تثبيتُ الإخوَة بثبُوتِ سُنِّية صَومِ أَيامِ عشر ذي الحِجَّة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على عبده ورسوله محمَّدٍ الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعدُ، أيُّها الإخوة الفُضلاء النُّبلاء ــ أعانكم الله على ذِكره وشُكره وحُسْن عبادته ــ:
فهذا جزءٌ لطيفٌ في:
«إثباتُ سُنِّية صومِ الأيَّام العشر مِن شهر ذِي الحِجَّة المُحرَّم».
وسببُ كتابة هذا الجزء وطرحِه بين يدى القُّراء ــ سدَّدهم الله وأكرمهم برضوانه والجنَّة ــ هو أنّي سمعت بعض أهل وقتنا هذا يقول بعدم استحباب صيام هذه الأيَّام، أو كراهته، أو أنَّه بدعة.
وأسأل الله الكريم أنْ ينفع به الكاتب والقارئ والناشر، إنَّه سميع الدعاء.
وسوف يكون الكلام عن هذه المسألة في سَتِّ وقفاتٍ، تسهيلًا لفهمها، وإعانة على ضبطها، وتقوية للإلمام بما قِيل حولها.
فدونكم هذه الوقفات:
الوقفة الأولى / عن المراد بالأيَّام العشر مِن شهر ذي الحِجة التي يُسَنُّ صيامها.
قال الفقيه أبو زكريا النووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في «شرح صحيح مسلم» (8/ 320 – عند حديث رقم:1176):
قال العلماء: والمراد بالعشر هنا الأيام التِّسعة مِن أوَّل ذي الحِجَّة، قالوا: وهذا مما يُتأول.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «لطائف المعارف» (ص: 279):
وهذا كما يُقال: صام عشر ذي الحِجَّة، وإنَّما صام منه تسعة أيَّام.
ولهذا كان ابن سيرين يَكره أنْ يُقال: صام عشر ذي الحِجَّة، وقال: “إنَّما يُقال: صام التِّسع”.
ومَن لم يَكره وهُم الجمهور، فقد يقولون:
الصيام المُضاف إلى العشر، هو صيام ما يُمكِن مِنه، وهو ما عدا يوم النَّحر، ويُطلَق على ذلك العشر، لأنَّه أكثر العشر.اهـ
الوقفة الثانية / عن مُستنَد سُنِّية صيام أيَّام عشر ذي الحِجّة الأُوَل.
يدلُّ على الترغيب في صيام أيَّام عشر ذي الحِجَّة، وأنَّه سُنَّة محمودة يُستحب للمسلم والمسلمة العمل بها، أمران:
الأوَّل ــ ما أخرجه البخاري (969) واللفظ له، وأحمد (3139 و 3228)، وأبو داود (2438)، وابن ماجه (1727)، عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ )).
وأخرجه الترمذي (757)، بلفظ:
(( مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)).
وقال عقبه: حديث ابن عباس حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب.اهـ
وأخرجه الدارمي (1815)، بلفظ:
(( مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ – وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى، قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ )).
وإسناده حسن.
وفي لفظٍ آخَر للدارمي (1814):
(( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ )).
وإسناده صحيح.
ومِمَّن صحَّح هذا الحديث أيضًا:
البخاري، والترمذي، وابن خُزيمة، وابن حِبَّان، وأبو نُعيم الأصفهاني، والبغوي، وموفَّق الدين ابن قدامة، ومُحِبُّ الدين الطبري، والنووي، وابن قيِّم الجوزية، وابن كثير، وأبو زُرعة العراقي، والشوكاني، والألباني.
ووجْه الاستدلال مِن هذا الحديث:
أنَّ العمل الصالح المذكور فيه عام، فيدخل فيه الصيام، لأنَّه مِن الأعمال الصالحة، بل هو مِن أفضلها وآكدها.
الثاني: ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في «مُصنَّفه» (4/ 257 – رقم:7715):
عن الثوري، عن عثمان بن مُوهِب، قال:
(( سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ عَلِيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، أَفَأَصُومُ الْعَشْرَ تَطَوُّعًا؟ قَالَ: لَا، وَلِمَ؟ ابْدَأْ بِحَقِّ اللَّهِ، ثُمَّ تَطَوَّعْ بَعْدَمَا شِئْتَ )).
وإسناده صحيح.
ووجْه الاستدلال مِن هذا الأثر:
أنَّ أبا هريرة ــ رضي الله عنه ــ لم يُنكِر على الرَّجل التطوع بصيام العشر، بل أقرَّه على ذلك إذا قَضَى ما بَقِي عليه مِن شهر رمضان.
وهذا يدلُّ على أنَّ صيام العشر كان معروفًا في عهد السَّلف الصالح، وعلى رأسهم أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الثالثة / عن تبويبات وأقوال وفُهوم أهل العلم والفقه عند ذِكر حديث ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ مرفوعًا: (( مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ )).
أولًا – بوَّب الإمام أبو داود السجستاني ــ رحمه الله ــ في «سُننه» (2438) على هذا الحديث، وحديث آخَر معه:
«بابٌ في صومِ العَشر».
ثانيًا – بوَّب الإمام ابن ماجه القزويني ــ رحمه الله ــ في «سُننه» (1727) على هذا الحديث، وحديث عائشة ــ رضي الله عنها ــ:
«بابُ صيامِ العَشر».
ثالثًا – قال الحافظ إسحاق بن منصور الكوسج ــ رحمه الله ــ في «مسائله عن الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه» (703):
قلتُ: مَن قال: لا يُقضَى رمضان في ذي الحِجَّة؟.
