إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > رسالة مختصرة بعنوان: ” الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المريض والمريضة ” ملف: [ pdf ] مع نسخة الموقع.

رسالة مختصرة بعنوان: ” الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المريض والمريضة ” ملف: [ pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 1 مايو 2019
  • 2٬898
  • إدارة الموقع

الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المريض والمريضة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المريض والمريضة

 

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

 وبعد:

فهذه رسالة فِقهية مُختصَرة بعنوان: «الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المريض والمريضة».

وسوف يكون الكلام عن هذه الأحكام في وقفات، وعددها خمس، وعلى وجْه الاختصار، تسهيلًا لضبطها، وإعانة على فهمها، وتقوية لحفظها.

وأسأل الله تعالى أنْ ينفع بها الكاتب، والقارئ، والنَّاشر، إنَّه سميع الدعاء.

ثُمَّ أقول مستعينًا بالله ــ جلَّ وعلا ــ:

الوقفة الأولى:

عن إباحة الفِطر للمريض والمريضة في شهر رمضان.

يُباح للمريض والمريضة الفِطر في شهر رمضان بنصِّ القرآن العزيز، وإجماع أهل العلم.

أمَّا القرآن، فقد قال الله ــ عزَّ وجلَّ ــ في آيات الصيام مِن أوساط سورة “البقرة”:

{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }.

وأمَّا الإجماع، فقد نقله:

ابن حزم الظاهري في كتابه “مراتب الإجماع” (ص:40)، وابن رُشد المالكي في كتابه “بداية المجتهد” (2/ 165)، وابن هُبيرة الحنبلي في كتابه “الإفصاح” (1/ 411)، وابن تيمية كما في “مجموع الفتاوى” (22/ 31)، والخطيب الشِّربيني الشافعي في كتابه “مُغني المُحتاج” (2/ 169)، وابن عابدين الحنفي في كتابه “رَدِّ المُحتار” (3/ 383)، وغيرهم.

وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ  في كتابه “روضة الطالبين” (2/ 369):

«فالمرض والسَّفر مُبيحان بالنَّصِّ والإجماع».اهـ

ولم أجِد حديثًا نبويًّا ثابتًا فيه التنصِيص على إباحة الفِطر للمريض والمريضة.

1 ــ وأخرج عبد الرزاق في “مُصنَّفه” (4477)، عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ بِإِفْطَارِ الصَّائِمِ عَلَى مَرْضَى أُمَّتِي وَمُسَافِرِيهِمْ )).

وقال الشيخ بُرهان الدِّين ابن حمزة الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البيان والتعريف في أسباب ورُود الحديث” (458)، عقبه:

«قال السُّيُوطي: وفي سَنده إسماعيل بن رافع، مَتْرُوك».اهـ

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة” ( 2196)، عقبه:

«وهذا إسناد ضعيف، إسماعيل بن رافع، هو أبو رافع المَدني، ضعيف، وأبو بكر بن محمد، مجهول، قاله عبد الحق».اهـ

2 ــ وأخرج ابن سعد في كتابه “الطبقات الكبرى” (7/ 88) واللفظ له، والدُّولابِي في كتابه “الكُنى والأسماء” ( 1564)، عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّ اللَّهَ يَصَّدَّقُ بِفِطْرِ رَمَضَانَ عَلَى مَرِيضِ أُمَّتِي وَمُسَافِرِهَا )).

وقد ضعَّفه: السيوطي في “الجامع الصغير مِن حديث البشير النذير” (1706)، والألباني في “ضعيف الجامع الصغير” ( 1585).

قلت:

ومِن عَظيم رحمة الله ــ جلَّ وعلا ــ بعبده المريض المُسلم، وسَعة فضله عليه، وإكرامه له:

1 ــ ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (2996)، عن أبي موسى الأشعري ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا )).

2 ــ وأخرج أحمد في “مسنده” (6895)، بسند حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص ــ رضي الله عنهما ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ، ثُمَّ مَرِضَ، قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ: اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذْ  كَانَ طَلِيقًا، حَتَّى أُطْلِقَهُ، أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ )).

