إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > العقيدة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الشرك بالله في عبادته وكيف يحصل وشيء مِن عقوبات أهله وبعض فضائل مُجتنبيه “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الشرك بالله في عبادته وكيف يحصل وشيء مِن عقوبات أهله وبعض فضائل مُجتنبيه “.

  • 14 أبريل 2019
  • 25٬328
  • إدارة الموقع

الشرك بالله في عبادته وكيف يحصل وشيء مِن عقوبات أهله وبعض فضائل مُجتنبيه

الخطبة الأولى:ــــــــــــــــــــ

الحمد لله العزيز الحميد، العليِّ الكبير، ذِي العرش المجيد، والبطش الشديد، الفعَّالِ لِمَا يُريد، أحمدُه وحمْدُه سبب المزيد، وأشهد أنْ لا إله إلا هو سبحانه، إقرارًا له بشهادة التوحيد، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، المبعوثُ بالوعد والوعيد، والمُنذرُ عن الشِّرك والتَّنديد، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه المكرَمين بالتأييد، صلاة دائمة على التأبيد، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:

فإنَّ التَّوحيد أوَّلُ واجبٍ وأوجَبُ عبادةٍ كتبها الله تعالى على عباده مِن الإنس والجنِّ، وأعظمُ طاعةٍ، وأجلُّ حسنةٍ، وأفضل قُربة، فمَن حقَّقه في دنياه ومات عليه فقد ضمِن الجنَّة، والتَّوحيد هو: إفراد الله وحده بجميع العبادات، فلا تُصلِّ ولا تَصوم ولا تَحج ولا  تَذبح ولا تَنذر إلَّا له سبحانه، ولا تَطوف إلَّا له، وأين يكون طوافك هذا؟ إنَّه حول الكعبة المُعظَّمة، لا حول قبر أحدٍ مِن الخَلْق وضريحه، ولا تتوجَّه بعبادة الدُّعاء وتَصرِفُها إلَّا إليه وحدَه، فتستغيث بِه وحدَه، وتستعيذ بِه وحدَه، وتطلب المَدَد والعَون والنُّصرة مِنه وحدَه، وتَسألُه وحدَه تفريجَ الكُرَب وإزالتَها، ولا تَطلب شفاعة أحدٍ لك يوم القيامة إلَّا منه، ولا تَدْع بجَلب أيِّ نفعٍ أو دفع أيِّ ضُرٍّ إلَّا إيَّاه، فطلبُ الإعانة والإغاثة والإعاذة والمَدد والتَّفريج والنُّصرة والشِّفاء والشَّفاعة وإزالة الهُموم وقضاء الحوائِج ودفعِ الضُّرِّ دعاءٌ، والدُّعاء عبادة؛ والعبادة حقٌّ لله وحدَه، لا تُصرَف إلَّا إليه سبحانه، وهو الذي قضى بذلك، وحكَم بِه على جميع عباده، فقال سبحانه في سورة الإسراء: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ }، وقال في سورة يوسف: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }، فمَن صَرَف جميع عباداته لله وحدَه فهو موحِّدٌ لِربِّه، ومِن أهل التَّوحيد، الذين هم أهل الجنَّة خالدين فيها أبداً.

وإنَّ الشِّرك أشدُّ محرَّم حرَّمه الله على عباده، وأعظمُ سيَّئة، وأكبَر ذنْب، وأشنَع معصية، وأقبَح خطيئة، ومَن وقع فيه، ومات ولم يَتب مِنه، فقد مات كافرًا مشركًا، وكان مِن أهل النَّار الخالدين فيها أبدًا، حتى ولو صلَّى وصام وزكَّى وحجَّ وسبَّح وهلَّلَّ وقرأ القرآن، والشِّرك هو: صَرْفُ العبادة أو شيءٍ مِنها لغير الله، فمَن صَرَف عبادته أو شيئًا مِنها – حتى ولو كانت عبادة واحدة – لغير الله فهو مُشركٌ، ومِن أهل الشِّرك، الذين هم أهل النَّار خالدين فيها أبدًا.

وإنَّ مِن أكثر صُوَر الشِّرك المُنتشرة بين النَّاس في الماضي والحاضر صَرْفَ عبادة الدُّعاء للملائكة أو الأنبياء والرُّسل أو الأولياء والصَّالحين، فهذا يصرفُها لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيدعوه قائًلا:

“فَرِّج عنَّي يا رسول الله! يا رسول الله اشفع لي يوم القيامة”، وذاك يصرفُها للبدوي، فيدعوه قائلًا: “مَدَد يا بدوي” ــ يعني: أمِدَّنا بالعَون والنُّصرة وما نحتاج إليه، وآخَر يصرفُها للجَيْلاني، فيقول في دعائه له: “أغثني يا جَيْلاني”، وهذه تصرفُها للحسين، فتدعوه قائلة: “اشفني يا حسين! أجِرنا من النَّار يا حسين”، وأُخْرى تصرفُها لزينب، فتدعوها قائلة: “ادفَعي عنِّي يا زينب”، وذاك يصرفُها للعَيدرُوس، فيدعوه قائلًا: “احمنا يا عَيدرُوس”، وذاك يصرفُها للمِيرغني، فيدعوه قائلًا: “اكشِف ما بِنا يا مِيرغني، وذاك يصرفُها للرِّفاعي فيدعوه قائلًا: “شيئًا لله يا رفاعي” أي: أعطنا ما نُريده لأجل الله، وهكذا.

