ردُّ كيد إفساد المرأة ودينها وآخرتها ومجتمعها وأمتها عن طريق لباسها
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــ
الحمد لله الذي مَنَّ على عباده المؤمنين بدِين الإسلام الطيِّب الجميل، مُهذِّب النفوس، ومُجمِّل الأخلاق، ومُزيِّن الصُوَّر، ومُحسِّن الطِّباع، والمُعْلِي لِتعاملهم مع الخلق، والمُصلِح لِما تنطق به ألسنتهم، وتفعله جوارحهم، وله الحُكم سبحانه، ومِنه الفضل، وإليه يُرجعون، والصلاة والسلام على نبيه محمد المبعوث رحمة للناس وهدى، الذي ما تبِعَته نفسٌ إلا سعِدت وتهذَّبت، وعلى أزواجه الطَّيِّبات المَصُونات، وعلى باقي أهل بيته، وأصحابه النَّاصرين لله ورسوله ودينه، وعلى السائرين على طريقه وهديه إلى أنْ يقوم الناس لِرَّب العالمين.
أمَّا بعدُ، فيا معاشر المؤمنين:
لقد أصبح باب اللِّباس والزِّينة للمرأة المسلمة في هذا العصر مِن أوسع وأشرِّ وأخطر الأبواب التي يَلِجُ منها أعداء دين الله الإسلام، ودُعاة المُجُون والخلاعة، وتُجَّار الأعراض والرَّذيلة، وأهل الفساد والإفساد، ومدمِّرُو الأخلاق والفضائل، ومفسِدُو الذُّكور والإناث، وماحِقُو عِفَّة المجتمعات والمُلتقيات، وأذْنَاب أعداء الأمَّة والدِّين والوطن.
وَلَـجُوا مِن هذا الباب: لِيحُولُوا بين المسلمين وبين الدِّين الذي ارتضاه لهم ربُّهم، ويُضعِفوه في نفوسهم، ويُقلِّلوا مِن تمسُّكهم وعملِهم به.
وَلَـجُوا مِن هذا الباب: ليَهدموا أخلاق المسلمين والمسلمات، وينزعِوا مظاهر العِفَّة والفضيلة والحياء والغَيرة مِن بواطنهم وظواهرهم.
وَلَـجُوا من هذا الباب: ليُفسدوا مجتمعات المسلمين وبلادهم، ويملؤها بالمنكرات والقبائح، والرَّذائل والفجور، ومشابهة الكافرين.
وَلَـجُوا من هذا الباب: طَواعية ومُتابعة لِمَن تأثَّروا بِهم، وتربَّوا على أيديهم، ودرَّبوهم مِن اليهود والنَّصارى، وأضرابهم مِن الشُّيوعيِّين، والبعثيِّين، والماسُونيِّين، والعِلمَانِيِّين، والحَدَاثِيِّين، واللِّبراليِّين.
وَلَـجُوا من هذا الباب: إشباعًا لشهوات نُفوسهم ومَيلِها إلى الرَّذيلة والفجور والفواحش، وتسهيلًا لها، وتمكينًا لهم مِنها، وتقريبًا مِن الوصول إليها كيف ومتى شاءوا.
حيث تراهم يُحاربون لِباس السِّتر، وحِجاب العِفَّة، وكِساء الحياء، وغطاء الفضيلة، ورداء السَّلامة، وثوب الأَمْن والطُّهر، فيُنفِّرون عنه بالقول والفعل، ويُبغِّضُون الخَلق فيه، ويُضعِفونه بأشكالٍ مختلفة، وصُورٍ متنوِّعة، وأساليب متزايِدة، وقنوات مُتعدِّدة، تراه مِنهم في شاشات الفضائيَّات، وتسمعه عبر الإذاعات، وتُبصِره في مواقع الشَّبكة العنكبوتية “الإنترنت”، وفي برامج التواصل كتويتر، والتلغرام، والفيس بوك، وسناب شات، وأنستجرام، وغيرها، وفي الصُّحف والمجلَّات، والكُتب والمقالات، والقَصَص والرِّوايات، وفي النَّوادي والملتقيات، والنَّدوات والحِوارات، والأغاني والأشعار، والاحتفالات والمهرجانات.
