دفع أذية المجرم الأثيم ياسر الحبيب عن عرض رسول الله المصون وآل بيته
الحمد لله القوي العزيز القائل في تنزيله المبين متوعداً ومهدداً من آذاه وآذى رسوله:
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِيناً }.
والصلاة والسلام على عبده ورسوله الكريم الأمين محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي القائل:
(( لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )).
وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وباقي آل بيته، وعلى أصحابه السادة الغُرر، الأئمة الكُبَر، البررة الأنجاب، السابقين إلى تصديقه ونصرته، والناقلين لسننه وأحكامه، وأقواله وأفعاله وأحواله، والباذلين أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنشر دينه، وهداية الناس إليه، حتى كان جميعه راجعاً إلى نقلهم وتعليمهم، ومتلقى من جهتهم، فلهم مثل أجور كل من اهتدى بشيء منه على مر الأزمان، واختلاف البلدان، وتنوع الأجناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
أما بعد، أيها المسلمون – سددكم الله وسد أبواب الفجور عنكم:
فلا يزال المجرم الأفاك، والسفيه البطال، والصاغر الذليل، والفاحش البذيء، والحاقد اللئيم، والسافل الوضيع، والحقير المَهِين، المدعو: بـ(ياسر بن عبد الله الحبيب) وأشياعه وأتباعه يسعون في أذية رسول رب العالمين، وأذية أهل بيته، وأذية جميع المؤمنين، بما يتكلمون به وينشرونه في بريطانيا في حق عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المصون الطاهر الشريف، في حق حبيبتة، وأحب النساء إليه، وزوجته في الدنيا والآخرة، أم المؤمنين جميعاً بنص القرآن، الصديقة النبيلة العفيفة الجليلة الحصينة البرة التقية عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنها وعن أبيها ـ.
حيث أقاموا ـ أنزل الله بهم عقوبته الشديدة ـ احتفالاً في لندن بمناسبة يوم وفاتها وانتقالها إلى دار البرزخ، وقد كان هذا الاحتفال المشين لهم، والمشئوم عليهم، تحت شعار:
[ عائشة في النار ].
كتبوه في الرقاع الساترة لجدران موقع الاحتفال، وفي الأعلام التي يلوح بها أطفالهم الصغار، وفي الشارات التي يحملها الرجال على صدورهم.
وقد زينوا رقاع موقع الاحتفال بالرسومات، وبهرجوه بمختلف الألوان، وأنواع الأقمشة والستور.
وأخذوا يتبادلون التهاني، ويبارك بعضهم بعضاً، ويظهرون الفرح والسرور بهذه الوفاة.
ودونكم بعض ما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذية في عرضه وزوجه وفراشه، وما نال أهل بيته من قبل هذا المجرم الأفاك، والفاجر الضال:
الأذية الأولى / حكمه على عرضه وزوجه الصديقة الكريمة التقية العابدة الزاهدة أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بأنها من أهل النار، وأنها سيدة نساء أهل النار، وأنها الآن تعذب في قعر النار، وتأكل الجيف ولحم جسدها في النار، وأنها كافرة ملحدة لا تعتقد نبوة خاتم الأنبياء.
حيث قال ـ أخزاه الله ـ في مستهل كلمته:
[ نتقدم إلى ساحة القداسة، إلى مولانا وسيدنا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه بأصدق التهاني والتبريكات في ذكرى هلاك عدوة الله، وعدوة أهل البيت، سيدة نساء أهل النار، المدانة من فوق سبع سماوات عائشة الحميراء بنت أبي بكر لعنة الله عليهما، يصعب علينا وعلى كل شخص أن يعدد جرائم هذه المرأة الخبيثة ].
وقال ـ أهلكه الله ـ:
[ ولكن ما يهمني أيها الإخوة في هذه الكلمة أني أريد أن أثبت أن عائشة بنت أبي بكر اليوم في النار، بل هي في قعر جهنم، هذا الشعار الذي ترونه ليس مكتوباً من فراغ ].
وقال ـ قبحه الله ـ:
[ عائشة والله أقسم بذلك عائشة الآن في النار تأكل الجيف الآن ].
وقال ـ أذله الله ـ:
[ إذاً عائشة اليوم في النار تأكل الجيف، هكذا يثبت أن عائشة في النار، ولا تأكل الجيف فقط، أستطيع أن أقول هكذا، أن عائشة اليوم في النار معلقة من رجليها في النار الآن، عائشة لا تأكل فقط الجيف، وإنما تأكل لحم جسدها، هي تأكل لحم جسدها الآن ].
وقال ـ أهانه الله ـ:
[ إذاً عائشة بهذا تكون ظالمة كافرة ].
وقال ـ قصم الله ظهره ـ:
[ تعرف بأن عائشة ملحدة ظالمة كافرة، ضاهت قول الكفار، وهذا أمر مرعب، هذا يثبت أن عائشة لم تكن تعتقد أصلاً نبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ].
وقال ـ سود الله وجه ـ قبل ختام كلمته:
[ تعرف عائشة اليوم في النار، وأنها معلقة من رجليها، تأكل لحم جسدها، وتأكل الجيف، هذه هي سيدة نساء أهل النار لعنة الله عليها، اليوم نحن نفرح، وندخل الفرح، وندخل بهذا الفرح والسرور، ندخله على قلوب رسول الله صلى الله عليه وآله، وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم، في هذا اليوم انتقلت عائشة إلى العذاب والجحيم الأبدي، في هذا اليوم يحق لنا أن نفرح، في هذا اليوم يحق لنا أن نُسر، وصيتي لكم أيها الإخوة في من له حاجة خاصة، إذا كانت مستعصية فليجرب هذا الشيء، وإذا يحصل حاجة خل يخابرني، خل يخابرني، ليس لأنه رح أقرره، رح أقله شنو صار، هذه الليلة تروح إلى البيت إن شاء الله وتصلي صلاة ركعتي الشكر لله عز وجل على انتقال عائشة إلى النار، واطلب حاجتك، وشوف إنه ما تنقضي حاجتك ].
قلت:
وهذا رب العالمين ـ جل وعلا ـ يكذبه ويخزيه ويذله ويفضحه ويهينه بين عباده في القرآن المجيد فيثبت ويصحح عقد زواجه صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنه ـ ومن باقي زوجاته، مع تحريمه له وللمؤمنين نكاح المشركات، فدل على أنهن جميعاًـ رضي الله عنهن ـ مؤمنات عنده سبحانه بربهن وبرسوله وبدينه وشرعه، فيقول سبحانه في سورة الأحزاب:
{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا }.
قال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول”(ص:423):
ومن ذلك:
أنه حرم على الأمة أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضاً تمييزاً له مثل نكاح أزواجه من بعده، فقال تعالى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً }.اهـ
وقال ـ عز وجل ـ في نفس السورة لنبيه صلى الله عليه وسلم في شأن أزواجه:
{ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ }.
قال الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(6/ 447) عند هذه الآية:
ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضاً عنهن، على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في الآية، فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان جزاؤهن أن الله قَصَره عليهن، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بهن أزواجاً غيرهن، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حجر عليه فيهن، ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر في ذلك ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج ولكن لم يقع منه بعد ذلك تَزَوّج لتكون المنة للرسول صلى الله عليه وسلم عليهن.اهـ
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي النجدي ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(ص:667):
وهذا شكر من اللّه الذي لم يزل شكوراً، لزوجات رسوله ـ رضي اللّه عنهن ـ حيث اخترن اللّه ورسوله، والدار الآخرة، أن رحمهن وقصر رسوله عليهن فقال: { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } زوجاتك الموجودات { وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } أي: ولا تطلق بعضهن، فتأخذ بدلها، فحصل بهذا، أمنهن من الضرائر، ومن الطلاق، لأن اللّه قضى أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، لا يكون بينه وبينهن فرقة { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } أي: حسن غيرهن، فلا يحللن لك { إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } أي: السراري، فذلك جائز لك، لأن المملوكات، في كراهة الزوجات، لسن بمنزلة الزوجات، في الإضرار للزوجات.اهـ
بل وجعلهن ـ جل وعلا ـ أمهات للمؤمنين جميعاً، وارتضى لهن ولهم ذلك، فقال سبحانه في نفس السورة:
{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }.
