إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > المجموع الرصين من كلام الإمام العثيمين في أهل الأهواء المبتدعين

المجموع الرصين من كلام الإمام العثيمين في أهل الأهواء المبتدعين

  • 2 سبتمبر 2014
  • 8٬665
  • إدارة الموقع

المجموع الرصين من كلام الإمام العثيمين في أهل الأهواء المبتدعين

     الحمد لله عالم الغيب والشهادة، الخبير بدقيق أمور عباده وجليلها، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى أزواجه وذريته وأصحابه، وعلى كل من هو به مقتد، وبسنته عامل، وعنها ذاب ومدافع.

     أما بعد، أيها الإخوة النبلاء النبهاء – سدد الله أفهامكم وقوى مدارككم – :

     فهذا جزءٌ صغير حجمه، قليلة أوراقه، يسيرة قراءته، إلا أنه كبير القدر، كثير النفع، عميق المعنى، طيب العاقبة، بالغ النصح، حسن التسديد، جمعته من كلام إمام كبير، وعالم جهبذ، وفقيه نحرير، وناقد بصير، وداعية إلى السنة والحديث، جليل مشهور، طيب وقور، ألا وهو الشيخ العلامة الفهَّامة محمد بن صالح العثيمين–رحمه الله–.

     وقد قربته منكم فجعلته في وقفات عدة زادت على العشرين بواحدة، تسهيلاً للفهم، وتقريبًا للمعنى، وتيسيرًا للإلمام، وعنونت لكل وقفة بما يدل عليه الكلام، ويزيد في الوضوح، ويقوي الضبط.

     وأسأل لي ولكم النفع الراسخ به، وزيادة البصيرة، وتسديد الفهم، وقوة الحجة، وحسن المحجة، والثبات على الحق، والتواصي به، إن ربي سميع مجيب، وعلى كل شيء قدير.

فدونكم – بارك الله لكم – هذه الوقفات:

     الوقفة الأولى: عن التحذير في المجالس وبين صفوف الطلبة مِن أهل البدع ومَن عنده أفكار مخالفة لمنهج السلف الصالح، وأنه واجب، ومن النصيحة وليس من الغيبة.

     إذ قال – رحمه الله – في “لقاء الباب المفتوح” (رقم:120):

     الكلام في أهل البدع ومَن عندهم أفكار غير سليمة أو منهج غير مستقيم، هذا من النصيحة، وليس من الغيبة؛ بل هو من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين, فإذا رأينا أحدًا مبتدعًا ينشر بدعته, فعلينا أن نبين أنه مبتدع، حتى يسلم الناس من شره, وإذا رأينا شخصًا عنده أفكار تخالف ما كان عليه السلف، فعلينا أن نبين ذلك حتى لا يغتر الناس به, وإذا رأينا إنسانًا له منهج معين عواقبه سيئة، علينا أن نبين ذلك حتى يسلم الناس من شره, وهذا من باب النصيحة لله ولكتابه ورسوله ولأئمة والمسلمين وعامتهم، وسواء كان الكلام في أهل البدع فيما بين الطلبة أو في المجالس الأخرى فليس بغيبة, وما دمنا نخشى من انتشار هذه البدعة أو هذا الفكر أو هذا المنهج المخالف لمنهج السلف يجب علينا أن نبين حتى لا يغتر الناس بذلك.اهـ

     وقال – رحمه الله – في كتابه “شرح رياض الصالحين” (2 /390-391 باب: النصيحة):

     ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذب عن شريعته وحمايتها، فالذب عنها بأن لا ينتقصها أحد، والذب عنها بأن لا يزيد فيها أحد ما ليس منها، فتحارب أهل البدع القولية والفعلية والعقدية؛ لأن البدع كلها باب واحد، كلها حقل واحد، كلها ضلالة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( كل بدعة ضلالة )) لا يستثنى من هذا بدعة قولية ولا فعلية ولا عقدية، كل ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء به في العقيدة أو القول أو في العمل فهو بدعة، فمن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحارب أهل البدع بمثل ما يحاربون به السنة، إن حاربوا بالقول فبالقول، وإن حاربوا بالفعل فبالفعل، جزاءً وفاقًا؛ لأن هذا من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ

     وقال – رحمه الله – في “شرح الأربعين النووية” (ص:266):

من فوائد هذا الحديث:

أن إزالة الأذى عن الطريق صدقة، وبقياس العكس نقول: وضع الأذى في الطريق جريمة وأذية.

ويتفرع على هذه الفائدة:

إذا كان إماطة الأذى عن الطريق الحسّي صدقة فإماطة الأذى عن الطريق المعنوي أبلغ وذلك ببيان البدع والمنكرات وغيرها.

     وقال – رحمه الله – في كتابه: “الضياء اللامع من الخطب الجوامع” (5 /413):

     فاحذروا الغيبة والنميمة أيها المسلمون، فإن بهما فساد الدين والدنيا، وتفكك المجتمع، وإلقاء العداوة والبغضاء، وحلول النقم والبلاء، وهما بضاعة كل بطَّال، وإضاعة الوقت بالقيل والقال، ولكن إذا كان المقصود نصيحة الخلق وتحذيرهم من أهل السوء، فلا حرج في ذلك، فإذا رأيت شخصًا ينشر أفكارًا هدامة أو يبث أخلاقًا سيئة، أو يشيع تشكيكًا بين المسلمين في دينهم، فذكرته بما فيه تحذيرًا من شره، ونصحًا للأمة، وحماية للدين، فلا حرج عليك في ذلك، بل ربما يكون واجبًا عليك.اهـ

     وقال – رحمه الله – في “لقاء الباب المفتوح” (رقم:98) في أثناء الكلام عن نهي بعضهم من التحذير من أحد المنحرفين عن جادة السلف الصالح أهل السنة والحديث:

     هذا الرجل الذي يثير الفتنة بين الناس، وينشر معايب العلماء، ومعايب ولاة الأمور، إذا كان ذِكرنا له على سبيل النصيحة، وتحذير الناس منه، فهذا خير، وهو مما يتقرب به العبد إلى ربه، والناهي عن ذلك ناهي عن الخير، وناهيًا عن النصيحة.اهـ

      الوقفة الثانيةعن طرد أهل العلم المبتدع من صفوف المتعلمين، وأنه من هدي السلف، وأنه ينبغي أن يُطردوا عن المجتمع كله ويُضيَّق عليهم النطاق حتى لا تنتشر بدعهم.

