إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > الحديث > مقال مختصر بعنوان: ” عِظَم إثم لعن المسلم لأخيه المسلم وبعض عقوبات اللعن “.

مقال مختصر بعنوان: ” عِظَم إثم لعن المسلم لأخيه المسلم وبعض عقوبات اللعن “.

  • 12 أكتوبر 2020
  • 1٬988
  • إدارة الموقع

عِظَم إثم لعن المسلم لأخيه المسلم وبعض عقوبات اللعن

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

وبعد:

فلقد تساهل كثيرون مِن أهل الإسلام باللعن فيما بينهم، ودرَجَ على الألسن حتى أصبح مِن أسهل الكلام، ويُنطَق بِه بلا مُبالاة ولا اكتراث، مع عِظَم ذنْبه، وكثير إثمه، وشديد خطره، وكبير عقوباته، بل وصل الحال ببعضهم إلى اللعن حتى في حال اللعب والمزاح، ولعنِ أحبِّ الناس إليه، وأقربِهم مِنه، وأكثرِهم صُحبة معه، وازداد في البيوت، وأماكن العمل، ومجالس الالتقاء والتزاور، والأسواق، وتربَّى عليه الصِّغار لكثرة سماعهم له مِن آبائهم وأمهاتهم ومَن حولهم، ولا امتنع عنه كبار في السِّن وعجائز.

ودونكم ــ سدَّدكم الله ــ بعض عقوبات اللعن وقبائحه وأضراره:

أوَّلًا ــ اللعن عند العلماء هو: هو الطَّرد والإبعاد عن رحمة الله.

فإذا قال الإنسان لِغيره: “لعنكَ الله” أو “لعنة الله عليك”، فهو يَدعو عليه بأنْ يَطرُدَه الله ويُبعِدَه عن رحمته.

ولا يَليق أنْ يدعو المؤمن بمثل ذلك على أخيه المسلم، بل صحَّ أنَّه: (( قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )) رواه مسلم.

ثانيًا ــ لَعْن المسلم لأخيه المسلم المَصون مُحرَّم باتفاق العلماء.

حيث قال فقيه الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأذكار” (ص:353):

“اعلم أنَّ لعن المسلم المَصون حرامٌ بإجماع المسلمين”.اهـ

ثالثًا ــ لَعْن المؤمن جُرمُه كبير وغليظ.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ )) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.

رابعًا ــ لَعْن المسلم مِن الكبائر عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

حيث ثبت عن سلَمة بن الأكوع ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُنَّا إِذَا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَلْعَنُ أَخَاهُ رَأَيْنَا أَنَّهُ قَدْ أَتَى بَابًا مِنَ الْكَبَائِرِ )) رواه الطبراني في “الأوسط”، وغيره.

وصحَّح إسناده: الألباني، وقال المُنذري والهيثمي وغيرهما: إسناده جيد.

خامسًا ــ المؤمن الحق ليس بلعَّان.

حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ )) رواه أحمد، والترمذي، وابن أبي شَيبة، وغيرهم.

وصحَّحه: ابن حِبَّان، والحاكم، والعراقي، والسيوطي، وأحمد شاكر، والألباني، والوادعي، وحسَّنه: الترمذي، والهيتمي، وقال الذهبي وابن باز: إسناده جيد.

سادسًا ــ اللعانون لا يكونون شفعاء ولا شهدا يوم القيامة.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) رواه مسلم.

سابعًا ــ الصِّدِيق لا يَنبغي أنْ يكون لعَّنانًا.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا )) رواه مسلم.

ثامنًا ــ اللعن إذا لم يكن الملعون يَستحِقُّه شرعًا رجع على قائله، فكان كمَن لعن نفسه.

حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا )) أخرجه أبو داود، وغيره.

وحسَّنه: السيوطي، والألباني، وقال ابن حجر العسقلاني والهيتمي والسفاريني: إسناده جيد، وله شواهد.

تاسعًا ــ اللعن من أسباب كثرة دخول الناس النَّار.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ )) أخرجه البخاري ومسلم.

عاشرًا ــ التلاعن يعود شَرُّه على أصحابه.

حيث قال حذيفة ــ رضي الله عنه ــ: (( مَا تَلاعَنَ قَومٌ قَطُ إِلا حَقَ عَليهِمُ اللعنَةُ )) رواه البخاري في “الأدب المفرد”، وغيره.

وقال الألباني: صحيح الإسناد.

حادي عشر ــ لعن الوالدين مِن أسباب حلول لعنة الله بالعبد.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ )) رواه مسلم.

ثاني عشر ــ غِلظ ذنْب التَّسبُّب في لعن الوالدين.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ )) رواه مسلم.

ثالث عشر ــ اللعن مذموم حتى في حق الدَّواب التي يركبها الإنسان.

حيث صحَّ عن عِمران بن حُصين ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ» قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ )) رواه مسلم.

وصحَّ عن أبي بَرْزَة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ، عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ، إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَضَايَقَ بِهِمِ الْجَبَلُ، فَقَالَتْ: حَلْ، اللهُمَّ الْعَنْهَا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ » )) رواه مسلم.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد الجنيد.