قال الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(6/ 381) عند هذه الآية:
وقوله: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع.اهـ
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين النجدي ـ رحمه الله ـ في “شرح رياض الصالحين”(1/ 400):
فأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين وهذا بالإجماع.
فمن قال: إن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ليست أما لي فليس من المؤمنين، لأن الله تعالى قال: { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }.
فمن قال: إن عائشة – رضي الله عنها – ليست أما للمؤمنين فهو ليس بمؤمن، لا مؤمن بالقرآن ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وعجباً لهؤلاء يقدحون في عائشة ويسبونها ويبغضونها وهي أحب زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يحب أحداً من نسائه مثل ما يحبها، كما صح ذلك عنه في البخاري أنه قيل: (( يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قالوا فمن الرجال؟ قال: أبوها أبو بكر )) وهؤلاء القوم يكرهون عائشة ويسبونها ويلعنونها وهي أقرب نساء الرسول إليه، فكيف يقال: إن هؤلاء يحبون الرسول، وكيف يقال: إن هؤلاء يحبون آل الرسول، ولكنها دعاوى كاذبة، لا أساس لها من الصحة، فالواجب علينا احترام آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من قرابته المؤمنين، ومن زوجاته أمهات المؤمنين، كلهم آل بيته، ولهم حق.اهـ
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكذبه ويهينه ويذله ويخزيه ويحقره ويفضحه بين الخلق جميعاً فيشهد لها ـ رضي الله عنه ـ بالإيمان وصحته، وأنها معه في الجنة، وزوجة له فيها كما كانت زوجة له في الدنيا، فيقول للصديقة الكريمة العفيفة أم عبد الله عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
(( أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلت: بلى والله، قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة )) أخرجه الحاكم 6729) وابن حبان (7095).
وصححه:
الحاكم وابن حبان والذهبي والألباني وغيرهم.
وهذا الطيب المطيب عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ يكذبه ويهينه ويخزيه بين أصحاب علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فيقول لهم مقسماً بالله:
(( ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة )) رواه البخاري (7100).
وهذا حبر الأمة وفقيهها، عالم أهل بيت النبوة عبد الله بن العباس ـ رضي الله عنه وعن أبيه ـ يكذبه ويهينه ويخزيه فيقول للصديقة الكريمة عائشة ـ رضي الله عنها ـ حين مرضت:
(( يا أم المؤمنين تقدمين على فرَط صدقٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر )) رواه البخاري (3771).
قال نور الدين السندي ـ رحمه الله ـ في “حاشيته على صحيح البخاري”(2/ 124):
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلّم وأبا بكر قد سبقاك، وأنت تلحقينهما، وقد هيآ لك المنزل في الجنة فافرحي بذلك.اهـ
وقال عبد الله بن عبيد ـ رحمه الله ـ:
(( استأذن ابن عباس على عائشة في مرضها الذي ماتت فيه فأبت أن تأذن له، فلم يزل بها حتى أذنت له، فسمعها وهي تقول: أعوذ بالله من النار، قال: يا أم المؤمنين إن الله عز وجل قد أعاذك من النار، كنت أول امرأة نزل عذرها من السماء )) أخرجه الإمام أحمد في “فضائل الصحابة”(1636).
وقال محققه الشيخ وصي الله عباس – سلمه الله -:
إسناده صحيح.اهـ
الأذية الثانية / رميه لعرضه وزوجه الصديقة العفيفة الشريفة الزكية الطيبة أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ في عرضها المصون الطاهر.
حيث قال ـ أخزاه الله ـ:
[ أأذكر مجونها وفسقها الذي سودت به التاريخ، أأذكر كيف كانت تتسكع في الطرقات ].
وقال ـ أهلكه الله ـ:
[ على فرض سببنا عائشة وحفصة هاتين المرأتين الخائنتين ].
وقال ـ أذله الله ـ:
[ كانت تخرج متبرجة، ونقلت لكم في محاضرة سابقة أنها حين كانت تذهب إلى الحج كانت تتبرج ].
وقال ـ قبحه الله ـ:
[ سيدة نساء أهل النار، المدانة من فوق سبع سماوات عائشة الحميراء بنت أبي بكر لعنة الله عليهما ].
