خطورة أهل البدع على الإسلام والمسلمين مقارنة مع اليهود والنصارى عند أهل العلم والفقه
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
وبعد:
قال العلامة ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الآداب الشرعية”(1/ 275):
فصل
ﻓﻲ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﻫﻞ اﻷﻫﻮاء ﻭﺃﻫﻞ اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﻲ اﻟﺪﻭﻟﺔ
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﺒﻠﺨﻲ:
(( ﺩﺧﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻤﺪ اﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ، ﻓﺠﺎءﻩ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﻫﻞ اﻷﻫﻮاء.
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ: ﻻ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ.
ﻗﺎﻝ: ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ.
ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ اﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭاﻟﻴﻬﻮﺩ ﻻ ﻳﺪﻋﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﺩﻳﺎﻧﻬﻢ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻷﻫﻮاء ﺩاعية )).
ﻋﺰاﻩ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ “ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻭاﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ” ﻳﻌﻨﻲ: للإﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻗﺎﻝ:
(( ﻓﺎﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﺪاﻋﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﺮﺭ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ )).اﻧﺘﻬﻰ ﻛﻼﻣﻪ.
ﻭﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ.
ﻭﻓﻲ “ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺨﻼﻝ” ﻋﻦ اﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ: (( ﺃﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻭﺃﻫﻞ اﻟﺒﺪﻉ ﻭاﻷﻫﻮاء ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺭ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻓﺈﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻀﺮﺭ على الدين ﻭاﻟﻤﺴﻠﻤﻴن )).
ﻭﺭﻭﻯ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ “ﻣﻨﺎﻗﺐ ﺃﺣﻤﺪ” ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮﺭ اﻟﻤﺮﻭﺫﻱ: (( ﺃﻧﻪ اﺳﺘﺄﺫﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ، ﻓﺄﺫﻥ ﻓﺠﺎء ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺭﺳﻞ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮا:
اﻟﺠﻬﻤﻴﺔ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻮﺭ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﻠﻴﻠﻬﺎ ﻭﻛﺜﻴﺮﻫﺎ ﺃﻭﻟﻰ ﺃﻡ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ؟.
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺣﻤﺪ:
ﺃﻣﺎ اﻟﺠﻬﻤﻴﺔ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻮﺭ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﻠﻴﻠﻬﺎ ﻭﻛﺜﻴﺮﻫﺎ، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻼ ﺑﺄﺱ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮﺭ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﻠﻄﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺗﺤﺖ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ، ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎﻥ ﺑﻬﻢ السلف )).
ﻗﺎﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﻤﺮﻭﺫﻱ:
(( ﺃﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭﻫﻤﺎ ﻣﺸﺮﻛﺎﻥ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻌﺎﻥ ﺑﺎﻟﺠﻬﻤﻲ؟ ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﻳﻐﺘﺮ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﺃﻭﻟﺌﻚ ﻻ ﻳﻐﺘﺮ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ )).اهــ.
وقال الحافظ ابن عبد البر- رحمه الله – في كتابه “التمهيد”(4/ 238):
ﻭﻗﺪ ﺭﺃﻯ ﻣﺎﻟﻚ اﺳﺘﺘﺎﺑﺔ اﻹﺑﺎﺿﻴﺔ ﻭاﻟﻘﺪﺭﻳﺔ ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺑﻮا ﻭإﻻ ﻗﺘﻠﻮا.
ﺫﻛﺮ ﺫﻟﻚ ﺇسماعيل اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﻋﻦ اﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ
ﻭﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻷﺑﻲ ﺛﺎﺑﺖ: ﻫﺬا ﺭﺃﻱ ﻣﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﻫﺆﻻء ﺣﺴﺐ؟
ﻗﺎﻝ: ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺪﻉ.
ﻗﺎﻝ اﻟﻘﺎﺿﻲ: ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﺎﻟﻚ ﺫﻟﻚ ﻓﻴﻬﻢ ﻹﻓﺴﺎﺩﻫﻢ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻭﻫﻢ ﺃﻋﻈﻢ ﺇﻓﺴﺎﺩاً ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻴﻦ، ﻷﻥ ﺇﻓﺴﺎﺩ اﻟﺪﻳﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺇﻓﺴﺎﺩ اﻟﻤﺎﻝ، ﻻ ﺃﻧﻬﻢ ﻛﻔﺎﺭ. اهــ
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي- رحمه الله – في عقيدته”(ص:102):
ﻭاﻋﻠﻢ ـ ﺭﺣﻤﻚ اﻟﻠﻪ ـ ﺃﻥ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺃﻫﻠﻪ أُﺗﻮ ﻣﻦ ﻃﻮاﺋﻒ ثلاث:
ﻓﻄﺎﺋﻔﺔ: ﺭﺩﺕ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻭﻛﺬﺑﻮا ﺭﻭاﺗﻬﺎ، ﻓﻬﺆﻻء ﺃﺷﺪ ﺿﺮﺭاً ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺃﻫﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺎﺭ.
