شيء مِن أخطاء المُصلِّين في صلاتهم وسُلوكهم في تعلُّمِها طُرقًا غير صحيحة
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي يُحيي ويُميت، وله اختلافُ الليل والنهار، وبيدهِ ملكوتُ كل شيء، يَخلق ما يشاء ويَختار، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، ربُّ الأرض والسماوات وما بينهما العزيز الغفَّار، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وأزواجه وصَحبه الطيِّبين الأطهار.
أمَّا بعد، فيَا معاشِر المصلِّين:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله الرَّحيم التواب، فهو سبحانه أهلُ التقوى، وأهل المغفرة، وتقواه هي زادكم إلى الآخرة ونَعيم جِنانها ورِضاه، ولهذا أمركم بالتزَوُّد مِنها كثيرًا قبل الممات فقال سبحانه: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }.
ثُمَّ اعلموا أنَّ مِن تقواه سبحانه أنْ تكون صلاتكم موافقة لِصفة الصلاة الواردة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الأحاديث، وبهذا أُمِرْتُم، فصحَّ عن مالك بن الحُويرثِ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )).
وبمتابعتكم له صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة تُقبَل صلاتكم عند ربِّكم، فقد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )).
أي: مِن عَمِل عملًا يَتقرَّب بِه إلى الله لم يأت عنَّا وفي سُنَّتنا فهو مردودٌ على فاعله، فلا يُقبل مِنه.
وبمتابعتكم له صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة يَعْظُمُ أجْرُ صلاتكم ويَكْثُر، ويُغفرُ لكم بسببها، إذ صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ، وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ )).
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا نِصْفُهَا )).
وبقدر متابعتكم له صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة وإحسان خشوعها يكون أثَرُها عليكم، وتأثيرها فيكم، فتمنعكم عن المُحرَّمات، وتقويّكم وتدفعكم إلى الطاعات، حيث قال الله سبحانه: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ }.
وثبت عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فِي الصَّلاَةِ مُنْتَهًى وَمُزْدَجَرٌ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ )).
وصحَّ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلَاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا )).
وقال العلامة السِّعدي ــ رحمه الله ــ في “تفسيره”: ووجهُ كونِ الصلاةِ تَنهى عن الفحشاء والمُنكر: أنَّ العبد المُقيمَ لها، المُتمِّمَ لأركانها وشروطِها وخشوعِها، يَستنير قلبُه، ويتطهَّر فؤاده، ويزدادُ إيمانه، وتقوى رغبتُه في الخير، وتقِلُّ أو تَعدُم رغبتُه في الشَّر، فبالضَّرورة مُداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجْه، تَنهى عن الفحشاء والمُنكر، فهذا مِن أعظم مقاصِدها وثمراتِها.اهـ
معاشِر المصلِّين:
إذا كنتم تريدون أنْ تُصَلُّوا كصلاة رسولكم صلى الله عليه وسلم فليست الطريقة أنْ تُقلِّدوا فيها آباءكم، أو مَن هو أكبَر مِنكم سِنًّا، أو إمام مسجدكم، أو مَن ظاهر حاله الاستقامة والصَّلاح، بل طريقة ذلك أنْ تأخذوها عن أهل العلم الثِّقات الراسخين، المعروفين بالسَّير على طريقة السَّلف الصالح، والحريصين على متابعة السُّنَّة النَبوية الصحيحة، كأمثال الأئمة: ابنِ بازٍ، والألبانيِّ، وابنِ عثيمينَ، ومقبلٍ الوادعي، وصالحِ الفوزانَ، وإخوانِهم مِن أهل العلم، فتقرأ في كتبهم، ويُسْتَمَع لها مِن أشرطتهم، وتَحضرون دروسَ ومجالسَ الأحياء مِنهم إنْ قدِرْتُم، وإنَّ مِن أفضل ما كُتِب في ذلك كتابا: “صفة الصلاة” للإمامين ابنِ بازٍ وابنِ عثيمين ــ رحمهما الله ــ، وهما كتابان مُختصَران، لا تأخذ قراءتهما إلا القليل مِن الوقت، وأوسع مِنهما كتاب: “صفةِ صلاةِ النبي صلى الله عليه وسلم كأنك تراها” للإمام الألباني ــ رحمه الله ــ، ولمَّا تَرَك الناس طريقة التَّعلُّم الصَّحيحة لِصفة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم كَثُرَت أخطاؤهم ومُخالفاتهم فيها، حتى تعدَّدت الكتب في بيان هذه الأخطاء، بل إنَّ بعضهم قد صنَّف كتابًا مِن مئات الصفحات في بيان أخطاء المصلين، وكلامِ العلماء حولها، والأدلَّةِ المُبَيِّنة لها.