قال: أيُّ شيءٍ يَكره مِن ذلك؟.
قال إسحاق: هو جائز، ومَن كَرهه أراد أنْ يصومه تطوعًا، لِمَا يُستحب العمل فيه، وهذه رُخصة، لأنَّه حرَّضَه على التطوع، ويُؤخِر قضاء الفرْض.اهـ
ومعنى كلام الإمام إسحاق بن راهويه ــ رحمه الله ــ:
أنَّ مَن كَره مِن السَّلف الصالح قضاء ما بَقِي مِن أيَّام شهر رمضان في أيَّام عشر ذي الحِجَّة إنَّما هو لأجْل أنَّ ذلك يُفوِّت التطوع بصيامها، لأنَّها أيَّام يُستحب فيها الإكثار مِن الأعمال الصالحة، حيث حرَّض النَّبي صلى الله عليه وسلم عليها، كما في حديث ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ المتقدِّم.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «لطائف المعارف» (ص:372-373):
وقد اختلف عمر وعليّ ــ رضي الله عنهما ــ في قضاء رمضان في عشر ذي الحِجَّة.
فكان عمر يَستحِبُّه لفضل أيَّامه، فيكون قضاء رمضان فيه أفضل مِن غيره، وهذا يدلُّ على مضاعفة الفرْض فيه على النَّفل.
وكان عليٌّ يَنهى عنه.
وعن أحمد في ذلك روايتان.
وقد عُلِّل قول عليٍّ: “بأنَّ القضاء فيه يَفوت به فضل صيامه تطوعًا”، وبهذا علَّله الإمام أحمد، وغيره.اهـ
وقال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ في «مسند الفاروق» (1/ 281):
أثرٌ في القضاء في عشر ذي الحِجَّة:
قال أبو عُبيد: حدثني ابن مَهدى، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، عن عمر:
(( أنَّه كان يَستحِبُّ قضاءَ رمضانَ في عشرِ ذي الحِجَّة، وقال: وما مِن أيَّامٍ أقضِي فيها رمضان أحب إليَّ منها )).
قال أبو عُبيد:
نَرى أنَّه كان يَستحِبُّه لأنَّه كان لا يُحب أنْ يَفوت الرَّجل صيام العشر، ويَستحِبُّه نافلة، فإذا كان عليه شيء مِن رمضان كُرِه أنْ يَنتفل، وعليه مِن الفريضة شيء، فيقول: يَقضيها في العشر، فلا يكون يَبدأ بغير الفريضة، فيجتمع له الأمران.اهـ
رابعًا – قال الحافظ أبو بكر الأثرم ــ رحمه الله ــ في كتابه «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص:153- بعد حديث رقم:327):
فالأمرُ في هذا الباب على أنَّ صوم يوم عرفة وسائر العشر قبل الأضْحى حسنٌ، وأفضلها يوم عرفة.اهـ
خامسًا – قال الإمام أبو جعفر الطحاوي الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه «مشكل الآثار» (7/ 419 – عند حديث رقم:2973):
وإنْ كان الصوم فيها له مِن الفضل ما له، مِمَّا قد ذُكر في هذه الآثار التي قد ذَكرناها فيه، وليس ذلك بمانع أحدًا مِن المَيل إلى الصوم فيها، لاسيَّما مَن قَدر على جمْع الصوم مع غيره مِن الأعمال التي يُتقرَّب بها إلى الله ــ عزَّ وجلَّ ــ سواه.اهـ
سادسًا – قال الفقيه ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه «المُحلَّى» (7/ 19 – مسألة رقم:794):
ونَستحِبُّ صيام أيَّام العشر مِن ذي الحِجَّة قبْل النَّحر، لِمَا حدثَناه …، عن ابن عباسٍ، قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم:
(( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِيهِمْ الْعَمَلُ ــ أَوْ أَفْضَلُ فِيهِنَّ الْعَمَلُ ــ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ )).
قال أبو محمد: هو عشر ذي الحِجَّة، والصوم عمَل بِرٍّ، فصوم عرفة يدخل في هذا أيضًا.اهـ
سابعًا – قال الإمام موفَّق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «الكافي في فقه الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل» (1/ 362):
ويُستحب صيام عشر ذي الحِجَّة، لِمَا رَوى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ …)).اهـ
ثامنًا – قال الفقيه أبو العباس القرطبي المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه «المُفهِم لما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم» (3/ 253-254 ــ رقم:1046):
وقول عائشة: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ))، تَعني به: عشر ذي الحِجَّة.
ولا يُفهَم مِنه: أنَّ صيامه مكروه، بل أعمال الطاعات فيه أفضل منها في غيره، بدليل ما رواه الترمذي مِن حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ))، قال: هذا حديث حسن صحيح.اهـ
تاسعًا – قال الفقيه أبو زكريا النووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في «شرح صحيح مسلم» (8/ 320 – عند حديث رقم:1176):
فليس في صوم هذه التِّسعة كراهة؛ بل هي مستحبَّة استحبابًا شديدًا لاسيَّما التاسع منها، وهو يوم عرفة، وقد سَبقت الأحاديث في فضله، وثبت في «صحيح البخاري» أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما مِن أيَّامٍ العملُ الصالحُ فيها أفضل منه في هذه ))، يَعنى: العشر الأوائل مِن ذي الحِجَّة.اهـ
وبوَّب على هذا الحديث في كتابه «رياض الصالحين» (رقم:1249)، فقال:
«بابُ فضل الصوم وغيره في العشر الأُوَلِ مِن ذي الحِجَّة».اهـ
عاشرًا – بوَّب الفقيه مُحِب الدين الطبري الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه «غاية الإحكام في أحاديث الأحكام» (4/ 472 – رقم:8406) على حديث ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ هذا، وأمثاله:
«ذِكر صوم عشر ذي الحِجَّة».