     إذ قال رحمه الله في “شرح العقيدة السفارينية” (ص:227-228 أو ص:229-230):

فإن مالكًا – رحمه الله – سئل وهو في مجلسه فقال له قائل: يا أبا عبد الله { الرحمن على العرش استوى } استوى كيف استوى؟

فأطرق – رحمه الله – برأسه حتى علاه العرق من شدة وقع السؤال على قلبه، ثم رفع رأسه وقال: يا هذا الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا، ثم أمر به فأُخرج.

وهكذا ينبغي لأهل العلم إذا رأوا في صفوفهم مبتدعًا أن يطردوه عن صفوفهم؛ لأن المبتدع وجوده في أهل السنة شر؛ لأن البدعة مرض كالسرطان لا يُرجى برؤه إلا أن يشاء الله.

قوله: “إلا مبتدعًا” يحتمل أنه أراد إلا مبتدعًا بهذا السؤال أو “إلا مبتدعًا” إلا أنك من أهل البدع؛ لأن أهل البدع هم الذين يكون دينهم عن المشتبهات من أجل التشويش على الناس، وأيَّا كان المعنى فهو يدلُّ على أن من هدي السلف طرد المبتدعين عن صفوف المتعلمين، وهكذا ينبغي أن يُطردوا عن المجتمع كله، وأن يُضيَّق النطاق عليهم حتى لا تنتشر بدعهم، ولا يقال: إن الإنسان حر! نعم هو حر؛ لكن في حدود الشرع، أما إذا خالف الشرع فإنه يجب أن يضيق عليه، ويُبين له الحق، فإن رجع إليه فذاك، وإلا عُومل بما تقتضيه بدعته من تكفير أو تفسيق.اهـ

     وقال – رحمه الله – في شرحه على كتاب “حلية طالب العلم” (ص:179-180):

     أما طرده من المجالس: فنعم, يطردوه من المجالس، وللشيخ أن يطرد في مجلسه ما دون ذلك، إذا رأى من أحد من الطلبة أنه يريد أن يفسد الطلب عند زملائه, وبحيث يعتدون على الشيخ ولا يهابونه ويحتقرونه, فله أن يطرده, لأن هذا يعتبر ماذا؟ مفسدة، فيطرد.

والإمام مالك – رحمه الله – قال: (( ما أراك إلا مبتدعًا )) لأن الذين يسألون عن مثل هذا هم المبتدعة, يسألون كيف استوى؟ يحرجون بذلك أهل السنة, يقولون: أخبرني كيف استوى؟ كيف استواؤه؟.

والجواب عن ذلك سهل: أن الله أخبرنا أنه قد استوى على العرش، ولم يخبرنا كيف استوى.

وهل نعلم كيفية شيء لم نعلم به وهو غائب عنا؟ أبداً.

لو قال لك قائل: إني بنيت بيتًا, فقد علمت أنه بنى بيتًا، وتعرف كيف بناء البيت, لكن هل تعرف كيفية هذا البيت؟ وما فيه من الحُجَر والغُرف؟.

الجواب: لا، إذا كنت لم تشاهده، وهكذا صفات الله – عز وجل -، أخبرنا عنها، ولم نُخْبَر عن كيفيتها.اهـ

     الوقفة الثالثةعن التحذير من الميت المبتدع، وعدم ستر ما يظهر عليه من علامات سوء الخاتمة عند تغسيله؛ ليحذر الناس من دعوته وينفروا عنه ولا يغتروا به.

     إذ قال – رحمه الله – في كتابه “شرح رياض الصالحين” (2 /230-231 باب: تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية):

قال المؤلف – رحمه الله – في كتاب “رياض الصالحين”:

باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية.

“الأموات” يعني: الأموات من المسلمين، أما الكافر فلا حُرمة له إلا إذا كان في سبه إيذاء للأحياء من أقاربه فلا يسب، وأما إذا لم يكن هناك ضرر فإنه لا حرمة له.

وهذا هو معنى قول المؤلف– رحمه الله -:

“بغير حق”.

لأن لنا الحق أن نسب الأموات الكافرين الذين آذوا المسلمين وقاتلوهم ويحاولون أن يفسدوا عليهم دينهم.

“أو مصلحة شرعية”: مثل أن يكون هذا الميت صاحب بدعة ينشرها بين الناس، فهنا من المصلحة أن نسبَّه، ونحذِّر منه، ومن طريقته، لئلا يغتر الناس به.اهـ

     وقال – رحمه الله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (5 /297-298):

     قوله: “وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا” أي: على غاسل الميت ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنًا؛ فربما يرى منه ما ليس بحسن، إما من الناحية الجسدية، وإما من الناحية المعنوية، فقد يرى – والعياذ بالله – وجهه مظلمًا متغيرًا كثيرًا عن حياته، فلا يجوز أن يتحدث إلى الناس، ويقول: إني رأيت وجهه مظلمًا؛ لأنه إذا قال ذلك ظن الناس به سوءًا، وقد يكون وجهه مسفرًا حتى إن بعضهم يُرى بعد موته متبسمًا فهذا لا يستره، أما السيئ من الناحية الجسدية، فإن الميت قد يكون في جلده أشياء من التي تسوؤه إذا اطلع الناس عليها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: { تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي: قد يكون فيه برص يكره أن يطلع الناس عليه، فلا يجوز للإنسان أن يقول: رأيت فيه برصًا، وقد يتغير لون الجلد ببقع سوداء، والظاهر – والله أعلم – أنها دموية، فلا يذكرها للناس بل يجب أن يسترها.

قال العلماء: إلا إذا كان صاحب بدعة، وداعية إلى بدعته، ورآه على وجهٍ مكروه، فإنه ينبغي أن يبين ذلك حتى يحذر الناس من دعوته إلى البدعة، لأن الناس إذا علموا أن خاتمته على هذه الحال، فإنهم ينفرون من منهجه وطريقه، وهذا القول لا شك قول جيد وحسن، لما فيه من درء المفسدة التي تحصل باتباع هذا المبتدع الداعية، وكذا لو كان صاحب مبدأ هدّام كالبعثيين والحداثيين.اهـ

     الوقفة الرابعة: عن التصريح باسم المبتدع وعدم ذكر محاسنه عند الرد عليه والتحذير منه ومن بدعه وضلالاته.

     إذ قال – رحمه الله – في “لقاء الباب المفتوح” (رقم:121):

وأما من أراد النصح والتحذير من بدعته وخطره فلا يذكر الحسنات، لأنه إذا ذكر الحسنات فهذا يرغِّب الناس بالاتصال به.

ثم قال:

فمثلاً إذا إنسان ابتدع بدعة وأردنا أن نتكلم نحذر من البدعة، فإنا نذكره، ولا بأس، وإن كان قد يكون من المصلحة ألا يُذكر باسمه.

ثم زاد فقال:

الرسول – عليه الصلاة والسلام – ذكر أسماء معينة بأشخاصهم في مقام النصح، كما في حديث فاطمة بنت قيس أنه خطبها أبو جهم ومعاوية وأسامة بن زيد فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي جهم وعن معاوية ما يقتضي ألا تتزوجهما، وقال: (( انكحي أسامة )) ولم يذكر محاسنهما، مع أن محاسنهما لا شك أنها كثيرة، لكنه سكت عن ذلك، لأن المقام يقتضي هذا.انتهى.

الوقفة الخامسةعن تأكد طلب العلم الشرعي إذا اشرأبت أعناق البدع ولم يجد المبتدع من يردعه بالبرهان الصحيح وأنه قد يكون أوجب وأولى من الجهاد بالسلاح بل من أوجب الواجبات في مثل هذه الحالة وعظم حاجة الناس للعلماء لرد كيد المبتدعين وسائر أعداء الله.

إذ قال – رحمه الله – كما في “مجموع فتاويه ورسائله” (18 /534-535):

ومن الجهاد في سبيل الله طلب العلم الشرعي، بل قد يكون أوجب وأولى من الجهاد بالسلاح، لاسيما إذا اشرأبت أعناق البدع، وظهرت الغوغاء في الفتاوى، وركب كل إنسان رأيه، وإن كان قاصراً في علمه، لأن هذه بلية عظيمة أن يبدأ ظهور البدع في المجتمع، ولا يجد المبتدع من يردعه عن بدعته بالبرهان الصحيح، أو أن تكثر الفتاوى التي تصدر من قاصر، أو مقصر، إما من قاصر في علمه، أو مقصر في التحري وطلب الحق، ففي مثل هذه الحال يكون طلب العلم من أوجب الواجبات، ولابد أن يكون لدينا علم تام راسخ ندفع به الشبهات، ونحقق به المسائل والأحكام الشرعية، حتى لا يضيع الشرع، ويتفرق الناس.

إذن فطلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، فلو جاءنا رجل ليس عنده مال وهو قادر على التكسب لكنه يريد أن يتفرغ لطلب العلم الشرعي فإنه يجوز أن نعطيه من الزكاة ليتوفر له الوقت فنعطيه ما يقوم بكفايته من الملابس والأكل والشرب والسكن والكتب اللازمة التي يحتاج إليها فقط.اهـ

وقال – رحمه الله – في كتابه “شرح رياض الصالحين” (2 /55-56 باب: المجاهدة):

أما مجاهدة الغير فإنها تنقسم إلى قسمين: قسم بالعلم والبيان، وقسم بالسلاح.

أما من مجاهدته بالعلم والبيان فهو الذي يتسمى بالإسلام وليس من المسلمين، مثل المنافقين وأهل البدع المكفرة وما أشبه ذلك، فإن هؤلاء لا يمكن أن نجاهدهم بالسلاح، لأنهم يتظاهرون بالإسلام، وأنهم معنا، ولكننا نجاهدهم بالعلم والبيان، قال الله تعالى: { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير }، فجهاد الكفار يكون بالسلاح، وجهاد المنافقين يكون بالعلم والبيان.

ولهذا كان الرسول – عليه الصلاة والسلام – يعلم بأن في أصحابه منافقين، ويعلمهم بأعيانهم، ولكنه لا يقتلهم، واستؤذن في قتلهم فقال: (( لا يتحدث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه )).

فكذلك الذين ينضوون تحت لواء الإسلام من أهل البدع لا نقاتلهم بالسلاح، لكننا نقاتلهم بالعلم والبيان، ولهذا كان واجباً على شباب الأمة الإسلامية أن يتعلموا العلم على وجه راسخ ثابت لا على وجه سطحي كما يوجد في كثير من بيوت العلم، حيث يتعلمون علماً سطحياً لا يرسخ بالذهن، علماً يقصد به الإنسان أن يحصل على بطاقة أو شهادة فقط، ولكن العلم الحقيقي هو العلم الذي يرسخ في القلب، ويكون كالملكة للإنسان، حتى إن الإنسان الذي يوفق لهذا النوع من العلم تجده لا يكاد تأتيه مسألة من المسائل إلا عرف كيف يخرجها على الأدلة من الكتاب والسنة والقياس الصحيح، فلابد من علم راسخ، والناس اليوم في عصرنا محتاجون إلى هذا النوع من العلم، لأن البدع بدأ يفشوا ظلامها في بلدنا هذه، بعد أن كانت نزيهة منها، لكن نظراً لانفتاحنا على الناس، وانفتاح الناس علينا، وذهاب بعضنا إلى بلاد أخرى، ومجيء آخرين إلى بلادنا ليسوا على عقيدة سليمة، بدأت البدع تظهر، ويفشوا ظلامها، وهذه البدع تحتاج إلى نور من العلم يضيء الطريق حتى لا يصيب بلادنا ما أصاب غيرها من البدع المنكرة العظيمة التي قد تصل إلى الكفر – والعياذ بالله -.

فلابد من مجاهدة أهل البدع وأهل النفاق بالعلم والبيان، وبيان بطلان ما هم عليه، بالأدلة المقنعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم.اهـ

وقال – رحمه الله –  كما في كتاب له طبع بعنوان: “كتاب العلم” (ص: 27و29-30):

طالب العلم لابد له من التأدب بآداب، نذكر منها: ….

الأمر الثالث: الدفاع عن الشريعة.

أن ينوي بطلب العلم الدفاع عن الشريعة، لأن الكتب لا يمكن أن تدافع عن الشريعة، ولا يدافع عن الشريعة إلا حامل الشريعة، فلوا أن رجلاً من أهل البدع جاء إلى مكتبة حافلة بالكتب الشرعية فيها ما لا يحصي من الكتب، وقام يتكلم ببدعة ويقررها فلا أظن أن كتاباً واحداً يرد عليه، لكن إذا تكلم عند شخص من أهل العلم ببدعته ليقررها، فإن طالب العلم يرد عليه ويدحض كلامه بالقرآن والسنة.

فعلى طالب العلم أن ينوى بطلب العلم الدفاع عن الشريعة، لأن الدفاع عن الشريعة لا يكون إلا برجالها كالسلاح تماماً، لو كان عندنا أسلحة ملأت خزائننا فهل هذه الأسلحة تستطيع أن تقوم من أجل أن تلقي قذائفها على العدو؟ أو لا يكون ذلك إلا بالرجال؟.

فالجواب: لا يكون ذلك إلا بالرجال، وكذلك العلم.

ثم إن البدع تتجدد، فقد توجد بدع ما حدثت في الزمن الأول ولا توجد في الكتب، فلا يمكن أن يدافع عنها إلا طالب العلم.

ولهذا أقول: إن مما تجب مراعاته لطالب العلم الدفاع عن الشريعة، إذن فالناس في حاجة ماسة إلى العلماء، لأجل أن يردوا على كيد المبتدعين وسائر أعداء الله – عز وجل -، ولا يكون ذلك إلا بالعلم الشرعي المتلقي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.اهـ

الوقفة السادسة: عن أهل السنة وأنه لا يمكنهم السكوت عن المبتدعة وترك الميدان لهم يرتعوا فيه ببدعهم كما يشاءون.

إذ قال – رحمه الله – في “شرح العقيدة السفارينية” (ص: 295أو 228) إجابة على هذا السؤال:

[ إذا وجدنا شخصاً يعني يخوض يتكلم في الجوهر والجسم والعرض فهل ننهاه أو نقول ماذا تريد بالجسم والعرض؟ ]:

نقول له أولاً: يجب عليك الإعراض عن هذا، وعدم الخوض فيه، فإن أصر أن يتكلم تكلمنا معه، يعني: ما نتركه، ولهذا بعض الناس يقول: لماذا يتكلم أهل السنة في هذه الأمور؟.

فنقول: مكره أخاك لا بطل، إذا تكلم فيها أهل البدع ما يمكن أن نتركهم في الميدان يرتعون كما يشاءون، لا بد أن ننزل معهم في الميدان ونتكلم.اهـ

الوقفة السابعة: عن إدخال طالب العلم الكتب الضارة التي تحمل فكراً ومنهجاً يخالف منهج السلف الصالح أهل السنة والحديث إلى مكتبته ككتب المبتدعة التي تضر بالعقيدة والكتب الثورية التي تضر بالمنهج.

إذ قال – رحمه الله – في كتاب له طبع بعنوان ” كتاب العلم” (ص:91) :

الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: كتب خير.

القسم الثاني: كتب شر.

القسم الثالث: كتب لا خير ولا شر.

فاحرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير أو التي فيها شر، وهناك كتب يقال إنها كتب أدب، لكنها تقطع الوقت وتقتله في غير فائدة، وهناك كتب ضارة ذات أفكار معينة وذات منهج معين، فهذه أيضاً لا تدخل المكتبة سواء كان ذلك في المنهج أو كان ذلك في العقيدة، مثل كتب المبتدعة التي تضر في العقيدة، والكتب الثورية التي تضر في المنهج.

وعموماً كل كتب تضر فلا تدخل مكتبتك، لأن الكتب غذاء للروح كالطعام والشراب للبدن، فإذا تغذيت بمثل هذه الكتب صار عليك ضرر عظيم، واتجهت اتجاهاً مخالفاً لمنهج طالب العلم الصحيح.اهـ

وقال – رحمه الله – في كتابه “شرح لمعة الاعتقاد” (ص:159-160):

ومن هجر أهل البدع: ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها، أو ترويجها بين الناس فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم في الدجال : (( من سمع به فلينأ عنه، فوالله إنّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتّبعه مما يبعث به من الشبهات )) رواه أبو داود، قال الألباني: وإسناده صحيح.اهـ

الوقفة الثامنة: عن القراءة في الكتب المضلة المحتوية على الباطل ككتب أهل الكفر أو كتب أهل البدع والأهواء لمن لم يكن عنده رصيد قوي من العلم يحصنه.