وقال الهيثمي والمُناوي وأحمد شاكر ــ رحمهم الله ــ:

«إسناده صحيح».اهـ

وقال المُنذري والألباني ــ رحمهما الله ــ:

«إسناده حسن».اهـ

الوقفة الثانية:

عن ضابط المًرض المُبيح للفِطر في شهر رمضان.

ليس كل مرَض يُبَيح الفِطر لصاحبه، وإنَّما يُبِيحه:

المرض الذي يُجهد الصائم ويُتعبه، أو يزيد بسبب الصيام، أو يُخشى مِن تأخُّرِ الشفاء مِنه بسبب الصيام، أو تأثُّرِ شيء مِن أعضاء المريض، أو زيادة أمراض أُخْرَى بسببه.

وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم أو عامَّتهم.

مِنهم: الأئمة الأربعة.

1 ــ وقد قال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ  في “تفسيره” (1/ 152):

«واختلفوا في المرض الذي يُبيح الفِطر:

فذهب أهل الظاهر: إلى أنَّ ما يُطلق عليه اسم المرض يُبيح الفِطر.

وهو قول ابن سيرين، قال طَريف بن تمَّام العطاردي: (( دخلت على محمد بن سِيرين في رمضان وهو يأكل فقال: إنَّه وجعِت أصبعي هذه )).

وقال الحسن، وإبراهيم النَّخعي: هو المرض الذي تجوز معه الصلاة قاعدًا.

وذهب الأكثرون إلى:

أنَّه مرَض يُخاف معه مِن الصوم زيادة عِلَّة غير مُحتملة.

وفي الجملة: أنَّه إذا أجهَده الصوم أفطر، وإنْ لم يُجهِده فهو كالصَّحيح».اهـ

2 ــ وقال الفقيه ابن عطيَّة الأندلسي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المحرَّر الوجيز” (1/ 251):

«وقال جمهورٌ مِن العلماء:

إذا كان بِه مرض يُؤذيه ويُؤلمه، أو يَخاف تماديه، أو يَخاف مِن الصوم تزيُّدُه، صحَّ له الفِطر.

وهذا مذهب حُذَّاق أصحاب مالك ــ رحمه الله ــ، وبِه يُناظِرون، وأمَّا لفظ مالك فهو: “المرض الذي يَشُقُّ على المَرء ويَبلغ بِه”».اهـ

3 ــ وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (8/ 28 ــ بعد حديث رقم:4505):

«وقد اختلف السَّلف في الحدِّ الذي إذا وجَدَه المكلَّف جاز له الفِطر.

والذي عليه الجمهور:

أنَّه المرض الذي يُبيح له التيمم مع وجود الماء، وهو ما إذا خاف على نفسه لو تمادى على الصوم، أو على عُضو مِن أعضائه، أو زيادة في المرض الذي بَدأ بِه، أو تماديه.

وعن ابن سِيرين: متى حصل للإنسان حال يَستحق بها اسم المرض، فله الفِطر، وهو نحو قول عطاء.

وعن الحسن والنَّخعي: إذ لم يَقدِر على الصلاة قائمًا يُفطِر».اهـ

4 ــ وقال الفقيه أبو بكر الجصَّاص الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح مختصر الطحاوي” (2/ 446-447):

«وذلك لقول الله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر }.

يَقتضي ظاهره إباحة الإفطار لكل مريض.

إلا أنَّه قد اتفق أهل العلم على أنَّ المرض الذي لا يَضُر معه الصوم لا يُبيح الإفطار، فخصَّصناه مِن الظاهر، وبقِي حُكم اللفظ فيما عداه».اهـ

5 ــ وقال صاحب كتاب “الإنْباه” ــ رحمه الله ــ  كما في كتاب “الإقناع في مسائل الإجماع” (2/ 715 – رقم:1275)، لابن القطَّان الفاسي المالكي ــ رحمه الله ــ:

«وقال عوامُّ أهل العلم: الصوم على كل مريض أطاق مِن غير جهد».اهـ

6 ــ وقال الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (3/ 27):

«ولا يُفطِر مريض لا يتضرَّر بالصوم (و)».اهـ

ويعني بالواو (و): اتفاق المذاهب الأربعة على نفس الحُكم.