تراهم تارة يُهاجمونه بالرَّجعِيَّة، ويَنعَتونه بفِعل العصور الحَجَريَّة، ــ ويعنون: عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومَن بعدهم، أزهر العصور وأكملها ــ ويُقبِّحُونه بتقييد حُريَّة المرأة، والتَّسَلُّط عليها، وتَغيُّر الزَّمن، وتَطوُّر وتَثقُّف نسائه وعُقولِهنَّ عن سابقاتهنَّ.
وتراهم يُحاربونه بالإعلانات والدَّعايات التي تُزيِّن وتُجمِّل في النُّفوس نقِيضَه مِن الألبسة، ــ وهي ألبسة التَّعرِّي والتَّهتُّك ــ، عَبْر شاشات الفضائيات، وعن طريق المجلَّات العامة والمتخصِّصة بالمرأة أو لباسها، وعَبْر بُيوت الأزياء، ومسابقات عروض الأزياء ومَلِكات الجمال.
وتارةً يُبَغِّضُونه ويُنفِّرون عنه بإضفاء الهَالَة والبَهْرَجَة عَبْر قنوات ووسائل الإعلام ـ المرئيَّة والمسموعة ـ على الكاسيات العاريات المُمِيلات المائلات، ضعيفات الدِّين والحِشمة والفضيلة، ووَصفهنَّ بالتَّقدُّم والنُّضوج، والثَّقافة وسَعَة الأُفق، والتَّطوُّر ومواكبة العصر، وبلوغ وتحقيق ما لم يصل إليه كثيرٌ مِن دُهَاة وعظماء الرِّجال.
وتارةً يُضيِّقُون الخِنَاق عليه بأيدي التُّجار، وعن طريق التِّجارة والمصانع والمتَاجِر، بالتَّقليل مِن تصنيعه وبيعه وعرْضه، والإكثار مِن تصنيع وبيع وعرْض فاضحه وعاريه، وإغراق الأسواق وبيوت الأزياء به، وترويجه عن طريق نساء الأفلام والمسلسلات وكِلِبَّات الأغاني ومسابقات الجمال.
وتارةً يُفَسِّخُونَه عن المرأة بأقوال مَشيخة فضائياتهم وإذاعاتهم وصُحفهم ووسائل الإعلام المختلفة التي تحت أيديهم، ومَن فسد مِمَّن لبِس وتسمِّى وتَدَكْتَر بسبيل العلم والعلماء، فيكذب، ويُحرِّف نُصوص الشريعة، ويستخرِج لهم شَّواذ الأقوال والأحكام، وغريب الفتاوى وضعيفها.
وأيم الله لقد حقَّقوا في هذا الباب تَقدُّمًا مشهورًا، بل ومُتزايدًا، يلحظه صغير السِّنِّ والعقل؛ فكيف بكبير السِّنِّ ناضج العقل، وأثَّروا على نساء المسلمين تأثيرًا بالغًا شديدًا، تنسكِب لِـهَولِه العَبَرات، وتَحزن مِن كِبَرِه القلوب، وتَحَار مِن توسُّعه وانتشاره العقول، حيث سقطت في بَراثِنِه مسلِمات كثيرات جدًا، ووقعن في حَبَائِل دُعاتِه وشِباكِهم، وانخدعت أعدادٌ جمَّة مِنهنَّ بتَضليلَاتِهم ومَكرِهم ومكائدِهم وتلبيساتهم، ولا تزالُ ــ وللأسف الشديد ــ ضحاياهُم مِن نِساء المُسلمين الصغيرات والشَّابَّات والكبيرات تزِيد ولا تقِلُّ، تتَّسع ولا تضِيق، تفشُو ولا تضمحِل، تكبُر ولا تصغُر، حتى أصبح عاقل الرجال وسديدهم هو مَن يستحي ويتوارى لا هُنَّ، فإلى الله المُشتكَى، وإليه المُلتَجأ، ومنه المُستمَدّ، وعليه المُستَند؛ وهو خيرٌ ناصِرًا، وخيرٌ عُقبًا، وخيرٌ ثوابًا ومردًّا.
فويل لأهل هذا الشر، ثم ويل، ويل لِمن أدخل هذا على نساء المسلمين، إذ يقول ربهم سبحانه مُرهِّبًا لهم ومُتَوعِّدًا: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ }.
ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه مُخَوِّفًا شديدًا: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا )).
ولـمَّا كان الواقِعُ ــ يا عباد الله ــ على هذا الوصفِ المِرِير، والحال المُحزِن المُزرِي، والواقع البَشِع الشَّنِيع؛ والمنظر الكريه البغيض، فإنَّ الآباء والأزواج والإخوة والقرابة الخائفين والحريصين على دِينهم ودِين نسائهم وأهل بُيوتاتِهم ألَّا يَضعُف أو يذهب، وعلى آخِرتهم ألَّا يُعذَّبُوا فيها هُم وأهليهم، وعلى بِلادِهم ومُجتمعِهم ألَّا يتلطَّخ ويفسُد ويَقبُح، وعلى أنْ يكونوا مِن المَرحُومين المُكرَمين دنيا وآخرة لا المُهانين المَخْزِيِّين:
ينبغي لهم أنْ ينظروا إلى باب اللِّباس والسِّتر والزِّينة والتَّزَيُّن بِجِدِّية عملية، واهتِمام بالغ، وحِرص مُثمِر، ومسؤولية جديرة، وعِلم وإدراك كبير، وعِناية وانتباه شديد، وخَوف مِن الله، وخَشية عظيمة؛ حتَّى لا يَدخل عليهم الفساد ولا المُفسِدُون مِن جِهته، ولِيَكُونوا يَدًا شامِخة قوِيَّة ضِدَّ أعداء المِلَّة والشَّريعة، ودُعاة الفسَاد والرَّذيلة، وليس يَدًا مِن أيدِهم، ومِعولًا مِن مَعاوِلِهم الهدَّامة، في إفساد نسائهم، وإفساد باقي أخواتهم المسلمات، وإفساد مُجتمعَاتهم وبِلادِهم.
فالله الله أيُّها المُؤمِنون، يا أهل العِّفة والفضيلة والغَيرة:
لا يُؤتَى الإسلام، ولا أهل الإسلام، ولا بلاد الإسلام، ولا مُجتمعات المسلمين، ولا أخلاق وآداب وحياء المسلمين، ولا عِفَّة وفضيلة وطُهْر المسلمات، ويَدخُل عليها الفساد والإفساد، وتحِلّ فيها الفِتن، ويقوَى الفاسِقون، وتنتَشِر بها الرَّذائل والقبائح، مِن قِبَلِكُم، ولا مِن جهة أقوالكم وأفعالكم وكتاباتكم، ولا بِسبب تساهلكم وتفريطكم؛ فتَحمِلونَ أوزاركُم، وأوزارًا مع أوزارِكُم، وتلقَون ربَّكم وهو ساخِط عليكم، تلقونه بِصحِيفة أعمال تُسوِّد وجُوهكُم، وتُورِدكم الهَلكَةَ والبوار، وتُنيلكم الخُسران والإهانة، والعذاب الأليم في النَّار، وبئس مصير مَن كان مِن أهلها.
أيـُّها المؤمنون:
اغرسوا في قلوب نسائكم وبناتكم:
أنَّ المرأة بلباسها السَّاتِر لبدنها، وحرصها عليه واهتمامها به، إنَّما تُطيع الله ربَّها، وتتقرَّب إليه بما يعود عليها بالنَّفع والخير في الدُّنيا، وفي القبر، ويوم يقوم النَّاس لربِّ العالمين، ويصيرون إلى نعيمٍ أو عذاب؛ حيث تُكثِّر به مِن أجورها، وتُثقِّل به ميزان حسناتها، وتُجمِّل صحيفة أعمالها، وتُبيِّض وجهَها، وتُجمِّل صُورتها، وتُظهِر فضلها، وتُبرِز جميل خِصالها، وتُطيِّب مَعدنها، وتُزيد في تَنقية مَن حولها ومجتمعها مِن الرَّذائل والقبائح، والمُخزيات والفضائح، وتقِف في وجه الفتن والفاتنين والمفتونين، وتُضعِف الفساد والمفسدين، فِللَّه درُّها، ما أطيب أثرها، وما أجمل عوائدها، واحرصوا شديدًا على أنْ تُدرِك المرأة هذا المعنَى، وتلتفت إليه، وينغَرِس في قلبها وذهنها، ولا تغفل عنه أو تتغافل.