وقال أيضًا (4/ 473):
وقد صحَّت أحاديث الترغيب في صومه.اهـ
حادي عشر – قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (6/ 115 ــ عند حديث رقم:969):
وهذا الحديث نصٌّ في أنَّ العمل المفضول يَصير فاضلًا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يَصير أفضل مِن غيره مِن الأعمال الفاضلة، لفضل زمانه.
وفي أنَّ العمل في عشر ذي الحِجَّة أفضل مِن جميع الأعمال الفاضلة في غيره، ولا يُستثنى مِن ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أنْ يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء، فهذا الجهاد بخصوص يفضل على العمل في العشر، وأمَّا سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال، فإنَّ العمل في عشر ذي الحِجَّة أفضل منها.اهـ
وقال أيضًا (6/ 119):
وحينئذٍ فصيام عشر رمضان أفضل مِن صيام عشر ذي الحِجَّة، لأنَّ الفرْض أفضل مِن النفل.
وأمَّا نوافل عشر ذي الحِجَّة فأفضل مِن نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحِجَّة تُضاعف أكثر مِن مضاعفة فرائض غيره.
وقد كان عمر يَستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحِجَّة، لفضل أيَّامه، وخالفَه في ذلك عليٌّ، وعَلَّل قوله باستحباب تفريغ أيَّامه للتطوع، وبذلك علَّله أحمد وإسحاق.اهـ
وقال في كتابه «لطائف المعارف» (ص: 365-366):
وقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ العمل في أيَّامه أحب إلى الله مِن العمل في أيَّام الدنيا مِن غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده.اهـ
وقال أيضًا (ص: 367):
وقد دلَّ حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر مِن غير استثناء شيء منها.اهـ
وقال أيضًا (ص:51):
وهذا الحديث صريحٌ في أنَّ أفضل ما تُطوِّع به مِن الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرَّم، وقد يَحتمل أنْ يُراد أنه أفضل شهر تُطوِّع بصيامه كاملًا بعد رمضان.
فأمَّا بعض التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل مِن بعض أيَّامه كصيام يوم عرفه أو عشر ذي الحِجَّة أو ستة أيَّام مِن شوال، ونحو ذلك.اهـ
وقال أيضًا (ص:361):
وسيأتي في وظائف ذي الحِجَّة ذِكر فضل صيام عشر ذي الحِجَّة.اهـ
ثاني عشر – قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (2 /534 ــ عند حديث رقم:969):
واسْتُدِل به على فضل صيام عشر ذي الحِجَّة، لاندراج الصوم في العمل، واستُشكِل بتحريم الصوم يوم العيد.
وأُجِيب: بأنَّه محمول على الغالب، …، والذي يَظهر أنَّ السبب في امتياز عشر ذي الحِجَّة لِمَكان اجتماع أمَّهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره.اهـ
ثالث عشر – قال العلامة محمد بن علي الشوكاني ــ رحمه الله ــ في كتابه «نيل الأوطار» (4/ 239):
وقد تقدَّم في كتاب العيدين أحاديث تَدلُّ على فضيلة العمل في عشر ذي الحِجَّة على العُموم، والصوم مُندرِجٌ تحتها.اهـ
وقال أيضًا:
على أنَّه قد ثبَت مِن قوله ما يَدلُّ على مشروعية صومها كما في حديث الباب.اهـ
وقال في كتابه «قطر الوليِّ على حديث الوليِّ»(ص:373):
ومِن نوافِل الصيام المؤكدة:
صوم عشر ذي الحِجَّة، فقد ثبَت في الصَّحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( مَا من أَيَّام الْعَمَل الصَّالح فِيهَا أحب إِلَى الله عز وَجل من هَذِه الْأَيَّام …)).اهـ
رابع عشر – قال العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ــ رحمه الله ــ كما في «مجموع فتاويه» (15/ 418-419) حين سُئل هذا السؤال:
«ما رأي سماحتكم في رأي مَن يقول صيام عشر ذي الحِجَّة بدعة؟»:
هذا جاهلٌ يُعلَّم، فالرسول صلى الله عليه وسلم حَضَّ على العمل الصالح فيها، والصيام مِن العمل الصالح، لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: (( ما من أيَّام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيَّام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء )) رواه البخاري في “الصَّحيح”.اهـ
وقال أيضًا (15/ 418):
وقد دلَّ على فضل العمل الصالح في أيَّام العشر حديث ابن عباس المُخرَّج في «صحيح البخاري»، وصومها مِن العمل الصالح، فيتضِح مِن ذلك استحباب صومها.اهـ
وقال أيضًا كما في «الدُّرر البهية مِن الفوائد البازية» (1/ 137- عند حديث رقم:754):
ولكنَّ حديث ابن عباس في الباب الذي بعده يدلُّ على مشروعية صيام هذه الأيَّام.اهـ
وقال أيضًا (1/ 91 – عند حديث رقم:2438):
وهذا الحديث يَعُم الصيام، والقراءة، والتكبير.اهـ
خامس عشر – قال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – كما في «اللقاء الشهري» (26/ 1):
وقد ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( ما مِن أيَّامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله مِن هذه الأيَّام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع مِن ذلك بشيء )).