ولا شك أنَّ مِن أسباب ذلك: تَرْكَ التَّفقُّه في الدين، وتقليدَ مَن ليس مِن أهل العلم والفقه في صفتها، وأخذَها عن مِن لا يَحرص على متابعة السُّنَة النَّبوية الثابتة، ولا يتحرَّى صحيح الأحاديث، كمشيَخة الصُّوفية ودعاتها، ودعاةِ الجماعات السيَّاسية وغيرها التي تَنسِب نفسها للدِّين والإسلام، وهي بعيدة كثيرًا عن طريق النَّبي صلى الله عليه وسلم وهديهِ وسُنَنه وأحكامه، وما كان عليه هو وأصحابه ــ رضي الله عنهم ــ.
معاشِر المصلِّين:
إنَّ مِن الأمور التي تكثُر يومًا بعد يوم مِن المُصلِّين، وهي محرَّمة، وجاء فيها وعيدٌ شديد: مُسابقةَ المأموم لإمامِه في الرُّكوع أو السُّجود أو الرَّفع مِنهما، أو القيام إلى الرَّكعة الأُخْرى، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ )).
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ )).
وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ: أمَّا مسابقةُ الإمام فحرامٌ باتفاق الأئمة، لا يجوز لأحدٍ أنْ يركع قبْل إمامِه، ولا يَرفعَ قبْلَه، ولا يَسجدَ قبلَه، وقد استفاضت الأحاديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنَّهي عن ذلك، ومَن فعَلَ ذلك، استحقَّ العقوبةَ والتَّعزِيرَ الذي يُردِعُه، وأمثالَه.اهـ
ويَنبغي للمأموم أنْ يُراعيَ حال إمامِه فلا يَعْجَل إلى الركوع أو السجود أو الرَّفع مِنهما أو القيام بمجرَّد سَماع تكبير الإمام، فالأئمة ليسوا سواء، فمِنهم الشيخ المُسِنُّ، ومِنهم السَّمين، ومِنهم الشَّاب، ومِنهم شارد الذِّهن، وحركة انتقالهم ليست سواء، فبعضهم أبطأ مِن بعض، ومِن لم يُراعِي ذلك وقع في مُسابقة إمامِه.
ولمَّا كَبِرَت سِنُّ النبي صلى الله عليه وسلم طَلب مِن أصحابه أنْ يتنبَّهوا لذلك ويُراعوه، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، فَإِنِّي مَهْمَا أَسْبِقُكُمْ حِينَ أَرْكَعُ، تُدْرِكُونِي حِينَ أَرْفَعُ، وَمَهْمَا أَسْبِقُكُمْ حِينَ أَسْجُدُ، تُدْرِكُونِي حِينَ أَرْفَعُ )).
ومعنى: (( إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ ))، أي: كَبِرْتُ وأسْنَنْت، وقيل: زاد لحم جِسمي بسبب كِبَر السِّن.
وعلى الإمام أيضًا أنْ يُراعيَ المأمومين، بأنْ لا يُبطأ في حركة انتقاله مِن غير سَبَب، وأنْ يترُكَ التمطِيطَ في التَّكبِير والتَّسْمِيع والإطالةَ الزائدة، حتى لا يتسبَّب في أنْ يسبقوه فيأثمون، لأنَّ كثيرًا مِنهم قد يكون تفكيرهم في أمورٍ خارج الصلاة، وحول أحوالهم ودنياهم.
وإذا حصل أنْ سَبَق المأموم إمامه بِسبب العجَلة أو غيرها فإنَّه يعود إلى مكانه، فإذا استقرَّ قليلًا أتي بالفِعل بعد إمامِه، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وغيرِهم، وهو المنقول عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ كعمرَ بنِ الخطاب، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عمر.
فمثلًا: لو سَبقت إمامك إلى السُّجود، فإنَّك تَرجع إلى مَحلِّ قيامِك سريعًا، فإذا استقرَّيت واقفًا فعاوِد السُّجود، وبهذا يكون سُجودك بعد إمامِك.
فإذا لم يَرجع فإنَّ جماعة مِن كِبار أهل العلم يُبطلون صلاته، وأكثر العلماء يقولون تُجزئ صلاته ولكن مع الإثْم ونَقْص الأجر.
ومتابعةُ المأمومين لإمامِهم تكونُ بأنْ يَنتظروا الإمام حتى يُكبِّرَ، ويَفرُغَ مِن تَكبيره، ويَنقطعَ صوته، ويَصِلَ إلى موضِع سُجوده أو ركوعه أو جلوسه أو قيامه ثُمَّ يفعلون ذلك بعده، فقد كان الصَّحابة ــ رضي الله عنهم ــ يَلبَثون خلْفَ النَّبي صلى الله عليه وسلم قيامًا، حتى يَنحطَّ صلى الله عليه وسلم، ويُكبِّرَ، ويضعَ جبهته على الأرض، وهم قيامٌ لا يَحنُون ظهورهم، ثُمَّ يَسجدون، إذ صحَّ عن البراءِ بنِ عازبٍ ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ نَزَلْ قِيَامًا، لَا يَحْنُو أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ وَجْهَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ نَتَّبِعُهُ )).
