تبصير المُسلِم والمُسلِمة بحُكم توكيل الكافر الكتابي بذبح لأضحية
الحمد لله على ما له مِن الأسماء الحُسنى، والصِّفات العُلى، والنِّعمِ الظاهرة والباطنة، وأُصلِّي وأُسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
وبعد، أيُّها المسلم ــ زادك الله علمًا بدينه ــ:
فإنَّ الأفضل أنْ يَذبح المُضحِّي أضحيتَه بيده، لأنَّه فِعل النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقُرْبَةٌ إلى الله ــ جلّ وعزَّ ــ، ومُباشرة القُرَب أولِى،
1 ــ حيث أخرج البخاري (5558)، واللفظ له، ومسلم (1966)، عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنّه قال:
(( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ )).
2 ــ وأخرج مسلم (1976)، عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ:
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ»، ثُمَّ قَالَ: «اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ»، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ» )).
3 ــ وقال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في “صحيحه” (عند حديث رقم:5559)، جازمًا:
(( وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ )).
وذَكر الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” (10/ 21)، مَن وصَله.
ثُمَّ قال عقبه: «وسنده صحيح».اهـ
4 ــ وثبت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه:
(( كَانَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ )).
أخرجه مالك في كتابه “الموطأ” ( 145).
1 ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “صحيح مسلم” (13/ 116 ــ عند حديث رقم:1962):
«قوله: (( وَانْكَفَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا )).
فيه: إجزاء الذَّكر في الأضحية، وأنَّ الأفضل أنْ يَذبحها بنفسه، وهما مُجْمَعٌ عليهما».اهـ
2 ــ وقال الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (2/ 449):
«وأمَّا الذابح، فإنَّ العلماء استَحبُّوا أنْ يكون المُضحِّي هو الذي يَلِي ذبح أضحيته بيده».اهـ
قلت:
ــــ فإنْ وكَّلَ المُضحِّي في ذبْح أو نَحْر أضحيته مُسلمًا جاز بالنَّص، واتفاق العلماء.
حيث أخرج مسلم (1218)، عن جابر بن عبد الله ــ رضي الله عنهما ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم:
(( انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ )).
1 ــ وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “التمهيد” (2/ 107)، عقب هذا الحديث:
«وفيه مِن الفِقه:
أنْ يَتولى الرَّجل نَحْر هَديه بيده، وذلك عند أهل العلم مُستحب مُستحسَن، لِفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيده، ولأنَّها قُربة إلى الله ــ عزَّ وجلَّ ــ فمباشرتها أولَى.
وجائز أنْ يَنحَر الهَدى والضحايا غير صاحبها، ألَا تَرى أنَّ علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ نَحَر بعض هَدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمْر لا خِلاف بين العلماء في إجازته، فأغْنَى عن الكلام فيه.
وأمَّا إذا كان صاحِب الهَدي أو الضَّحية قد أمَر بِنَحْر هَديه أو ذبْح أضحيته، فلا خِلاف بين الفقهاء في إجازة ذلك، كما لو وكَّل غيره بشراء هَديه فاشتراه، جاز بإجماع».اهـ
2 ــ وقال الفقيه ابن رُشد المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (2/ 449)، عن الأضحية:
«واتفقوا على: أنَّه يجوز أنْ يُوكِّل غيره على الذبح».اهـ
3 ــ وقال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المجموع شرح المُهذَّب” (8/ 382):
«أجمعوا على: أنَّه يجوز أنْ يَستنيب في ذبح أضحيته مسلمًا».اهـ
ــــ وبنحوه أيضًا قال:
في شرحه على “صحيح مسلم” (13/ 129 ــ عند حديث رقم:1966).
ونَقل الإجماع على ذلك أيضًا:
علاء الدِّين ابن العطَّار الشافعي في كتابه “العُدة في شرح العمدة” (3/ 1638)، وابن حَجَر العسقلاني الشافعي في كتابه “فتح الباري شرح” (10/ 21 ــ عند حديث رقم:5558)، والمُناوي الشافعي في كتابه “فيض القدير شرح الجامع الصغير” (5/ 214 ــ عند حديث رقم: 7025)، وغيرهم.
تنبيه:
قال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في شرحه على “صحيح مسلم” (13/ 129 ــ عند حديث رقم:1966):
«قال أصحابنا: والأفضل لِمَن وكَّل أنْ يُوكِّل مسلمًا فقيهًا بباب الذبائح والضحايا، لأنَّه أعرَف بشروطها وسُننها».اهـ
ــــ وإنْ وكَّلَ المُضحِّي في ذبْح أو نَحْر أضحيته امرأة، أو مُراهقًا، جاز، وهو مذهب الأئمة الأربعة، بل نُقِل على ذلك الإجماع.
