عُلو منزلة الصحابة عند ربِّهم! والواجب نحوهم! وحادثة الإسراء والمعراج هل كانت في رجب! وحكم الاحتفال بها؟
الخطبة الأولى:ــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي أنعم على الخلق ورحمهم بإرسال المرسلين، وأيَّد إرسالهم بالمعجزات والحُجج والبراهين، والصلاة والسلام على سيِّد ولد آدم أجمعين، الذي أظهر الله برسالته الإسلام بعد اندراس قواعده، وأُفول شُموخه، ونِسيان آياته، وعلى آل بيته وأصحابه الذين هُم بهديه مستمسكون، ومَن على سبيله في كل عصر وأَوَان يسير، وأشهد أنْ لا إله إلا الله ذُو القُوَّة المَتِين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين.
أمَّا بعد، فيا عباد الله:
إنَّ مِن أعظم خِصال التقوى، وأجَلِّ صفات أهل الإيمان، ودلائلِ جميل الدِّيانة، وشواهد صلاح الباطن، وعلامات وفُور العقل وصِحَّته: حُبَّ جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلامةَ القلوب والألسن جهتَهم، وذِكرَهم بين الناس بالجميل، وإعزازَهم وإجلالَهم وتوقيرَهم، ونَشرَ محاسِنهم وفضائِلهم، والدِّفاعَ عنهم، وموالاتَهم، والاستغفارَ لهم، والتَّرضِّيَّ عنهم، والثناءَ عليهم، وعلى هذه العقيدة الطيِّبة الزَّكيَّة سار السَّلف الصالح أهل السُّنة والحديث على مَرِّ الأزمان، وتباين الأقطار، واختلاف الأجناس، والألوان، واللغات، وسَيستمرون عليها إلى قيام الساعة، ومَن قرأ القرآن المجيد فلن يَجد إلا هذه العقيدة، ومَن نَظر أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه زادته إيمانًا وتمسُّكًا بهذه العقيدة، ومَن قلَّبَ دواوين السُّنة المُطوَّلَة والمُختصَرة زادته ثباتًا إلى ثبات على هذه العقيدة، وعلى هذا الموقف النَّبيل جِهة الصحابة الكرام ــ رضي الله تعالى عنهم ــ.
وقد أثنى الله ــ عزَّ وجلَّ ــ في مواضع عديدة مِن القرآن على الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ ثناء زكَّى بِه بواطنهم وظواهرهم، وختَم بوعدِهم بالمغفرة والأجر العظيم، والرِّضى عنهم، والنَّعيمِ في الجِنان، فقال سبحانه: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }، وقال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }، وجعلَهم النبي صلى الله عليه وسلم خيرَ أمَّته، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( خَيْرُ الناس قَرْنِي )).
ثم اعلموا أنَّ مِن الأمور التي اتفق عليها السَّلف الصالح أهل السُّنة والحديث وقرَّروها في كُتب الاعتقاد والسُّنة على اختلاف عصورهم، وبلدانهم، وأجناسهم، ولغاتهم، حتى لا يَكاد يَخلو مِن ذِكرها كتاب، هذه الأمور الثلاثة:
الأمر الأوَّل: الذَّم والقدح والتحذير والبُغض والبَراء مِن كل مَن يَذكُر الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ أو يَذكر أحدًا مِنهم بسوء، وأنَّه مُبتدِع ضالٌ مُنحرف خارج عن سَبيل الحق والهُدى.
حيث قال إمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ في رسالته “أصولِ السُّنَّة”: “مَن انتقص واحدًا مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أبغضه لِحدَث كان مِنه، أو ذَكر مساويَه، كان مبتدِعًا، حتى يترَحَّم عليهم جميعًا، ويكونَ قلبُه لهم سليمًا”.
وقد بيَّن الله حال أهل التُّقى والصلاح مِمَّن جاء بعد الصحابة جهة الصحابة، وأرشد إليه، وأنَّه التَّرحُمُّ عليهم، والاستغفارُ لهم، وسلامةُ القلوب مِن الغِلِّ والحقد والضغينة نحوهم، فقال سبحانه بعد أنْ أثنى على المهاجرين والأنصار ــ ر ضي الله عنهم ـــ، وذَكَر بعضَ جميل صفاتهم: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.
الأمر الثاني: السُّكوت عمَّا شجر بين الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ مِن خلاف بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان ــ رضي الله عنه ــ، حتى لا تَنجرَّ الألسُن أو القلوب إلى ذَمِّ أو بُغض أو انتقاص أحد مِنهم.
