إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان: ” فضل يوم الجمعة وصلاته وشيء مِن سُننهما “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” فضل يوم الجمعة وصلاته وشيء مِن سُننهما “.

  • 5 ديسمبر 2018
  • 65٬917
  • إدارة الموقع

فضل يوم الجمعة وصلاته وشيء مِن سُننهما

الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــ

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي جعل العلم نورًا للمهتدين، وشفاءً لصدور المؤمنين، وحُجَّة على الجاحدين، وأشهد أنْ لا إله الله خالق الخلق أجمعين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، اللهم فصلِّ عليه وعلى آل بيته الطيِّبين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وعنَّا معهم يا أكرم الأكرمين، وسَّلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم يُبعثون.

أمَّا بعد، فيا عباد الله:

أوصيكم بوصية الله ــ جلَّ وعزَّ ــ لكم ولِمَن سبقكم، حيث قال سبحانه: { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ }.

فاتقوه ــ جلَّ وعلا ــ بالعمل بما أمَر، واجتناب ما عنه زَجَر، والتَّزَوُّد بالمُستحبَّات والسُّنن، والاستعداد للموت بمحاسبة النفس وتَذَكُّرِ الآخِرة وأهوالها، فقد قال سبحانه آمِرًا لكم وزاجِرًا ومُرَهِّبًا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

عباد الله:

إنَّ مِن أفاضل الأيَّام، وأعلاها منزلة في الإسلام، يومَ الجُمُعة، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ )).

وهو يوم أكرمنا الله تعالى بِه وخصَّنا، وأضلَّ عنه مَن كان قبلنا مِن أهل الكتاب، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ )).

وهو يوم عيد لنا أهلَ الإسلام، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ جبريل ــ عليه السلام ــ قال له: (( هَذِهِ الْجُمُعَةُ، جَعَلَهَا اللَّهُ عِيدًا لَكَ وَلِأُمَّتِكَ، فَأَنْتُمْ قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى )).

عباد الله:

إنَّ شهود صلاة الجمعة واجب بنص القرآن حيث قال الله تعالى آمِرًا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ }، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ))، فيجب شهود صلاة الجمعة على كل رجل حُرِّ بالغ عاقل مُقيم لا عُذر له باتفاق أهل العلم.

وفي شهودها تكفير الخطيئات، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ )).

ومَن تَرك شهود صلاة جمعة واحدة مِن غير عُذر شرعي كان آثمًا ومستحِقًّا للعقوبة في الدنيا والآخِرة، وإنْ تكرَّر مِنه ترْك شهودها ثلاث مرات كان فاسقًا ساقط الشهادة باتفاق أهل العلم، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُرهِّبًا عن ذلك: (( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه هَمَّ بإحراق بيوت مَن يتخلَّفون عن شهودها، فقال: (( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ )).

عباد الله:

إنَّ لشهود الجمعة سُننًا وآدابًا لها فضائل عظيمة، ويَنال العبد عليها أجْرًا كبيرًا، وثوابًا جزيلًا لو لم يُحصِّلْه مع يُسره فقد حُرِم خيرًا كثيرًا.

ومِن سُنن الجمعة المؤكَّدة عند سائر الفقهاء:

الاغتسال للجمعة، وأنْ يكون الاغتسال لها على صفة غُسل الجنابة، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ )).

ويبدأ أوَّل وقته بطلوع الفجر، وأفضله قبل خروج الرَّجل مِن بيته لشهود صلاة الجمعة، واتفق العلماء على أنَّ مَن اغتسل بعد صلاة الجمعة فليس بمغتسل للجمعة ولا للسُّنة.

ومَن لم يتيسَّر له الاغتسال للجمعة فليُحسن الوضوء لها ويُسبِغه، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )).

وغُسل الجمعة سُّنَّة في حق مَن شهد صلاة الجمعة مع الناس دون غيره، وبهذا قال أكثر العلماء، وقد ثبت عن ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( إِنَّمَا الغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةُ )).

ومَن اجتمع في حقِّه غُسلان، غُسل الجنابة وغسل الجمعة، فله أنْ ينوي بغُسله الجنابة والجمعة معًا، حيث قال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ: وأجمعوا ــ أي العلماء ــ على أنَّ مَن اغتسل يَنوي الجنابة والجمعة جميعًا في وقت الرَّواح أنَّ ذلك يُجزئُه مِنهما جميعًا، إلا مَن شَذَّ.اهـ

ومِن سُنن الجمعة أيضًا:

التبكير إلى حضورها مِن أوَّل النهار، وأنْ يكون الإتيان إليها مشيًا على الأقدام، والجلوس بالقرب مِن الإمام، وقد ورَد في فضل ذلك مع الاغتسال لها أجْرٌ كبير جدًّا، فصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا )).

وللأسف أنَّ كثيرًا مِن الناس إنْ لم يكن أكثرهم يتأخرون عن الجمعة فما يأتون إلا بعد صعود الخطيب المنبر، فيَحرِمون أنفسهم مِن أجْر التبكير العظيم، ويأثمون على تأخرهم، لأن حضور الخطبة واجب، وتفوتهم الكتابة في الصُّحف، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ )).

ومِن سُنن الجمعة أيضًا:

أنْ يُنظِّفَ العبد أسنَانه وفمَه عن الروائح الكريهة، بما تيسَّر مِن سِواك أو فُرشاة أسنان، وأنْ يلبسَ للجمعة مِن أحسن ثيابه وأنظفها، ويُطيِّبَ بدَنه وثيابه، وإذا أتى المسجد فلا يتخطى الرقاب، ويُشغلُ نفسه بِذكر الله تعالى، والصلاة ركعتين ركعتين ما قُدِّر له، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَنَّ، وَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ))، وصحَّ عن نافع ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ ابْنُ عُمَرَ ــ رضي الله عنه ــ يُطِيلُ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ ))، وصحَّ عن السائب بن يزيد ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُنَّا نُصَلِّي فِي زَمَنِ عُمَرَ ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ــ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَطَعْنَا الصَّلَاةَ )).

ومِن سُنن الجمعة المؤكدة أيضًا:

أنْ لا يجلس القادم للجمعة إذا وصل المسجد حتى يُصلي ركعتين، ولو كان الإمام يخطب، لِمَا صحَّ عن عن جابرــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «أَصَلَّيْتَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» )).

ومِن سُنن الجمعة المؤكَّدة أيضًا:

أنْ يُصلَّى بعد الانتهاء مِنها سُنَّتها الراتبة في البيت وهو أفضل، أو في المسجد، ومَن شاء صلى ركعتين، أو أربع ركعات، أو سَتّ ركعات، حيث صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ))، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا )).

وثبت عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ أنَّهم صلوا سِتَّ ركعات.

ومِن صلَّى السُّنة الراتبة للجمعة في المسجد فلا يُصلِّها حتى يتكلَّم أو يَخرج، لِمَا صحَّ عن معاوية ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال لرجل سلَّم الإمام مِن الجمعة فسلَّم معه ثم قام مباشرة لصلاة السُّنة الراتبة: (( إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ: «أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ» ))، وإن تيسِّر للمرء أنْ يتحوَّل عن مكانه الذي صلَّى فيه الجمعة إلى مكان آخَر ليصلِّيَ فيه السُّنة الراتبة فهو أفضل، حيث صحَّ عن عطاء ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ ــ رضي الله عنه ــ صَلَّى الْجُمُعَةَ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَكَانِهِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهِمَا خِفَّةٌ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ فَصَلَّى أَرْبَعًا هِيَ أَطْوَلُ مِنْ تَيْنِكَ )).

ومِن سُنن الجمعة أيضًا:

أنْ يَستقبل الناس الخطيب إذا شَرع في الخطبة بوجههم في أيِّ جهة كانوا، حيث ثبت عن الشَّعبي ــ رحمه الله ــ وهو مِن تلامذة الصحابة أنَّه قال: (( مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ )).

وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ: وأمَّا قوله: «السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَهَا» فهو كما قال سُنَّة مسنونةُ عند العلماء، لا أعلمهم يختلفون في ذلك.اهـ

وقال الأثْرَمُ ــ رحمه الله ــ: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ــ أحمدَبن حنبل: يَكُونُ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِي مُتَبَاعِدًا، فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْحَرِفَ إلَيْهِ حَوَّلْتُ وَجْهِي عَنْ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، تَنْحَرِفُ إلَيْهِ».اهـ

وثبت استقبال الخطيب: عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وسبحان ربِّك، ربِّ العِزَّة عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسَلين، والحمد لله ربِّ العالَمين.

الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــ

الحمد لله الهادى إلى اتباع السُّنن النَّبوية المباركة، والمُكْرِم باجتناب البِدَع المُحرَّمة، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد وآله وصحبه.

أمَّا بعد، فيا عباد الله:

إنَّ مِن سُنن يوم الجمعة:

الإكثار مِن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ )).

وإذا ذَكر الخطيب النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الخطبة فلا يُصلِّي الناس عليه جهرًا، لا مُنفردين كل واحد لوحده، ولا متوافقين بصوت جماعي، لا عند الأئمة الأربعة، ولا عند غيرهم مِن الأئمة.

واختلفوا هل يُصلَّى عليه سِرَّا، فمِنهم مَن قال: إذا ذَكر الخطيب النبي صلى الله عليه وسلم فإنَّ المستمع يُصلِّي عليه في نفسه سِرًّا، للأحاديث العامة الواردة في الصلاة عليه عند ذِكْره، ولأنَّ الصلاة عليه دعاء، والدعاء السُّنة فيه الإسرار، ومِنهم مَن قال: إنَّه يَسكُت ولا يُصلِّي عليه، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ عنه أنَّه قال: (( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ ))، فمنَعه صلى الله عليه وسلم مِن تَسكيت المتكلِّم أثناء الخطبة مع أنَّ تسكيتَه لَه أمْرٌ بمعروف ونَهيٌ عن مُنكر، وهو واجب، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة، والسُّنَّة أولى بالسكوت مِن الواجب.

ومِن سُنن يوم الجمعة أيضًا:

قراء ة سورة الكهف، لِمَا صحَّ عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال (( مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ )).

ومِمَّا يُستحب في الجمعة أيضًا:

أنْ يتعاهد المَرء شاربَه وأظفارَه ونحوهما، لِمَا صحَّ عن نافع ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ــ رضي الله عنه ــ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، فِي كُلِّ جُمُعَةٍ )).

ومِن السُّنن أيضًا:

أنْ يُردِّد الخطيب والناس خلف المؤذن إذا أذَّن للجمعة، فيقولوا مثلما قال، لِمَا صحَّ عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْل بن حُنَيْفٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المِنْبَرِ، أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ»، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «وَأَنَا»، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «وَأَنَا»، فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا المَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي» )).

عباد الله:

إنَّ مِن دلائل عِظَم يوم الجمعة وكبير فضله أنَّ فيه ساعة إجابة، حيث ثبت عن جبريل ــ عليه السلام ــ أنَّه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (( هَذِهِ الْجُمُعَةُ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ )).

وهذه الساعة عند أكثر العلماء، وفي أكثر الأحاديث، هي: آخِر ساعة بعد العصر، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ )).

فاحرصوا ــ سدَّدكم الله ــ على أنْ تُشغلوا أنفسكم في هذه الساعة بدعاء الله ــ عزَّ وجلَّ ــ، وذِكره، واستغفاره، لعلكم تُرحمون.

هذا، وأسأل الله تعالى أنْ ينفعني وإيَّاكم بما سمعتم، وأنْ يزيدنا فقهًا في دينه، وأنْ يجعلنا مِن الدُّعاة إلى كتابه وسُنَّة نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنْ يُكرمنا فنكونَ مِن العُبَّاد الفقهاء لا العُبَّاد الجهال، اللهم أعنَّا على ذِكرك، وشكرك، وحُسن عبادتك، اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأوقاتنا وأهلينا وأموالنا، واغفر لنا ولجميع المسلمين أحياء وأمواتًا، ووفِّق للخير ولاتنا وجندنا، اللهم ارفع الضُّر عن عبادك المتضررين مِن المؤمنين في كل بلاد، وجنِّبنا وإيَّاهم وبلداننا ونساءنا وشبابنا الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.