إذ قال – رحمه الله – في “لقاء الباب المفتوح” (رقم:47):

أرى أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود أو النصارى أو المشركين أو أهل البدع إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة، لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل.

فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل، لا يفعل ذلك بعد مجيئه، فنقول: أولاً حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة، واغرسوها في قلوبكم حتى إذا تمكنتم فلا بأس أن تقرءوا لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم.اهـ

الوقفة التاسعة: عن هجر أهل البدع والأهواء وبيان حكمه وبعض صوره وكيف يتحقق.

إذ قال – رحمه الله – في كتابه “شرح لمعة الاعتقاد” (ص:159:-160):

والمراد بهجران أهل البدع:

الابتعاد عنهم، وترك محبتهم، وموالاتهم، والسلام عليهم، وزيارتهم، وعيادتهم، ونحو ذلك.

وهجران أهل البدع واجب، لقوله تعالى: { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله }.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك.

لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم، وتحذيرهم من البدعة، فلا بأس بذلك، وربما يكون ذلك مطلوباً، لقوله تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }.

وهذا قد يكون بالمجالسة والمشافهة، وقد يكون بالمراسلة والمكاتبة.

ومن هجر أهل البدع:

ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها، أو ترويجها بين الناس فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم في الدجال: (( من سمع به فلينأ عنه فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات )) رواه أبو داود، قال الألباني: وإسناده صحيح.

لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به، وكان قادراً على الرد عليهم، بل ربما كان واجباً، لأن رد البدعة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.اهـ

الوقفة العاشرة: عن حكم وقف الأغنياء والتجار الأموال على طباعة الكتب التي عرفت بالبدع والضلالات.

إذ قال – رحمه الله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (11 /23-24):

قوله: ” وكتب زندقة “.

ككتب الشيوعية، أو كتب البدع المكفرة أو المفسقة، فلا يجوز الوقف عليها، فلو أوقف إنسان شيئاً على مؤلفات الزنادقة، فإنه لا يصح الوقف، لأنه إعانة على الإثم والعدوان، …. فكتب الشيوعية كتب ضلال وإلحاد، وليست من عند الله، فيمنع من إثبات الأوقاف فيها، والعمل بها مطلقاً، وكذلك كتب البدع يمنع، فلا يوقف أي شيء في بلاد الإسلام على نسخ كتب البدع.اهـ

الوقفة الحادية عشرة: عن الاعتصام والاجتماع مع أهل البدع والأهواء وكيف يكون وعلى ماذا يكون وبعض التطبيقات الخاطئة له من قبل بعض الدعاة.

إذ قال – رحمه الله – في ” لقاء الباب المفتوح” (رقم:194):

أما اجتماع الأمة لا شك أنه واجب، كما قال الله عز وجل: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا }.

لكن واجب على أي شيء؟ على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما هو على الأهواء، { اعتصموا بحبل الله } بدأ بالحبل قبل أن يقول: { جميعاً } وحبل الله هو دينه وشريعته، وأما أن نتفق بالمداهنة، فهذا غلط، ولهذا نجد العلماء – رحمهم الله – يردون على المبتدعة، ويرون أن الواجب عليهم الرجوع إلى الحق.اهـ

وقال – رحمه الله – أيضاً في “لقاء الباب المفتوح” (رقم:156) مجيباً على سؤال نصه:

[ بعض إخواننا الدعاة إلى الله عز وجل في البلاد رأوا أن من المصلحة أنهم يتفقون مع الصوفية في عدم الكلام في المحاضرات أو في الخطب في الاستواء مثلاً أو الاستغاثة وغيرها من الأشياء، واستدلوا باتفاق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود، فهل الاستدلال صحيح يا شيخ؟ ما توجيهكم؟. ]:

 لا هذا الاستدلال غير صحيح، لأن هذا الذي تذكر هو قوله تعالى: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }.

المداهنة في الدين لا تجوز، والرسول – عليه الصلاة والسلام – إنما صالح اليهود على ألا يعتدي أحد على أحد، لا على أن نرضى بدينهم أبداً، ولا يمكن يرضى الرسول بدينهم أبداً.

وهذا الذي تذكر، يعني: الرضا بما هم عليه من الباطل، فالمصالحة على هذا الوجه هي مداهنة في الواقع، والمداهنة محرمة، لا يجوز لأحد أن يداهن أحداً في دين الله، بل يجب بيان الحق مهما كان، لكن من الممكن إذا رأوا من المصلحة ألا يبدءوا بالإنكار قبل كل شيء، وأن يبدءوا أولاً بالشرح الصحيح، فمثلاً إذا تكلم عن الاستواء كما قلتم يشرح معنى الاستواء ويبين حقيقته دون أن يقول: ويوجد أناس يفسرونه بكذا إلا بعد أن يتوطن الناس ويعرفوا الحق ويسهل عليهم الانتقال من الباطل إلى الحق.اهـ

الوقفة الثانية عشرة: عن المعاملة مع المجاهر بالبدعة والتردد عليه وأنه لا ينبغي حتى ولو كان المعامِل له والمتردد عليه لا يتأثر به أو يستفيد منه مالياً وعلمياً وأنه يؤدي إلى انخداع الناس به وظنهم أنه على الحق وهذا من التغرير بهم.

إذ قال –  رحمه الله – في “لقاء الباب المفتوح” (رقم: 58):

إذا كان هذا الرجل مجاهراً بما عنده من البدعة، فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتعامل معه، وأن يتردد عليه، لأنه وإن كان لا يتأثر به فقد يغتر به غيره، بمعنى: أن الناس ينخدعون ويظنون أن هذا المبتدع على حق، فالذي ينبغي ألا يتردد الإنسان على أهل البدع، مهما استفاد منهم مالياً أو علمياً، لما في ذلك من التغرير بالآخرين.اهـ

الوقفة الثالثة عشرة: عن الموقف من أهل البدع كالرافضة وغيرهم إذا دعوا إلى شيء يخالف مذهب السلف الصالح أهل السنة والحديث في أثناء التدريس وأنهم خطر حتى ولو درسوا غير الأمور الشرعية.