معاشِر المصلِّين:
إنَّ المُسْتَحَبَّ عند أكثر أهل العلم أنْ يَنظر المُصَلِّي إلى مَوضِع سجوده، وقالوا: هو أقرب للخشوع.
وقد صحَّ عن الإمام محمد بن سِيرِينَ التَّابعي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ )).
وما يَحصل مِن تَقليبٍ لِلبَصر في الصلاة إلى الناس أو إلى الأشياء يَمنَةً ويَسرة، أو إلى السماء، أو إلى سَقْف المسجد، أو إلى الأمَام وما وُضِعَ فيه أو يَحصُل، فَمُضعِفٌ للخشوع، ويُسبِّبُ السَّهو في الصلاة، ويُنقِص أجرها، ويُقَلِّلُ مِن ثوابها، بل إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم تهدَّد، فقال فيما صحَّ عنه: (( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ )).
وصحَّ عن أنس ــ رضي الله عنه ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ ــ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ ــ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ )).
جعَلَنِي اللهُ وإيَّاكم مِن المُحسِنين لأحكام صلاتهم، والذين هُم في صلاتهم خاشعون، وعليها دائمون ويُحافظون.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي بِنعمته تَتِمُّ الصالحات، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد النَّبي الأُميِّ وآله وأصحابه وسلَّم.
أمَّا بعد، فيَا معاشِر المصلِّين:
لقد تكاثَرت الأحاديث الصَّحيحة في أنَّ السُّنَّة أنْ يَرفع المُصلِّي يديه إلى حَذْوِ مَنْكِبيه أو حتَّى يُحاذِي بِهما فُروع أُذُنيه إذا كبَّر تكبيرة الإحرام، وإذا أراد أنْ يركع، وإذا رفع رأسه مِن الركوع وقال: “سمِع الله لِمَن حمِدَه”، إذ صحَّ عن مالكِ بنِ الحُويرثِ ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ )).
وصحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ )).
والمُسْتحبُّ عند أهل العلم أنْ يكونَ باطنُ الكفَّين عند رفعهما إلى جِهة القِبلة، وأنْ تكونَ الأصابعُ ممدودتين إلى أعلى، ومضمومةً إلى بعض.
ومِن المُؤسِف جِدًّا أنْ تَرى أكثر المُصلِّين قد تركوا هذه السُّنَّة التي كثُرَت الأحاديث النَّبوية فيها فلا يَرفعون أيديهم إلا عند تكبيرة الإحرام فقط.
ويقع أكثر الناس عند تطبيقهم لهذه السُّنَّة في خطأين:
الخطأ الأوَّل: أنَّهم يَمسُّون شَحْمَتَيِّ أُذُنيهم مِن الأسفل بأحد أصابعهم وهي الإبهام، ويَجعلون باطنَ كفيهم وأصابعَهم إلى جِهة الأُذُنين والخَدَّين، وهذا خِلاف السُّنَّة النَّبوية.
وقد قال الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة ــ رحمه الله ــ: المُستحبُّ أنْ يكون كفَّاه إلى جِهة القِبلة, ولا يجعلهما إلى جهة أُذُنيه، وأمَّا ما يَفعله كثيرٌ مِن العامِّة مِن استقبال الأُذُنين بالكفين والأصابع فخِلاف السُّنَّة.اهـ
الخطأ الثاني: أنَّهم يرفعون اليدين إلى تحت الثَّديين، والسُّنَّة أنْ تُرفعَ إلى حَذْوِ المَنكبين، والمَنكِبان: هما الكَتِفان، فيكون مُنتهى رفع الأصابع إلى موازاة الكتفين.
أو تُرفعَ إلى مُحاذاة فُروع الأُذُنين مِن الأعلى، بِحيثُ تُحاذِي أصابع اليدين وتُوازي أعلى فروع الأُذُنين، ولا تكون أعلى أو أسفل مِنهما.
هذا وأسأل الكريم أنْ يُعيننا على ذِكره، وشُكره، وحُسن عبادته، وأنْ يكرمَنا بالاستمرار على طاعته والإكثار مِنها إلى حين الوفاة، وأنْ يقيَنا شرَّ أنفسنا وشرَّ أعدائنا وشرَّ الشيطان، اللهم كما هديتنا للإسلام وشرَحت صدورنا بِه، فثبتنا عليه حتى نلقاك، وأنت راض عنَّا غيرُ غضبان، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأجدادِنا وسائرِ الأهل والعِيال والقرابة والأصهار والجِيران والأصحاب، أحياءً وموتى يا واسع الرَّحمة وعظيم المغفرة، اللهم احقن دماءَ المسلمين في كل مكان، وجنِّبهُم القتل والاقتتال، وأزِل عنهم الخوف والجوعَ والدَّمار، وأعذنا وإيَّاهُم مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، إنك سميعٌ مجيب، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.