ربُّنَا الله في السماء هكذا قال الله ورسوله والصحابة والسَّلف خلافًا للشِّيعة الرَّافضة والصُّوفية والجَهمية والمُعتزلة والأشعرية والمَاتُريدية
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ أوَّلًا وآخِرًا، وظاهرًا وباطنًا، وعلى كلِّ حالٍ، وصلَّى اللهُ على النبيِّ محمدٍ الصادقِ الأمينِ، وعلى الأخيارِ الطيِّبينَ مِن الأصحابِ والآل.
أمَّا بعدُ، عِبادَ اللهِ:
فإنَّ مِن جُملةِ اعتقادِ السَّلفِ الصالحِ أهلَ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ: «أنَّ اللهَ ــ جلَّ وعزَّــ في السماءِ، فوقَ السماءِ السابعةِ، مُستوٍ على عرشِهِ المَجيدِ، استواءً يَليقُ بجلالِهِ وعظمَتِه».
وقد دلَّ على هذهِ العقيدةِ: القرآنُ العزيزُ، والسُّنةُ النَّبويةُ الصَّحيحةُ، وأقوالُ الصحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ الثابتةِ، وإجماعُ واتِّفاقُ سَلَفِ الأُمَّةِ الصَّالحِ مِن أهلِ القُرونِ الثلاثةِ الأُولَى، وفِطرَةُ النُّفوس.
حتى قالَ الحافظُ الذَّهبيُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ: «مقالةُ السَّلفِ، وأئمَّةِ السَّنةِ، بلِ الصَّحابةُ، واللهُ ورسولُهُ، والمؤمنونَ: “أنَّ اللهَ ــ عزَّ وجلَّ ــ في السماءِ، على العرشِ، وأنَّ اللهَ فوقَ سماواتِه”».
ومِن نُصوصِ القرآنِ الدَّالةِ على هذا الاعتقادِ: قولُ اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا }، وقولُ اللهِ تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، وعرشُهُ سُبحانَهُ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ، وقولُ اللهِ ــ تبارَكَ وتقدَّسَ ــ: { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا }، وقالَ الإمامُ الدَّارِمِيُّ ــ رحمَهُ اللهُ ــ عندَ هذهِ الآيةِ: «ففِي هذهِ الآيةِ بيانٌ بَيـِّنٌ، ودَلالةٌ ظاهرةٌ: أنَّ موسَى كانَ يَدعُو فرعونَ إلى معرفةِ اللهِ بأنَّهُ فوقَ السَّماءِ، فمِن أجْلِ ذلكَ أمَرَ ببناءِ الصَّرحِ، ورامَ الإطلاعَ إليه».ِ
ومِن نُصوصِ السُّنةِ النَّبويةِ الدَّالةِ على هذا الاعتقادِ: ما جاءَ في “صحيحِ مُسلمٍ” عن معاويةَ بنِ الحَكَمِ ــ رضيَ الله ُعنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئِبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ: ائْتِنِي بِهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ اللهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ))، وعلَّقَ إمامُ المسلمينَ في زمنِهِ أبو عثمانَ الصابونِيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ على هذا الحديثِ فقالَ: «فَحَكَمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بإسلامِها وإيمانِها لمَّا أقرَّتْ بأنَّ ربَّها في السماءِ»، وما جاءَ في “صحيحِ البُخاريِّ” أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً ))، بلْ قدْ بلَغَتِ الأحاديثُ النَّبويةُ الدَّالةُ على أنَّ اللهَ في السَّماءِ فوقَ عرشِهِ، أعلَى درجاتِ الصِّحةِ والشُّهرةِ والكَثرةِ عندَ المُحدِّثينَ، وهيّ: التَّواتُر، كما نَصَّ على ذلكَ الإمامُ المُحدِّثُ الذَّهبِيُّ الشافعيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ في كتابِهِ “العَرْش”.
ومِن أقوالِ الصَّحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ الدَّالةِ على هذا الاعتقادِ: ما جاءَ في “صحيحِ البُخاريِّ” عن أنسٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ))، وصحَّ أنَّ ابنَ عمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ أَبُو بَكْرِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ إِلَهَكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ قَدْ مَاتَ, وَإِنْ كَانَ إِلَهَكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَمْ يَمُتْ )).