1 ــ حيث قال الفقيه عون الدِّين ابن هُبيرة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإفصاح” (1/ 335 ــ قسم اختلاف العلماء):
«واتفقوا على أَنَّ ذبْح العَبْد مِن المسلمين في الجواز كالحرِّ وامرأة مِن المسلمين، والمُراهق في ذلك كالرَّجل».اهـ
ويَعني بقوله: “واتفقوا” أي: الأئمة الأربعة.
2 ــ وقال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإشراف على مذاهب العلماء” (3/ 432-333):
«أجمع عَوام أهل العلم الذين حفظنا عنهم على:
إباحة أكل ذبيحة الصَّبى والمرأة، إذا أطاقا الذَّبح، وأتيا على ما يجب أنْ يُؤتى عليه.
ومِمَّن حفظنا عنه ذلك:
ابن عباس، والشَّعبي، وعطاء، والحسن البصري، ومُجاهد، والنَّخعي، ومالك، والثوري، والليث بن سعد، والحسن بن صالح، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنُّعمان وأصحابه.
وقال جابر بن عبد الله: في ذبيحة الصبي: (( تؤكل ))، وكذلك قال طاوس، والقاسم بن محمد.
ومِن الحُجَّة على إباحة أكل ذبيحة المرأة، مع ما ذكرناه مِن إجماع مَن حفظنا قوله، في حديث ابن عمر: (( إنَّ امرأة كانت تَرعى على آل كعب بن مالك فخافت على شاة أنْ تموت، فأخذت حَجَرًا فذبَحت بَه، وأمرَهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكلها ))».اهـ
قلت:
وحديث المرأة التي ذكَّت الشاة وذبحتها:
قد أخرجه الإمام البخاري في صحيحه” (5502 و 5504 و 5505 و 2304)، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه ــ رضي الله عنه ــ:
(( أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ” فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا )).
وبوَّب عليه الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ:
«باب: ذبيحة المرأة والأَمَة».
وقال الفقيه بدر الدِّين العَيني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “عُمدة القاري” (21/ 116)، عقبه:
«أي: هذا باب في بيان جواز ذبيحة المرأة، وذبيحة الأَمَة.
وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى رَد مَن منع هذا.
وقد نَقل محمد بن عبد الحَكم عن مالك: كراهته، وفي “المُدونة”: جوازه.
وهو قول جمهور الفقهاء، وذلك إذا أحسنت الذبح».اهـ
لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد أقرَّ ذكاة هذه المرأة، بدليل أمرِه صلى الله عليه وسلم بأكل ما ذبحته.
ــــ وإنْ وكَّلَ المُضحِّي في ذبْح أو نَحْر أضحيته كافرًا كِتابيًّا ــ وهو: اليهودي والنّصراني ــ جاز عند عامَّة أهل العلم مع الكراهة.
1 ــ حيث قال الفقيه أبو زكريا النَّووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في شرح على “صحيح مسلم” (13/ 129 ــ عند حديث رقم:1966):
«وإنْ استناب كتابيًّا كُرِه كراهية تَنزيه، وأجْزَأه، ووقعَت التَّضحية عن المُوكِّل.
هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة، إلا مالكًا فى إحدى الروايتين عنه، فإنَّه لم يُجوِّزها».اهـ
2 ــ وقال الفقيه أبو العباس القرطبي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُفهِم لِمَا أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم” (5/ 362 ــ عند حديث رقم:1960):
«واختُلِف في الذِّمِّي، فأجاز ذلك عطاء ابتداءً، وهو أحد قولي مالك، وقال في قولٍ له آخَر: لا يُجزئه، وعليه إعادة الأضحية.
وكَرِه ذلك جماعة مِن السَّلف، وعامَّة أئمَّة الأمصار، إلا أنَّهم قالوا: يُجزئه إذا فَعَل».اهـ
3 ــ وبنحوه أيضًا جاء في كتاب:
“إكمال المَعْلم بفوائد مسلم” (6/ 413 ــ عند حديث رقم:1967)، للقاضي عياض المالكي ــ رحمه الله ــ.
4 ــ وقال الفقيه عون الدِّين ابن هُبيرة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإفصاح” (1/ 335 ــ قسم اختلاف العلماء):
«واختلفوا هل يجوز أنْ يذبحها كِتابي؟
فقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز مع الكراهة.
وقال مالك: لا يجوز أَنْ يذبحها إلا مسلم.