7 ــ وقال العلامة عبد الرحمن ابن قاسم النَّجدي الحنبلي ــ  رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربع” (3/ 274):

«ولا يُفطِر مريض لا يتضرَّر بالصوم وفاقًا، فيُشترط أنْ يَخاف زيادة المرض، أو بُطء البُرء».اهـ

ويعني بقوله: “وفاقًا”: اتفاق المذاهب الأربعة على نفس الحُكم.

8 ــ وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين النَّجدي ــ رحمه الله ــ في “تفسير سورة البقرة” (2/ 324-325، آية رقم:184):

«ومِنها ــ أي الفوائد ــ:

جواز الفِطر للمرض.

ولكنْ هل المُراد: مُطلَق المرض، وإنْ لم يكنْ في الصوم مشقَّة عليه؟

أو المُراد: المرض الذي يَشُقُّ معه الصوم، أو يَتأخَّر معه البُرء؟

الظاهر الثاني.

وهو مذهب الجمهور، لأنَّه لا وجْه لإباحة الفِطر بمرض لا يَشُقُّ معه الصوم، أو لا يتأخَّر معه البُرء».اهـ

ويترجَّح قول جمهور أهل العلم أو عامَّتهم ــ رحمهم الله ــ بأمرين:

الأمر الأوَّل:

إتْبَاع الرُّخصة في إفطار المريض بِذِكر العلَّة، وهي التيسير عليه، ودفع العُسر عنه.

حيث قال الله تعالى في آية وجوب الصيام مِن سورة “البقرة”:

{ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }.

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين النَّجدي ــ رحمه الله ــ في “تفسير سورة البقرة ” (2/ 320-321، آية رقم:184):

«وقوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَرِيضًا } يعني: مرضًا يَشُقُّ بِه الصوم، أو يتأخَّر بِه البُرء، أو يَفوت بِه العلاج.

كما لو قال له الطبيب: خُذ حبوبًا كل أربع ساعات، وما أشبَه ذلك.

ودليل التخصِيص بمرضٍ يَشُقُّ بِه الصوم: ما يُفهَم من العلِّة ».اهـ

الأمر الثاني:

أنَّ مَن كان الصوم لا يُجهِده ولا يَضُر بِه فهو بمعنى الصَّحيح الذي يُطيِق الصوم، فيَلزمه أداء ما فُرِض عليه.

والأمراض ــ كما هو معلوم شرعًا وعقلًا وحِسًّا وطِبًّا ــ تتفاوت في آثارها على الصائم.

ــــ فربَّما يكون مع الإنسان مرض كألمٍ في ضرس أو إصبع أو صُداع، فيَشُقُّ عليه الصوم معه، ويَحتاج لأخذ دواء لِتخفيفه.

ــــ وربَّما يكون بَه مرض يُقعِده عن الحرَكة، أو مرض مُزمِن، وحاله مع الصوم كحال الصِّحيح، ويؤخِّر له الأطباء أدويتَه إلى الليل، فيستطيع أنْ يصوم بيُسر وسُهولة كالأصِحَّاء.

وقد تقدَّم قول الفقيه أبي بكر الجصَّاص الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “شرح مختَصر الطحاوي” (2/ 446-447):

«اتفق أهل العلم على أنَّ المرض الذي لا يَضُّر معه الصوم لا يُبِيح الإفطار».اهـ

الوقفة الثالثة:

عن المريض الذي يُجهِده الصوم يَتحامل على نفسه في شهر رمضان فيصوم مع الناس.

إذا تحامل المريض الذي يُجهِده الصوم على نفسه فصام مع الناس، فصيامه صحيح ومُجزئ بالإجماع.

