حتى لا نكون عونًا على بلداننا
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي أنعم علينا بالطاعة، وجعلنا مِن أهل السُّنَّة والجماعة، وأمدَّنا على تقواه بالاستطاعة، ووعدنا ــ وهو الكريم الذي لا يُخلف الميعاد ــ بالرحمة والعفو والمغفرة وقبول الشفاعة، وصلَّى الله على محمد المبعوث رحمة للعالمين بين يَدَي الساعة، وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والكرامة، وجميع مَن أحسَن اتباعه حتى تقوم القيامة.
أمَّا بعد، فيا معاشر أهل الإسلام والسُّنَّة:
إنَّ علينا لبلداننا وساكنيها معنا حقًّا كبيرًا، فلا يَحِل أنْ نُفسِدَ أمنها المستقيم، أو نَحرِقَ أُلْفَتَها وائتلافها ووحدتها، أو نَهدِمَ بنيتها الاقتصادية ومُقَدَّرات عيش أهلها، أو نَخرِقَ سُمعتها بين الخلق وجميلَ ذِكرها ومنزلتها، أو نتسبَّبَ في تكالب أهل الكفر والبِدَع والفساد والإجرام عليها، أو نكونَ أبواقًا لغيرنا في تفكيكها وتخريبها، أو نُدمِّرَها بعقوبات الله على الآثام مِن شركيات وبدع ومعاصي، أو نُحرِّشَ بين أهلها والمقيمين فيها وعِرقِيَّاتهم ليتصارعوا ويدخلوها في الفتن والشرور والتَّفًكُّك، أو نخونَها باللجوء إلى الأعداء والمتربِّصِين بها شرًّا وبلدانهم وقنوات إعلامهم المسموعة والمقروءة والمرئية فنشوِّهَها ونؤلِّبَهم عليها ونُقويَّهم ضدَّها، وقد قال ربُّنا آمرًا وزاجرًا: { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }، وقال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ )).
معاشر أهل الإسلام والسُّنَّة:
إنَّ مِن أشرِّ وأضرِّ معاول هدم بلداننا، وإذهابِ أمنها، وتناحُر سكانها، وإضعاف اقتصادها، وتسليط أعدائها، وتخريبها دينيًّا ودنيويًّا، هذه الثلاثة:
فمِعول الهدم الأوَّل: فتح الألسن والأقلام على وليِّ أمر البلاد وسلطانها وحاكمها عبر أجهزة الإعلام والتواصل الاجتماعي المتنوعة، والخطب والمحاضرات، والجرائد والمجلات، والكتب والمقالات، ومواقع الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، والمجالس والمسامرات: طعنًا ولومًا وذمَّا وتحريضًا وتنقُّصًا، وذِكرًا للأخطاء والمخالفات، ونشرًا للمعايب والمثالب، وتشهيرًا بالمظالم والمنكرات، وبالتصريح الواضح، أو التلميح المُبَطَّن المُلتوي، وهذه الطريقة مُحرمة شرعًا، وقد تضافرت نصوص الشريعة في الزَّجر عنها، والترهيب مِنها، وبيان عواقبها الوخيمة على الدين والدنيا، وعلى العباد والبلاد.
وأنتم ــ وقبلكم تاريخ الدُّول مُنذ القِدم ــ لا تزالون تسمعون وتقرؤون أو تُعايشون وتعيشون في نتائج هذه الطريقة، حيث بدأت منذ سِنين باللسان والقلم، فجرَّت إلى الفعل بالمظاهرات والاعتصامات، ثم تحولَّت إلى الثورات بالسلاح والذَّخيرة، فكان ما ترونه مِن فتن وشُرور، وتَصْلَونه مِن حروب وكروب، وتألمون بِه مِن تشرُّد وتُهانون، وتئِنُّون مِنه وتبكون، وتأسفون له وتتوجعون، وتندمون وتحزنون، وتتمنون أنْ لم يكن، ولم تروه.