وعن أحمد: روايتان كالمذهبين، أشهرهما الجواز».اهـ
5 ــ وقال الفقيه جمال الدِّين الصردفي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة” (1/ 408):
«عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء: يُكره أنْ يَستنيب في ذبْح أضحيته أو هَديه يهوديًا، ويُجزئه.
وعند مالك: لا يجوز، فإنْ استناب مَن ذَكرناه وذبحها لم يُجزئه، وكانت شاة لحم».اهـ
ومِمَّن نُقل عنه الجواز مِن التابعين:
إبراهيم النَّخعي، وعطاء بن أبي رباح ــ في رواية صحيحة عنهما ــ، والزُّهري.
6 ــ وقال الإمام مُوفَّق الدِّين ابن قُدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (13/ 389):
«وجُملته: أنَّه يُستحب أنْ لا يذبح الأضحية إلا مسلم، لأنَّها قُربة، فلا يَليها غير أهل القُربة.
وإنْ استناب ذِمِّيًّا في ذبحها جاز مع الكراهة.
وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وابن المُنذر، وحُكي عن أحمد: لا يجوز أنْ يذبحها إلا مسلم، وهذا قول مالك.
ومِمَّن كَرِه ذلك: عليٌّ، وابن عباس، وجابر ــ رضي الله عنهم ــ، وبِه قال الحسن، وابن سِيرين».اهـ
ثُمَّ قال ــ رحمه الله ــ في ترجيح الجواز:
«ولنا: أنَّ مَن جاز له ذبْح غير الأضحية، جاز له ذبْح الأضحية كالمسلم.
ويجوز أنْ يَتولى الكافر ما كان قُرْبة للمسلم، كبناء المساجد والقناطر.
والمُستحب أنْ يَذبحها المسلم لِيَخرُج مِن الخلاف، وإنْ ذبَحها بيده كان أفضل».اهـ
7 ــ وقال الفقيه ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلَّى” (6/ 44 – مسألة رقم:983):
«ونَستحِبُّ للمُضحِّي رجلًا كان أو امرأة أنْ يَذبح أضحيته أو يَنحرها بيده.
فإنْ ذبحها أو نَحَرَها له بأمْره مسلم غيره، أو كتابِيٌّ، أجزأه، ولا حرَج في ذلك.
وقولنا هذا، هو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان».اهـ
8 ــ وقال الفقيه بدر الدِّين العَيني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البَناية شرح الهداية” (12 / 59)، بعد ذِكر الجواز عند الحنفية:
«وبِه قال الشافعي، وأحمد، وأبو ثَور، وابن المُنذر، وقال مالك: لا يجوز أنْ يذبحها إلا مسلم».اهـ
ومِمَّن رُويَت عنه الكراهة مِن التابعين:
سعيد بن جُبير، والحسن البصري، وعطاء الخرَساني، ومجاهد بن جَبر، وعطاء بن ابي رباح في رواية، وعامر الشَّعبي، وطاوس بن كيسان.
وجاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري ــ رضي الله عنهما ــ:
(( أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَذْبَحَ النُّسُكَ إِلَّا مُسْلِمٌ )).
أخرجه أحمد ابن منيع كما في “المطالب العالية” (2292)، و “إتحاف الخِيَرة المَهَرة” (4759)، بإسناده حسن.
وجاء نحوه عن:
علي بن أبي طالب، وابن عباس ــ رضي الله عنهم ــ.
وضعَّفهما ابن حَزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُحلَّى” (6/ 45 – مسألة رقم:983).
ثُمَّ قال بعد ذلك:
«إلا أنَّه عن: الحسن، وإبراهيم، والشَّعبي، وسعيد بن جُبير، صحيح».اهـ
ويَدُلُّ على أنَّ الكافر الكتابي مِن أهل الذَّكاة كالمسلم:
قول االله ــ جلَّ وعلا ــ في سورة “المائدة”: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ }.
وقال العلامة السعدي ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (1/ 221)، عند هذه الآية:
«أي: ذبائح اليهود والنَّصارى حلالٌ لكم يا معشر المسلمين دون باقي الكفار، فإنَّ ذبائحَهم لا تَحِلُّ للمسلمين، وذلك لأنَّ أهل الكتاب يَنتسبون إلى الأنبياء والكتب».اهـ
تنبيهان:
التنبيه الأوَّل:
عن ذبح الكافر الكتابي بالصعق بالكهرباء، ونحوه مِمَّا لا تذكية وإنهار دَمٍ فيه، وأنَّه لا يَحِل، ولا يؤكل ما ذبح بذلك.
