إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الفقه > خطبة مكتوبة بعنوان: ” شيء مِن الممنوعات على المسلم في باب اللباس “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” شيء مِن الممنوعات على المسلم في باب اللباس “.

  • 3 يوليو 2020
  • 5٬894
  • إدارة الموقع

شيء مِن الممنوعات على المسلم في باب اللباس

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــ

الحمدُ لله ذي العرشِ المجيد، والبطشِ الشديد، الفعَّالِ لِمَا يُريد، وأشهد أنْ لا إله إلا هوَ شهادةَ التوحيد، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالوعد والوعيد، صلى الله عليه وعلي آله وصَحبه صلاة دائمة على التأييد.

أمَّا بعد، أيُّها الناس:

فلقد قال ربُّكم ــ جلَّ وعزَّ ــ مُمتنًّا عليكم: يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ }، وقال ــ تبارك اسمه ــ: { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ }، فامْتَنَّ عليكم سبحانه بما يَسَّر لكم مِن اللباس الضَّروري الذي يَسترُ العورات، ويَقِي البَرْدَ، ويُخفِّفُ الحَر، واللباسِ الذي يُقصدُ مِنه الجمال، ونبَّهكُم إلى أنَّ الاهتمامَ بلباس التقوى خيرٌ وأهَم، لأنَّ لباسَ التقوى يَستمرُ مع العبد، ولا يَبلَى ولا يَبيد، وهو جمالُ القلبِ والرُّوح، وسببُ سعادةِ الآخِرة، والسلامةِ مِن الشُّرور في الدنيا.

وصحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» ))، وصحَّ عن أَبِي الْأَحْوَصِ، عن أَبِيهِ ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَوْبٍ دُونٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَكَ مَالٌ؟» قَالَ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ، قَالَ: «مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟» قَالَ: قَدْ آتَانِي اللهُ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ، قَالَ: «فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ وَكَرَامَتُهُ» )).

أيُّها الناس:

إنَّ الأصلَ في اللباس هو الإباحةُ إلا ما جاء الشَّرعُ بتحريمه، والنَّهيِّ عنه، لقول الله سبحانه: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ }، ولِمَا ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ ))، ولَمَّا كانت الألبسةُ المُباحةُ أكثرَ، والمَنهِيُّ عنها أقلَّ، فسأذكر في هذه الخطبة بعضَ ما لا يجوز للرجال مِن اللباس، والألبسة، لعلَّ اللهَ أنْ يَنفعَكم بذكرِها، وتزيدَكم فقهًا بشريعة ربِّكم ــ جلَّ وعلا ــ.

فمِن ذلك: أنَّه لا يجوز للرَّجل أنْ يَجلسَ أو يَمشِيَ أمامَ الناسِ بلباسٍ يَظهر مِنه فَخِذُه، إذ تغطيةُ ما بين السُّرةِ والرُّكبةِ أمامَ الرجالِ واجبٌ عندِ المذاهبِ الأربعةِ، وغيرِها، وقد ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الْفَخِذُ عَوْرَةٌ )).

ومِن ذلك أيضًا: أنَّه لا يجوز للعبد أنْ يَلبسَ الملابسَ المُختصَّةَ بالكفار، والتي لا يَلبسها سِواهُم، وهي عَلَمٌ عليهم، وشِعارٌ لَهم، لأنَّه تَشَبُّهٌ بِهم، وهو مِن غليظ المُحرَّمات، حيث ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم ))، وصحَّ عن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه كتب إلى الناس: (( إِيَّاكُمْ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ ))، وصحَّ عن ابنِ عَمروٍ ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا» ))، وأمَّا إذا أصبحَ شيءٌ مِن لِباسِ الكفارِ مشهورًا في بلاد المسلمين، ومِن جُملة ما يَلبسونَه، فقد زالَ عنه التَّشبُّه، وأصبحَ مُباحًا، كما ذَكر الفقهاء ــ رحمهم الله ــ، ولكِن بشرطِ أنْ لا يكونَ هذا اللباسُ مِمَّا يَتعلَّق بدينهم، أو أعيادِهم، أو يحتوي على شِعاراتٍ أو صُورٍ مُحرَّمة، أو يُحجِّم العورة شديدًا، أو يَجلِب الفتنة، أو يكون مِن ألبسَة الشَّواذِ المِثلِيين أو يُعرَف بِه أهلُ الفِسقِ والفجور، فإذا كان كذلكَ فلا يَزال التحريم باقيًا.

ومِن ذلك أيضًا: أنَّه يَحرُم على الرَّجل أنْ يَلبسَ ما تلبسه النساء، ويَحرُم على المرأة أنْ تلبسَ ما يَلبسه الرَّجال، سواء كان الملبوسُ مِن الثياب، أو الأحذيةِ، أو الساعاتِ والخواتمِ والأساور، أو غيرها، لِمَا ثبَت عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ))، وصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ )).

ومِن ذلك أيضًا: أنَّه يَحرُم على الرَّجل أنْ يَلبسَ ما أسفلَ مِن الكعبين مِن الثياب، سواء كان الثوبُ قميصًا، أو سِراولًا، أو بنطالًا، أو إزارًا، أو غير ذلك، لِما صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ ))، وصحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ ))، وأمَّا إذا كان يُطيل ثوبه مِن باب الخيلاءِ والكِبر، فالإثمُ والعقوبةُ أشدُّ، لِمَا صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، وأيضًا فإسبال الثيابِ وأطالتها عن الكعبين نوعُ مَخيلَة، وإنْ لم يَقصِد صاحبُه ذلك، لِمَا ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ مِنْ الْمَخِيلَةِ )).

ومِن ذلك أيضًا: أنَّه يَحرُم على المسلم أنْ يَلبس ثوب شُهرة، لِمَا ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).

وثوبُ الشُّهرةِ هو: الثوبً الذي يَلبسه الإنسان على خِلاف أهل بلده، بحيثُ يُعرَفُ بِه عندهم، ويُشارُ إليه بِه، ويَتميَّزُ ويُشتهَرُ بِه عندهم، سواء كان الثوب نفيسًا تَظهر بِه الزِّينةُ والجمال، أو وضيعًا يَظهر بِه الزُّهد في الدنيا.

ومِن ذلك أيضًا: أنَّه يَحرُم على الرَّجل أنْ يَلبسَ الذهبَ ولو كان يسيرًا، أو يَلبسَ الثوبَ المصنوعَ مِن الحرير الطبيعي، لِمَا ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ))، وصحَّ عن البراء ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَلُبْسِ الحَرِيرِ ))، وسُبحانَ اللهِ وبِحمدِه،عددَ خلْقِه، ورِضَا نفْسِه، وزِنَةَ عرْشِه، ومِدَادَ كلِمَاتِه.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــ

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمدٍ النِّبي الأمين، وعلى آلِ محمدٍ وصحبِه وسَلِّم إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد، أيُّها الناس:

فإنَّ مِمَّا لا يجوز أنْ يَلبسَه المسلمُ ذَكرًا كان أو أُنثى الألبسةَ التي تحتوي على صُورٍ لِذَواتِ الأرواح مِن آدميين أو حيوانات، أو تحتوي على صليبٍ، أو شِعارٍ دِينيٍّ للكفار، أو شِعارٍ خاصٍّ بأهل الفِسق والفجور كالمِثليينَ الشَّواذ، وأشباهِهم، أو شِعارٍ خاصٍّ بالأعياد المُحرَّمة كأعيادِ الكفار الدِّينية، أو عيدِ الحُبٍّ، وأشباهها، أو شِعارٍ خاصٍّ بالمُنظَّمات المُنحرِفةِ أو الإجرامية، كالماسونيةِ، والإرهابية، والتكفيرية، وأشباهها، أو شِعاراتِ الشِّيعةِ الرافضة، وعُمومِ أهلِ البِدَعِ والأهواء، حيث صحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ: (( أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» فَقُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»، وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ»ر))، وصحَّ عن عليٍّ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ لَا تَدَعَ صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا» ))، وصحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ: (( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ ))، وثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم )).

وقال العلامةُ ابنُ الأمير الصنعاني ــ رحمه الله ــ بعد  هذا الحديث: “والحديثُ دَالٌّ على أنَّ مَن تَشَبَّهَ بِالفُسَّاقِ كانَ مِنهُم أو بِالْكُفَّارِ أو بالمُبتدِعَةِ في أيِّ شيءٍ مِمَّا يَختصُّونَ بِه مِن مَلبُوسٍ أو مَركُوبٍ أو هَيئَة”.اهـ

اللهمَّ جنَّبنا مُنكراتِ الأعمالِ والأخلاقِ والأهواء، واجعلنا مِمَّن إذا أُعْطِي شَكر، وإذا ابتُلِي صبَر، وإذ أذْنَب استغفر، وأعنَّا على ذِكرك، وشُكرك، وحُسنِ عبادتك، وسدِّدِ الولاةَ، وأصلحِ الرَّعية، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لِي ولكم.