إذ قال – رحمه الله – في “لقاء الباب المفتوح” (رقم:16) حين سئل عن الرافضة:

وأما ما يتعلق بالتدريس، فيجب أن يقول الإنسان الحق سواءً كان له أو عليه، فإذا ظهر منهم الدعوة إلى خلاف مذهب السلف الصالح فإنه يجب أن يمنعوا من إظهار هذه البدعة، وأن يناظروا عليها، ومعلوم أنه إذا ناظرهم هم أو غيرهم من أهل البدع من عنده علم بالسنة وطريقة السلف، معلوم أنهم سوف يعجزون عن مقاومة الحق، لأن الله تعالى قال: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }.

أما إذا كان تدريسهم في أشياء لا تمت إلى العقيدة بصلة، إنما هم في أمور حسابية أو أمور أدبية أو لغوية، ولم يتعرضوا لما يتعلق بالعقيدة فلا بأس في ذلك، ولكن لا بد من أن يتأمل الإنسان خطر أهل البدع مطلقاً حتى لا تنتشر البدع بين شبابنا.اهـ

الوقفة الرابعة عشرة: عن طرق حفظ السنة النبوية وأن منها الرد على شبهات أهل البدع والضلال حولها.

إذ قال – رحمه الله – في كتاب له طبع بعنوان ” كتاب العلم” (ص:45):

السنة الصحيحة: فهي ثاني المصدرين للشريعة الإسلامية، وهي الموضحة للقرآن الكريم، فيجب على طالب العلم الجمع بينهما والحرص عليهما، وعلى طالب العلم حفظ السنة، إما بحفظ نصوص الأحاديث أو بدراسة أسانيدها ومتونها وتمييز الصحيح من الضعيف، وكذلك يكون حفظ السنة بالدفاع عنها والرد على شبهات أهل البدع في السنة.اهـ.

الوقفة الخامسة عشرة: عن حكم تولية أهل البدع المفسِّقة القضاء سواء كان على أهل السنة أو على المبتدعة مثلهم.

إذ قال – رحمه الله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (15 /283):

 مسائل: هل يجوز تولية أهل البدع القضاء؟.

أهل البدع ينقسمون إلى قسمين:

أهل بدع مكفرة، فهؤلاء انتفى عنهم شرط الإسلام.

وأهل بدع مفسقة، انتفى عنهم شرط العدالة.

 فإذا كانت البدعة مفسقة فلا يولى، ولو على أهل بدعته.اهـ

الوقفة السادسة عشرة: عن بعض أسباب عدم رجوع أهل البدع والأهواء عن بدعهم وضلالاتهم مع تبيين الحق وإيضاحه لهم.

إذ قال – رحمه الله – في كتابه “القول المفيد على كتاب التوحيد” (1 /385):

ولهذا كانت البدع غالبها شبهة، ولكن كثيراً منها سببه الشهوة، ولهذا يبين الحق لأهل الشهوة من أهل البدع فيصرون عليها، وغالبهم يقصد بذلك بقاء جاهه ورئاسته بين الناس دون صلاح الخلق، ويظن في نفسه ويملي عليه الشيطان أنه لو رجع عن بدعته لنقصت منزلته بين الناس، وقالوا: هذا رجل متقلب وليس عنده علم.اهـ

الوقفة السابعة عشرة: عن علوم أهل البدع الذين يخاصمون في بدعهم وأنها ناقصة البركة لا خير فيها ولا ينتهون فيها في الغالب إلى حق لأنهم لم يقصدوا إلا نصر أقوالهم وما هم عليه.

إذ قال – رحمه الله – في “تفسير سورة البقرة” (2 /444-445):

ولذلك تجد أهل البدع الذين يخاصمون في بدعهم علومهم ناقصة البركة لا خير فيها، وتجد أنهم يخاصمون، ويجادلون وينتهون إلى لا شيء، لا ينتهون إلى الحق، لأنهم لم يقصدوا إلا أن ينصروا ما هم عليه، فكل إنسان جادل من أجل أن ينتصر قوله فإن الغالب أنه لا يوفق، ولا يجد بركة العلم.اهـ

الوقفة الثامنة عشرة: عن طلب العلم على أيدي علماء أهل البدع والأهواء حتى ولو كان علم العربية من نحو وصرف وبلاغة وفي حال السعة والاختيار ووقت الدراسة النظامية وصور مناقشة ومجادلة الطالب السني للمدرس المبتدع إذا تكلم في ما يخالف العقيدة.

إذ قال – رحمه الله – في شرحه على كتاب “حلية طالب العلم” (ص:173) عقب قول الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله -:

[ وعن مالك – رحمه الله تعالى – قال: (( لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السَّفَه وإن كان أروى الناسِ، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يَكْذب في حديث الناسِ، وإن كنت لا أتَّهِمُه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يُحَدِّث به )).

فيا أيها الطالِب إذا كنت في السَّعة والاختيار فلا تأخذ عن مبتدعٍ: رافِضِيٍّ أو خارجيٍّ أو مُرْجِئٍ أو قَدَرِيٍّ أو قُبُورِيٍّ… وهكذا، فإنك لن تَبْلُغ مَبْلَغ الرجالِ صحيح العَقْدِ في الدين متين الاتصال بالله صحيح النظر تَقْفُو الأثر إلا بهجر المبتدعة وبدعهم ].