ﻭﺃﺧﺮﻯ: ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺼﺤﺘﻬﺎ ﻭﻗﺒﻮﻟﻬﺎ، ﺛﻢ ﺗﺄﻭﻟﻮﻫﺎ، ﻓﻬﺆﻻء أعظم ضرراً من الطائفة الأولى.
والثالثة: جانبوا القولين الأولين، وأخذوا بزعمهم ينزهون وهم يكذبون، فأداهم ذلك إلى القولين الأولين، وكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين.اهــ
وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى”(9/ 7):
ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ اﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺘﻨﺎ:
ﺃﻥ اﻟﺸﻴﺦ ﺃﺑﺎ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ اﻟﺼﻼﺡ ﺃﻣﺮ ﺑﺎﻧﺘﺰاﻉ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻵﻣﺪﻱ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻪ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺃﺧﺬ ﻋﻜﺎ.
ﻣﻊ ﺃﻥ اﻵﻣﺪﻱ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﺒﺤﺮاً ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮﻡ اﻟﻜﻼﻣﻴﺔ ﻭاﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﻨﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺣﺴﻨﻬﻢ ﺇﺳﻼﻣﺎً ﻭﺃﻣﺜﻠﻬﻢ اﻋﺘﻘﺎﺩاً.اهــ
قلت:
وكان الإفرنج قد احتلوا عكا من بلاد المسلين.
وقال العلامة الشوكاني- رحمه الله – في كتابه “فتح القدير” (1/ 179):
ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻔﺴﺪﺓ اﺗﺒﺎﻉ ﺃﻫﻮﻳﺔ اﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﺃﺷﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻔﺴﺪﺓ اﺗﺒﺎﻉ ﺃﻫﻮﻳﺔ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﻠﻞ، ﻓﺈﻥ اﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﻳﻨﺘﻤﻮﻥ ﺇﻟﻰ اﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻳﻈﻬﺮﻭﻥ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﺼﺮﻭﻥ اﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺃﺣﺴﻨﻪ، ﻭﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ اﻟﻀﺪ ﻟﻤﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ، ﻓﻼ ﻳﺰاﻟﻮﻥ ﻳﻨﻘﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻮﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﺪﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﺪﻋﺔ، ﻭﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺷﻨﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻨﻌﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻠﺨﻮﻩ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﺨﺮﺟﻮﻧﻪ ﻣﻨﻪ، ﻭﻫﻮ ﻳﻈﻦ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﻴﻢ، ﻭﺃﻥ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻮ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻫﺬا ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﺪاﺩ اﻟﻤﻘﺼﺮﻳﻦ، ﻭﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴن.
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﻔﻬﻢ اﻟﻤﻤﻴﺰﻳﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻖ ﻭاﻟﺒﺎﻃﻞ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﺗﺒﺎﻋﻪ ﻷﻫﻮﻳﺘﻬﻢ ﻣﻤﻦ ﺃﺿﻠﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﻭﺧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺻﺎﺭ ﻧﻘﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﺼﻴﺒﺔ ﺻﺒﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺼﺮﻳﻦ، ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻪ ﻭﻓﻬﻤﻪ ﻻ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻻ ﺇﻟﻰ ﺣﻖ، ﻭﻻ ﻳﺘﺒﻊ ﺇﻻ اﻟﺼﻮاﺏ، ﻓﻴﻀﻠﻮﻥ ﺑﻀﻼﻟﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﺛﻤﻪ ﻭﺇﺛﻢ ﻣﻦ اﻗﺘﺪﻯ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻧﺴﺄﻝ اﻟﻠﻪ اﻟﻠﻄﻒ ﻭاﻟﺴﻼﻣﺔ ﻭاﻟﻬﺪاﻳﺔ.اهــ
جمع:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد