خطبة مختصر اعتقاد السلف الصالح أهل السُّنة والجماعة والحديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مختصر اعتقاد السَّلف الصالح أهل السُّنة والجماعة والحديث
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله بارئِ السماوات وكواكبها، والأرضِ وبحارِها وأشجارِها والأنهار، خالقِ البشرِ مِن طين، والجانِّ مِن مارجٍ مِن نار، الذي بيَّن لعباده الهُدى مِن الضَّلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، وداعيًا إلى جنات الخُلد ونَعيم ٍمُقيم، وعلى آله وأصحابه البَررة الأعلام، والتابعين لهم مِن كل الأنام.
أمَّا بعدٌ، فيَا أهل الإسلام والسُّنة:
إنَّه كثيرًا ما نسمع أو نقرأ عن العقيدة، وأنَّ عِلم العقيدة أوجبُ العلوم وأعلاها، وأنَّ العقيدة صِمَّامُ أمان للأمَّة، وبها يُعرف المستقيم مِن المنحرف، وعليها تكون المولاة والمُعاداة، وأنَّ المستقيمين عليها هُم مَن يستحق مِن الله العِزَّة والنصر والتمكين في الدنيا، وأنَّهم أصحابُ المنازل العالية، والدرجات الرفيعة في الآخرة، وإنني في هذه الخطبة مُتكلم معكم عن العقيدة، عقيدةِ السَّلف الصالح، عقيدةِ أهل السُّنة والجماعة، عقيدة أهل الحديث والأثَر.
والمراد بالسَّلف الصالح: أهل القُرون الثلاثة الأولى، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأفضلية والخَيرية على مَن بعدهم، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))، فمَن سار على طريقة هؤلاء في العقيدة والمنهج فإنَّه يَشْرُف في هذه الدنيا فيُنسَب إليهم، ويُقال عنه: سَلَفِيٌّ، ومَن سار على طريقة غيرهم فإنَّه يُهان في هذه الدنيا ويُخزى فيُنسب إلى طائفته وحِزبه وتنظيمه وجماعته، فيقال في شأنه: هذا رافضيٌ، وهذا خارجيٌ، وهذا معتزليٌ، وهذا أشعريٌ، وهذا صوفيٌ، وهذا إخوانيٌ، وهذا تبليغيٌ، وهذا تكفيريٌ، وهذا داعشيٌ، وهكذا.
وإنَّنا إذا قرأنا في كتب السُّنة والعقيدة، أو سمعنا علماء أهل السُّنة، يقولون: هذه عقيدة السَّلف الصالح، أو عقيدة أهل السُّنة والجماعة، أو عقيدة أهل الحديث، فإنَّ هذه الأوصاف والألقاب إنَّما هي أوصافٌ وألقابٌ لطائفةٍ واحدة، تَعظُم بها وتَنبُل وتَشرُف، وتُميِّزها عن غيرها مِن الفِرَق المُنحرفة عن التوحيد والسُّنة، وسبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإنَّما قيل لهم: أهل السُّنة نِسبةً إلى سُنَّة رسول صلى الله عليه وسلم وهي أحاديثه الشريفة، لأنَّها مصدر عقيدتهم هذه، وقيل لهم: الجماعة لأنَّهم اجتمعوا على هذه العقيدة، وصَبَروا أنفسهم عليها، ولم يُفارقوها إلى غيرها مِن عقائد أهل البدع والضَّلال، وقيل لهم: أهل الحديث لأنَّهم أخذوا عقيدتهم هذه مِن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة، فإذا جاءهم حديثه في باب العقيدة أو غيرها قالوا: آمنَّا بما جاء عن نبينا وصدقنا وسلَّمنا وانقدنا، فهنيئًا لِمَن كان مِن أهل هذه الطائفة الكريمة، ولزِم عقيدتها إلى مماته، ودافع عنها، وسعى بين الناس في نشرها، وأحبَّها وأحبَّ أهلها ونصرَهم ووقَّرَهم، وعلَّمَها وحفَّظها لأهله وأبنائه وبناته ورِفاقه وتلامذته.
أهل الإسلام والسُّنة:
هذه جُملةٌ عظيمة طيِّبة مِن عقيدة السَّلف الصالح أهل السُّنة والحديث، أذكُرها على وجْه الاختصار، لِيَنشأ عليها صغيرنا، ويَشيبَ عليها كبيرنا، ويتنبَّهَ لها غافلنا، وتُختمَ لنا بها الحياة، وتكونَ زادًا لنا ونجاة يومَ القيامة، فأقول مُستعينًا بالله ــ جلَّ وعلا ــ القوي القدير:
إنَّ السَّلفَ الصالحَ أهلَ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ: يؤمنون بأسماء الله الحُسنى التي سمَّى بها نفسَه في كتابه، أوسمَّاه بها رسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سُنَّته، ويؤمنون بجميع صفات الله التي جاءت في القرآن والسُّنة الثابتة، مِن غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ لمعانيها وألفاظها، ولا تكييفٍ وتمثيلٍ لها، يؤمنون بها على وجْهٍ يليق بجلال ربِّهم وعظمته، على حدِّ قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، فأثبت سبحانه لنفسه في هذه الآية: صفة السمع وصفة البصر، ونَفى أنْ يُماثلَه أحدٌ فيهما، ولا في غيرهما مِن الصفات.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ ربَّهم سبحانه فوق السماء السابعة مُستوٍ على عرشه، استواءً يليق بجلاله وعظمته، حيث أخبر سبحانه عن نفسه بذلك في آيات كثيرة مِن القرآن، وأخبر بِه رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة وصحيحة، وقد قال الإمام الذهبي ــ رحمه الله ــ: مقالةُ السَّلفِ وأئمةِ السُّنة، بل والصحابةُ واللهُ ورسولُه والمؤمنون: “أنَّ الله في السماء على العرش، وأنَّ الله فوق سماواته”، وأمَّا مَن قال مِن الناس: إنَّ الله في كل مكان، أو في قلوب عباده المؤمنين، أو قال: لا أدري، فقد ردَّ ما جاء في القرآن والسُّنة، وخالف سَبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ والتابعين.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ ربَّهم سبحانه يَنزل إلى السماء الدنيا كلَّ ليلة حين يَبقى ثلثُ الليل الآخِر نُزولًا يليق بجلاله وعظمته، فيقول: (( مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ))، كما صحَّ وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ ربَّهم سبحانه يتكلم متى شاء، كيف شاء، بما شاء، وأنَّ مِن كلامه القرآنَ العظيم، وأنَّ كلامَه صفةٌ مِن صفاته.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ المؤمنين يَرون ربَّهم يومَ القيامة بأبصارهم عِيَانًا، يَرونه في عَرَصَاتِ القيامة، ويَرونه بعد دخول الجنَّة.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ الله قدَّر مقادير الخلائق مِن خيرٍ أو شرٍّ، وأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنَّ ما أصاب العبد لم يكن لِيُخطِئَه، وما أخطأَه لم يكن ليُصِيبَه، وأنَّ الإيمان بالقدر يُوجب أنْ يكون العبد صبَّارا شكورًا، صبورًا على البَلاء، شكورًا على الرَّخاء.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ الدِّين والإيمان: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، وأنَّ الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأنَّ شُعَبَه تتفاضل، وأنَّ أهلَه فيه يتفاضلون، إيمانُ بعضِهم أفضل مِن بعض.