وهذا الحديث يَدلُّ على أنَّه ينبغي لَنا أنْ نُكثِر مِن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحِجَّة،… ونصومَ أيَّام العشر، لأنَّ الصيام مِن الأعمال الصالحة، وحتى لو لم يَرِد فيه حديث بخصوصه فهو داخل في العموم، لأنَّه عملٌ صالح، فنصوم هذه الأيَّام التِّسعة، لأنّ العاشر هو يوم العيد، ولا يُصام، ويتأكد الصوم يوم عرفة إلا للحُجَّاج.اهـ
وقال أيضًا كما في «شرح رياض الصالحين» (5/ 303):
هذا الأبواب الثلاثة التي عقدَها النووي في كتابه «رياض الصالحين» في بيان أيَّامٍ يُسَنُّ صيامها، فمنها: مِمَّا يُسَنُّ صيامه أيَّام العشر عشر ذي الحِجَّة الأُوَل، فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ))، يعني: أيَّام العشر.
وقوله: (( العمل الصالح )) يشمل: الصلاة، والصدقة، والصيام، والذِّكر، والتكبير، وقراءة القرآن، وبِر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلْق، وحُسن الجِوار، وغير ذلك…، ففي هذا دليلٌ على فضيلة العمل الصالح في أيَّام العشر الأُوَل مِن شهر ذي الحِجَّة، مِن صيام وغيره.اهـ
سادس عشر – قال العلامة حافظ بن أحمد الحكمي ــ رحمه الله ــ في كتابه «السُّبل السَّوية لفقه السُّنن المروية» (3/ 202 ــ مع الأفنان الندية):
يُشْرَعُ صَومُ السِّتِّ مِنْ شَوَّالِ ـــــ وَعَشْرِ ذِي الحِجَّةِ بِاسْتِكْمَالِ
وقال العلامة زيد بن هادي المدخلي ــ رحمه الله ــ شارحًا (3/ 203-204) للشطر الثاني مِن هذا البيت:
أي: مِن الأيَّام الفاضلة التي يُستحب أنْ يُكثِر فيها المسلم مِن أعمال الخير، ومِن جملتها الصوم تطوعًا: عشر ذي الحِجَّة، فقد أتَى الترغيب في العمل الصالح فيها عمومًا، وفي صيام يوم التاسع منها لِمَن لم يكن بعرفة، وما في ذلك مِن الأجْر والثواب.
فقد رَوى الجماعة إلا مسلمًا والنسائي عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَا من أَيَّام الْعَمَل الصَّالح فِيهَا أحب إِلَى الله عز وَجل من هَذِه الْأَيَّام …)).
قلت:
ومِن جملة الأعمال الصالحة الصوم.اهـ
سابع عشر – قال العلامة عبد الرحمن المُعلِّمي ــ رحمه الله ــ كما في «مجموع مؤلفاته وآثاره» (17/ 529):
ومع ذلك شُرع للمقيمين صيام تسع ذي الحِجَّة، ولاسيَّما التاسع.اهـ
ثامن عشر – قال العلامة محمد علي آدم الإثيوبي ــ سلَّمه الله ــ في كتابه «البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج» (22/ 41 – عند حديث رقم:1176):
والحاصل أنَّ قول عائشة ــ رضي الله عنها ــ هذا، لا يُنافي استحباب صوم تسع ذي الحِجَّة، ولاسيَّما اليوم التاسع لغير الحاج، للأدلة الكثيرة على ذلك:
ومنها: ما أخرجه البخاري مِن حديث ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ مرفوعًا: (( ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه …)).اهـ
الوقفة الرابعة / عن أقوال المذاهب الفقهية المشهورة وغيرها في استحباب صيام أيَّام العشر.
أولًا ــ المذهب الحنفي.
1- قال الفقيه علاء الدين الكاساني الحنفي ــ رحمه الله ــ في كتابه «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (2/ 108):
ولا بأس بقضاء رمضان في عشر ذي الحِجَّة، وهو مذهب عمر، وعامة الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، إلا شيئًا حُكِي عن علي ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: يكره فيها، لِمَا رُوي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نَهى عن قضاء رمضان في العشر، والصَّحيح قول العامَّة، لقوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } مُطلقًا مِن غير فصْل، ولأنَّها وقتٌ يُستحب فيها الصوم، فكان القضاء فيها أولى مِن القضاء في غيرها، وما رُوي مِن الحديث غريب في حدِّ الأحاديث، فلا يجوز تقييد مُطلَق الكتاب، وتخصيصه بمثله، أو نحمِله على النَّدب في حق مَن اعتاد التَّنفل بالصوم في هذه الأيَّام، فالأفضل في حقه أنْ يَقضِي في غيرها، لئلَّا تفوته فضيلة صوم هذه الأيَّام، ويَقضِي صوم رمضان في وقت آخَر، والله أعلم بالصواب.اهـ
2- وبنحوه في كتاب «المبسوط» (3/ 92)، للفقيه شمس الدين السَّرخسي الحنفي ــ رحمه الله ــ.
3- جاء في «الفتاوى الهندية» (1/ 201):
ويستحب صوم تسعة أيَّام مِن أوَّل ذي الحِجَّة، كذا في «السِّراج الوهاج».اهـ
ثانيًا ــ المذهب المالكي.
1- قال الفقيه ابن رُشد القرطبي ــ رحمه الله ــ في كتابه «المقدمات الممهدات» (1/ 242):
وصيام عشر ذي الحِجَّة ومِنًى وعرفة مُرَغَّبٌ فيه.اهـ
2- جاء في «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (1/ 691):
(و) نُدب (صوم) يوم (عرفة لغير حاج) وكُره لحاجٍ، أي: لأنَّ الفطر يُقوِّيه على الوقوف بها.
