وعند إشارات المرور، وعند مدارس البنات، وفي الأسواق، وفي المُنتزهات، وفي مطاعم الفنادق، فتحصل معصية السَّماع، ومعصية المجاهرة بما حرَّم الله مِن الغناء والموسيقى، ومعصية أذيَّة المؤمنين بسماعها رَغْم أنُوفهم، ومعصية تجريء الغير على نفس الفعل.
الأمر الثالث: “لا تُكثِر ــ يا عبد الله ــ مِن الذُّنوب“.
فإنْ غلبك الشيطان على عدم ترك المعصية، فلا أقلَّ مِن أنْ تُجاهده وتُجاهد نفسك ورِفاقَك على التَّخفِيف منها كمًّا وكيفًا ووقتًا، ببذل الأسباب المُعينة على ذلك.
فإنْ كان مِن أسباب زيادة الذنوب هو السفر فلا تُسافر، أو خفِّف مِن السفر، أو أشغل نفسك وألزمها بأعمال وأمور وقت الإجازة وسَفر الناس.
وإنْ كان مِن أسباب زيادة الذًّنوب هو السَّكن أو النوم منفردًا لوحدك، أو الجلوس لوحدك، فاترك ذلك ونَم واسكن مع جَمْع، وأشغل وقتك بأهلك ومؤانستهم وزيارتهم واحتياجاتهم وما ينفع، لتقلَّ أوقات انفرادك بنفسك.
وإنْ كان مِن أسباب زيادة الذُّنوب هو أجهزة الكمبيوتر والهاتف وما فيهما مِن برامج تواصل، ومواقع محرَّمة، فقلِّل مِن الإنترنت، بأنْ لا تجعل كمِّيته كثيرة، ولا سُرعته كبيرة، واجعله محدودًا لا مفتوحًا، وأسبوعيًّا أو شهريًّا لا سنويًّا، وليكن الكمبيوتر مكتبيًّا وليس محمولًا، ويُوضع في مكان مرئِيٍّ لأهل البيت، ومطْرُوقٍ مِنهم، يتردَّدون عليه باستمرار، بحيث لا يُرى فيه ولا يُستخدم إلا فيما ينفع، وما يُحتاج إليه.
وإنْ كان مِن أسباب زيادة الذُّنوب هو الصُّحبة، فاتركها وبدِّلها بغيرها، أو قلِّل مِن الخُلطة بها ومعها بإشغال نفسك بأهلك واحتياجاتهم وعملك وغير ذلك مما ينفع، وتذكَّر أنَّ تقليل المعصية سينفعك حين تقف بين يدي الله للحساب والجزاء، وعند وزن أعمالك يوم القيامة، وأنَّ الإكثار مِن المعاصي سبب لهلاك الكثير حين تُوزن حسناتهم وسيئاتهم، فترجح كفَّة ذنوبهم، وقد قال ـ عزَّ وجلَّ ـ مذكِّرًا بذلك ومرهِّبًا: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }.
وقال سبحانه: { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ }.
وهذا مثال واحد على معصية أكثرَ مِنها صاحبها حتى كبُر جسده مِن تغذيتها، ألا وهي معصية الإصرار والإكثار مِن أكل الحرام عن طريق أيِّ عملٍ محرَّم، حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ )).
الأمر الرابع: “إذا فعلت ذنبًا ــ يا عبد الله ــ فتُب منه، واستغفر“.
فكلَّما وقعت في معصية فامْسَحها مباشرة بالتوبة، وأكثِر مِن استغفارك لربك مِنها، بقول: “أستغفر الله”، أو: “أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه”، إذ قال الله سبحانه في وصف أهل تقواه: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }.
فالمتَّقِي إذا مسَّه طائف مِن الشيطان، فأذنب بفعل محرَّم أو ترك واجب أبصَر وأحسَّ بألم ذنبه، فاستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرَّط مِنه بالتوبة النَّصوح والحسنات الكثيرة، فردَّ شيطانه خاسئًا حسيرًا، قد أفسد عليه كل ما أدركه مِنه.
واعلم أنَّه ليس مِن شروط التوبة أنْ لا ترجع إلى فعل الذَّنْب مرَّة أُخْرى، والرُّجوع للذنب لا يُفسد التوبة التي قبلَه، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال فيما يَرويه عن ربِّه ـ عزَّ وجلَّ ـ قال: (( أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ )).
ومعنى قوله تعالى: (( اعمل ما شئت فقد غفرت لك )): أي أنَّك إذا كنت على هذه الحالة كلما أذنبت استغفرت، فإنِّي سأغفر لك.