وصدق الإمام الكبير ابنُ تيمِيَّةَ الحرَّانيُّ الدِّمشقي ــ رحمه الله ــ إذ قال بعد أنْ استقرأ وسَبَر تاريخ ذلك: “وقلَّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تَوَلَّد على فِعله مِن الشرِّ أعظمَ مما تولَّد مِن الخير”.اهـ
وقال أيضًا: “ولعله لا يَكاد يُعرف طائفةً خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها مِن الفساد ما هو أعظمُ مِن الفساد الذي أزالته.اهـ
وأمَّا مِعول الهدم الثاني: ففتح بابِ الفُرقة والاختلاف، ودخول مصيدةِ الأعداء والمتربِّصين، وجَعْل الشرعِ والعقل والقول الفِعل بيد الآخَرين، بالانتماء إلى الأحزاب والجماعات والتنظيمات، سواء تسمَّت بألفاظ دينية، أو بأسماء مذاهب فكرية، وجميعها وإنْ اختلفت خُدعُها، وتنوَّعت شعارتها، وتدثَّرت بلباس الصلاح أو الإصلاح، ودلَّسَت بإحسان الدين أو الدنيا، غايتها وهدفها هو الوصول إلى الحكم، وإسقاطُ وليِّ الأمر، ووسيلتها ووقودها عقول وأرواح وجُثث الناس، لاسيَّما الشباب، وحدثاء الأسنان، ذكورًا وإناثًا، ولهذا كان مِن خُلاصة ومشهور كلام أئمتنا الماضين ــ رحمهم الله ــ الذين عَرفوا الشرع وأحكامَه، وخبَروا واقع الناس، وعرفوا أهلَ الأهداف المشينة: (( إنَّ أهل الأهواء والضلال وإنْ اختلفوا في الاسم يجتمعون في السيف )).
ويقصدون بالسيف: الخروجَ على وليِّ الأمر المسلم، وأنَّ هذا هو هدفهم، وغاية فِرقهم، ومراد أحزابهم.
والتَّفرُّقُ في الدين بإحداث الفِرق والأحزاب والجماعات مِن كبائر المحرمات، وغليظ المنكرات، وشنيع الخطيئات، ويَحصل بسببه فساد عريض دينيٍّ ودنيوي، وعلى عامة الناس وخاصتهم، ولهذا تهدَّد النبي صلى الله عليه وسلم أهلَه وتوعَّدهم بالنار، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الْجَمَاعَةُ» ))، أي: الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم مِن الاعتقاد والعمل، وعلى وليِّ أمرهم المسلم، فلم يَخرجوا عليه، لا بالقول ولا بالفعل.
فكيف إذا كانت هذه الأحزاب تنتمي لمذاهبَ كفرية، وعقائد شركية، ومقاصد باطنية، وأهواء ماسونية، هذا أشدُّ وأنْكَر وأضلُّ وأظلم وأطغى.
وثالث معاول الهدم: فتح القلوب والعقول والأسماع والأبصار لكل متكلِّم وكاتب، وكلِّ مقروء ومسموع ومرئيّ، وكلِّ منشور ومنقول، في ما يتعلق بالأمَّة، ودينها، وولاتها، واقتصادها، وجيشها، وأمنها، وأعدائها، ناهيك عن إذاعته بين الناس وإشهاره في المجالس، وعبر أجهزة الإعلام المختلفة، وبرامج التواصل الاجتماعي، وزِد على ذلك العجلة في اعتقاده وتصديقه، والمسارعة إلى نشره وتوسيعه، والمسابقة إلى التعليق حوله قبْل الآخرين، إذ مِن الكلام ما لا يَثبت، ومِنه ما أخرجه الأعداء لمقاصد وأهداف، أو صدَر عن أهل خصومة وفجور فيها، ومِنه ما يُطوى ولا يُروى لكثرة أضراره ومفاسده، ومِنه ما يَحتاج إلى فهم دقيق وعلم بأحكام الشريعة، وقد أبانت الشريعة أنَّ ما يتعلق بعموم الأمّة مرجعه إلى أُولِي الأمر مِنهم، وليس إلى آحاد الرَّعية، ولا إلى مُحلِّلين وكتبةٍ سياسيين، ولا إلى ضُبَّاط وعسكريين، لأنَّ ولاة الأمر ومَن يُنيبون أقوى على معرفة ثبوته مِن عدمه، وأدرى بما يَتْبَعه مِن مصالح ومفاسد تتعلق بالبلد وساكنيها، وحربها وسِلمها، واقتصادها وأعدائها، فقال ــ جلَّ وعلا ــ: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }، وقال سبحانه: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشجِّ عبدِ قيسٍ ــ رضي الله عنه ــ: (( إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ )).