وقال ـ أهانه الله ـ في موضع آخر:
[ وآيات الإفك إنما نزلت في ذمها وإدانتها لا في تبرئتها ].
قلت:
وقد كذبه رب العالمين ـ عز وجل ـ وأخزاه وأذله وأهانه وحقره وكبته وأصغره وأسفله بقرآن يُتلى ويُسمع من الصغير والكبير، والذكر والأنثى، وبالليل والنهار، وعلى مر العصور، واختلاف الأقطار، يشهد ببراءتها وطهرها، وأنها درة مصونة، وطيبة زكية، وعفيفة شريفة، وكريمة رفيعة، ونقية نزيهة، وجليلة علية، وبرة تقية، وتهدد وتوعد بالعذاب والنكال والخزي من آذاها في عرضها وعفتها وطهرها، فقال سبحانه في آيات كثيرة من أوائل سورة النور:
{ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) }.
قال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله – في كتابه “جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام”(ص:183) في بيان خصائص الصديقة العفيفة عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
ومن خصائصها:
أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبرائتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيراً لها, ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها, ولا خافضاً من شأنها، بل رفعها الله بذلك، وأعلى قدرها، وأعظم شأنها، وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء, فيا لها من منقبة ما أجلها.اهـ
وكذبه وأهانه وأخزاه وأذله وأسقطه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال للصديقة العفيفة الطاهرة عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
(( يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك )) رواه البخاري (4473) ومسلم (2770).
وكذبه وأهانه وأخزاه حبر الأمة وفقيهها، عالم أهل بيت النبوة عبد الله بن العباس ـ رضي الله عنه وعن أبيه ـ حيث قال ابن أبي مليكة – رحمه الله -:
(( استأذن ابن عباس قبل موتها على عائشة وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يثني علي، فقيل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيت، قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء، ودخل ابن الزبير خلافه فقالت: دخل ابن عباس فأثنى علي، ووددت أني كنت نسياً منسياً )) رواه البخاري (4753).
وأخرجه الإمام أحمد في “فضائل الصحابة”(1639) بلفظ:
(( كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن ليحب إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سماوات، فليس في الأرض مسجد إلا هو يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار … فوالله إنك لمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا، فوالله لوددت لو أني كنت نسياً منسياً )) .
وقال محققه الشيخ وصي الله عباس – سلمه الله -:
إسناده صحيح.اهـ
ومن مواقف أهل بيت النبوة مع من زعم أنه من شيعتهم ورمى بالفاحشة أم المؤمنين الصديقة الكريمة العفيفة عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
ما أخرجه الإمام اللالكائي – رحمه الله – في “شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة”(2402) فقال:
أنا أحمد بن علي الطبري قال: نا الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب قال: سمعت أبا العباس عبد الله بن موسى الهاشمي المنصوري قال: سمعت القاضي أبا الحسن الجراحي يقول: سمعت أبا السائب عتبة بن عبد الله الهمداني قاضي القضاة يقول:
(( كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد …، وكان بحضرته رجل ذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر )).
وقال الفقيه الهاشمي الشريف عبد الخالق بن أبي جعفر الحنبلي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (411هـ) كما في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول “(ص:568):
ومن رمى عائشة ـ رضي الله عنها ـ بما برأها الله منه فقد مرق من الدين، ولم ينعقد له نكاح على مسلمة إلا أن يتوب، ويظهر توبته.اهـ
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الاتفاق على كفر من رمى هذه الأم الكريمة المصونة العفيفة الطيبة بالزنا، ودونكم أقوال بعضهم:
أولاً: قال القاضي أبو يعلى الحنبلي ـ رحمه الله ـ كما في كتاب “الصارم المسلول على شاتم الرسول”(ص:565-566):
من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف.اهـ
ثانياً: قال العلامة النووي الشافعي ـ رحمه الله ـ في “شرح صحيح مسلم”(17/ 117) عند ذكر فوائد حديث حادثة الإفك:
الحادية والأربعون:
براءة عائشة ـ رضي الله عنها ـ من الإفك، وهى براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين.
