خطبة عيد الأضحى المبارك
الخطبة الأولى: ــــــــــ
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله الذي سهَّل لعباده طُرق العبادة ويَسَّر، وأفاض عليهم مِن خزائن جوده التي لا تُحصر، وجعل لهم عيدًا يعود في كل عام ويتكرَّر، وتابع لهم مواسم الخيرات، لتزدانَ أوقاتهم بالطاعات وتُعمَر، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أنصحُ مَن دعا إلى الله وبشَّر وأنذَر، وأفضلُ مَن تعبَّد لله وذكَّر، فصلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما لاح هِلال وأنور، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فاتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واجعلوا تقواه نُصْب أعينكم في السِّر والعلن، وحال الإقامة والسَّفر، فإنَّ تقوى الله أكرمُ ما أسررتم، وأجمل ما أظهرتم، وأفضل ما ادَّخرتم، وقد قال ربكم ــ عزَّ وجلَّ ــ آمرًا لَكُم: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، واعلموا أنَّ تقواه سبحانه إنَّما تكون بالمسارعة إلى مغفرته ورضوانه، بفعل الحسنات المُنجيات، وترك الخطيئات المُهلكات، قبل انصرام العُمُر، وفوات أوقاته وساعاته، فإنَّ هذه الليالي والأيَّام تُحسب مِن آجالكم، وهي خزائنٌ لأعمالكم: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }، فأودعوا فيها مِن الأعمالِ الصالحةِ ما يَسرُّكم بعد الموت وحين الحساب والجزاء، يومَ يُقال للمحسن والمحسنين: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }، واحذروا أنْ تودعوا فيها مِن الأعمالِ ما يَسوؤكم، يومَ يقولُ المفرِّط والمضيِّع متحسرًا: { رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ }.
أيُّها المسلمون:
احذروا الوقوع في الشرك بالله ــ عزَّ وجلَّ ــ، فإنَّ الشرك أعظمُ ذنْب عُصي اللهُ بِه، ولا يَغفره الله لِمن مات عليه ولم يَتُب مِنه، وحابطةٌ بسببه جميع طاعات صاحبه، فلا تنفعه عند الله يوم القيامة، ومُحرَّم عليه دخول الجنة، وهو مخلَّد في نار جهنم، ألا وإنَّ مِن الكفر والشرك بالله: صرفَ بعض العبادات لغير الله تعالى لاسيَّما عبادة الدعاء، ولا ريب عند الجميع أنَّ صرفَ أيَّ عبادة لغير الله كفرٌ وشرك مٌخرج عن مِلَّة الإسلام.
وإنَّنَا نَرى اليوم بعض الناس يتوجهون بعبادة الدعاء ويصرفونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أحدهم داعيًا: “فرج عنَّا يا رسول الله”، “يا رسول الله اجعلنا في شفاعتك”، وآخَرُ يصرفها للبدوي فتسمعه يدعوه قائلًا: “مدد يا بدوي”، يعني: أمِدَّنا بالعون والنُّصرة وما نحتاج إليه، وثالث يدعو الجيلاني فيقول: “أغثنا يا جيلاني”، ورابع يدعو الميرغني فيقول:”ادفع عنا يا ميرغني”، وخامس يدعو الحسين فيقول:”اكشف ما بِنا يا حسين”، “أجرنا مِن النار يا حسين”، وسادس يدعو الرفاعي فيقول:”شيئًا لله يا رفاعي”، وهذا يدعو فلان، وتلك تدعو فلانة.
يفعلون هذا الكفر والشرك الشنيع الغليظ مع أنَّ الله تعالى قد زجرهم ونهاهم عنه بأوضح عبارة وأبينِها في القرآن، وهُم يقرؤونها باستمرار، حيث قال سبحانه: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا }، فنهانا سبحانه في هذه الآية أنْ ندعوَ معَه أيّ أحدٍ حتى ولو عَظُم وجَلَّ بين الخلق، حتى ولو كان ملكًا مُقربًا، أو نبيًا مرسلًا، أو وليًا صالحًا، ثم حكم بأنَّ دعاءهم معه شركٌ وكفر، بل وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ مآل مَن دعا غير الله ومقرَّه النار، فقال: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ )).
أيُّها المسلمون:
احذروا الوقوع في الحلف بغير الله، كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الكعبة أو الأولياء والصالحين أو الآباء والأمهات أو الشرف أو الأمانة أو الذِّمة أو غير ذلك، فإنَّ الحلف بغير الله من الذنوب العظيمة، والسيئات الخطيرة، وقد تعدَّدت الأحاديث النبوية في النهي عنه، وتنوَّعت في بيان تحريمه وقُبحه، بل نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنَّه شرك، فصحَّ أنَّ ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (( سَمِعَ رَجُلاً يَحْلِفُ: لاَ، وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )).