لأنَّ أكثر ما يُروى مِن الأقاويل والقَصَص في ذلك كذِب، ومِنه ما زِيد فيه أو نُقِص حتى تغيَّر عن معناه الصحيح، والصحيح مِنه قليل جدًا، وهُم فيه إمَّا مجتهدون مُصيبون أو مجتهدون مُخطئون، ولهم مِن السوابق والفضائل ما يُوجب مغفرة ما يَصدر مِنهم إنْ صدر، حتى إنَّه يُغفر لهم مِن السيئات ما لا يُغفر لِمَن بعدهم، لأنَّ لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لِمَن بعدهم، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في عُذْر أهل الاجتهاد وأجرِهِم مع الخطأ، وعلى رأس المجتهدين الصحابة: (( إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ))، وجاء في عظيم أجْر الصحابة على المُقام مع النبي صلى الله عليه وسلم زمَنًا يسيرًا، ما ثبت عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَلَمَقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ ))، وورَد في بيان عِظم فضل نفقة الصحابة اليسيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ )).
ألا فلْنَحْذر مِن المجالس والمحاضرات والأشرطة والفضائيات ومواقع الإنترنيت التي تخوض فيما شجر بين الصحابة مِن خِلاف، حتى ولو لبَّسوا وجعلوه باسم التاريخ ومعرفته، أو حُريَّة الرأي والأقليات، فلا يُنظر إليها، ولا يُستمع لها، ولا يُجلَس للمتكلمين فيها، ولا تُقرأ في المواقع، ولا تُرسل مقاطعها عبر برامج التواصل، لأنَّ هذا قد يفضي إلى بُغض أحد مِن الصحابة، أو الوقيعة فيه، أو تحريش الجُهَّال عليه، وفي هذا الهلكة والخُسْران.
وقد نَقل الإمام ابن بَطَّة ــ رحمه الله ــ في “الإبانة الصغرى”: اتفاق سادات علماء هذه الأمِّة على ترْك النَّظر في الكتب التي تتكلم فيما شَجر بين الصحابة مِن خِلاف.
الأمر الثالث: التمسك بما كان عليه الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ مِن العلم والعمل، ومتابعتهم فيه، مما ثبتت به الآثار عنهم.
فتُفهَم نصوص القرآن والسُّنة على ضوء ما فهموه، وتُجرى على ما أجْرَوه، ولا يُخرَج بها عن أقوالهم، ويُتابَعون في القول والفِعل والترْك في جميع أبواب الشريعة، لأنهم شهدوا التنزيل، ووعوه وحفظوه، وعرفوا التفسير والتأويل، فإن تكلموا أو عملوا أو كَفُّوا وهَجَروا فعن عِلم، وعلى هُدىً، وقد دَلَّ القرآن على تقرير هذا الأصل العظيم فقال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }، فجعلَ سبحانه الصحابةَ متبوعين في الدِّين، وأثنى على مَن بعدهم باتِّباعِهم لهم، ووعدَهم مع مَن اتَّبَعهم إلى يوم القيامة برضاه عنهم، والخلودِ في الجنَّة، وما ضلَّ مَن ضلَّ مِن الفِرق، ولا انحرف مَن انحرف مِن الجماعات، ولا زاغ مَن زاغ مِن الناس، إلا حين استقلَّ بفهمه للنصوص الشرعية، وخرج عن فُهوم الصحابة، وما كانوا عليه مِن القول والعمل، والفِعل والتَّرْك.
فاللهم اجعلنا مِمَّن يُحِبُّ صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم حبًّا كثيرًا، ويتولاهم ويَنصُرهم، ويُجلُّهم ويوقِّرهم، ويترضى عنهم، ويَعرف لهم سابقتَهم وفضلَهم، ويَستغفر لهم، ويسير على طريقهم، ويَقتدي بهم، إنَّك سميع مجيب.
الخطبة الثانية:ــــــــــــــــــ
أحمَدُ الله على إفضالِه، وأشكره على آلائِه، وأصلِّي وأُسلِّم على خاتَم أنبيائه، وعلى آله وأصحابه وشَرَّف وكَرَّم.
أمَّا بعد، فيا عباد الله:
إنَّ مِن أعظم نِعم الله ومِنَنه على كثير مِن عباده توفيقَهم للإقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم في القول والفِعل والتَّرْك، وسَيْرَهم على ما كان عليه سلفُهم الصالح مِن أهل القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ ، ولا ريب عند كلِّ ذِي دِينٍ وإيمان أنَّ مَن وافقهم في القول أو التَّرْك أو الفِعل فهو مُصيب، وعلى الحق والهُدى يسير، ومَن خالفهم كان منحرِفًا، وفي الضَّلال يَتيه، وإنَّنا قريبًا ــ بإذن ربِّنا سبحانه ــ سنُدرِك ليلةَ السابع والعشرين مِن شهر رجب، وقد جَرَت عادة جُموع مِن المسلمين في بِقاع شتَّى على الاحتفال فيها بِذِكْرى الإسراء والمعراج، حيث يعتقدون أنَّ حادثة الإسراء والمعراج قد حصلت في هذه الليلة، وهذا الاحتفال يَكتَنِفُه أمران:
الأمر الأوَّل: أنَّه غير جائز، لأنَّه لم يَرد في نصوص القرآن والسُّنَّة النَّبوية، ولا فَعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ ، ولا أحدٌ مِن أئمة المسلمين في القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، ولا أئمة المذاهب الأربعة المشهورة، والخيرُ كلُّه والأجْرُ والسلامة في مُتابعتهم، ولعلَّ مَن ابتدأ هذا الاحتفال وأَتَى بِه هُمُ الشِّيعة الرافضة، فبئسَ القدوة، وبئسَ التَّشَّبُه، والعلماء العارِفون بالشريعة يَحكمُون على ما كان هذا حاله مِن الاحتفالات بأنَّه بِدعة، والبِدعة مِن أشدِّ المحرَّمات، وأغلظِها جُرمًا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحذِّر مِنها في خُطبِه، فصحَّ عن جابر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»))، وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصيته الوداعية المشهورة لأُمَّته: (( فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ))، وثبت عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ,، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، ولا ريب عند الجميع بأنَّ ما زُجِرْنا عنه، ووُصِف بأنَّه شرٌّ، وأنَّه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يَدخل في المحرَّمات الشديدة الغليظة.
الأمر الثاني: أنَّ ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجبٍ لا دليل على أنَّها الليلةُ التي حصل فيها الإسراء والمعراج، بل قد اختلف العلماء والمؤرِّخون في تاريخ وقت الإسراء والمعراج على عشَرة أقوال أو أكثر، ذَكر ذلك الحافظ ابن حجرٍ العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري”، وغيرُه مِن العلماء والمؤرِّخين، بل واختلفوا في سَنة وقوعها، وشهر حصولها، ويوم حدوثها، ولا يصحُّ في تحديد وقتها حديث ولا أثر، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ.
وقد قال الإمام ابن تيمية الدِّمشقي ــ رحمه الله ــ: لم يَقم دليل معلوم لا على شَهرها، ولا على عَشرها، ولا على عَينها، بل النُّقول في ذلك مُنقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع بَه.اهـ
وقال العلامة ابن الأمير الصنعاني ــ رحمه الله ــ: هي ليلةٌ مُعيَّنة، لم يَرِدْ بتعيينها سُنَّة صحيحة.اهـ
وقال العلامة ابن باز ــ رحمه الله ــ: وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجبٍ، ولا غيره، وكل ما ورَد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث.اهـ
بل إنَّ مِن أضعف الأقوال هو قول مَن قال: “حصل الإسراء والمعراج في شهر رجبٍ، في ليلة السابع والعشرين مِنه”.
إذ قال المُحدِّث والفقيه أبو الخطَّاب الأندلسي المالكي ــ رحمه الله ــ: وذَكَر بعض القُصَّاص أنَّ الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب.اهـ
وقال أيضًا: وقيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجالٌ معروفون بالكذب. اهـ
وقال الفقيه الشافعي ابن العطَّار الدِّمشقي ــ رحمه الله ــ: وقد ذَكر بعضهم أنَّ المعراج والإسراء كان فيه ــ يعني: في رجب ــ، ولم يَثبت ذلك.اهـ
وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ: يَظن بعض الناس أنَّ الإسراء والمعراج كان في رجب، في ليلة سبعة وعشرين، وهذا غلط، ولم يصحّ فيه أثر عن السَّلف أبدًا، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشَرة أقوال.اهـ
بل ذَكر العلامة ابن سيَّد الناس اليَعْمُري الأندلسي الشافعي، ومُحدِّثُ مصر شمس الدين السَّخاوي المصري الشافعي ــ رحمهما الله ــ: أنَّ المشهور أنَّ حادثة المعراج كانت في ليلة سبعِ عشرة مِن شهر ربيعٍ الأوَّل.
فاتقوا الله ــ عباد الله ــ ولا تكونوا مِن المحتفلين بهذه الحادثة، ولا مِن الداعمين لاحتفالها بمال أو مكان أو رسائل أو كتابات، ولا تؤيدوا المحتفلين بها، فإنَّ البدعة حرامٌ وإثم، والإعانة عليها حرامٌ وإثم، وقد قال ربُّكم زاجرًا لكم ومُرهِّبًا: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
هذا وأسأل الله أنْ يُجنِّبني وإيَّاكم الشِّرك والبدع، وأنْ يَرزقنا لزوم التوحيد والسُّنَّة إلى الممات، اللهم طهِّر أقوالنا وأسماعنا وجوارحنا عن كل ما يُغضبك، وآمِنَّا في مراكبنا ومساكننا ومساجدنا وأعمالنا وأسفارنا، ووفِّق للخير ولاتنا وجندنا وأهلينا، اللهم ارفع الضُّر عن المتضررين مِن المسلمين في كل مكان، وأعذنا وإيَّاهُم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.