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال فيما يَرويه عن ربِّه ـ جلَّ وعلا ـ أنَّه قال: (( يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ )).
وثبت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّه قال: (( لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ )).
ومعنى ذلك: أنَّ الاستغفار ينفعك كثيرًا فيحميك ويقيك شرَّ الكبائر، فكيف بالصغائر.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في تبيين عاقبة الاستغفار مِن الذُّنوب على صَحيفة أعمال العبد: (( طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا )).
الأمر الخامس: “أتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسنَةَ ــ يا عبد الله ــ تَمْحُها“.
فإذا لم تستطع ترك المعصية فلا تيأس ولا تستسلم للشيطان وزاحم المعاصي بالطاعات والإحسان، وإنْ أوقعك الشيطان في المعصية مرَّة فافعل بعدها وأتبعها مِن الطاعات أضعافًا، لتمحوَ وتُزيل ما فعلْت مِن سيِّئة، كأنْ تتصدَّق، وتقرأ القرآن، وتَذكُر الله تعالى، وتبُرَّ والديك، وتصِل رَحمَك، وتُحسِن إلى يتيمٍ أو أرملة، وتُساعد محتاجًا، وتَجلس في مجلس علم، وتبتسمَ في وجْه مؤمن، وتُحسِّن خلقك مع إنسان، وتُسلِّم على كل مَن لقِيت أو مرَرت به عرفته أو لم تعرفه، وترفِق بمخلوق في معاملة أو دَيِن أو مُراجعة حُكومية، وتُميط أذًى عن الطريق، وتَشهد الصلاة مع جماعة في المسجد، وتَزور مريضًا أو مقبرة، أو تَشهد جنازة، لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُوصيًا وآمرًا لنا بذلك: (( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )).
وثبت عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قال: (( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: { أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً، فَقَالَ: بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً )).
نفعني الله وإياكم بما سمعتم، وجعلنا مِن التائبين المستغفرين، إنَّ ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــ
الحمد لله الخلَّاق العليم، والصلاة والسلام على رسولنا محمد الطيِّب الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه سادة الأُمم، وعنَّا معهم يا ربَّنا العظيم.
أمَّا بعد، معاشر أهل الإيمان:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله ــ عباد الله ــ كما أسبَغ عليكم نِعَمه، واجتنبوا موارد غضبه، كما دفع عنكم نِقَمه، وأقلعوا عن القبائح، وامتنعوا عن مُعاقرة الفضائح، وكم سترَكم وعافاكم وآمنَكم، واستمعوا ما يُخْلَص لكم فيه مِن النَّصائح، ففيها نفعكم وسلامتكم في الدنيا والآخرة، واقطعوا بذكر الموت أمانيَّكم وتسويفاتكم، وسارعوا بالتوبة آجالَكم وانتهاء أعماركم، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
واعلموا أنَّ مَن قلَّل مِن المعصية وجعلها خِلاف عادته، ولم يُصرَّ عليها، ولم يُجاهر بها، أو يَدْع إليها، بل أتْبَعَها وزاحمها بالطاعة، واستغفر ربَّه مِنها، وتاب كلما وقع فيها، فسيكون بذلك قد هزَم الشيطان، وانتصر عليه بتوفيق الله، وكان مؤمنًا عاقلًا يَعرِف كيف يُديِر معركته مع الشيطان، وينتصر عليه، كما قال وهب بن مُنبِّه ــ رحمه الله ــ: (( لإِزَالَةُ الجبلِ صخرةً صخرةً وحجرًا حجرًا أيْسَرُ على الشيطان مِن مُكابَدَة المؤمن العاقل )).
فاللهم اهدنا وسددنا وألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، وأعذنا مِن الشيطان وأوليائه، وطهِّر جوارحنا عن مقارفة الآثام، وبطوننا عن أكل الحرام، وقلوبنا عن الغفلة، وأعنَّا على ذكرك، وشكرك، وحُسْن عبادتك، واسترنا عن الفضيحة بين خلقك في الدنيا والآخرة، واغفر لنا ولأهلينا إنَّك كنت بِنا رحيمًا، ولنا غفَّارًا، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
تنبيه مهم:
أصل هذه الخطبة مقالة مختصرة لأحد طلاب العلم وفقه الله وجزاه خيرًا، فرأيتها مناسبة للتذكير بها، فزدت عليها، ودلَّلت أكثر، لتناسب أنْ تكون خطبة جمعة.