بينوا لنسائكم وبناتكم:
أنَّ اللِّباس الفاتِن الذي يُؤدِّي إلى فتنة الرِّجال والنِّساء بِلابِسَتِه، وجَرِّهِم إلى النَّظر المحرَّم المنكر، أو قَودِهم إلى الأقوال والأفعال المحرَّمة المشِينة، لا يجوز لها أنْ تظهر به بمَحضَرِهم، ولا في صفوفهم، وأمام أعينهم؛ لأنَّ الله ــ جلَّ وعلا ــ قد نهَى عباده المؤمنين ذكورًا وإناثًا عن تعاطي جميع الأسباب التي تُعين على الوقوع في الإثم، فقال سبحانه في أوَائل سورة المائدة: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.
ولئلَّا تحمل أوزارَ مَن أضلَّتهم وفتنتهم بلباسها وزينتها وتجمُّلِها مع وزرِها، حيث قال سبحانه مُخوَّفًا لها: { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ }.
ولِتَنتبه المرأة ــ سدَّدها الله ــ وتُنَبَّه:
إلى أنَّ فتنة لباسها قد لا تقتصر على الرِّجال الأجانب الذين ليسوا بمحارم لها، فقد تفتِن به بعض قريباتها أو مُجالِسَاتها، وتُثير غَائِلة الشَّهوة في نفوسهنَّ، وتجرُّهنَّ إلى النَّظر المحرَّم المذموم، أو القَول المحرَّم الفاحش، أو الأفعال المحرَّمة المُنكرة، أو تفتن به بعض محارمها مِن الرجال، وكما قد تقع بعض الفواحش والقبائح بين الرِّجال مع بعض، فقد تقع بين بين النِّساء، لاسيِّما في هذا العصر الذي انتشر فيه المِثلِيُّون والمِثليات جِنسيًّا، وأصبح لهم ظهورٌ وبُروز في المجتمعات، ولهم هيئات ومؤسَّسات، وأعياد ومناسبات، وقنوات ومواقع، وتدعَمُهم كثيرٌ مِن الجهاتِ والمنظَّمات، وتُسَنُّ في تسهيل بروزهم وانتشارهم القوانين.
والمطلوبُ مِن أهل الإيمان عند تزايد الشَّرِّ وأهله، وتكاثُر الفساد والمفسدين، وظهور الفتن والفاتنين والمفتونين، هو:
تضييقُ أبواب الشَّرِّ والفساد والفتن؛ والتعاون فيما بينهم على ذلك، لا أنْ تُوسَّع أو يُتساهل معها، أو يتجاوب لها، أو يزداد التقصير، ويضعف الاهتمام.
أيـُّها المؤمنون:
اغرسوا في قلب الزوجة:
أنْ لا تغفل إذا جاءت الأعياد، وحلَّ وقت الأعراس، ودُعِيت إلى مناسبات، أنَّها أُمٌّ ووالدة، لا تنسَ أنَّها قُدْوة، لا تنسَ أنَّ الله قد مَنَّ عليها وأكرمها بالإسلام وطُهرِه ونقائِه، لا تنسَ أنَّ بناتها يتأثرنَّ بطباعها وأفعالها وعاداتها، فلا تَلبِس الفاضح مِن الثِّياب، ولا تَلبِس ما يُنقص حياءها، ويُقلِّل مِن حشمتها، لا تَلبِس ما يُجاري مُوضَات بيوت الأزياء، وعارضات الأزياء، وملكات الجمال، ولا ما يُعجب ويُفرِح شاشات الفضائيات، وصدور الصُّحف والمجلَّات وبطونها، ومواقع الشَّبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ولا الإعلانات والدِّعايات التِّجارية، ولا الصَّاحبات والجليسات، ولا زميلات الدراسة والوظيفة، ولا تَلبِس اللباس الذي إذا رُئِيَ عليها تَذكَّر مَن يَراه لباس الكافرات أو الفاسقات، وتَذكَّر لباس المغنِّيات والممثِّلات والرَّاقصات، ولا تَلبِس اللباس الذي يدعُو إلى الكلام فيها، وتكرير الأنظار إليها، وتكَاثُر الإشارات جِهَتَها، ولتُجمِّل نَفْسَها باللباس المُجمِّل منظرًا، والمُجمِّل دينًا، والمُجمِّل خُلُقًا، والمُجمِّل في القبر، والمُجمِّل يوم الحشر والجزاء، ولتَحْذر أشدَّ الحذر أنْ يدخل عليها الشَّيطان فتقول لنَفْسِها:
إنَّ ابنتي لا تزال صغيرة لا تُدرِك، صغيرة لا تُميِّز، صغيرة لا تنتبه لِما ألبس، فإنَّ كثيرًا مِن الصَّغيرات يلتقِطنَ ويتنبَّهنَ ويتفطَّنَّ إلى أمور هي أكبر مِن أعمارهنَّ، وأعلَى مِن مدارك أسنانِهنَّ، حتَّى إنَّه ليُتعجَّب حين سماع بعض ما يَلتقِطنَه مِن الكلام، ويُقلِّدْنَه مِن الأفعال والحركات تَعجُّبًا شديدًا، ويُستغرب فيه منهُنَّ استغرابًا كبيرًا؛ فكيف لا يُدرِكن الأمور الظَّاهرة، وكيف لا تَرسخ في أذهانهنَّ، لاسيَّما مع الاستمرار والتَّكرار مِن الوالدة، وتَعدُّد المناسبات وتزايدها.
ثُمَّ استغفروا الله عن تقصيركم جهة أهليكم، إنَّه كان غفارًا، ويُرسل السماء عليكم مِدرارًا، ويُمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنَّات، ويجعل لكم أنهارًا.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــ
الحمد لله ربيَّ القدير، وأشهد أنْ لا إله إلا هو سبحانه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، فصلواته وسلامه عليه دومًا.
أمَّا بعد، أيها المؤمنون:
إنَّه لَمِن المؤسف جدًا أنْ تَرى الرِّجال في هذا الزَّمان أسْترَ مِن كثيرٍ مِن نِّساء المسلمين، فتجد الرَّجُل يلبس سروالًا قصيرًا، وفوقَه طويلًا، وفانيلة، وثوبًا إلى قدميه، وغطاءً لرأسه, ولا يبدو منه إلَّا وجهه وقدماه وكفَّاه, وثوبه فَضفَاض واسع، أو تجده يلبس بنطالًا طويلًا فضفاضًا إلى قدميه، وقميصًا يُغطِّي نصفه الأعلى إلى كفَّيه، فلا يظهر منه إلَّا القدمان والكفَّان والرَّأس والوجه، مع أنَّ المرأةَ أحقُّ بالتَّغطِية، فهي أشد عورة مِن الرجل، وأكثر فتنة، ومأمورة شرعًا بالستر والتستر.
واعلموا أنَّ ربكم سبحانه قد قال مُعْلِمًا لكم وداعيًا: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }.
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُنبِّهًا لكم ومُحذِّرًا: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )).
فاتقوا الله ــ عباد الله ــ والقوا ربَّكم يوم القيامة بالحفظ لأهليكم، ولا تلقونه بالتضييع لهم، فإنكم مسئولون عن ذلك، ومُساءلون بلا ريب.
هذا، وأسألُ الله أن يُصلح نساء المسلمين صلاحًا يتنعَّمن به في جنَّات النَّعيم، ويترقَّين به في الدَّرجات العالية مِن الجنَّة, وأنْ يحفظ عليهنَّ دِينهنَّ وخُلُقهنَّ وعِفَّتهنَّ وفضيلتهنَّ، وأنْ يُدخلهنَّ في عِداد القانتات الخاشعات الحافظات لفروجهنَّ, وأنْ يُجنبهنَّ مُنكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، وأنْ يُجمِّلهنَّ بالسِّتر والحشمة، ويكسُهنَّ بالحياء والغَيرة، وأنْ يغفر لنا ولجميع المؤمنين، ويُصلح ديننا ودنيانا، ويَختم لنا برضوانه، والفوز بجنَّته، إنَّه جوادٌ كريم، واسع العطاء، كثير الإحسان، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.