والذي يعلم من كلام الشيخ – رحمه الله ووفقه الله – أنه لا يؤخذ عن صاحب البدعة شيء، حتى فيما لا يتعلق ببدعته, فمثلاً إذا وجدنا رجلاً مبتدعاً لكنه جيد في علم العربية: البلاغة والنحو والصرف, فهل نجلس إليه ونأخذ منه العلم الذي هو موجود فيه أو نهجره؟.

ظاهر كلام الشيخ: أننا لا نجلس إليه, لأن ذلك يوجب مفسدتين:

المفسدة الأولى: اغتراره بنفسه، فيحسب أنه على حق.

والمفسدة الثانية: اغترار الناس به، حيث يتوارد عليه طلاب العلم، ويتلقون منه.

والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة, لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل الأهواء والبدع مطلقاً, حتى وإن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف مثلاً إلا فيهم, فسيجعل الله له خيراً منهم، لأنا لو نأتي إلى هؤلاء ونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم، واغترار الناس بهم.اهـ

وقال – رحمه الله – في نفس المصدر (ص:177):

وإن كان المبتدع عنده علوم لا توجد عند أهل السنة ولا تتعلق بالعقيدة كمسائل النحو والبلاغة وما أشبهها فلا تأخذ منه، لأنه يتولد من ذلك مفسدتان:

الأولى: اغتراره بنفسه.

والثانية: اغترار الناس به، فالناس لا يعلمون، فلذلك يجب الحذر.اهـ

وقال – رحمه الله – في نفس المصدر (ص:182) عقب قول الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله -:

[ وما ذكرته لك هو في حال السَّعة والاختيار، أما إن كنت في دراسة نظاميَّة لا خِيار لك، فاحْذَر منه، مع الاستعاذة من شرِّه، باليقظة من دَسائسِه على حَدِّ قولهم: (( اجْنِ الثِّمَارَ وأَلْقِ الخشَبَةَ في النارِ )) ولا تتخاذل عن الطلب، فأخشى أن يكون هذا من التَّولِّي يوم الزَّحف، فما عليك إلا أن تتبيَّن أمره وتتَّقِي شرَّه وتَكشف سِتره ].

هذا احتراز جيد, يعني: أنه قد يُلجأ إنسان إلى الأخذ عن مبتدع, وذلك في الدراسات النظامية, فقد ينُدب إلى التدريس في علوم العربية أو في العلوم أخرى، هو مبتدع، ومعروف أنه من أهل البدع, ولكن ماذا تعمل؟ إذا كنت لا بد أن تدرس على هذا الشيخ، نقول: خذ من خيره ودع شره, إن تكلم أمام الطلاب في العقيدة فعليك بمناقشته إن كنت تقدر على المناقشة، وإلا فارفع أمره لمن يقدر على مناقشته, واحذر أن تدخل معه في نقاش لا تستطيع التخلص منه, لأن هذا ضرر ليس عليك أنت، على القول الذي تدافع عنه, لأنك إذا فشلت أمام هذا الأستاذ مثلاً صار في هذا كسر للحق، ونصر للباطل, لكن إذا كان عندك قدرة في مجادلته فعليك بذلك، وربما يكون في هذا مصلحة للجميع, مصلحة لك أن يهديه الله على يديك, ومصلحة له هو يهديه الله من بدعته.اهـ

وقال – رحمه الله – في نفس المصدر (ص:194) عقب قول الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله -:

[فإذا اشتدَّ ساعدك في العلم فاقْمَع المبتدع وبدعته بلسان الحُجَّة والبيان، والسلام ].

صحيح، إذا اشتد ساعدك في العلم, أما إذا لم يكن عندك العلم الوافي في رد البدعة فإياك أن تجادل، لأنك إذا هُزمت وأنت سُنِّي لعدم قدرتك على مدافعة هذا المبتدع, فهو هزيمة للسنة, ولذلك لا نرى الجواز للإنسان أن يجادل مبتدعاً إلا وعنده قدرة على مجادلته.

وهكذا أيضاً مجادلة غير المبتدعة – الكفار – لا نجادلهم وإلا ونحن نعلم أننا على يقين من أمرنا, وإلا لكان الأمر عكسياً, بدل أن يكون انتصار لنا، لما نحن عليه من دين وسنة , يكون الأمر بالعكس.

ومن ذلك، يعني: قوة الحجة، أن يكون معك من يساعدك, كما قال الشاعر:

لا تخاصم بواحد أهل بيت = فضعيفان يغلبان قوياً.

إذا صار معك أحد فإن حجتك سوف تقوى، لأنه يقمعه من الخد الأيمن، وأنت تقمعه من الخد الأيسر، حتى يضيع.اهـ

الوقفة التاسعة عشرة: عن  خطورة أهل البدع على الناس لا سيما إذا تظاهروا بينهم بالسنة أو أنهم من أهل السنة أو كان عندهم فصاحة في البيان وسلاطة في اللسان.

إذ قال – رحمه الله – في شرحه على كتاب “حلية طالب العلم” (ص:176-177) عقب كلام للشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله -:

  المؤلف – وفقه الله – حذر هذا التحذير المرير من أهل البدع، وهم جديرون بذلك, ولاسيما إذا كان المبتدع سليط اللسان، فصيح البيان, فإن شره يكون أشد وأعظم, ولاسيما إذا كانت بدعته أيضا مكفرة أو مفسقة تفسيقاً بالغاً فإن خطره أعظم, ولاسيما إذا كان يتظاهر أمام الناس بأنه من أهل السنة، لأن بعض أهل البدع عندهم نفاق, تجده عند من يخاف منه يتمسكن، ويقول: أنا من أهل السنة، وأنا لا أكره فلاناً ولا فلاناً من الصحابة، وأنا معكم وهو كاذب، فمثل هؤلاء يجب الحذر منهم.اهـ

الوقفة العشرون: عن الصلاة على جنازة الميت المبتدع وصلاة الفريضة والنافلة خلف إمام مبتدع مصر على بدعته وتعيين المبتدع إماماً.

