كلام الإمام ابن قيِّم الجوزية عن الفرق بين هَدي النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه في القبور وبين ما عليه أكثر الناس اليوم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
قال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه «إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان» (1/ 353-356):
ومَن جمع بين سُنَّة رسول الله ﷺ في القبور، وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر النَّاس اليوم:
رأى أحدهما مضادًّا للآخر، مُناقضًا له، بحيث لا يجتمعان أبدًا.
1ـ فنهى رسول الله ﷺ عن الصَّلاة إلى القبور.
وهؤلاء:
يُصلُّون عندها.
2ـ ونهى عن اتخاذها مساجد.
وهؤلاء:
يبنون عليها المساجد، ويسمُّونها مشاهد، مُضاهاة لبيوت الله تعالى.
3ـ ونهى عن إيقاد السُّرج عليها.
وهؤلاء:
يُوقِفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها.
4ـ ونهى أنْ تُتخذ عيدًا.
وهؤلاء:
يتخذونها أعيادًا ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر.
5ـ وأمر بتسويتها.
كما روى مسلم في «صحيحه» عن أبى الهَيّاج الأسدي قال: قال على بن أبى طالب – رضى الله عنه –: (( أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عليهِ رَسُولُ ﷺ: «أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلا طَمَسْتَهُ، وَلا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ» )).
وفي «صحيحه» أيضًا عن ثُمامة بن شُفَىٍّ قال: (( كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ، فَتُوُفِّىَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا» )).
وهؤلاء:
يُبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب.
6ـ ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه.
كما روى مسلم في «صحيحه» عن جابر قال: (( نَهَى رَسُولُ الله ﷺ عَنْ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ )).
7ـ ونهى عن الكتابة عليها.
كما روى أبو داود والترمذي في «سننهما» عن جابر – رضى الله عنه – أنَّ رسول الله ﷺ: (( نَهَى أنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا )).
قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وهؤلاء:
يتخذون عليها الألواح، ويكتبون عليها القرآن وغيره.
8ـ ونهى أن يُزاد عليها غير ترابها.
كما روى أبو داود مِن حديث جابر أيضًا: (( أنَّ رسول الله ﷺ: «نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْر، أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ، أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ » )).
وهؤلاء:
يَزيدون عليه سوى التراب: الآجُرَّ، والأحجار، والجِصّ.
ونهى عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه -: (( أن يُبنى القبر بآجُرِّ، وأوصى أنْ لا يُفعل ذلك بقبره )).
وأوصى الأسود بن يزيد: (( أنْ لا تجعلوا على قبري آجرًّا )).
وقال إبراهيم النخعي: (( كانوا يكرهون الآجُرّ على قبورهم )).
وأوصى أبو هريرة – رضي الله عنه – حين حضرته الوفاة: (( أنْ لا تَضربوا عليّ فسطاطًا )).
وكره الإمام أحمد: أن يُضرَب على القبر فسطاط.
والمقصود:
أنَّ هؤلاء المعظِّمِين للقبور، المتخذينها أعيادًا، الموقدين عليها السُّرج، الذين يبنون عليها المساجد والقباب: مناقضون لما أَمَر به رسول الله ﷺ ، مُحادُّون لِـمَا جاء به.
وأعظم ذلك اتخاذها مساجد، وإيقاد السُّرج عليها، وهو مِن الكبائر. انتهى كلامه.
انتقاء:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.