إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان (1): ” الأحكام  الفقهية الخاصة بصلاة الجمعة “. ملف [ word – pdf] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان (1): ” الأحكام  الفقهية الخاصة بصلاة الجمعة “. ملف [ word – pdf] مع نسخة الموقع.

  • 13 ديسمبر 2018
  • 8٬882
  • إدارة الموقع

الأحكام الفقهية الخاصة بصلاة الجمعة

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للَّهِ القادرِ المُقتدِرِ، وأشهدُ أنْ لا إله اللَّهُ الرَّحِيمُ الغفَّارُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إمامُ المُتقينَ الأبرارِ، اللهمَّ فصلِّ وسلِّم وبارِكْ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه البَرَرةِ الأخيار.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ:

فإنَّ شُهودَ صلاةِ الجمعةِ: واجبٌ بنصِّ القرآنِ، لِقولِ اللهُ تعالى آمِرًا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ }، وواجبٌ بالسُّنةِ النَّبويةِ الصَّحيحةِ كقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ )).

ويجبُ شُهودُ صلاةِ الجمعةِ على كُلِّ: رجلٍ حُرٍّ بالغٍ عاقلٍ مُقيمٍ لا عُذرَ له باتفاقِ العلماء.

ومَن تَركَ شُهودَ صلاةِ جمعةٍ واحدةٍ مِن غيرِ عُذرٍ شرعيٍّ: كان آثمًا عندَ ربِّهِ، ومُستحِقًّا للعقوبةِ مِن قِبَلِ السُّلطانِ، وإنْ تكرَّرَ مِنهُ ترْكُ شُهودِها ثلاثَ مراتٍ كانَ فاسقًا ساقطَ الشهادةِ باتفاقِ العلماءِ.

وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُرهِّبًا مِن ذلك: (( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ))، وثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريقِ بيوتِ مَن يتخلَّفونَ عن شهودِ صلاةِ الجمعةِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ )).

وتجبُ صلاةُ الجمعةِ والسَّعيُّ إليها وتُقامُ وتَصِحُّ باتفاقِ العلماءِ: خلفَ كلِّ مَن يُقيمُها، سُنِّيًّا كانَ أو مُبتدعًا، عدلًا أو فاسقًا، بَرًّا أو فاجِرًا، بل إنَّ أهلُ السُّنة يَذكرونَ هذا الأمرَ في كُتبِ الاعتقادِ خلافًا لأهلِ البدع.

أيُّها الناسُ:

لا يجبُ شُهودُ صلاةِ الجمعةِ على: المرأةِ والمريضِ والصغيرِ باتفاقِ العلماءِ، ولِما صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ )).

ولا يجبُ أيضًا: شُهودُ صلاةِ الجمعةِ على مسافرٍ عندَ عامَّةِ الفقهاءِ، الأئمةِ الأربعةِ، وغيرِهِم، وإنْ شهدَها المُسافرُ فهوَ أفضلُ، وأعظمُ في الأجِرِ، وقد صحَّ أنَّ ابنَ عمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ قالَ: (( لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ )).

ويجوزُ عندَ أكثرِ العلماءِ: لِلمُقيمِ الذي تجبُ عليهِ صلاةُ الجمعةِ أنْ يسافرَ يومَ الجمعةِ ما لم يَدخُلْ عليهِ وقتُ الصلاةِ بأذانِ خطبةِ الجمعةِ، وإنْ انتظرَ حتى يَشهدَها مع الناسِ كان أفضلَ وأكثرَ لِلثوابِ، لاستحبابِ السَّلفِ الصالحِ ذلكَ، حيثُ ثبتَ عن خَيثَمةَ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَنْ لَا يَخْرُجُوا حَتَّى يُجَمِّعُوا )).

وأمَّا إذا صعدَ الخطيبُ المنبرَ وأذَّنَ المؤذنُ للخطبةِ: فيحرُم ُحينَها السفرُ، ويجبُ شهودُ الجمعةِ إلا لِضَرورةٍ باتفاقِ العلماءِ، ولِمَا ثبتَ عن عن عمرَ بنِ الخطابِ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا مَا لَمْ يَحِنِ الرَّوَاحُ )).

ويجوزُ عندَ أكثرِ العلماءِ للمأمومِ المُقيمِ: أنْ يُصلِّيَ في بيتِهِ ظهرًا ولا يَشهدَ الجمعةَ بالمسجدِ في اليومِ المَطيرِ إذا كانَ المطرُ يَبُلُّ الثيابَ، ويُتأذَّى مِنه.

وأمَّا الإمامُ: فإنَّهُ يُقيمُ الجمعةَ بمَن حضرَ معَهُ مِن الناسِ إذا كانوا جماعةً.

ويَدُلُّ على هذا الأمرِ في حقِّ المأمومينَ والإمامِ: ما صحَّ عن ابنِ عباسٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ أنَّه قالَ لِمُؤذِّنهِ في يومِ جمعةِ مَطِيرٍ: (( إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ )).

أيُّها الناسُ:

مَن لم يَشهدْ مِن أهلِ الأعذارِ صلاةَ الجمعةِ مع الناسِ: فإنَّه يُصلِّيها في مكانِهِ ظهرًا أربعَ ركعاتٍ.

ووقتُ صلاتِهِ لَها هوَ: وقتُ صلاةِ الظهرِ المُعتادِ في كلِ يومٍ، والذي يَبدأُ بزوالِ الشمسِ، وهذا باتفاقِ العلماء.

وأنبِّه هُنا على أمورٍ ثلاثة:

الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ بعضَ الخطباءِ قد يَصعَدونَ المِنبرَ لِلخطبةِ قبلَ دخولِ وقتِ الظهرِ المُعتادِ بزوالِ الشمسِ، وعليهِ: فلا يجوزُ لِمَن سمعَ أذانَ خُطبَتِهم مِن أهلِ الأعذارِ كالنساءِز في البيوتِ، والمرضَى، وأشباهِهِم أنْ يُصلُّوا الظهر، بل يجبُ عليهِم أنْ ينتظروا حتى يدخلَ وقتُ الظهرِ المُعتادِ ثمَّ يُصلُّون، ومَن صلَّى قبلَ ذلكَ وجبَ عليهِ إعادةُ صلاتِهِ إذا زالتِ الشمس.

الأمرُ الثاني: إذا كانَ مؤذنُ صلاةِ الجمعةِ يُؤذِّنُ لَها بدخولِ وقتِ الظهرِ المُعتادِ بزوالِ الشمسِ، فيجوزُ عندَ أكثرِ العلماءِ لأهلِ الأعذارِ أنْ يُصلُّوا الظهرَ بأذانِه، ولا يجبُ عليهِم أنْ يَنتظروا حتى تنتهيَ الخطبة.

الأمرُ الثالثُ: مَن تخلَّفَ عن شُهودِ صلاةِ الجمعةِ مِن غيرِ عُذرٍ، بل تهاونًا وكسَلًا، وصلَّاها في مكانِهِ ظهرًا، فإنَّه عندَ أكثرِ العلماءِ لا يُصلِّيها إلا بعدَ انتهاءِ الإمامِ مِن خطبتِهِ وصلاتِهِ بالسلامِ مِنها، لأنَّهُ قبلَ ذلكَ لا يَزالُ في وقتِ وجوبِ الشُّهودِ عليهِ لَهَا، ويجبُ أنْ يذهبَ لِصلاتِها معَ الناس.

أيُّها الناسُ:

لا يجوزُ عندَ أكثرِ العلماءِ جمعُ صلاةِ العصرِ مع صلاةِ الجمعةِ: لا في مطرٍ ولا سفرٍ، وذلكَ لِعدمِ ورُودِ الجمعِ في مِثلِ هذا الحالٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابهِ، ولا عن التابعين، ولا يَصِحُّ فيهِ حديثٌ نَبويٌّ خاصٌّ ولا أثَرٌ عن الصحابة.

أيُّها الناسُ:

إذا وافقَ يومُ الجمعةِ يومَ عيدِ الفطرِ أو يومَ عيدِ الأضْحى: فإنَّ السُّنَّةَ أنْ يُقيمَ الإمامُ بالناسِ صلاةَ الجمعةِ وخطبَتَها، وهوَ مذهبُ الأئمةِ الأربعةِ وغيرهمِ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُقيمُ الجمعةَ بالناسِ في يومِ العيدِ، حيثُ صحَّ عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ: «بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى»، وَ «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ»، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلَاتَيْنِ ))، وصحَّتْ إقامةُ صلاةِ الجمعةِ بالناسِ يومَ العيدِ عن عثمانَ بنِ عفانٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ في “صحيحِ البخاري”.

وأمَّا الذين صَلَّوا صلاةَ العيدِ مع الإمامِ: فالمُسنونُ في حقِّهم شُهودُ صلاةِ الجمعةِ مع الإمامِ أيضًا، فإنْ لم يَشهدُوها معهُ فلا جُناحَ عليهِم عندَ كثيرٍ مِن الفقهاءِ، ويُصلُّونَ في بيوتِهم ظهرًا بعدَ زوالِ الشمسِ، لِقولِ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ لِزيدِ بنِ أَرْقَمٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ: (( أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعَ؟ قَالَ: صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ» ))، وقد صحَّحَ هذا الحديثَ بطُرقِهِ وشواهدِهِ جمعٌ عديدٌ مِن علماءِ الحديثِ، وثبتَ نحوهُ عن بعضِ الصحابةِ.

وأمَّا مَن لم يَشهدْ صلاةَ العيدِ مع الإمامِ: فيجبُ عليهِ شهودُ صلاةِ الجمعةِ، فإنْ لم يَشهدْها أثِمَ، وكانَ لِربِّهِ عاصيًا، وأقدمَ على فِعلِ ذنْبِ عظيم مِن كبائرِ الذُّنوب الغليظة.

نفعنِي اللهُ وإيَّاكُم بما سمعتُم، وأحسَنَ لَنا الخاتِمةَ والخِتامَ، إنَّه جوادٌ كريم.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الرَّزَّاقِ ذِي القوَّةِ المَتِينِ، وصلواتُهُ وسلامُهُ على رسولِهِ محمدٍ الصادقِ الأمينِ، وعلى آلِهِ وصحابتِهِ المُكْرَمينَ، أبَدَ الآبِدِين.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فاتقوا اللهَ حقَّ تقواهُ، حتى يَعمَّكُم بنعمِهِ الباطنةِ والظاهرةِ، ويُذهِبَ عنكُم الحَزَنَ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويُكرِمَكُم بالفقهِ في دِينِهِ، والعملِ بأحكامِ شريعتِهِ، وانتهُوا عمَّا نهاكُم عنهُ، فإنَّ المعاصِيَ تُزيلُ النِّعَمَ، وتَسْتَنْزِلُ النِّقمَ، وأحسِنوا فيما بَقِيَ مِن أعمارِكُم لِتُرْحَموا، فقدْ قالَ ربُّكُم سُبحانَهُ: { إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }، وابْكُوا على خطاياكُم فهيَ سببُ البلاءِ، وطهِّروا صُدورَكُم مِن الحِقدِ والغِلِ والحسَدِ والتباغُضِ، وتآمَروا بالمعروفِ، وتناهَوا عن المُنكَر، وأكثِروا مِن الصَّدقاتِ، وتلاوةِ القرآنِ، واذكُروا اللهَ كثيرًا، وأقلِعُوا عن المُوبقاتِ، وسارِعُوا بالخيراتِ، فإنَّ الحسناتِ يُذهِبنَ السيِّئاتِ، { وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }.

هذا وأسألُ اللهَ ــ جلَّ وعزَّ ــ: أنْ يُسلِّمَنا مِن شُرورِ الدُّنيا والآخِرةِ، وأنْ يَحفظ َعلينا دِينَنا وبلادَنا وأمنَنا، اللهمَّ: جنِّبنا كيدَ الكائِدينَ، ومَكرَ الماكِرينَ، وقوِّ إيمانَنا بِكَ، واجعلْ قلوبَنا متعلِّقةً بكَ، وأكرِمنا بِذِكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسنِ عبادَتِكَ، وحسِّنْ أخلاقَنا، وجمِّلْنَا بأطايبِ الآدابِ، اللهمَّ: ارفعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرين مِن المسلمينَ في كلِّ أرضٍ، إنَّك سميعُ الدعاءِ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.