وقد قال الله ــ تبارك وتقدَّس ــ زاجِرًا في سورة الجِنِّ: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، فنَهى سبحانه في هذه الآية: أنْ ندعوَ معَه أيّ أحدٍ، حتى ولو عَظُمَ وجَلَّ بين الخلق، فكان مَلَكًا مُقرَّبًا، أو نبيًّا مُرسلًا، أو وليًّا صالحًا، ثم حَكَم بأنَّ دعاءه مع الله شِرك وكفر.

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في بيان مآل وعقوبة مَن مات وهو يدعو مع الله غيره: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ )).

أيُّها المسلمون:

احذروا ــ سلَّمكم الله ــ أشدَّ الحَذَر أنْ تصرفوا شيئًا مِن عباداتكم لغير ربِّكم ــ عزَّ وجلَّ ــ، حتى ولو كانت عبادة واحدة، كدعاء أيِّ مخلوق مع الله كائنًا مَن كان، أو الذَّبح له، أو النَّذر، أو الطَّواف بقبرة، فإنَّ ذلك مِن الشِّرك والكفر الأكبر المُخرِج لفاعله عن دين الله الإسلام، وعقوبات الشِّرك بالله غليظة وشَنيعة، فظيعة وبئيسة، كبيرة وبَشِعة، ولا أشدَّ مِنها، وأشْنَع، وأبْأَس، وآلَمَ، إنْ كنتم تعقِلون.

فمِن عقوبات الشرك بالله الشديدة الأليمة: أنَّ صاحبَه مِن الظالمين الذين حرَّم الله عليهم دخول الجنَّة، وجعل مأواهم النَار، وبئس المصير، حيث قال الله سبحانه في سورة الأنعام في تقرير هذه العقوبة لِمَن أشرك بِه في عبادته: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }، وصحَّ عن  النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ )).

ومِن عقوبات الشرك بالله الشديدة الأليمة: أنَّه لا يُغْفَر لصاحبه إذا مات وهو مُستمر على فِعله، ولم يُقلِع عنه، ويَتُب منه، وكان عند الله مِمَّن ضلَّ ضلالًا بعيدًا، إذ قال الله ــ جلَّ وعلا ــ في سورة النساء في تقرير هذه العقوبة لِمن أشرك بِه في عبادته: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ رَجُلٌ يَمُوتُ مُشْرِكًا )).

ومِن عقوبات الشرك بالله الشديدة الأليمة: أنَّه يُحبِط ويُفسِد جميع عبادات وطاعات صاحِبه، فهو يَمحو ويَهدم جميع الحسنات مِن صلاةٍ، وزكاة، وصدقة، وصيام، وحجٍّ، وعُمرة، وقراءةِ قرآن، وذِكرٍ لله، وقيامٍ بالليل، وصيامٍ بالنهار، وبِرٍّ بالوالدين، وإحسانٍ إلى القرابة والفقراء، وفي تقرير هذه العقوبة يقول الله سبحانه في سورة الأنعام بعد أنْ ذَكر عددًا مِن الأنبياء ــ عليهم السَّلام ــ: { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، وقال سبحانه في سورة الزُّمَر آمِرًا عبده ورسله محمدًا صلى الله عليه وسلم أنْ يقول لِمَن يشركون بالله في عبادته: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }.

ومِن عقوبات الشرك بالله الشديدة الأليمة: أنَّ صاحبَه واقع في الضَّلال البعيد، ولا أحدَ أشدّ ضلالًا مِنه، وهو في أقصى حدِّ الضلالة، وهو عند الله مِن الظالمين، إذ الشرك أعظم أنواع الظلم، حيث قال الله ــ عزَّ شأنه ــ مُقرِّرا ذلك في سورة الأحقاف: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }، وقال تعالى في سورة الحج:  { يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }، وقال سبحانه في سورة يُونُس: { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ }، وقال تعالى في سورة لقمان: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }.

فاتقوا الشِّرك تَسعدوا في الدنيا والآخِرة، وسَبِّحوا الله بُكرةً وعَشِيًّا.

الخطبة الثانية:ــــــــــــــــــــ

الحمد لله الذي هدانا لتوحيده بإفراده بالعبادة وحدَه، وأكرَمنا باجتناب الشِّرك بِه في عبادته، وما كُنَّا لِنهتدي لولا أنْ هدانا الله، واُصَلِّ وأُسَلِّم على كافة النَّبيِّين، وعلى آلِ كُلٍ وصحابَتِهم وأتباعهم المؤمنين.

أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:

فإنَّ فضائل وبركات وخيرات توحيد الله تعالى بإفراده وحدَه بجميع العبادات وعدمِ إشراكِ أحدٍ معَه في شيء مِنها ــ ولو عظُم وجلَّ ــ فكان نبيًّا، أو مَلَكًا، أو وليًّا صالحًا، لكثيرةٌ وعظيمة جدًّا، وإنَّ السعيد لَمَن عرَفَها، فشكرَ ربَّه الكريمَ عليها، وسعَى أنْ يكون في عِداد أهلها المُكْرَمين بِها.

 فمِن هذه الفضائل: أنَّ مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في شيء مِن عبادته فهو مِن أهل الجنَّة الخالدين فيها أبدًا، حتَّى ولو زَلَّ فوقعت مِنه ذُنوبٌ كبار، وسيِّئاتٌ عِظام، وآثامٌ شداد، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( ذَلِكَ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الحَرَّةِ، فَقَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟، قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ شَرِبَ الخَمْرَ )).

ومِن هذه الفضائل: أنَّ مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته فإنَّه تُرْجى له المغفرة العظيمة، وإنْ كثُرت خطاياه، وتزايدت آثامُه، وتعدَّدت معاصيه، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )).

ومِن هذه الفضائل: أنَّ مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته فقد حقَّق الشَّرط الذي تُنال بِه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، إذ لا ينالها إلا مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا )).

ومِن هذه الفضائل: أنَّ الله يَقبل شفاعة ودعاء المُصلِّين الأربعين على الميت المسلم إذا كانوا ممَّن لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ )).

ومِن هذه الفضائل: جَلْب الخيرات العظيمة ودفْع الشُّرور الكثيرة والكبيرة عن العبد وآلِ بيته بسبب عدم الشرك بالله في عبادته، حيث صحَّ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ: مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ شَيْءٌ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ بِهِ سُوءًا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )).

ومِن هذه الفضائل: حصول الأمْن في الدنيا لأهل التوحيد الذين حافظوا على توحيدهم إلى الممات فلم يَلْبِسوه ويُدَنِّسوه ويخلطوه بظلم الشِّرك، فيأمنون مِن نُزول العقوبات التي نَزلت بمَن كان قبلَهم مِن الأُمَم لعدم اجتنابهم الشِّرك في عبادة الله، ويأمنون في بلدانهم على أنفسهم وعلى أهليهم وعلى أموالهم وفي أسفارهم وإقامتهم مِن تسلُّط الأعداء وشُرورهم ومكائدهم، وتأمَن قلوبهم مِن المَخاوِف والأفزاع والتَّقلُبات، لأنَّها متعلِّقةٌ بالله ربِّها، مُتوكِّلةٌ عليه، لا تَرجو ولا تَخشى أحدًا سواه، حيث قال الله سبحانه في سورة الأنعام وفي ختام آيات المُحاجَّة بين نبيِّه إبراهيم ــ عليه السلام ــ وقومِه في شأن الشِّرك: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }، وصحَّ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( لَمَّا نَزَلَتْ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: { يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } )).

وقال الإمام ابن قيم الجوزية ــ رحمه الله ــ عند ذِكره لهذا الحديث العظيم: فالتوحيد مِن أقوى أَسباب الأَمْن مِن المَخاوِف، والشِّرك مِن أعظم أَسباب حصول المِخاوِف.اهـ

هذا وأسأل الله الكريم أنْ يَمُنَّ علينا ويُكرمَنا بأنْ نكونَ مِن عباده الموحِّدين الذين لا يُشركون بِه شيئًا حتى نَلقاه، اللهم جنِّبنا وجنِّب أهلنا الشِّرك قليلَه وكثيرَه، صغيرَه وكبيرَه، اللهم وفِّق جميع وُلَاة أمور المسلمين للقضاء على الشِّرك وأسبابه، وقَمع أهله ودعاته وقنواته، اللهم أعنَّا على ذِكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، ربَّنا لا تُزِغ قلوبنا بعْد إذ هديتنا، وهب لَنا مِن لَدُنْك رحمةً إنك أنت الوهاب، اللهم فرِّج عن المسلمين كروبَهم، وأزِلْ همومَهم، واهْدِ ضالَّهم، وأصلح نساءَهُم، إنَّك سميع مُجيب، وأقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.