معاشر أهل الإسلام والسُّنَّة:
إنَّ دفاع المسلم عن بلده المسلمة بلسانه ومقاله بحقٍّ وعدل وصدق، ودون بَغيٍ وظلم لممدوح شرعًا وعقلًا، فمَن دافع فليبتغي بذلك وجْه الله، ليؤجَرَ وينفعَ الله بردِّه، ويُسدَّدَ فيه، وليكن دفاعه نافعًا مفيدًا، يزيد في إيضاح الحق ونُصرته، ويَصُبُّ في مصلحة بلده لا ضدها، ويكون عونًا ورِفعة لها لا زيادة شرٍّ وبلاء عليها، مُقرَّرًا بالحُجَّة والبرهان، منضبطًا بالشرع وأحكامه، ظاهرًا بالعدل والإنصاف، مجلَّلًا بالرِّفق واللين، متَّسِّمًا بالأدب وطَيِّب الكلام، بعيدًا عن فاحش الكلام وبذيئه، مجانبًا للتعرُّض لمناطقية الناس وقومياتهم وعشائرهم حتى لا يُهيجَّهم ضد بلاده، ومراعيًا فيه للمصالح والمفاسد، وحريصًا على أنْ يُحقِّق بِه أهدافًا سامية شريفة، وتتحقَّقَ مِنه غايات نبيلة، وليس لأجل أنْ يُقال إنَّه ردَّ ودافع، ومع بلاده وأهلها، إذ نُصْرة المظلوم بدفع الظلم عنه، ونُصرة الظالم بالأخذ على يديه، وكشف ظلمه وبغيه وعدوانه حتى لا يَظلِم أو يستمر في ظلمه مشروعة ممدوحة مأجور عليها، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ )).
معاشر أهل الإسلام والسُّنَّة:
إنَّ أولى وأحقَّ البلدان أنْ يُدافَع عنها بحقٍّ وعدل إذ بُغي عليها وظُلمت، أو سُعي في تشويه صورتها ومكانتها: بلادَ الحرمين الشريفين ــ أكرمها الله بالاستمساك بشرعه ونُصرته ــ، لأنَّها أرضُ الرسالة والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبلدُ بيت الله الحرام، وفيها مسجد رسول ربِّ العالمين، وبين مسجديها يأزِر الإسلام، وفيها نَزل القرآن، ومِن أهلها أكابر الصحابة وأفضلهم وأفقههم، ومِنها انتشرت دعوة الإسلام إلى أصقاع الدنيا المختلفة فآمَن مئات الملايين، وبلادٌ بهذه المثابة والمكانة مقصودة كثيرًا بالإضرار والإفساد، والإضعاف والتدمير، والتشويه والتنفير، مِن قِبَل أعداءِ الدين والمِلَّة، ودعاة الشرك والضلالة، وأهلِ الفجور والمجون والرَّذيلة، وأصحابِ الفساد والإجرام، وليس هذا المقصود الماكرُ المُنكر الكُبَّار إلا لأجل دين الإسلام القائمِ فيها، والخارجِ إلى بقاع الأرض مِنها، وليس بسبب لونٍ أو جنس أو قبيلة أو شخص مِن أهلها، فمَن أعان عليها فقد أعاد على دينه الإسلام، وعلى مقدّسات أهل الإسلام، وعلى أهل وبلاد الإسلام، ومَن دافع عنها فقد سعى لحفظ الإسلام وأهله وبلاده، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فكيف إذا كون عونه لأجل الإسلام، ومقدسات المسلمين، وبلاد الإسلام، وأهل الإسلام، وقد جاء في حديث نصَّ على ثبوته الإمام الألباني ــ رحمه الله ــ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، نفعني الله وإيّاكم بما سمعتم، وأعاننا على نُصرة الإسلام وأهله وبلاده، والحمد لله على كل حال.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي بنعمته تتِم الصالحات، وصلَّى الله على محمد النَّبي الأمِّيّ، وعلى آله وصحابته أجمعين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وبالله أستعين.
أمَّا بعد، فيا معاشر أهل الإسلام والسُّنَّة:
اتقوا الله العظيم بلزوم شرعه، والعمل بأحكامه، يَحق لكم رضوانه، فتُفلحوا وتسلَموا مِن شرور الدنيا والآخرة، وإيَّاكم ومعصيتَه والعدولَ عن حكمه وشرعه، فإنِّما هلاك الدنيا والآخرة عصيانه في أمره ونهيه، وقد قال سبحانه آمراً لجميعكم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }، وقال تعالى مُرهِّبًا ومُحذِّرًا: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
معاشر أهل الإسلام والسُّنَّة:
لا ريب أنَّ عداوةَ وبُغْضَ أهل الكُفر لنا ولِديننا الإسلام، وإرادتَهم كُفرنا بربِّنا سبحانه، وذهابَ الخير عنَّا، ونُزولَ الشَّرِّ بِنا لأمرٌ معروف عند جميعنا، أخبرنا بِه خالقُنا وخالقُهم وهو الله ربُّنا وربُّهم، وهو سبحانه أعلم بِهم مِنَّا، أعلم بظواهرهم وبواطنهم، وما فعلوا وما سيفعلون، وماذا يُخطِّطون، وكيف يَكيدون، ومتى سَيمكُرون، وتاريخنا البعيد والقريب وواقعنا المعاصر شاهدٌ وحافِل بدلائل ذلك، وقد قال الله سبحانه في تقرير هذا الأمر: { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }، وقال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }، وقال ــ عزَّ شأنه ــ: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }.
وأعلَمَنا سبحانه بالكافرين وعداوتهم لنا، وبُغضِهم لديننا، ومكرِهم بِنا، وكيدِهم معنا، وتعاضُدِهم علينا، وأنَّ ما تُخْفِي صدورهم جهتنا أكبَرُ وأعظَم، فقال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }.
ومع ذلك فإنَّنا لا نخشاهم، لأنَّ أمْرَنا وأمْرَهم بيد الله وحده، وكيدهم مآله إلى تَباب، وقد قال سبحانه مُطمئنًا لنا: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا }، وأبَانَ تعالى لنا علاج صدِّ كيدهم وعدم إضراره بِنا بعد أنْ أخبَرنا عن فرحهم بإصابتنا بالسوء، فقال سبحانه: { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }.
هذا وأسأل الله تعالى أنْ يرزقنا الفِقه في دينه، والعملَ بشريعته، وتعظيمَ أوامِره وزواجره، والوقوفَ عند حدوده، وبُغضَ معصيته، وإنكارَ المنكر وإبطالَه، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركين، واحْمِ حوزة الدين، واجعل بلدان المسلمين آمنة مِن الخوف والجوع، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وأصلح ولاتهم وجندهم ودعاتهم وشبابهم ونساءهم، وارحم موتاهم، اللهم قاتل اليهود والنُّصيريين والخوارج المارقين ومَن عاونهم مِن أيِّ جنس أو بلد، اللهم اشدُد عليهم وطأتك، وانزع عنهم عافيتك، وأنزل عليهم نقمتك، ومزِّقهم كل مُمزَّق، إنك سميع مجيب، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.