الأسباب التي يرجع إليها تحريم المظاهرات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأسباب التي يرجع إليها تحريم المظاهرات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأسباب التي يرجع إليها تحريم المظاهرات
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد، أيُّها المسلم الكريم ــ وقاك الله شرَّ الفتن في الدِّين والدنيا، وسدَّدك إلى الحق ــ:
فهذه أوجْه ثلاثة تُبيِّن لك بجلاء تحريم المظاهرات في سائر بلاد المسلمين، وأنَّه لا يَحِل لِمؤمن بالله واليوم الآخِر أنْ يمشي فيها بنفسه، أو يكون مِن الدَّاعين إليها بكلمة، أو مقال، أو خُطبة، أو يكون مِن الدَّاعمين لها بمال، أو إعلام مقروء، أو مسموع، أو مرأي.
الوجْه الأوَّل:
أنَّ المظاهرات مخالفة لما أمَرَت بِه ونَهت عنه الشريعة الإسلامية أفرادها في معاملة حُكامهم عند حصول المُنكرات والظلم والجَور والاستئثار بالأموال والمناصب.
حيث جاء في هذه الشريعة الطيِّبة الكاملة:
أوَّلًا ــ الأمْر بالصَّبر على جَور الحاكم وظُلمِه واستئثارِه.
ثانيًا ــ الأمْر بالسَّمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله سبحانه.
ثالثًا ــ الأمْر بأنْ تكون نصيحة الحاكم في السِّر لا العلَن، والنَّهي عنها في غَيبَتِه.
رابعًا ــ النَّهي عن نَزْع اليَد مِن طاعة الحاكم وبيعتِه.
خامسًا ــ النَّهي عن الخروج على الحاكم بقولٍ أو فِعل، وبسلاحٍ وغيرِ سلاح.
سادسًا ــ النَّهي عن سبِّ الحاكم، وإهانتِه بقولٍ أو فِعل.
ومِن الأحاديث النَّبوية وآثار الصحابة الواردة في هذا الباب، وتقرير ما تقدَّم مِن أمور جهة الحاكم:
أوَّلًا: ما أخرجه البخاري (3792)، مسلم (1845)، عن أُسَيد بن حُضَير ــ رضي الله عنه ــ: أنَّ رجلًا مِن الأنصار خَلا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تَستعمِلني كما استعمَلت فلانًا فقال صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ )).
ثانيًا: ما أخرجه مسلم ( 1843) في “صحيحه”، عن عبد الله بن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ )).
ثالثًا: ما أخرجه مسلم (1846) في “صحيحه”، أنَّ سَلَمة بن يزيد الجُعْفي ــ رضي الله عنه ــ قال: (( يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ )).
رابعًا: ما أخرجه مسلم (1847) في “صحيحه”، عن حُذيفة بن اليَمان ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ؟ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )).
خامسًا: ما أخرجه مسلم (1855) في “صحيحه”، عن عَوف بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ )).
سادسًا: ما أخرجه مسلم (1849) في “صحيحه”، عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )).
سابعًا: ما أخرجه ابن أبي عاصم في السُّنة، (1015)، والبيهقي في “شُعب الإيمان” (7523)، عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: نَهانا كُبراؤنا مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تسُبُّوا أمراءَكم ولا تغشُّوهم ولا تُبغضوهم، واتَّقوا اللهَ واصبروا فإنَّ الأمرَ قريبٌ )).
وقال الإمام الألباني ــ رحمه الله ــ عقبه: «إسناده جيد».
ثامنًا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في “مُصنَّفه” (33711)، والخَلَّال في “السُّنة” (54)، وابن زَنجويه في “الأموال” (30)، وغيرهم، عن سُويد بن غَفَلَة ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: قال لِي عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ: (( يَا أَبَا أُمَيَّةَ: لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِى، فَأَطِعِ الإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ ظَلَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَمَرَكَ بِأَمْرٍ يَنْقُصُ دِينَكَ فَقُلْ سَمْعٌ وَطَاعَةٌ دَمِى دُونَ دِينِي )).
