الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم، وشيء مِن فضائلها، وأحكامها، والأخطاء فيها
الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد خاتَم النَّبيين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمَّا بعد، أيُّها الإخوة الفضلاء ــ سلَّمكم الله ــ:
فإنَّ الصلاةَ على النَّبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عبادةٌ جليلة، وأجْرُها عند الله كبير، وفضلُها عظيم، لِمَا صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا )).
فلا تبخلوا بِها على أنفسكم لاسيِّما عند ذِكره صلى الله عليه وسلم، فقد ثبَت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )).
وثبَت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )).
وإنَّ هذه الصلاة على النَّبيِّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تُشْرَع وتتأكَّد في مواطنَ وأوقاتٍ عَدَّة، مِنها:
أوَّلًا ــ في يوم الجمعة، لِمَا ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ )).
وثانيًا ــ بعد الأذان مع أذكارِه، لِمَا صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ )).
وثالثًا ــ في قُنوت رمضان، في ركعة الوتر الأخيرة، لثبوت ذلك عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ في صلاة التراويح زمَن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ.
ورابعًا ــ في عموم الأدعية، لِمَا ثبَت عن فَضَالةَ بنَ عُبيدٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِلَ هَذَا» ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَيَدَعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ» )).
وقال الفقيه الشافعي النَّووي ــ رحمه الله ــ: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى، والثناء عليه، ثمَّ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ
ومِن الأخطاء التي تَحصل مِن بعض النَّاس مع الصلاة على النَّبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم:
أوَّلًا: زيادة لفظِ سيِّدنا في الصلاة الإبراهيمية التي تُقال في التشهد الأخير مِن الصلاة.
وزيادتُها لم تَرِد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا مَن بعدَهم، ولا عن الأئمة الأربعة، وتلامذتهم، بل ذَكر الحافظ ابن حَجَرٍ العسقلانيُّ الشافعي ــ رحمه الله ــ: أنَّ فقهاء المسلمين الأوائل قاطبة لم يَقع في كلام أحدهم زيادة لفظ سيِّدنا مع الصلاة الإبراهيمية عند التشهد الأخير مِن الصلاة.
وثانيًا: قول بعض الناس لبعضٍ إذا نَسِيَ شيئًا: “صَلِّ على النَّبي صلى الله عليه وسلم”، أو قوله هو لِنفسه إذا نَسي لِيَتذكَّر: “اللهم صَلِّ على محمد”.
وهذا القول غير مُناسب في هذا الموضع، لأنَ مَقام النِّسيان لا يُناسِبه إلا الاستعانة بالله على التذكِير، وذِكْرُه سبحانه وحدَه لا ذِكْر مخلوق ولو عَظُم وجلّ، فالله هو المُذَكِّر، وهو المُعِين، وهو مَن نَحتاجُه أنْ يُذكِّرَنا إذا نسينا ، ولهذا أمَر الله سبحانه بِذكْره وحدَه عند النِّسيان فقال تعالى في سورة الكهف آمِرًا لَنَا ولرسوله صلى الله عليه وسلم: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }.
وثالثًا: الجَهْر بالصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الخُطبة إذا ذَكَر الخطيب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
والعلماء لهم في صلاة المُستمع للخطبة على النَّبي صلى الله عليه وسلم قولان: فمِنهم مَن قال: إنَّه يُصلِّي عليه ولكن سِرًّا في نفسه، ومِنهم مَن قال: إنَّه يَسكت.
ولم يَقُل أحدٌ مِن أهل العلم مِن السَّلف الماضين ولا أئمة المذاهب الأربعة: إنَّه يُجهَر بالصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم.
ورابعًا: الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم جماعيَّا بصوت مُتوافقٍ مُرتفعٍ.
ولا تُعرَف هذه الطريقة لا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابة، ولا عن التابعين، وباقي سَلف الأمَّة الصالح، ولا عن الأئمَّة الأربعة، وتلامذتهم، وهي مِن صنيع الشِّيعة الرَّافضة، وغُلاة الصُّوفية، فهُم مَن بَدأها، وجاء بها إلى الناس، ونشرها في بلدانهم، ومساجدهم، ومجالسهم.
بل قال الإمام ابن جريرٍ الطَّبري ــ رحمه الله ــ: كراهية رفع الصوت بالدعاء والذِّكر، بِه قال عامَّة السَّلف الصالح مِن الصحابة والتابعين.اهـ
وخامسًا: زيادة المؤذن الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم مع جُمل الأذان والإقامة، أوعند صعود الخطيب المِنبر يوم االجمعة.
وقد تكاثرت الأحاديث والآثار عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه في صِيَغ الأذان والإقامة، وفي الخُطب، وليس فيها الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع، ولا قال بها أحدٌ مِن السَّلف الصالح، ولا أئمَّة المذاهب الأربعة، ولا أئمَّة الفقه والحديث في أزمنتهم، ولا في زمن مَن بعدهم، ولا ورَدَت في كتبهم، وإنَّما أحدثها وابتدعها الشِّيعة الروافض وغلاة الصُّوفية في القُرون المتأخِّرة، وخالفوا بها سُنَّة سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيرُ الهَدي هَديه صلى الله عليه وسلم، وكلُّ بدعة ضلالة، بنصِّ حديثه صلى الله عليه وسلم الصَّحيح، حيث كان يقول إذا خطب بالناس: (( أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدَي هَدَي مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).
وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ: واتَّفق المسلمون على أنَّ الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم والدَّعاء كلَّه سرًا أفضل، بل الجَهْر ورفع الصوت بالصلاة بِدعة، ورفع الصوت بذلك أو بالتَّرضِّي قُدَّام الخطيب في الجُمعة مكروه أو محرَّم بالاتفاق.اهـ
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد الحُسيني الهاشمي القُرشي.