(و) نُدب صوم (الثمانية) الأيَّام (قبله) أي: عرفة.اهـ
3- جاء في «شرح مختصر خليل» للخرشي (3/ 16-17):
(ص): وصوم يوم عرفة إنْ لم يَحج، وعشر ذي الحِجَّة.
(ش): يُريد أنَّ صوم يوم عرفة مُستحب في حق غير الحاج، وأمَّا هو فيُستحب فِطره ليتقوى على الدعاء، وقد أفطر النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحج، وأنَّ صيام عشر ذي الحِجَّة مُستحب.اهـ
4- جاء في «منح الجليل شرح مختصر خليل»(2/ 119):
(و) ندب صوم باقي غالب (عشر ذي الحِجَّة).اهـ
ثالثًا ــ المذهب الشافعي.
1- قال الفقيه أبو زكريا النووي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه «روضة الطالبين» (2/ 388):
ومِن المَسنون، صوم عشر ذي الحِجَّة، غير العيد.اهـ
2- وقال الفقيه أبو بكر الحصني ــ رحمه الله ــ في كتابه «كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار»(1/ 207):
ويُستحب صوم عشر ذي الحِجَّة.اهـ
3- جاء في «غاية البيان شرح زُبد ابن رسلان» (1/ 158):
يُسَنُّ صوم عشر ذي الحِجَّة غير العيد، (وست شوال) بعد يوم العيد.اهـ
رابعًا – المذهب الحنبلي.
1- قال الفقيه علاء الدين المرداوي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «الإنصاف في معرفة الراجح مِن الخلاف» (3/ 345):
قوله: «ويُستحب صوم عشر ذي الحِجَّة» بلا نزاع، وأفضله يوم التاسع، وهو يوم عرفة، ثم يوم الثامن، وهو يوم التروية، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب.اهـ
2- وقال الفقيه مجْد الدين أبو البركات ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في كتابه «المُحرَّر في الفقه» (1/ 231):
ومِن السُّنة إتْبَاع رمضان بستٍّ من شوال، وإنْ أُفرِدت، وصوم عشر ذي الحِجَّة، وآكده يوم التروية، وعرفة.اهـ
3- وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في شرح «العمدة» (2/ 553 – قسم الصيام):
قال أصحابنا: «ويُستحب صوم عشر ذي الحِجَّة»، وفي الحقيقة المعني: صوم تِسع ذي الحِجَّة، وآكدها يوم التروية، وعرفة.اهـ
خامسًا – المذهب الظاهري.
قال الفقيه ابن حزم الظاهري ــ رحمه الله ــ في كتابه «المُحلَّى» (7/ 19 – مسألة رقم:794):
ونَستحِب صيام أيَّام العشر مِن ذي الحِجَّة.اهـ
وأخيرًا:
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «لطائف المعارف» (ص386:):
ومِمَّن كان يصوم العشر:
عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ، وقد تقدَّم عن الحسن، وابن سيرين، وقتادة، ذِكر فضل صيامها، وهو قول أكثر العلماء، أو كثير مِنهم.اهـ
وقال في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (6/ 119):
وقد كان عمر يَستحِب قضاء رمضان في عشر ذي الحِجَّة، لِفضل أيَّامه، وخالَفه في ذلك عليٌّ، وعلَّل قوله باستحباب تفريغ أيَّامه للتطوع، وبذلك علَّله أحمد وإسحاق، وعن أحمد في ذلك روايتان.اهـ
الوقفة الخامسة / عن الآثار الواردة عن السَّلف الصالح في مشروعية صيام أيَّام العشر.
ومِن هذه الآثار:
أولًا – أثر أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ.
حيث قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (4/ 257 – رقم:7715):
عن الثوري، عن عثمان بن مُوهِب، قال:
(( سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ عَلِيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، أَفَأَصُومُ الْعَشْرَ تَطَوُّعًا؟ قَالَ: لَا، وَلِمَ؟ ابْدَأْ بِحَقِّ اللَّهِ، ثُمَّ تَطَوَّعْ بَعْدَمَا شِئْتَ )).
وإسناده صحيح.
وأخرجه أيضًا ابن أبي شَيبة في «مُصنَّفه» (9517).
ثانيًا – أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنهما ــ.
حيث قال ابن الجَعْد في «مسنده» ( 2247):
أنا شَريك، عن الحُرِّ بن الصَّيَّاح، قال:
(( جَاوَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْتُهُ يَصُومُ الْعَشْرَ )).
وقال إسحاق بن هانئ النيسابوري ــ رحمه الله ــ في «مسائله عن الإمام أحمد» (ص:143 – رقم:670):
سمعت أبا عبد الله يقول: حديث وكيع، عن شَريك، عن الحر بن صَيَّاح:
(( رأيت ابن عمر يصوم عاشوراء، ورأيت ابن عمر يصوم العشر بمكة )).
حديث الحر بن صيَّاح حديثٌ مُنكر، نافع أعلم بحديث ابن عمر مِنه.اهـ.
ثالثًا – أثر إبراهيم النَّخعي، وسعيد بن جبير ــ رحمهما الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (2/256 – رقم:7713):
عن الثوري، عن حمَّاد، قال:
(( سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ أَيَتَطَوَّعُ فِي الْعَشْرِ؟ قَالَا: يَبْدَأُ بِالْفَرِيضَةِ )).
وإسناده صحيح.