حيث قال الفقيه ابن جاسر الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “مُفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام” (ص:915):
«ومُراد الأصحاب: جواز توكيل الذِّمي الكتابي في ذبيحة هَدي المسلم أو أضحيته إذا كان الكتابي يَذبح الأضحية أو الهَدي أو يَنحرهما في موضعه الشرعي بشروطه المُعتبَرة.
أمَّا إنْ كان يَذبحها بضربِ المسامير أو الفؤوس في الرأس، ونحوه، أو بالكهرباء، كما عليه عمل بعض النصارى في هذا الزَّمن:
فإنَّه لا يَصحُّ توكيله، ولا تَحِلُّ ذبيحته بذلك، لأنَّ ذبْحَه للبهيمة على هذه الصِّفة لا يُسمَّى ذكاة، ولا تَحِلُّ بذلك، بل حُكمها حُكم المَيتَة، فهي حرام كما لو فَعَل ذلك مسلم، وأولى».اهـ
التنبيه الثاني:
عن إباحة ذبيحة الصَّبى والمرأة مِن أهل الكتاب إذا أطاقا الذبح، وعقلاه، وذكَّيا كما يَجب.
1 ــ قال الحافظ ابن المُنذر النيسابوري ــ رحمه الله ــ في كتابه “الإشراف على مذاهب العلماء” (3/ 445):
«أجمَع كل مَن نحفظ قوله مِن أهل العلم على:
إباحة ذبيحة الصَّبى والمرأة مِن أهل الكتاب إذا أطاقا الذبح، وعقلاه، وذكَّيا كما يَجب.
فمِمَّن حفظنا ذلك عنه: الشافعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، ُّ وأصحابه، وبِه نقول».اهـ
2 ــ وقال الإما موفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المغني” (13/ 311):
«وجُملة ذلك:
أنَّ كل مَن أمكنه الذَّبح من المسلمين وأهل الكتاب إذا ذبح حلَّ أكل ذبيحته رجلًا كان، أو امرأة، بالغًا، أو صبيًّا، حُرًّا كان أو عبدًا، لا نعلم في هذا خلافًا».اهـ
ــــ وإنْ وكَّلَ المُضحِّي في ذبْح أو نَحْر أضحيته كافرًا غير كتابي، كالكافر الوثني، والمجوسي، والبُوذي، والهُندوسي، والسِّيخي، والمُلحِد، والَّلادِيني، والمُرتد، وأشباهم، فلا يَحِلُّ أكل ما ذَبحه أو نَحرَه، وقد نُقِل اتفاق أهل العلم على ذلك.
1 ــ حيث قال الحافظ ابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (15/ 217):
«وأجمعوا: أنَّ المَجوسي والوثنِي لو سَمَّى الله لم تُؤكل ذبيحته».اهـ
2 ــ وقال الإمام موفَّق الدِّين ابن قدامة الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المُغني” (13/ 296):
«أجمع أهل العلم على: تحريم صيد المجوسي وذبيحته، إلا ما ذكَاة له كالسَّمك والجراد، فإنَّهم أجمعوا على إباحته».اهـ
ــــ وقال أيضًا (13/ 298):
«وحُكم سائر الكفار مِن عَبدة الأوثان، والزنادقة، وغيرهم، حُكم المجوس في تحريم ذبائحهم وصيدهم إلا الحيتان والجراد وسائر ما تُباح ميتته، فإنَّ ما صادوه مُباح لأنَّه لا يزيد بذلك عن موته بغير سبب».اهـ
3 ــ وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ كما في “مجموع الفتاوى” (21/ 103)، عن تحريم ذبائح المجوس:
«وقد قيل: إنَّ ذلك مُجمَع عليه بين الصحابة».اهـ
4 ــ وقال الإمام ابن قيِّم الجوزية ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحكام أهل الذِّمة” (1/ 96)، عن المجوس:
«وأمَّا تحريم ذبائحهم، ومُناكحتهم:
فاتفاق مِن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
ولِهذا أنكر الإمام أحمد وغيره على أبي ثور طردَه القياس، وإفتاءَه بحِل ذبائحهم، وجواز مناكحتهم، ودعا عليه أحمد، حيث أقدم على مُخالفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كانوا أفقه وأعلم وأسدَّ قياسًا ورأيًا».اهـ
5 ــ وقال الفقيه محمد بن الحسن التميمي الجوهري ــ رحمه الله ــ في كتابه “نوادر الفقهاء (ص: 76 ــ رقم:61):
«وأجمعوا: أنَّ ذبيحة المُرتدين حرام على المسلم، إلا الأوزاعي فإنَّه أحلها».اهـ
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.