أيُّها المسلمون:
احذروا إحداث البِدع في الدِّين أو فعلَها أو دعوةَ الناس إلى فعلِها أو نشرِها في مجتمعاتهم، فإنَّ البِدعة مِن المحرمات الشديدة، والمنكرات الشنيعة، ويدلُّ على ذلك كثرة الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحذِّر مِنها في مَجامِع الناس حين يَخطبهم، ويَصفها بأنَّها شرٌّ وضلالة، فصحَّ عن جابر ــ رضي الله عنه ــ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب كان يقول: (( أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ))، وبيَّن صلى الله عليه وسلم لأمَّته أنَّ البِدع المُحدَثة تُردُّ على صاحبها ولا تُقبل مِنه عند الله، فصحَّ عنه أنَّه قال: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ )).
والبِدعة هي: كل ما أُحْدِثَ في الدِّين بعد النبي صلى الله عليه وسلم واكتمال الشرع بوفاته مِن الاعتقادات أو الأقوال أو الأفعال التي يُتقرَّب إلى الله بِها ويُبتَغَى الأجر والثواب مِن فِعلها.
ومِن أمثلتها: التَّمَسُّح والاستلام بالأيدي لقبور الصالحين، أو قُببها، أو رُخامها، أو سِياجاتها، أو سُتورها، أو بمقَام إبراهيم، أو جُدارن وسُتور الكعبة، أو بأبدان وثياب مَن يُظن فيه الصلاح، طلبًا للبركة.
ومِن أمثلتها أيضًا: قراءة سورة الفاتحة بعد صلاة الفريضة، أو بعد دَفن الميِّت على روحه، أو عند خِطبة المرأة، أو عقد النكاح عليها، أو عند افتتاح مشروع تجاري، أو عند أيِّ أمرٍ مُهم.
ومِن أمثلتها أيضًا: المآتم التي تُقام حين يموت الميِّت، فتراهم يَجتمعون له في بيت أو خِيام أو ساحات، ويأتون بِمٌقرأ أو مُقرئين لِيقرءوا القرآن على روحه، أو يُحضِرون مصاحف فيقرأ الناس مِنها على روح الميت، وقد يَصنعون فيها الأطعمة ويُقيمون الولائم والموائد للحاضرين، وكلما جاءت طائفة لهذا المأتم جدَّدوا الفاتحة لروح الميِّت.
ومِن أمثلتها أيضًا: الذِّكر الجماعي بصوت واحد مرتفع يُوافق الذَّاكرون فيه بعضهم بعضًا في المساجد، أو الزوايا والخلوات، أو في المآتم والموالد والاحتفالات، أو في الطواف والسِّعي وصَعيد عَرفة ومَشعر مُزدلفة، أو بعد السلام مِن صلاة الفريضة، أو في الأعياد، وعند زيارة القبور.
ومِن أمثلتها أيضًا: الاحتفالات والموالد، كالاحتفال بِذِكْرى ليلة الإسراء والمعراج، أو المولد النَّبوي، أو الهجرة النَّبوية، أو موالد الأولياء.
وجميع هذه البِدع التي ذُكِرَت لو فتَّشت عنها في القرآن فلن تجدَها، ولو فتَّشت عنها في الأحاديث النَّبوية فلن تجدَها، ولم يُقِمْها ولا فعَلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا أحد مِن أهل القُرون الثلاثة الأولى التي هي خير القرون بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح، ولو فتَّشت عنها في كُتب الأئمة الأربعة وتلامذتهم فلن تجد لها ذِكرًا، ولن تجدَهم فعلوها، ولا دعوا الناس إليها.
أيُّها المسلمون:
احذروا مِن مشاهدة المُحرَّمات والفواحش والقبائح والرذائل عبر الفضائيات واليُوتيوب ومواقع الإنترنت والمسارح والسينمات والطُّرقات، وتجنَّبوا الغِش والخِداع والتدليس والتغرير في البيع والشراء، ولا تتشبهوا بأهل الكفر في عاداتهم وألبستهم وقصَّات شعورهم، وابتعدوا عن الكذب والغِيبة والنميمة والظلم والعدوان والبَغي والفجور في الخصومات، واتركوا أذيِّة الناس في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم وبيوتهم وطُرقاتهم ومراكبهم.
واعلموا أنَّ الذُّنوب مِن شِركياتٍ وبِدع ومعاصي شرٌّ وضررٌ عظيم عليكم في الدنيا، وفي القبور، وفي الدار الآخرة، وإنَّها لتُؤثر في أمْن البلاد، وتُؤثر في رخائها واقتصادها، وتُؤثر في قلوب أهلها، وتُؤثر في وحدتهم وأتلافهم، وإنَّ ما يُصيب الناس مِن المصائب العامَّة أو الخاصَّة، الفردية أو الجماعية، فإنَّه بما كسبت أيديهم، هُم سَبَبُه، وهُم أهله، هم سَببه حيث فعلوا ما يُوجبه مِن الشركيات والبِدع والمعاصي، وهُم أهله حيث كانوا مُستحقين له، وقد قال سبحانه مُخبِرًا ومُهدِّدًا: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
أيُّها المسلمون:
إنَّ العيد لَمِن أجمل المظاهر التي امتنَّ الله بها على عباده، فاحرصوا فيه على صفاء النُّفوس وتصفيتِها مِن الضغائن والشحناء، وكونوا فيه مِن أهل العفو والصَّفح والتجاوز، وتغافلوا عن الزَّلات والهفوات، وأظهروا الأُلفة والتآلف، واجتنبوا الفُرقة وأسبابَها، ودعوا الخصومات والنِّزاعات، وجمِّلوا كلماتكم باختيار أعذبِها وأرفقِها وألينِها.
أيُّها المسلمون:
إنَّ الأضحية مِن أعظم شعائر الإسلام، وهي النُّسك العامُّ في جميع الأمصار، والنُّسك المقرون بالصلاة، وهي مِن مِلَّة إبراهيم ــ عليه السلام ــ الذي أُمِرْنا باتباع مِلَّته، وهي مشروعة بالسُّنَّة النَّبوية المُستفيضة، وبالقول والفعل عنه صلى الله عليه وسلم، فقد صحَّ أنه: (( ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ))، ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه ترك الأضحية قط، فلا يَنبغي لِمُوسِر تركها.
والأضحية لا تُجزأ إلا مِن الإبل والبقر والضأن والمَعز، ذكورًا وإناثًا، كِباشًا ونِعاجًا، تُيوسًا ومَعزًا، وجاموسًا، ولا يُجزئ مِن الإبل والبقر والمَعز إلا الثَّنِيُّ فما فوق، والثَّنِيُّ مِن المَعز: ما أتمَّ سَنَة ودخل في الثانية، ومِن البقر: ما أتمَّ سنتين ودخل في الثالثة، ومِن الإبل: ما أتمَّ خمس سِنين ودخل في السادسة، ولا يُجزئ مِن الضَّأن إلا الجَذَعُ فما فوق، والجَذَعُ: ما أتمَّ سِتَّة أشهر، ودخل في الشهر السابع فأكثر.
واعلموا أنَّ السُّنَّة في الأضحية أنْ تكون سليمة مِن العيوب، فلا يجوز عند جميع العلماء أو أكثرِهم: العمياءُ والعوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، ومقطوعة أو مكسورة الرِّجل أو اليد أو الظهر، والمشلولة، والعرجاء البيِّن عرجها، والهزيلة الشديدة الهُزال، ومقطوعة الأُذُن كلها أو مقطوعة أكثرها أو التي خُلِقت بلا أذنين، والتي لا أسْنان لها، والجَرْباء، ومقطوعة الإلْيَة.
وهناك عيوب لا تُؤثر في صحة وإجزاء الأضحية: كالأضحيةِ بما لا قَرْن له خِلقة، أو مكسور القَرْن، والمَخْصِيِّ مِن ذُكور الأضاحي، وما لا ذنَبَ له خِلقة، والقطع اليسير أو الشَّق أو الكيّ في الأُذُن.
وقد اتفق العلماء على أنَّ أوَّل أيَّامِ ذبح الأضحية هو: اليومُ العاشر مِن شهر ذي الحِجَّة بعد صلاة العيد، وهو أفضل أوقات الذَّبح، لأنَّه الوقت الذي ذَبح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته، وأمَّا آخِر وقت ذبح الأضاحي فهو: غروب شمس اليوم الثاني مِن أيَّام التشريق، فتكون أيَّام الذَّبح ثلاثة، يوم العيد ويومان بعده، يعني: اليوم العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر إلى غروب شَمسه، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وهو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحكاه بعض الفقهاء إجماعًا مِنهم.
والسُّنَّة عند أكثر أهل العلم أنْ يَتصدَّق المُضحِّي بالثلث مِن لحم أضحيته للفقراء، ويهدي الثلث لِمَن شاء، ويأكل هو وأهله الثلث، وثبت ذلك عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في شأن لحوم الأضاحي: (( فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا )).
أيُّها المسلمون:
إنَّه يُسَنُّ لكم في هذه الأيَّام الفاضلة، أيَّامِ عيد الأضحى، وهي: يوم النَّحر وأيَّام التشريق: أنْ تُكبِّروا الله ــ عزَّ وجلَّ ــ وتَجهروا بهذا التكبير، فتقولوا: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”، تُكبِّرون في كل وقت شئتم، وتُكبِّرون بعد السلام مِن كل صلاة مفروضة قبل أذكارها إلى آخِر أيَّام التشريق، نفعني الله وإيَّاكم بما سمعتم، والحمد لله ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية: ــــــــــ
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله مُعيدِ الجُمع والأعياد، ومُبيد الأُمم والأجناد، وجامعِ الناس ليوم لا ريب فيه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المُفضَّل على جميع العباد، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الحشر والتَّنَاد.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ النساء في صلاة العيد بعد الرِّجال، واقتداء بِه، أقول مستعينًا بالله ربي:
أيَّتُها النساء:
اتَّقِينَ الله في أنفسِكُن، فاحفظنَ حدودَه، واعملنَ بأوامره، واجتنبنَ ما نَهى عنه وزَجر، وقُمنَ بحقوق أزواجكنَّ وأبنائكنَّ وبناتكن، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واحذرنَ أشدَّ الحذَر أنْ تنجرِفنَ إلى ما تفعله بعض نساء المسلمين اليوم مِن الخروج إلى الأسواق والمستشفيات والمنتزهات والبِحار والطُّرقات وأماكن العمل مُتبرِّجات مُتجمِّلات مُتطيِّبات قد كشفنَ عن وجوههنَّ وشُعورهنَّ ونُحورهنَّ وسِيقانهن، ولبِسنَ الألبسة الضيقة التي تُجسِّد وتُفصِّل أعضاء البدن، فإنَّ ذلك لَمِن المحرَّمات الكُبرى، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )).
أيَّتُها النساء:
أكثِرنَ مِن الصدقة، وزِدْنَ في الإنفاق في سبيل الله، كلما تيسَّر لكُن، واحذَرْنَ اللعن للأهل أو الرِّفقة أو الأباعد، وابتعِدْنَ عن مُقابلة إحسان الأزواج لكنَّ بالجُحود والكُفران وعدمِ الشُّكر، واحفظنَ جميلهم عليكُن دون نسيان ما استطَعْتُن، فإنَّ اللعن وكُفران الإحسان مِن أعظم أسباب كثرة النساء في النار، إذ صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على النساء في مُصلَّى العيد فقال لهن: (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّار، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ))، والعَشير هو: الزوج.
أيُّها المسلمون:
إنَّ التهنئة بالعيد بطيِّب الكلام قد جَرى عليها عمل الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، فثبت عن جُبير بن نُفير ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ )).
واعلموا أنَّ السُّنَّة لِمَن خرج إلى مُصلَّى العيد مِن طريق أنْ يَرجع مِن طريق آخَر، لِما صحَّ أنَّ: (( النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ )).
هذا وأسأل الكريم أنْ يُعينَنا على الاستمرار على الإكثار مِن طاعته إلى ساعة الوفاة، وأنْ يقيَنا شرَّ أنفسِنا وشرِّ أعدائِنا وشرَّ الشيطان، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، وجنِّبهم القتل والاقتتال، وأزل عنهم الخوف والجوع والتَّدمير، وأعذنا وإيَّاهُم مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، اللهم وفق ولاة أمورِ المسلمين لكل ما يرضيك، وأزل بِهم الشِّرك والبِدع والآثام والظلم والعدوان والبَغْي، وأكرمنا وأهلينا وسائر المسلمين الأحياء مِنهم والأموات برضوانك والجنَّة، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
خطبة ألقاها:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد
وله رسالة بعنوان:
“تذكير الخلف بأنَّ بدأ خطبة العيد بالتكبير هو المنقول عن السلف”.
وأخرى بعنوان:
“إسعاد الصُّحبة بأنَّ السلف الصالح على أنَّ للعيد خطبتين لا خطبة”.
وهما موجدتان في شبكة الإنترنيت، في موقعه وغيره.
تنبيه:
مَن لا يوجد في مسجده نساء فبإمكانه حذف ما يتعلق بهن، فتقل أوراق خطبته.