حيث قال الإمام ابن جَرير الطَّبَري ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (2/ 160):

«لإجماع الجميع على أنَّ مريضًا لو صام شهر رمضان ــ وهو مِمَّن له الإفطار لِمرضه ــ:

أنَّ صومه ذلك مُجزئ عنه، ولا قضاء عليه إذا بَرِأ مِن مرضه بِعدِّة مِن أيَّام أُخَر».اهـ

ونَقل الإجماع على الإجزاء أيضًا:

ابن عبد البرِّ المالكي في كتابه “التمهيد” (2/ 175)، وابن حزم الظاهري في كتابه “مراتب الإجماع” (ص:40)، وابن هُبيرة الحنبلي في كتابه “الإفصاح” (1/ 212)، وابن قاسم الحنبلي في كتابه “حاشية الرَّوض المُربع” (3/ 368 و 274)، وغيرهم.

ــــ إلا أنَّه يُكره له الصوم إذا كان يتضرَّر بِه.

وقد نُقل الإجماع على هذه الكراهة.

1 ــ حيث قال الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الفروع” (3/ 27):

«يُكرَه الصوم وإتمامه لمريضٍ يَخاف زيادة مرضه وطوله، والصَّحيح مرض في يومه أو خاف مرضًا بعطش أو غيره (ع)».اهـ

ويَعني بالعين (ع): أنَّ المسألة المذكورة مُجمَع عليها بين أهل العلم.

2 ــ وقال الفقيه علاء الدِّين المَرداوي الدِّمشقي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإنصاف في معرفة الراجح مِن الخلاف” (3/ 285):

«أمَّا المريض إذا خاف زيادة مرضه أو طوله أو كان صحيحًا ثم مرِض في يومه أو خاف مرضًا لأجل العطش أو غيره، فإنَّه يُستحبُّ له الفِطر، ويُكرَه صومه وإتمامه إجماعًا».اهـ

ونقله عنه أيضًا:

الفقيه عبد الرحمن بن قاسم النَّجدي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابيه “حاشية الرَّوض المُربع” (3/ 372)، وَ “الإحكام شرح أصول الأحكام” (2/ 228).

ولم يَتعقبه بشيء.

3 ــ وقال الفقيه حسين بن محمد المَحلِّي الشافعي المصري ــ رحمه الله ــ في كتابه “مزيد النِّعمة لِجمع أقوال الأئمة” (ص: 225):

«واتفقوا على أنَّ المسافر والمريض الذي يُرجَى برؤه يُباح لَهما الفِطر، وإنْ صاما صَحَّ، وإنْ تضرَّرا كُرِه الصوم». اهـ

ويَعني بالمُتفِقين: الأئمة الأربعة.

الوقفة الرابعة:

عن أحوال المريض والمريضة مع صوم شهر رمضان.

للمريض مع صيام شهر رمضان أحوالًا ثلاثة:

الحال الأوَّل:

أنْ يكون مرضه مِن الأمراض المُزمِنة التي لا يُرجَى شِفاؤه مِنها، ويَضُر بِه الصوم، أو تلحقه بِه مشقَّة وتعَب.

وهذا لا يجب عليه الصوم، ويُباح له الفِطر.

وقد نَقل اتفاق أهل العلم على هذه الإباحة:

1 ــ الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “المجموع شرح المُهذَّب” (6/ 261) للنَّووي ــ رحمه الله ــ.

2 ــ  الفقيه أبو عبد الله ابن مُفلح الحنبلي ــ رحمه الل هــ في كتابه “الفروع” (3/ 33).

حيث قال ــ رحمه الله ــ:

«مَن عجز عن الصوم لِكِبر أو مرض لا يُرجى برؤه، فله الفطر (ع)».اهـ

والعين (ع) رمز اختصار، وتعني: إجماع العلماء على المسألة.

ويُقوي هذه الإباحة:

قول الله ــ عزَّ وجل ــ مُيسِّرًا على عباده:

{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }.

ــــ إلا أنَّه يجب على هذا المريض إذا لم يَصُم أنْ يُطعِم عن كل يوم أفطره مسكينًا.

وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.

وقد نسَبه إليهم:

الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذَّب” (6/ 261)، وغيره.

ويَدُلُّ على إباحة الفِطر له أيضًا:

ما ثبت عن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمِّه عبد الله بن العباس ــ رضي الله عنهما ــ، عند قوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }:

((«لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ»، وَلَا يُرَخَّصُ إِلَّا لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ, أَوْ مَرِيضٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْفَى )).