إذ قال – رحمه الله – في شرحه على كتاب “حلية طالب العلم” (ص:177-178):

وقوله: “وكان من السلف من لا يصلي على جنازة مبتدع” على كل حال إذا كانت البدعة مكفرة فلا شك أن الصلاة عليه لا تجوز، لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنافقين: { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً }.

هذا لا يصلى عليه.

أما إذا كانت غير مكفرة فهذا يُنظر فيما يترتب على ترك الصلاة عليه من المفسدة أو عدمها، فإذا كان أهل السنة أقوياء وكان أهل البدعة في عنفوان دعوتهم فلا شك أن ترك الصلاة عليهم أولى, لأن أهل السنة أقوى منهم، وهؤلاء في عنفوان دعوتهم ربما إذا تركنا الصلاة عليهم يحصل بذلك ردع عظيم لهم.

وما ذُكر عن الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – مفتي البلاد السعودية في زمنه يدل على قوته – رحمه الله – وصرامته, حيث انصرف عن الصلاة على مبتدع.

وأيضاً الصلاة خلفه من باب أولى أن يحذر الإنسان منها، فإن كانت بدعته مكفرة فإن الصلاة خلفه مع العلم ببدعته المكفرة لا تصح,  وإن كانت دون ذلك فالصحيح أن الصلاة خلفه صحيحة، لكن لا ينبغي أن يصلي خلفه.اهـ

وقال – رحمه الله – في “فتاوى نور على الدرب” (5 /337 رقم:2873):

فالبدعة المكفرة لا تجوز الصلاة خلف من يقول بها.

وأما البدع التي لا تكفِر فهذه نخاطب أولاً المسؤولين عن المساجد، فنقول: لا تجعلوا المبتدع إماماً للمسلمين، حتى وإن كانت بدعته غير مكفرة، لأنه يخشى أن ينشر بدعته في الناس، والإنسان في غنىً عن هذا.

لكن لو جُعل إماماً وبدعته غير مكفرة فإنه يصلي خلفه، إلا إذا كان في هجر الصلاة معه مصلحة، فلتَترك الصلاة معه إلى مسجد آخر.اهـ

     وقال – رحمه الله – في “فتاوى نور على الدرب” (1 /530رقم:446):

أما جماعة المسجد فينصحونه، فإن اهتدى فهو المطلوب، وإلا فليزيلوه بكل ما يستطيعون، ومعنى قولي: “بكل ما يستطيعون” أن يذهبوا إلى الجهات المسئولة التي بيدها عزل الأئمة ونصبهم، ويطلبوا منها أن يعزلوه عن هذا المنصب العظيم، منصب الإمامة، فإن لم يتمكنوا من ذلك فلا يصلوا معه، لأن هذا مبتدع مصر على بدعته.

الوقفة الأخيرة: عن العمل مع الجماعات والأحزاب التي تنسب نفسها إلى الإسلام ويقال أنها تواجه العلمانية والشيوعية وغيرها من المبادئ الهدامة وهل هو من الحكمة.

إذ قال – رحمه الله – كما في شريط له موجود على اليوتوب وغيره بصوته إجابة على سؤال نصه:
[ هل من الحكمة العمل مع الأحزاب الإسلامية التي تواجه العلمانية والشيوعية وغيرها من المبادئ الهدامة أم الحكمة ترك هذه الأحزاب وترك العمل السياسي مطلقاً؟].

 الحكمة في هذه الأحزاب: أن نعمل بما كان عليه السلف الصالح من سلوك الطريق الصحيح في أنفسنا أولاً، ثم في إصلاح غيرنا، وفي هذا كفاية في رد الأعداء، والعمل مع الفرق الأخرى الضالة التي تنتسب إلى الإسلام قد لا يزيد الأعداء إلا شدة، لأنهم سوف يدخلون علينا من البدع الضالة، ويقولون: أنتم تقولون كذا وكذا، لأننا أمامهم طائفة واحدة، فيحصل لنا الضرر في هذا الاجتماع المشتمل على البدع والسنة، لكننا نجانب هذا كله، وندعو من طريق واحد، وهو طريق السلف الصالح، وكفى به كفاية، وما هذا الفكر الذي يقول نجتمع كلنا من أهل السنة وأهل البدع في مقابلة الأعداء، ما هذا النظر إلا كنظر من يقول هات الأحاديث الضعيفة واجمعها في الترغيب، واجمع الأحاديث الضعيفة في الترهيب من أجل أن يرغب الناس في الطاعة وأن يرهبوا من المعصية، وهذا خطأ، ولهذا لا نرى إيراد الأحاديث الضعيفة لا في الترغيب ولا في الترهيب، لا نرى إيرادها إطلاقاً إلا مقرونةً ببيان الضعف، لأن في الأحاديث الصحيحة كفاية، كذلك في طريق السلف الصالح الخالص من شوائب البدع فيه كفاية.اهـ

     وقال – رحمه الله – في “تفسير سورة الكهف” (ص”94):

{ وَمَا كُنْتُ } الضمير في { كُنْتُ } يعود إلى الله.

{ كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً } أي: أنصاراً ينصرون ديني.

لماذا؟

لأن المضل يصرف الناس عن الدين، فكيف يتخذ الله المضلين عضداً.

وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضدا تنتصر بهم، لأنهم لن ينفعوك بل سيضرونك، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء المنحرفة؛ لأنه لا يمكن أن ينفعوك بل هم يضرونك، فإذا كان الله لم يتخذ المضلين عضداً فنحن كذلك لا يليق بنا أن نتخذ المضلين عضداً، لأنهم لا خير فيهم، وفي هذا النهي عن بطانة السوء، وعن مرافقة أهل السوء، وأن يحذر الإنسان من جلساء السوء.اهـ

جمعه ورتبه وعنونه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.