رابعًا – أثر عطاء بن أبي رباح ــ رحمه الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (2/256 – رقم:7713):
عن ابن جُريج قال: قلت لعطاء:
(( كُرِهَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ فِي الْعَشْرِ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ وَاجِبٌ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ صُمِ الْعَشْرَ، وَاجْعَلْهَا قَضَاءً )).
وإسناده صحيح.
خامسًا- أثر محمد بن سِيرين ــ رحمه الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال ابن أبي شَيبة في «مُصنَّفه» (9221):
حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون، قال:
(( كَانَ مُحَمَّدٌ يَصُومُ الْعَشْرَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ كُلِّهِ )).
وإسناده صحيح.
سادسًا – أثر الحسن البصري ــ رحمه الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (8216):
عن جعفر بن سليمان، عن هشام، عن الحسن، قال:
(( صِيَامُ يَوْمٍ مِنَ الْعَشْرِ يَعْدِلُ شَهْرَيْنِ )).
وإسناده حسنٌ ــ إنْ شاء الله ــ ، ففي حديث هشام عن الحسن كلام خفيف.
وقد أخرجه مِن طريقه أيضًا:
الطبراني في «فضل عشر ذي الحِجَّة » (25).
وقال ابن أبي شَيبة في «مُصنَّفه» (9287):
حدثنا غُندَر، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن:
(( أنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصِيَامٍ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا الْعَشْرَ )).
وإسناده صحيح.
سابعًا – أثر مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح ــ رحمهما الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» (9222):
حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن لَيث، قال:
(( كَانَ مُجَاهِدٌ يَصُومُ الْعَشْرَ، قَالَ: وَكَانَ عَطَاءٌ يَتَكَلَّفُهَا )).
وفي سنده: ليث، وهو ابن أبي سُليم.
وقد قال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه «التقريب» (5685):
صدوقٌ، اختلط جدًّا، ولم يتميَّز حديثه؛ فتُرِك.اهـ
ثامنًا – أثر سعيد بن المسيب ــ رحمه الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال البخاري في «صحيحه» ( 1950) جازمًا:
وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: (( لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ )).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ــ رحمه الله ــ في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (4/ 223 رقم:1950) عقبه:
وظاهر قوله جواز التطوع بالصوم لِمَن عليه دَينٌ مِن رمضان، إلا أنَّ الأولى له أنْ يصوم الدَّين أولًا، لقوله: (( لا يَصلح )) فإنَّه ظاهرٌ في الإرشاد إلى البُداءة بالأهم والآكد.اهـ
تاسعًا – أثر الزُّهري ــ رحمه الله ــ، مِن التابعين.
حيث قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (7710):
عن مَعْمَر، عن الزُّهري:
(( كُرِهَ أَنْ يُقْضَى رَمَضَانُ فِي الْعَشْرِ )).
قال مَعْمَر: وأخبرني مَن سمِع الحسن يقوله.اهـ
وإسناده صحيح.
وقد تقدَّم عن الإمام أحمد بن حنبل، وأبي عُبيد، وإسحاق بن راهويه ــ رحمهم الله ــ، وغيرهم:
أنَّ كراهة مَن كَره قضاء رمضان في العشر إنَّما هي لأجْل أنَّه يُفَوِّت التطوع بصيامها، لأنّه يُستحب فيها الإكثار مِن العمل.
عاشرًا – أثر هشام بن حسان ــ رحمه الله ــ.
حيث قال عبد الرزاق في «مُصنَّفه» (7711):
عن هشام بن حسان أنَّه:
(( كَرِهَ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ )).
وإسناده صحيح.
وهذه الآثار جميعها ظاهرةٌ في أنَّ التطوع بصيام أيَّام العشر معروفٌ ومشهور في عصر الصحابة والتابعين ــ رضي الله عنهم ــ.
الوقفة السادسة / عن الإجابة عن حديث عائشة ــ رضي الله عنها -: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ )).
وسوف يكون الكلام عن هذا الحديث مِن جهتين:
الجهة الأولى: عن تخريجه ودرجته.
هذا الحديث قد أخرجه مسلم في «صحيحه» (1176)، مِن طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ.
وقد اختُلِف على إبراهيم النَّخَعي في وصله وإرساله، فوصَلَه عنه الأعمش، وأرسَلَه منصور.
وقد اختلَف العلماء ــ رحمهم الله ــ في أيِّهما أثبَت في إبراهيم النَّخعي.
ودونكم بعض كلام أهل العلم حول ذلك:
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «شرح عِلل الترمذي» (1/ 271):
ذَكر علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد قال: «ما أحدًا أثبَت عن مجاهد وإبراهيم مِن منصور.
قلت ليحيى: منصور أحسن حديثًا عن مجاهد مِن أبي نَجيح؟ قال: نعم، وأثبَت، وقال: منصور أثبت الناس».
وقال أحمد: حدثني يحيى قال: قال سفيان: «كنت إذا حدَّثت الأعمش عن بعض أصحاب إبراهيم؛ قال، فإذا قلت: منصور؛ سكت».
وقال ابن المديني، عن يحيى، عن سفيان قال: «كنت لا أُحدِّث الأعمش عن أحد إلا رَدَّه، فإذا قلت: منصور؛ سكت».
وذَكر ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين قال: «لم يكن أحد أعلم بحديث منصور مِن سفيان الثوري».
ورجَّحَت طائفةٌ: الأعمش على منصور في حفظ إسناد حديث النَّخعي.
قال وكيع: «الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم مِن منصور».
وقد ذَكره الترمذي في باب التشديد في البول مِن «كتاب الطهارة»، واستَدلَّ به على ترجيح قول الأعمش في حديث ابن عباس في القبرين: «سمعت مجاهدًا يُحدِّث عن طاوس، عن ابن عباس».