وأمَّا الإجماع، أي: إجماعَ واتِّفاقَ السَّلفِ الصَّالحِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ، فقدْ قالَ الإمامُ ابنُ بطَّةَ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «أجمَعَ المسلمونَ مِن الصَّحابةِ والتابعينَ وجميعِ أهلِ العلمِ مِن المؤمنينَ: أنَّ اللهَ على عَرشِهِ، فوقَ سماواتِهِ، وعِلمُهُ مُحيطٌ بجميعِ خلقِهِ»، ونَقلَ الإجماعَ على ذلكَ أيضًا جمْعٌ غَفِيرةٌ جِدًّا مِن العلماءِ مِن مُختلِفِ البلدانِ والأزمانِ والمذاهبِ الفقهية.
ومِمَّن حَكَى الإجماعَ على ذلكَ مِن فُقهاءِ الحنفيَّةِ: الإمامُ أبو نصْرٍ السِّجزيُّ، والإمامُ ابنُ أبي العِزِّ الدِّمشقيُّ، وغيرُهُما.
ومِمَّن حَكَى الإجماعَ على ذلكَ مِن فُقهاءِ المالكيةِ: الإمامُ ابنُ أَبِي زيدٍ القيروانيُّ، والإمامُ ابنُ أبِي زَمِنِينَ، والإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ، وغيرُهم.
ومِمَّن حَكَى الإجماعَ على ذلكَ مِن فُقهاءِ الشافعيةِ: الإمامُ المُزَنِيُّ تلميذُ الشافعيِّ، والإمامُ الإسماعيليُّ، والإمامُ الذَّهَبيُّ، وغيرُهم.
ومِمَّن حَكَى الإجماعَ على ذلكَ مِن فُقهاءِ الحنابلةِ: الإمامُ الكَرمَانِيُّ، والإمامُ مُوفَّقُ الدِّينِ ابنُ قُدامَةَ، والإمامُ نَصْرٌ المَقدِسِيُّ، وغيرُهم.
وأمَّا الفِطرةُ التي في نُفوسِ النَّاسِ وتَدُلُّ على أنَّ اللهَ في السَّماءِ: فقالَ عنها الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ المالكيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «ومِن الحُجَّةِ في أنَّهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ على العرشِ فوقَ السَّماواتِ السَّبعِ: أنَّ المُوحِّدينَ أجمعينَ مِن العرَبِ والعجَمِ إذا كرَبهُم أمْرٌ أو نَزَلَتْ بِهِم شِدَّةٌ رَفعُوا وجوهَهُم إلى السَّماء، يَستغيثونَ ربَّهُم، وهذا أشهرُ وأعرَفُ عندَ الخاصَّةِ والعامَّةِ مِن أنْ يُحتاجَ فيهِ إلى أكثرِ مِن حكايتِهِ، لأنَّهُ اضْطِرارٌ لم يُؤنِّبُهُم عليه أحدٌ ولا أنكَرَهُ عليهِم».
عِبادَ اللهِ:
إنَّ العقيدةَ السُّنِّيةَ السَّلفيةَ القائلةَ: «بأنَّ اللهَ في السَّماءِ على العرْشِ»، والتي دَلَّ القرآنُ والسُّنةُ النَّبويةُ، وأقوالُ الصَّحابةِ، وإجماعُ السَّلَفِ الصَّالحِ، والفِطرةُ التي فطَرَ اللهُ الناسَ عليها: «قدِ اجتمعَ على إنكارِها أهلُ البِدَعِ والضَّلالِ والانحرافِ مِن الشِّيعةِ الرَّافضَةِ، والجَهْمِيَّةِ، والمُعْتَزِلَةِ، والصُّوفِيَّةِ، والأشَاعِرَةِ، والمَاتُرِيدِيَّةِ»، فيقولونَ حينَ يُسألُونَ عنِ اللهِ أينُ هو؟: “إنَّ اللهَ فِي كُلِّ مكانٍ”، وبعضُ عَوامِّهِم يقولُونَ: “في السَّماءِ والأرض”، أو “في قلوبِ عبادِهِ المؤمنينَ”، تعالَى عمَّا يقولونَ عُلوًّا كبيرًا، وسُبحانَ ربِّكَ، ربِّ العِزَّةِ عمَّا يَصِفُونَ، وسلامٌ على المُرسَلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي عَلَا في سَمائِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، شهادةَ مُؤمنٍ بلقائِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، شهادَةَ مُتَّبِعٍ لَهُ، ومُصَدِّقٍ بإخْبَارِه.