قال ابن عباس وغيره: لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا إكرام من الله تعالى لهم.اهـ
ثالثاً: قال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول”(ص:566):
وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم.اهـ
رابعاً: قال الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(6/ 31-32):
وقد أجمع العلماء، ـ رحمهم الله ـ قاطبة على أن مَن سَبَّها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن.اهـ
خامساً: قال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه “زاد المعاد في هدي خير العباد”(1/102):
واتفقت الأمة على كفر قاذفها.اهـ
الأذية الثالثة / اتهامه لعرضه وزوجه الصديقة الخاشعة القانتة المنيبة التقية أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بقتله صلى الله عليه وسلم.
حيث قال ـ أخزاه الله وأهلكه ـ في مستهل كلمته:
[ يصعب علينا وعل كل شخص أن يعدد جرائم هذه المرأة الخبيثة، ماذا أقول، وماذا أعدد أو أذكر، أأذكر سمها لرسول الله صلى الله عليه وآله وقتلها إياه ].
قلت:
وهذه الفرية من أشنع وأفضع وأجرم ما افتراه هذا الكذاب الأشر، والفاجر الساقط على هذه المؤمنة الزكية النقية التقية الصالحة أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ التي اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون في مرض موته في بيتها، ومات في بيتها، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها، ودفن في بيتها.
قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة: فمات في اليوم الذي يدور علي فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه، فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به، وهو مستند إلى صدري )) رواه البخاري (4450).
وفي رواية أخرى (1389) قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
(( إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه أين أنا اليوم؟ أين أنا غداً؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري ودفن في بيتي )).
وبنحوه عند الإمام مسلم (2443).
وقال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه “جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام”(ص:184):
ومن خصائصها رضي الله عنها:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها، ودفن في بيتها.اهـ
هذه الصديقة المرضية التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها كثيراً، وأمر ابنته الصالحة القانتة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أن تحبها، حيث قال محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
(( أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً )) رواه مسلم (2442).
هذه الزكية الفاضلة الجليلة التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة فضلها على بقية النساء فقال:
(( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )) رواه البخاري (3769و5419) ومسلم (2431و2446) من حديث أبي موسى الأشعري وأنس بن مالك – رضي الله عنهما -.
هذه الزكية الجلية الطيبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبلغها سلام جبريل ـ عليه السلام ـ عليها، حيث قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً:
(( يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى )) رواه البخاري (3768) ومسلم (2447).
هذه الزكية البارة التي كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها ولحافها، وكان الصحابة يتحرون بهداياهم لنبيهم يومها، حيث قال هشام عن أبيه – رحمه الله -:
(( كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها )) رواه البخاري (3775).
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ:
(( أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) رواه البخاري (2574) ومسلم (2441).
الأذية الرابعة / لعنه وسبه لزوجه الصديقة الكريمة الزكية الصالحة العفيفة أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
حيث قال ـ أخزاه الله ـ:
[ عائشة الحميراء بنت أبي بكر لعنة الله عليهما ] .
وقال ـ أهلكه الله ـ:
[ هي سيدة أهل النار، لعنة الله عليها ].
وقال ـ أذله الله ـ:
[ للعلم عائشة كان لسانها قذراً فحاشاً سباباً إلى أقصى درجة، كانت امرأة قليلة أدب، تسب على المليان ].
وقال ـ أهانه الله ـ في موضع آخر:
[ أنا شخصياً في صلاتي دائماً وفي حال القنوت ألعن أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة ].
قلت:
لقد خرج هذا الأفاك الأثيم، والجهول الظلوم الغشوم الحقود عن كتاب ربه ـ جل وعلا ـ، وعصى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وفارق مذهب أهل بيت النبوة، ومن يحبهم ويجلهم من المؤمنين، وأزرى بنفسه وأتباعه وأشياعه بهذا الكلام الفاحش البذيء، والقول القبيح الرديء، واللفظ النكد المرذول، ودونكم بيان ذلك من أوجه:
الوجه الأول:
أن الله ـ عز وجل ـ قد ذكر في كتابه العزيز حال أهل الإيمان حقاً وصدقاً مع الصحابة السابقين إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه وتوقيره ونصرته من الصحابة ذكوراً وإناثاً بعد أن مدحهم وأثنى عليهم، وأنه:
الدعاء لهم بالمغفرة، وأن لا يجعل في قلوبهم شيئاً من البغض والحسد والحقد على أحد منهم، فقال سبحانه في سورة الحشر:
{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.
قال الإمام البغوي الشافعي ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(8/ 79) عقب هذه الآية:
من كان في قلبه غِلّ على أحد من الصحابة، ولم يترحم على جميعهم، فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية، لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاثة منازل: المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله، فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجًا من أقسام المؤمنين.اهـ
الوجه الثاني:
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته جميعاً:
(( لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )) رواه البخاري (3673) ومسلم (2540).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه ويزجره عن سب أصحابه، وهو يخالفه ويرد قوله ويتجرأ عليه فيسبهم ويلعنهم، بل ويسب ويلعن ويقبح ويؤذي أحب النساء إليه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحب إلا طيباً، فقد أخبر عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
(( أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، فقلت من الرجال؟ فقال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعد رجالاً )) رواه البخاري (3662) ومسلم (2384).
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى من ناشده في شأن هدايا الناس له في يوم عائشة عن المعاودة، وهذا الهماز اللماز العتل الزنيم الفاحش البذيء يؤذيه أذىً شديداً فيلعنها ويسبها ويصفها بأقبح وأشنع وأخس الأوصاف.
قالت رميثة عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ:
أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كلمنها أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم: إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وتقول له: إنا نحب الخير كما تحب عائشة، فكلمته فلم يجبها، فلما دار عليها كلمته أيضاً فلم يجبها، وقلن: ما رد عليك؟ قالت: لم يجبني، قلن: لا تدعيه حتى يرد عليك أو تنظرين ما يقول، فلما دار عليها كلمتهن فقال:
(( لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن إلا في لحاف عائشة )) أخرجه النسائي (3401-3402) وأحمد (26555) والحاكم (6728) وابن حبان (7109 ).
وزاد أحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم أن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:
(( أعوذ بالله أن أسوءك في عائشة )).
وللطحاوي في “شرح مشكل الآثار”(321) وأبي يعلى (7024) أنها قالت:
(( لا جرم والله لا أوذيك فيها أبداً )).
وصححه:
النسائي والحاكم وابن حبان والذهبي والألباني ومحمد على آدم الأتيوبي.
الوجه الثالث:
قال العلامة محمد بن علي الشوكاني اليماني ـ رحمه الله ـ في كتابه “إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم”(ص”50-51 أو مجموع رسائله المسمى بـ”الفتح الرباني” 2/ 840-841):
قد ثبت إجماع الأئمة من أهل البيت على تحريم سب الصحابة … وهذا الإجماع الذي قدمنا ذِكْرَه عن أهل البيت، يُروى من طرق ثابتة عن جماعة من أكابرهم.اهـ
وقال في كتابه “وبل الغمام على شفاء الأوام”(1/ 474-475):
والحاصل أن من صار من أتباع أهل البيت مشغولاً بسب الصحابة وثلبهم والتوجع منهم، فليس هو من مذهب أهل البيت في شيء، بل هو رافضي خارج عن مذهب جماعتهم، وقد ثبت إجماعهم من ثلاث عشرة طريقة، كما أوضحت ذلك في الرسالة التي سميتها “إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم” أنهم لا يسبون أحداً من الصحابة، الذين هم أهل السوابق والفضائل.اهـ
وثبت عن عمرو بن غالب ـ رحمه الله ـ أن رجلاً نال من عائشة ـ رضي الله عنها ـ بمحضر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقال له الطيب المطيب عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ:
(( أُغرب مقبوحاً منبُوحاً أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) أخرجه الترمذي (3888) واللفظ له، والحاكم (5684).
وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح.اهـ
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.اهـ
ووافقه الذهبي.
فطرده ـ رضي الله عنه ـ من المجلس وقبحه وذمه وأهانه وأسمعه ما يكره.
وكتبه غيرة على عرض جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته رجالاً ونساء:
الشريف الحسيني الهاشمي عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.