وإسناده صحيح.
تاسعًا: ما أخرجه أحمد (15333)، وابن أبي عاصم في “السُّنة” (1096-1098)، واللفظ له، وغيرهما، عن عِياض بن غَنْم ــ رضي الله عنه ــ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ )).
وصحَّحه: الحاكم، والألباني، وابن باز، ومُقبل الوادعي في آخِر قوليه، وصالح آل الشيخ، وغيرهم.
وقال الحافظ ابن عساكر ــ رحمه الله ــ: «وهو محفوظ مِن حديث جُبير».اهـ
وقال المُحدِّث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه الله ــ: «ورجاله ثقات، وإسناده مُتصل».اهـ
وقال مرَّة: «إسناده حسن».اهـ
وقال العلامة زيد بن محمد هادي المدخلي ــ رحمه الله ــ: «حديث ثابت».اهـ
وقال العلامة عبد المحسن العبَّاد ــ سلَّمه الله ــ: «ثبَت».اهـ
عاشرًا: ما أخرجه الترمذي في “سُننه” (2224)، والطيالسي في “مسنده” (92)، وابن أبي عاصم في “السُّنة” (1015)، وغيرهم، عن زياد بن كُسَيب العَدَوي أنَّه قال: كنت مع أبي بَكْرة تحتَ منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رِقَاقٌ، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفُسَّاق، فقال أبو بَكْرة: اسْكُتْ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: (( مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ )).
وحسَّنه: الإمام الألباني ــ رحمه الله ــ.
حادي عشر: ما أخرجه سعيد بن منصور في “سُننه” (746)، واللفظ له، وابن أبي شَيبة في “مصنَّفه” (37307)، وغيرهما، عن سعيد بن جُبيرٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ــ رضي الله عنه ــ: آمُرُ إِمَامِي بِالْمَعْرُوفِ؟ قَالَ: إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَلَا، فَإِنْ كُنْتَ وَلَا بُدَّ فَاعِلًا، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَا تَغْتَبْ إِمَامَك )).
وإسناده صحيح.
ثاني عشر: ما أخرجه أحمد (19451)، وغيره، عن سعيد بن جُمْهَان ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ــ رضي الله عنه ــ وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: إِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ )).
وحسَّنه: الألباني، ومُقبل الوادعي.
وقال العلامة حُمُود التويجري ــ رحمه الله ــ: «إسناده جيد».اهـ
وقال المُحدِّث أبو بكر الهيثمي ــ رحمه الله ــ: «رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات».اهـ
وذَكره الحافظ ضياء الدِّين المقدسي ــ رحمه الله ــ في كتابه: “الأحاديث المُختارة أو المُستخرَج مِن الأحاديث المُختارة ممَّا لم يُخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما” (180-181).
الوجْه الثاني:
أنَّ فِعلَ المظاهرات مِن التَّشَبُّه بأعداء الله ورُسلِه مِن أهل الكُفر مِن اليهود، والنصارى، والشيوعين، وأشباهِهم.
حيث جاءتنا هذه المظاهرات مِن بلدانهم ونُظمهم ودساتيرهم، وليست مِن عمل المسلمين، ولا عُرفت في تاريخ الإسلام، فهي مِن عاداتهم وأساليبهم التي تتناسب مع زَعمِهم الديمقراطِي: “أنَّ الحُكم للشَّعب، وأنَّ الشَّعب هو مصْدر السُّلطة والتشريع”، وليس الله سبحانه وشريعته التي أنزَلها على عباده.
وقد حرَّمت الشريعة الإسلامية علينا أنْ نَتشبَّه بِهم في أفعالهم وعاداتهم وأحوالهم وأعيادهم ولباسهم، بل جاء وعيدٌ شديد لِمَن تَشبَّه بِهم.
فثبتَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم )).
أخرجه: أحمد (5114-5115 و 5667)، وأبو داود في (4031)، وغيرهما، مِن حديث ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ.
ونصَّ على ثبوت هذا الحديث: ابن تيمية، وأبو عبد الله ابن مُفلح، والذهبي، وزَين الدِّين العراقي، وابن حَجَر العسقلاني، والمُناوي، وأحمد شاكر، والألباني، وابن باز، وغيرهم.
وقال الإمام ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في “تفسيره” (1/ 374)، عن فقه هذا الحديث:
«ففيه دَلالةٌ على: النَّهى الشَّديد والتَّهديد والوعِيد على التَّشبُّه بالكفَّار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك مِن أمورهم».اهـ
ومَن نظر وتأمَّل بِعين الوعْي، وعقلٍ بصير، ونفسٍ سالِمة مِن الشُّبَه، والتلبيس، والأحزاب، والانتماءات الفِكرية، فسَيَجِد:
أنَّ ألسِنَة وكتابات ومواقع كثيرٍ مِن السَّاسة والسياسيين ومنظماتِهم في دُول أهل الكفر تُظهِر دَعمَها وتأييدَها ونُصرتَها لهذه المظاهرات والثورات والاحتجاجات والاعتصامات في بلاد المسلمين، إنْ لم تكن هي سببُها، وهي مَن حرَّضهم عليها، وعقدَ لهم الدَّورات لِتدريبهم عليهم، وعلى طُرق زياداتِها في بلدانهم، ودفعَ لهم الأموال لِيَقوموا بها، ويَدفعوا شُعوبهم إليها، ووعدَهُم بالوقوفِ معهم في أثنائها، وبعد انتهائها، وكل هذا تحت شعارات برَّاقة، وأمانِيَّ خدَّاعة، وأوهامٍ مُزخرَفةٍ مُستقبلية.
وصدق الله ــ عزَّ وجلَّ ــ وكذَبوا، إذ يقول سبحانه مُنبِّهًا لَنا، وهو خالقنا وخالقهم، وأعرَفُ بقلوبِهم: { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ }.
وسَيَجِد أيضًا:
أنَّ أكثر مَن يَفرح بها، ويُشجِّعها، ويَدعو إليها مِن أهل بلدِه، ومُحيطه، ومَن حوله، هُم مَن يُريد أنْ يُنافِس على السُّلطة، وأنْ يَصِل إلى سُدَّة الحُكم، وتكون له قيادة البلد وزَعامَتِها، مِن الأحزاب والجماعات والتنظيمات والفِرَق، سواء تَسمَّت بأسماء ظاهرها أنَّها دِينيَّة، أو بأسماء ليست كذلك، مِن علمانية، ولِبرالية، وشيوعيَّة، وقوميَّة، وغيرها.
الوجْه الثالث:
أنَّ المظاهرات تُعِين على الوقوع في الإثم والعُدوان الذي نَهَى الله عنه وحرَّمَه على عبادِه المؤمنين.