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: لا يُكفِّرون أهل الإسلام بمُطلَق المعاصي والكبائر كما تفعله الخوارج، وإنَّما يقولون عن مرتكب الكبيرة: هو مؤمنٌ ناقصُ الإيمان، أو مؤمنٌ عاصٍ، أو مؤمنٌ بإيمانه فاسِق بكبيرته، وهو يوم القيامة تحت مشيئة الله، إنْ شاء عفا عنه، وإنْ شاء عذَّبه في النارَ، ثم يَخرج مِنها بتوحيده فيدخل الجنَّة، والتكفير عندهم إنَّما يكون بارتكاب الأشياء التي دلَّ الكتاب والسُّنة دَلالة واضحة على أنَّها مِن نواقض الإسلام، وتمَّت في حقِّ المرتكب شروطُ التكفير، وانتَفت عنه الموانع.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: لا يَحكُمون لواحد مِن الناس بعينه أنَّه مِن أهل الجنَّة أو النَّار، لأنَّ عِلم هذا مُغيَّبٌ عنهم، إلا مَن شَهد له النبي صلى الله عليه وسلم بعينِه، وصحَّ لهم عنه ذلك، فإنَّهم يشهدون له بذلك اتِّباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصديقًا لقوله، ويَرجون للمحسنين مِن المؤمنين أنْ يَعفوَ الله عنهم، ويُدخلَهم الجنَّةَ برحمته، ولا يأمنون عليهم، ويخافون على المسيئين العقوبة بسبب ذُنوبهم، ولا يُقنِّطونَهم مِن التوبة ولا مِن عَفوِ ربِّهم سبحانه، ويستغفرون للجميع.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بالغيب الذي أخبَرهُم الله بِه في كتابه أو صحَّ عن رسوله صلى الله عليه وسلم في سُنَّته، وقد امتدحهم الله على ذلك فقال سبحانه: { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ }، فيؤمنون بحادثة الإسراء والمعراج، وأشراطِ الساعةِ كخروج الدجال، ونُزولِ عيسى بنِ مريمَ ــ عليه السلام ــ فيقتُلَه، وخروجِ يأجوج ومأجوج، وخروجِ الدابة التي تُكلِّم الناس، وطلوعِ الشمس مِن مغربها، وأشباهِ ذلك ممَّا صحَّ بِه النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤمنون بعذاب القبر ونعيمِه، وسؤالِ مُنكرٍ ونَكيرٍ للميت: مَن ربُّك؟ وما دِينُك؟ ومَن نبيُّك؟ وبالبعثِ بعد الموت، حين ينفخُ إسرافيل ــ عليه السلام ــ في الصُّور، وبإعادةِ الأرواح إلى الأجساد، وقيامِ الناس مِن قبورهم إلى ربِّهم حُفاةً عُراةً غُرْلًا، ودُنُوِّ الشمسِ مِنهم قدْر مِيلٍ، وإلجامِهم بالعرَق مِن حرارتها على قدْر أعمالهم، ويؤمنون بالشفاعة العُظمى للنبي صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة حتى يُقضَى بينهم، وبشفاعتِه لأهل الجنَّة في دخول الجنَّة، وشفاعتهِ لأهل الكبائر مِن أهل التوحيد مِن أمَّته في الخروج مِن النَّار، وشفاعتهِ في تخفيف العذاب في النَّار عن عمِّه أبي طالب، وغيرها، ويؤمنون بما للملائكة والأنبياء والمؤمنين مِن شفاعات، ويؤمنون بِنَصْبِ الموازين يوم القيامة، تُوضع الحسنات في كِفة، والسيئات في الأخرى، وبِنشْر صحائف الأعمال، فآخذٌ كتابه بيمينِه، وآخذٌ كتابه بشمالِه، وبحوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي ماؤه أبيض مِن الَّلبن، وأحلى مِن العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرْضه شهر، مَن شرب مِنه شربةً لم يَظمأ بعدها أبدًا، وبالصراط على مَتْن جهنم، يَمُرُّ الناس عليه على قدْر أعمالهم، فناجٍ مُسَلَّمٌ، وناجٍ مخدوشٌ جسدُه بالكلاليب، ومَكْدُوسٌ في نار جهنَّم، حتى يَمُرَّ آخِرُهُم يُسْحَبُ سَحْبًا، ويؤمنون بالجنَّة وما فيها مِن نعيم، والنَّارِ وما فيها مِن عذاب، فإذا دخل أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ جيءَ بالموت كأنَّه كبْشٌ أمْلَحُ فيُوقفُ بين الجنَّة والنَّار ثم يُقال: يا أهل الجنَّة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النَّار خلودٌ فلا موت.
نفعني الله وإياَّكم بما سمعتم، وأحيانا وأماتنا على عقيدة السَّلف الصالح أهل السُّنة والجماعة والحديث، إنَّه سميعٌ مُجيب.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الرَّب العظيم، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.
أمَّا بعُد، فيَا أهل الإسلام والسُّنة:
لا يزال الكلام معكم مستمرًا عن عقيد السَّلف الصالح أهل السُّنة والجماعة والحديث، التي كان عليها رسولكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأقول مُستعينًا بالله:
إنَّ السَّلفَ الصالحَ أهلَ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ: مِن أصولِهم الكبرى سلامةَ قلوبِهم وألسنتِهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهُم يُحبونهم ويتولَّونهم ويُثنون عليهم، ويَنشرون فضائلَهم، ويستغفرون لهم، ولا يَتبرَّؤون مِن أحدٍ مِنهم، ولا يَغلون في أحدٍ مِنهم، ويُبغضون مَن يُبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا يذكرونهم إلا بالخير، فحُبُّهم دِينٌ وإيمان وإحسان، وبٌغضهم نفاقٌ وضلال وطغيان، ويُمسكون ألسنتَهم عن الخوض فيما شجَر بينهم مِن خلاف بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان ــ رضي الله عنه ــ.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يَرون السَّمع والطاعة لولاة أمرِهم، سواء كانوا أبرارًا أو فُجَّارًا إلا إنْ أمروهم بمعصية لله فإنَّهم لا يُطيعونهم فيها، ويَصبرون على جورهم وظلمهم واستئثارهم بالأموال والمناصب، ولا يَخرجون عليهم، ولا ينقضون بيعتَهم، طاعةً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويدعون لهم بالصلاح والإصلاح والتوفيق والسداد، ولا يسبُّونهم، ولا ينشرون عيوبهم بين الناس، ولا يُحرِّضون عليهم، لأنَّه ليس وراء ذلك إلا فتحُ بابِ الفتن والشرور على الدِّين والعِباد والبلاد، وتَنعقد الوِلاية عندهم لولِيِّ الأمر بأحَد أمورٍ ثلاثة: باختيار أهل الحَلِّ والعقْدِ له، كما حصل لأبي بكر ــ رضي الله عنه ــ، أو بالعهد له مِن وليِّ الأمر الذي قبْله، كما وقع لعُمر ــ رضي الله عنه ــ، حيث عهد له بالخلافة أبو بكرٍ، أو بالغلَبة على البلاد بالسلاح والقوة، وأجمعوا على أنَّه إذا أُزِيل حكمُ حاكمٍ مسلمٍ بالقوة والغلَبة وحلَّ مكانَه حاكمٌ آخَر قد خضَعت له البلاد فإمامته صحيحةٌ معتبَرة، وتنفذُ أحكامُه على الرَّعية، حقنًا للدماء، وتقليلًا للشرور، وحفظًا للأمن والبلاد، ودفعًا للفُرقة والضَّعف، وحماية للمصالح والأموال العامة والخاصة.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يَعتقدون أنَّ البدعة في الدِّين شرٌّ وضلالةٌ وحرام، ويُبغضون أهلَ البدع لله، وفي الله، ويُعادونهم، ويُحذِّرون مِنهم، ويَهجرونهم، ولا يُصاحبونهم، ويَرُدُّون عليهم، ويُبطلون مقالاتهم المنحرفة، صيانةً للدِّين، وحفاظًا عليه مِن ضلالاتهم، وحتى يكونَ الإسلامُ وأحكامُه عند أهل زمانهم ويَصل إلى مَن بعدهم بصورته الصَّحيحة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويَذمُّون مَن انتسب إلى أهل البدع أو دافع عنهم أو عظَّمهم أو كرِه الكلام فيهم والرَّد عليهم، ولا يَرون الكلامَ في المُبتدعة والطعنَ عليهم وتحذيرَ الناس مِنهم غِيبة لهم، بل يَرونه نصيحةً للناس، ولهم، وفاعِلَه ممدوحًا، لأنَّ صيانة الدِّين مِن باطلهم وضلالهم أولى مِن صيانة أشخاصهم.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يُحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونَهم ويُكرمونَهم ويُجلِّونَهم، ولا يَغلون فيهم كما تفعل الشِّيعة والصوفية، ولا يَجفونهم، ويَحفظون فيهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيحة: (( أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ))، وأهلُ بيتِه صلى الله عليه وسلم هُم: أزواجه، وأبناؤه وبناته، وآل عمِّه العباس، وآل عمِّه الحارث، وآل عليٍّ وآل جعفر وآل عقيل أبناء عمِّه أبي طالب، ويترضَّون على أزواج نبيِّهم أمهاتِ المؤمنين، ويَلهجونَ بفضلهنَّ وينشرونه.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بأنَّ أفضل هذه الأمَّة أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنهم أجمعين ــ، وأنَّ خلافتَهم صحيحةٌ ثابتة على منهاج النُّبوة، وأنَّ جميعَهم مِن أهل الجنَّة.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بكرامات الأولياء ممَّا جاء في الكتاب والسُّنة الثابتة، وصحَّ عن الثقات في رواياتهم، وإيمانُهم بكراماتهم لا يَجُرُّهُم إلى الغلوِّ فيهم بعبادتهم: بدعائهم مع الله والذبح لهم والنذر والطواف على قبورهم، لأنَّ هذا شِرك وكفرٌ بالله، وأمَّا ما يَجري على أيدي السَّحرة والكَهَنة والمُنجِّمين وغلاة الصوفة مِن أمورٍ قد تكون خارقةً للعادة فمِن فِعلِ الجنِّ والشياطين وإعانتِهم وكيدِهم وإضلالِهم ليَحْرِفوا الخلق عن عبادة ربِّهم، ويَحرِمونهم جنَّتَه وإنعامَه، والله يَبتلي عباده ويَختبر إيمانهم بما شاء.
ومِن ذلك أيضًا أنَّهم: يؤمنون بالملائكة وما ذَكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مِن أسمائهم وأعمالهم، وأنَّهم أحياء ناطقون مخلوقون مِن نُور، وعبادٌ لله تعالى مُكرَمون طائعون.
فاتقوا الله ــ عباد الله ــ: بمعرفة هذه العقيدة الطيبة المُنجِية، وتعلُّمِها وحفظِها واعتقادِها وتعلِيمها لأهليكم صغارًا وكبارًا، وموتوا عليها، تسعدوا في دنياكم، وفي قبوركم، وأُخْرَاكم، وتكونوا مِن كبار المُتقين المُفلحين.
هذا وأسأل الله:أنْ يُكرمَنا وأهلينا وجميع المسلمين بالتمسُّك بالتوحيد والسُّنة إلى الممات، وأن يُجنِّبَنا الشرك والبدع والخطيئات، اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للقصاء على الشرك والبِدَع وجميع المُحرمات، وانصر بِهم عقيدة السَّلف الصالح وقوِّهم بها، ورُدَّ بِهم ضالَّ المسلمين عنها، اللهم إنَّا نأسألك بأنَّا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحَدُ الصمدُ الذي لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كُفوا أحد أنْ تغفر لنا ذُنوبَنا ولوالِدِينا وأولادِنا وزوجاتِنا، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارفع الضُّر عن المتضرِّرين مِن المسلمين، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.