أخرجه الدارقطني في “سُننه” (2378- 2379).

وقال ــ رحمه الله ــ عقبه:

«وهذا الإسناد صحيح».اهـ

الحال الثاني:

أنْ يكون مرضه مِن الأمراض التي يُرجَى شِفاؤه مِنها.

وهذا ينتظر حتى يُشْفى، فإنْ شُفِي قِضَى بعدد ما تَرَك صيامه مِن أيَّام، بنص القرآن، والإجماع.

أمَّا القرآن:

فقد قال  الله ــ تبارَك وتقدَّس ــ في آيات الصيام مِن سورة “البقرة”:

{ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

وأمَّا الإجماع، فقد نَقله:

ابن حزم الظاهري في كتابه “مراتب الإجماع” (ص:40)، وابن رُشد المالكي في كتابه “بداية المجتهد” (2/ 172)، وموفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي في كتابه “المُغني” (4/ 389)، وابن حَجَر الهَيتمي الشافعي في كتابه “تُحفة المُحتاج” (3/ 432)، وغيرهم.

الحال الثالث:

أنْ يَمرض في شهر رمضان، فيُفطر فيه، ثم يموت قبل القضاء.

وهذا له حالان:

الحال الأوَّل:

أنْ يتمكَّن مِن القضاء بحصول الشِّفاء له، إلا أنَّه يفرِّط فلا يَقضِي.

ومِن أمثلته:

رجلٌ أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيَّام، ثُمَّ عاش بعد رمضان شهرين وهو مُعافًى، يستطيع القضاء، إلا أنَّه لم يَقض إلى أنْ مات.

فهذا يُطعَم عنه عن كل يوم أفطره مسكينًا مِن تركته أو مِن متبرِّع.

1 ــ وقال العلامة عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي النَّجدي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربع” (3 / 439):

«وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم».اهـ

2 ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “صحيح مسلم” (8/ 270- 271، عند حديث رقم:1146):

«وأجمعوا أنَّه لو مات قبل خروج شعبان لزمَه الفدية في تركِه عن كل يوم مُدّ مِن طعام، هذا إذا كان تمكَّن مِن القضاء فلم يَقض».اهـ

3 ــ ونَقله الفقيهان أبو الحسن المَاوردي الشافعي في كتابه “الحاوي الكبير” (3/ 452)، وابن تيمية في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (2/ 189 – قسم الصوم) ــ رحمهما الله ــ:

«إجماعًا مِن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ».

3 ــ ونَسَب الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ الإطعام في شرحه على كتاب “عُمدة الفقه” (2/ 364- 365 ــ قسم الصيام):

إلى عائشة، وابن عباس، وابن عمر ــ رضي الله عنهم ــ مِن الصحابة.

ثُمَّ قال عقب ذلك:

«ولا يُعرَف لهم في الصحابة مُخالف».اهـ

قلت:

وقد أخرج أبو الجَهم ــ رحمه الله ــ في “جزئه” (22)، بسند صحيح عن نافع، أنَّ عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ كان يقول:

(( مَنْ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ أَيَّامًا وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ )).

وأخرجه أيضًا:

البيهقي (8216)، مِن طريق آخَر، عن نافع.

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (10/ 62):

«سنده صحيح».اهـ

2 ــ وأخرج الطحاوي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مشكل الآثار” (6/ 178 ــ بعد حديث رقم: 2396)، عن عَمْرة أنَّها قالت:

(( سَأَلْتُ عَائِشَةَ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ــ فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ أُمِّيَ تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا رَمَضَانُ، أَيَصْلُحُ أَنْ أَقْضِيَ عَنْهَا؟ فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ، خَيْرٌ مِنْ صِيَامِكِ عَنْهَا )).

وقال المُحدِّث ابن التركماني الحنفي ــ رحمه الله ــ بعد إسناد الطحاوي (4/ 257 ــ بهامش “السُنن الكبرى” للبيهقي):

«وهذا أيضًا سند صحيح».اهـ

وقال العلامة الألباني ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحكام الجنائز” (ص:170):

«قال ابن التركماني: “صحيح”.

وضعَّفه البيهقي، ثُمَّ العسقلاني، فإنْ كانا أرادا تضعيفه مِن هذا الوجْه، فلا وجْه له، وإنْ عَنيا غيره، فلا يَضُره».اهـ

الحال الثاني:

أنْ يستمِر معه المرض حتى يموت ولم يتمكَّن مِن القضاء.

ومِن أمثلته:

رجلٌ أفطر آخِر عشرة أيَّام مِن شهر رمضان بسبب مرض مُبِيح للفطر، واستمَر في مرضه هذا إلى أنْ مات دون قضاء.

وهذا لا شيء عليه، ولا على وليِّه، لا إطعام عنه، ولا صيام.

1 ــ وقد قال الفقيه أبو سليمان الخطابي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “معالم السُّنن” (2 / 125 ــ عند حديث رقم:546):

«واتَّفق عامَّة أهل العلم على أنَّه إذا أفطر في المرض أو السَّفر ثُمَّ لم يُفرِّط في القضاء حتى مات فإنَّه لا شيء عليه، ولا يَجب الإطعام عنه.

غير قتادة، فإنَّه قال: يُطعَم عنه، وقد حُكِي ذلك أيضًا عن طاوس».اهـ

2 ــ وبنحوه قال الإمام أبو محمد البغوي الشافعي ــ رحمه الله ــ:

في كتابه “شرح السُّنة” (6/ 327).

3 ــ وقال العلامة عبد الرحمن ابن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “حاشية الرَّوض المُربِع” (3 / 439):

«لا شيء عليه، وذكَر النَّووي اتفاق أهل العلم، ولو مَضى عليه أحوال.

لأنَّه حقٌ لله تعالى، وجَب بالشرع، ومات مَن وجَب عليه، قبْل إمكان فِعله، فسقط إلى غير بدَل، كالحج».اهـ

قلت:

وصحَّت الفتوى بِهذا القول عن صحابة.

حيث أخرج عبد الرزاق في “مصنَّفه” (7630)، بسند صحيح عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال:

(( فِي الرَّجُلِ الْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا حَتَّى يَمُوتَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» )).

الوقفة الخامسة:

عن المُكلَّف يَنوي صيام أحَد أيَّام شهر رمضان مِن الليل، ويُمسِك بعض النَّهار، ثُمَّ يَمرض.

مَن نَوى صيام أيّ يوم مِن شهر رمضان مِن الليل، وفي أثناء النَّهار أصابه مرض يُبِيح الفِطر:

فإنَّه يجوز له أنْ يَقطع صوم هذا اليوم ويُفطِر، بالإجماع.

1 ــ حيث قال القاضي أبو الحَكم البَلُّوطِي المالكي ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “الإقناع في مسائل الإجماع” (2/ 715 ــ مسألة:1275)، لابن القطَّان الفاسي المالكي ــ رحمه الله ــ:

«وأجمعوا أنَّه مَن أصبح صحيحًا، ثُمَّ اعْتلَّ، أنَّه يُفطِر».اهـ

2 ــ وقال الفقيه علاء الدِّين المَرداوي الدِّمشقي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإنصاف في معرفة الراجح مِن الخلاف” (3/ 285):

«أمَّا المريض إذا خاف زيادة مرضه، أو طوله، أو كان صحيحًا ثُمَّ مرض في يومه، أو خاف مرضًا لأجل العطش أو غيره، فإنَّه يُستحَب له الفِطر، ويُكرَه صومه وإتمامه إجماعًا».اهـ

ونَقله عنه أيضًا:

الفقيه عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابيه “حاشية الرَّوض المُربِع”: (3/ 372)، وَ “الإحكام شرح أصول الأحكام” (2/ 228).

ولم يتعقَّبه بشيء.

تنبيه:

كان أصل هذه الرسالة مُحاضرة صوتية، ثم راجعتها بعد كتابتها، وزدت فيها ما تيسَّر، ووثَّقْت نقولها بالجزء، والصفحة، والرقم.

 

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.