إذ يحصل بسببها مُحرَّمات غليظة وكثيرة، وجرائم كبيرة وعديدة، ومُنكَرات شَنيعة قبيحة:
مِن إراقةٍ لِدماء عدد مِن المُتظاهرين، ودِماءِ رجال الأمْن والمَارَّة، وإصابة الكثير مِن الشَّعب في أبدانِهم وأجسادِهم بجُروح وحُروق وكُسور، ونَهبٍ وسرقةٍ لأسواقِ الناس ومتاجرهم وبيتِ مالِ المسلمين، وإحراقٍ وإفساد وتدميرٍ للمراكز والمَباني والمُنشئات والمَراكب التابعة للناس والدَّولة وبيتِ مالِ المسلمين، وإعاقةٍ للناس عن الخروج لِطلب الرِّزق لأهاليهم وعلاجِهم ومصالحهم وإتمامِ أسفارهم، وفلَتَانِ المُجرمين والمُفسدين والإرهابيين مِن العقوبات الصادرة عليهم، وهُروبهم مِن السُّجون، وخُروجٍ للنساء فيها مِن بيوتِهن واختلاطهِن بالرِّجال سافرات مُتبرجات، وإخافةٍ لكثير مِن كِبار السِّن والنساء والصِّغار والمارَّة والغُرباء والمسافرين، وتضييعٍ للصلوات عن أوقاتها، وإدخالٍ للمُخدِّرات، ونشرٍ لَها في البلاد بسبب ضَعف الأمْن ورجالِه في الحُدود وداخل البلاد، وإشغالٍ للدَّولة وجُندِها عمَّا هو أهم وأخطر على البلد، وولُوجٍ للكثيرِ مِن أصحاب المذاهب والأفكار الهدَّامة مِن علمانيةٍ ولِبرالية واشتراكية وشيوعية وقومية وشِيعيَّةٍ رافضية، للمُطالبة بما يوافقُ مذاهبَهم، ويُناقضُ الإسلامَ وأصولَه، وغير ذلك مِن المحرَّمات.
فكيف إذا زاد الأمْر شدَّة، وحَصَلت مواجهاتٌ بالجُندِ ورجالِ الجماعات والأحزاب والأسلحة والطائرات، وتدخَّلَت دُوَلٌ مع كل طَرَف،.
حِينها اسأل عن آثار ذلك الفظيعة الخطيرة: المُدَنَ والقُرى والأرياف والبوادِي، والطُّرق والمستشفيات، والأرامل واليَتامى والمرضَى وكبار السِّن والعجائز والأطفال والنساء، والمساكن والمدارس وحُدود البلد.
وقد نَهَى الله ــ جلَّ وعلا ــ وزجَر جميع عبادِه رجالًا ونساء عن فِعل أيِّ سَبب يُعِين على حُصول شيء مِن مُحرَّم، فقال سبحانه: { وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.
فكيف بهذه المظاهرات التي يَنجُم عنها وتتسبَّب في حصول محرَّماتٍ كثيرةٍ وكبيرة؟ ومُنكراتٍ شنيعةٍ ومتنوعة؟ وخطايا بَشِعَةٍ وجسِيمة؟ وآثامٍ مُختلِفة ومُتزايدة، وأضرارٍ دِينيَّةٍ ومالية وبدَنية ونفسية شديدة الخُطورة؟
لا شَك أنَّ النَّهي عنها، وتحريمها، سيكون في شريعة الإسلام آكَد، وأكبر، وأشدّ، وأغلَظ.
فإنْ قيل: إنَّ الحاكم أو دُستور البلاد ونظامَها يأذن بالمظاهرات.
فيُقال لِصاحب هذا القول: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنَّه نَهَى وحرَّمَ وزجَر عن طاعة أيِّ إنسان في معصية الله ــ سواء كان هذا الإنسان حاكمًا أو عالمًا أو داعية أو والِدًا أو شيخ قبيلة أو زَعيم عشيرة أو غيرهم ــ فقال صلى الله عليه وسلم: (( لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ )).
أخرجه البخاري (7257)، ومسلم (1840)، مِن حديث علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ.
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ )).
أخرجه البخاري (7144)، ومسلم (1139)، مِن حديث ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ.
ولَمَّا سَأل أحدهم الإمام الكبير والمُصلح الناصح والعالم الرَّاسخ محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله ــ فقال في سؤاله:
[ إذا كان حاكمٌ يَحكم بغير ما أنزَل الله، ثم سَمح لبعض الناس أنْ يَعملوا مظاهرة، تُسمَّى عِصامية مع ضوابط يَضعها الحاكم نفسَه، ويَمضِي هؤلاء الناس على هذا الفِعل، وإذا أُنكِر عليهم هذا الفعل، قالوا: نحن ما عارضِنا الحاكم، ونَفعل برأي الحاكم.