أمَّا بعدُ، عِبادَ اللهِ:
فإنَّ أئِمَّةَ المذاهبِ الأربعةِ جميعًا يَعتقِدونَ ويُقرِّرونَ اتِّباعًا للقرآنِ والسُّنةِ والصحابةِ: «بأنَّ اللهَ في السَّماءِ، فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ، على عَرشِهِ».
حيثُ قالَ العلامةُ ابنُ أبِي العِزِّ الحنفيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «رَوَى أبو إسماعيلَ الأنصاريُّ بسندِهِ إلى مُطيعٍ البَلْخِيِّ: أنَّهُ سألَ أبا حَنيفةَ عمَّن قالَ: لا أعرفُ ربِّي في السَّماءِ أمْ في الأرضِ؟ فقالَ: قد كفر، لأنَّ اللهَ يقولُ: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، وعرشُهُ فوقَ سبعِ سماواتِهِ، قلتُ: فإنْ قالَ: إنَّهُ على العرش، ولكنْ يقولُ: لا أدرِي العرشُ في السَّماءِ أمْ في الأرضِ؟ قال: هوَ كافرٌ، لأنَّهُ أنكرَ أنَّهُ في السِّماءِ، فمَن أنكرَ أنَّهُ في السَّماء فقد كفَر».
وأخرجَ الإمامُ أبو داودَ، عنِ الإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّهُ قالَ: «اللهُ في السَّماءِ، وعلمُهُ في كلِّ مكانٍ، لا يَخْلو مِن عِلمِهِ مكان».
ونَقلَ الحافظُ الذَّهبيُّ الشافعيُّ، عن الإمامِ الشافعيِّ ــ رحمهُ اللهُ ــ أنَّه قالَ: «القولُ في السُّنةِ التي أنا عليها، ورأيتُ عليها أصحابَنَا مِثلَ: سُفيانَ، ومالكٍ، وغيرِهِما ــ: الإقرارُ بأنَّ اللهَ على عرشِهِ في سمائِه».
وذَكرَ الإمامُ الَّلالَكَائِيُّ، أنَّهُ قيلَ للإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «اللهُ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ على عرشِهِ، وعِلمُهُ في كُلِّ مكانٍ؟ فقال: نعم، على العرشِ، وعلمُهُ لا يَخلو مِنهُ مكان».
ألَا فاتقوا اللهَ ــ عبادَ اللهِ ــ بمعرفةِ هذهِ العقيدةِ السُّنيَّةِ السَّلفيةِ الطيِّبةِ المُنجِيَةِ في حقِّ ربِّكُم سبحانَهُ: باعتقادِهِا، وتعلِيمِها لأهلِيكُم صِغارًا وكِبارًا، ونَشرِها في النَّاسِ، ومُوتُوا عليها تَسْعَدوا في قُبورِكُم وأُخِرَاتِكُم، وقدْ قالَ اللهُ سُبحانَهُ آمِرًا لكُم وناهيًا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا }.
اللهمَّ: أكرِمْنَا وأهلِينا وجميعَ المسلمينَ بالتوحيدِ والسُّنةِ إلى المَماتِ، وجنِّبْنَا الشِّركَ والبدعَ والمعاصِي، اللهمَّ: وفِّقْ ولاةَ أمورِ المسلمينَ لِنَشْرِ ونُصْرةِ عقيدةِ السَّلف الصَّالحِ في جميعِ الأرضِ، اللهمَّ: رُدَّ ضَالَّ المسلمينَ إلى التوحيدِ والسُّنةِ والطاعةِ واعتقادِ السَّلَفِ الصَّالحِ، اللهمَّ: ارفعِ الضُّرَ عن المُتضَرِّرينَ مِن المسلمينَ في كُلِّ مكانٍ، اللهمَّ: ارحَمْ مَوتَانا ومَوتَى المسلمينَ أجمعينَ، اللهمَّ: إنَّا نسألُكَ عِيشَةً هنيَّةً، ومِيتَتةً سَوِّيَّةً، ومَرَدًّا غيرَ مُخْزٍ ولا فاضِحٍ، إنَّكَ سميعُ الدعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.