وأمَّا منصور، فرواه عن مجاهد، عن ابن عباس.
وكذلك ذَكره أيضًا في «كتاب الصيام» في باب صيام العشر، واستَدلَّ به على ترجيح رواية الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ )) على قول منصور، فإنَّه أرسله.
ورجَّحَت طائفة الحَكَم، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: «مَن أثبَت الناس في إبراهيم؟ قال: الحَكَم، ثم منصور».
وقال أيضًا: «قلت لأبي: أيُّ أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال: الحكم، ثم منصور، ما أقربهما، ثم قال: كانوا يَرون أنَّ عامة حديث أبي معشر إنَّما هو عن حمَّاد ــ يَعني: ابن أبي سليمان».
وقال حرْب عن أحمد: «كان يحيى بن سعيد يُقدِّم منصورًا والحَكَم على الأعمش».
وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: «أيُّ أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال : الحَكَم ومنصور، قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: ما أقربهما».اهــ
وقد ذَكر الحافظ الدارقطني ــ رحمه الله ــ هذا الحديث في «التَّتبُّع» (ص:529) وقال عقب سَوقه عن الأعمش موصولًا:
وخالفه منصور، رواه عن إبراهيم مرسلًا.اهـ
وقال في كتابه «العلل» (15/ 74-75 – رقم:3847):
يَرويه إبراهيم النَّخعي، واختُلِف عنه، فرواه الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
ولم يُختلَف عن الأعمش فيه، حدَّث به عنه: أبو معاوية، وحفص بن غياث، ويَعلى بن عُبيد، وزائدة بن قُدامة، و… بن سليمان، والقاسم بن مَعْن، وأبو عوانة.
واختُلِف عن الثوري، فرواه ابن مَهدي، عن الثوري، عن الأعمش، كذلك.
وتابعه يزيد بن زُريع، واختُلِف عنه، فرواه حُميد المروزي، عن يزيد بن زُريع، عن الثوري، عن الأعمش، مِثل قول عبد الرحمن بن مَهدي.
وحَدَّث به شيخ مِن أهل أصبهان يُعرَف بعبد الله بن محمد بن النُّعمان، عن محمد بن مِنهال الضرير، عن يزيد بن زُريع، عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
وتابعه: مَعْمَر بن سهل الأهوازي، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن الثوري.
والصَّحيح عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: حُدِّثتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك رواه أصحاب منصور، عن منصور مرسلًا، مْنهم: فُضيل بن عياض، وجَرير.اهــ
وقال الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم ــ رحمه الله ــ في كتابه «العلل» (781):
وسألت أَبِي، وأبا زُرعة: عن حديثٍ رواه أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: (( ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَامَ العَشْرَ مِنْ ذِي الحجَّة قَطُّ )).
ورواه أبو الأحوص، فقال: عن منصور، عن إبراهيم، عن عائشة؟.
فقالا: هذا خطأٌ.
ورواه الثوري، عن الأعمش، ومنصور، عن إبراهيم، قال حُدِّثتُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.اهــ
وقال الإمام الترمذي ــ رحمه الله ــ في «سُننه» (756) عقبه:
هكذا رَوى غير واحد: عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
ورَوى الثوري، وغيره، هذا الحديث، عن منصور، عن إبراهيم، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: (( لَمْ يُرَ صَائِمًا فِي العَشْرِ )).
ورَوى أبو الأحوص، عن منصور، عن إبراهيم، عن عائشة، ولم يَذكر فيه: عن الأسود.
وقد اختلفوا علَى منصور في هذا الحديث.
ورِواية الأعمش أصحُّ، وأوصل إسنادًا.
وسمعت محمد بن أَبَان يقول: سمعت وكيعًا يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم مِن منصور.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه «لطائف المعارف» (ص:368):
وقد اختَلَف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث، فأجاب مرَّة: بأنَّه قد رُوي خلافه، وذَكر حديث حفصة، وأشار إلى أنَّه اختُلِف في إسناد حديث عائشة، فأسنَده الأعمش، ورواه منصور عن إبراهيم مرسلًا.اهـ
وصحَّح الموصول:
مسلم، والترمذي، وابن خُزيمة، وابن حِبَّان، والبغوي، والألباني، والوادعي، وربيع بن هادي.
الجهة الثانية: عن الجواب عنه.
وقد أُجِيبَ عن هذا الحديث بأجوبة:
الأوَّل: أنَّ تَرْك النَّبي صلى الله عليه وسلم صيام العشر، قد يكون لِعارضٍ مِن مرض، أو سفر، أو غيرهما.
وقد أشار إلى هذا الجواب:
أبو العباس القرطبي المالكي في «المُفهِم لِما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم» (3/ 253-254 – عند حديث رقم:1046)، والنووي الشافعي في «شرح صحيح مسلم» (8/ 320 – عند حديث رقم:1176)، وابن باز كما في «مجموع فتاويه» (15/ 418)، وغيرهم.
الثاني: أنَّ عائشة ــ رضي الله عنها ــ رُبَّما لم تَعلم بصيام النَّبي صلى الله عليه وسلم للعشر، لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَقسِم لِتسع نِسوة، فلعلَّه لم يَتَّفِق صيامه في نَوبَتِها.
وقد أشار إلى هذا الجواب:
أبو بكر الأثْرم صاحب الإمام أحمد في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص:151 – بعد حديث رقم:323)، والنووي الشافعي في «شرح صحيح مسلم» (8/ 320 ــ عند حديث رقم:1176)، و مُحِب الدين الطبري في «غاية الإحكام في أحاديث الأحكام» (4/ 472 – رقم:8406)، وغيرهم.
الثالث: أنَّ تَرْك النَّبي صلى الله عليه وسلم صيام العشر، قد يكون خشيةَ أنْ تُفرَضَ على أُمَّتِه، فشَفق عليها، وأحَبَّ التخفيف عنها.
وقد أشار إلى هذا الجواب:
أبو العباس القُرطبي المالكي في «المُفهِم لِما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم» (3/ 254 – عند حديث رقم:1046)، وابن حجر العسقلاني الشافعي في «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (2/ 534 – عند حديث رقم:969 )، وغيرهما.
وأشار إليه قبلهما الإمام ابن خُزيمة ــ رحمه الله ــ في «صحيحه» (2103) ، فقد بوَّب فقال:
«بابُ ذِكر إفطار النَّبي صلى الله عليه وسلم في عشر ذي الحِجَّة».اهـ
وذَكر تحته حديث عائشة ــ رضي الله عنها ــ، ثم أتبَعَه بهذا الباب:
«بابُ ذِكر عِلَّةٍ قد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يَترُك لها بعض أعمال التطوع، وإنْ كان يَحث عليها، وهي خشية أنْ يُفرَض عليهم ذلك الفعل، مع استحبابه صلى الله عليه وسلم ما خُفِّف على الناس مِن الفرائض».اهـ
الرابع: أنَّ تَرِك النَّبي صلى الله عليه وسلم صيام العشر، قد يكون لأجْل أنَّه إذا صام ضَعُفَ أنْ يَعمل فيها بما هو أعظم منزلةً مِن الصوم.
وقد أجاب بهذا الجواب:
أبو جعفر الطحاوي الحنفي في كتابه «شرح مُشكل الآثار» (7/ 418-419 – بعد حديث رقم:2973).
الخامس: أنَّ عائشة ــ رضي الله عنها ــ قد تكون أرادت أنَّه صلى الله عليه وسلم لَم يَصُم العشر كاملًا.
وقد أجاب بهذا الجواب:
الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله ــ كما في كتاب «لطائف المعارف» (ص:368)، لابن رجب الحنبلي.
وفي الختام أقول:
لم أجِد خِلال بحثي في هذه المسألة عن أحدٍ مِمَّن تقدَّم مِن السَّلف الصالح، أو مِمَّن بعدهم مِن الفقهاء المشهورين، وأصحابهم، أنَّه نصَّ على:
عدم استحباب صيام هذه الأيَّام، أو كراهة صيامها، أو أنَّ صيامها بدعة.
وإنَّما وجدتُ إشارة مِن بعض مَن أجاب عن هذا الحديث كالطحاوي، وابن قيِّم الجوزية، وابن رجب الحنبلي ــ رحمهم الله ــ تُوحِي بوجود اختلاف، لكنْ مِن دون ذِكرٍ لأحد بعينه.
وأخشى أنْ يكون مُرادهم مِن ذلك هو الاختلاف في صيام النَّبي صلى الله عليه وسلم، وليس الاختلاف بين العلماء في مشروعية صيام العشر، بل هو الأظهر.
حيث جاءت إشارتهم هذه عند الجمْع بين الأحاديث الواردة في صيامه صلى الله عليه وسلم وعدمه.
وقد بذلْت جهدًا كبيرًا في ذلك، فبحثت المسألة في كتب كثيرة في الحديث وشروحه وتخريجاته، والفقه ومختصراته ومطولاته ومذاهبه، والتفسير وأحكام القرآن، والرسائل المتعلقة بأيَّام العشر وفضائلها وأحكامها وأحاديثها، وفتاوى العلماء المشهورين مِن مُختلَف العصور والمذاهب، وغيرها.
وعاودت البحث والمراجعة مرَّات عديدة، ولا زلت كذلك، وسَئلت وتباحثت فلم أظفر بشيء.
فجزى الله طالب علم نبيهٍ وقف على ما لم أقف عليه فأرشدني وأفادني، إذ المَرء يَقوى بأخيه، ويَنتفع، ويُسدَّد.
وقد سُئل شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز ــ رحمه الله ــ كما في «مجموع فتاويه ومقالاته» (15/ 418) هذا السؤال:
“ما رأي سماحتكم في رأي مَن يقول صيام عشر ذي الحجة بدعة؟”:
فأجاب بقوله: هذا جاهل يُعلَّم….اهـ
وقد تقدم نقل كلامه ــ رحمه الله ــ كاملًا.
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله ــ كما في «اللقاء الشهري» (رقم:199):
لذلك نحن نأسَف لبعض الناس الذين شكَّكوا المسلمين في هذه القضية، وقالوا: إنَّ صيامها ليس بسُنَّة.
سبحان الله! أنا أخشى أنْ يُعاقبهم الله ــ عزَّ وجلَّ ــ يوم القيامة، كيف يقول الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ: (( ما مِن أيَّامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله مِن هذه الأيَّام العشر )) ونَدَعُ العمل الصالح الذي قال الله تعالى: (( إنَّه لِي وأنا أجْزِي بِه )) سبحان الله! لذلك يجب أنْ نَرُدَّ هذه الدعوة على أعقابها، فتنقلب خاسئة.اهـ
وأزيد فأقول:
إنَّ ما حصَل في هذا الجزء مِن إصابة فبفضل الله تعالى وتوفيقه، وما كان مِن خطأ فمِن نفسي، وأستغفر الله منه، وحسبي أنّي لم أتقصَّده.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.