هل يجوز هذا شرعًا، مع وجود مخالفة النَّص؟ ].
قال ــ رحمه الله ــ مُجيبًا على هذا السؤال:
«عليك باتِّباع السَّلف، إنْ كان هذا موجودًا عند السَّلف فهو خير، وإنْ لم يكن موجودًا فهو شَر، ولا شَكَّ أنَّ المظاهرات شَر، لأنَّها تؤدِّي إلى الفوضَى مِن المتظاهرين، ومِن الآخَرين، وربَّما يَحصل فيها اعتداء، إمَّا على الأعراض، وإمَّا على الأموال، وإمَّا على الأبدان، لأنَّ الناس في خِضَمِّ هذه الفوضوية، قد يكون الإنسان كالسَّكران لا يَدري ما يقول، ولا ما يَفعل.
فالمظاهرات كلها شَرٌّ، سواء أذِنَ فيها الحاكم أو لم يأذن، وإذْنُ بعض الحُكام بِها ما هيَ إلا دعاية، وإلا لو رجعْت إلى ما في قلبِه، لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنَّه كما يقول: دِيمقراطي، وأنَّه قد فتح باب الحُرِّية للناس، وهذا ليس مِن طريقة السَّلف».اهـ
وقد ذهب إلى تحريم المظاهرات أكابر أهل العلم مِن أهل السُّنة والحديث، الذين عُرِفوا بالرُّسوخ في العلم، والتضَلُّع فيه، وعُرِفوا بالعمل بالنصوص الشرعية، ومُتابعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وباقي سَلف الأمَّة الصالح، وعُرِفوا بالصلاح والزُّهد والورَع، وعُرِفوا بالشفقة على الأُمَّة، والنُّصْح لها، وإبعادِها عن كل ما يُضرّها.
وعلى رأس هؤلاء العلماء:
أولًا: الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ــ رحمه الله ــ.
ثانيًا: الشيخ العلامة محمد ناصر الدِّين الألباني ــ رحمه الله ــ.
ثالثًا: الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله ــ.
رابعًا: الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي ــ رحمه الله ــ.
خامسًا: الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النَّجمي ــ رحمه الله ــ.
سادسًا: الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان ــ سلَّمه الله ــ.
سابعًا: الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي ــ سلَّمه الله ــ.
ثامنًا: الشيخ العلامة زيد بن محمد بن هادي المدخلي ــ رحمه الله ــ.
تاسعًا: الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان ــ رحمه الله ــ.
عاشرًا: الشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العبَّاد ــ سلَّمه الله ــ.
حادي عشر: الشيخ العلامة عُبيد بن عبد الله الجابري ــ سلَّمه الله ــ.
ثاني عشر: الشيخ العلامة عبد الله الغُديَّان ــ رحمه الله ــ.
ثالث عشر: الشيخ العلامة صالح الأطرم ــ رحمه الله ــ.
رابع عشر: مفتي عام المملكة العربية السعودية العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ــ سلَّمه الله ــ.
هذا وأسأل الله ــ جلَّ وعلا ــ:
أنْ يُعيذ جميع المسلمين وبلادهم مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، وأنْ يَرفع عنهم القتلَ والاقتتال، والخوفَ والجوع، والجلاءَ مِن بلدانهم والتَّشَرَّد، وأنْ يُصلح ولاة أمور المسلمين، ويَرزقهم العمل بالشريعة، وإقامة العدل، وأنْ يُوفقهم للقضاء على الشِّرك والبدع والمعاصي، وأنْ يُحسِن لهم البطانة ويجعلها بطانة خير، وتِصب في الخير، إنَّه سميعٌ مُجيب.
تنبيه:
أصل هذه الكتابة كانت محاضرة صوتية لِي بعنوان: «أيُّها المتظاهرون كفَى».
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجُنيد.