التروي والاستبصار حين الاستهزاء بالنبي المختار
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي أرسَلَ رسولَه رحمةً للعالمينَ بالهُدى ودِينِ الحقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّين كُلِّه، ولو كَرِه المشركون، والصلاةُ والسلامُ على عبدِه ورسولِه محمدٍ القائلِ في صحيحِ حديثِه: (( لَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ ))، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه مِن العربِ والعَجَمِ، وعُمومِ البُلدانِ والأزمانِ، إلى يومِ نَلقَاه.
أمَّا بعدُ، فيَا أهلَ الإسلامِ والقُرآنِ:
يقول ربُّكم ــ جلَّ وعزَّ ــ آمِرًا نبيَّهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومُسَلِيًّا لَه، ومُصَبِّرًا إيَّاه على استهزاءِ وسُخْرِيَةِ الكفارِ بِه، وبما جاءَ بِه إليهم مِن دينِ اللهِ الإسلام، ومُبشِّرًا لَه، ومُبيِّنًا لَه كيفَ يَفعلُ حِينَها، في خِتامِ سورةِ “الحِجْرِ”: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أي: اسْتَمِرَّ في الدَّعوةِ إلى دِينِ الله الإسلام، واجْهَرْ بأحكامِهِ بينَ الناسِ، وأعلِنْهُ لِكُلِّ أحدٍ {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} أي: ولا يَعُوقَنَّكَ عن هذهِ الدَّعوةِ، ويَصُدَّنَّكَ عن هذا البلاغِ والعملِ بأحكامِ الإسلام، أقوالُ المُتَهوِّكِينَ، واستهزاءُ الضَّالِينَ، وسُخرِيَةُ المُعانِدينَ، ولا تُبَالِ بِهِم، واترُكْ مُشَاتَمَتَهُم ومُسَابَّتَهُم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي: سَنَكْفيكَ أذاهُمُ القولِيَّ والفِعلِيَّ، ونَحفظُكَ مِنهم، وهذا وعدٌ مِن اللهِ لِرسولِه أنْ لا يَضُرَّهُ المُستهزِئون بِه، وبما جاءَ بِه مِن دِين، وأنْ يَكفِيَهُ إيَّاهُم بما شاءَ مِن أنواعِ العقوبة، وقد فعلَ سبحانه، فإنَّه ما تظاهرَ أحدٌ بالاستهزاءِ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما جاءَ بِه، إلا كانت عاقِبَتُهُ خُسْرًا وشَرًّا، ثُمَّ صَبِّر اللهُ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم على هؤلاءِ المُستهزِئينَ بأنَّهم كما يُؤذونَكَ باستهزائِهم فقد آذَوا الله مِن قبْلُ، حيث جعلوا معَه إلهًا آخَرَ مع أنَّه ربُّهُم وخالقُهم ومُدَبِّرُهُم، وقد صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ))، وسوفَ يَعلمونَ غِبَّ أقوالِهم وأفعالِهم واستهزائِهم وأذِيَّتِهِم إذا ورَدُوا القيامةَ، وإلا فهو سبحانه قادِرٌ على استئصالِهم بالعذاب متى شاء، والتعجيلِ لَهم بما يَستحِقُّونَ مِن عقوبة، ولكنَّهُ يُمهِلُهُم، ولا يُهمِلُهُم، لعلَّهم يَرجعونَ ويَتوبون، ثُمَّ قال سبحانه بعد ذلك: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أي: وإنَّا لَنَعْلَمُ يا محمدُ أنَّكَ يَحصلُ لكَ مِن أذَاهُم لكَ، واستهزاؤُهُم بكَ، وسُخريَّتُهم مِنكَ، انْقِبَاضٌ، وَضِيقُ صَدْرٍ، فاشْتَغِلْ بِذكرِ اللَّهِ وتَحميدِهِ وتَسبيحِهِ والصلاةِ، فإنَّ ذلكَ يُوسِّعُ الصَّدرَ ويَشرَحُه، ويُعينُكَ على أُمُورِكَ، واسْتمِرَّ على ذلكَ حتى يأتيَكَ اليقينُ، وهو: الموت، ونحنُ واللهِ كذلك تَضيقُ صدورُنا باستهزائِهم وسُخريَتِهم برسولِنَا صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا نَخرجُ عن طريقتِه صلى الله عليه وسلم في التعامُلِ مع مِثلِ ذلك.
أهلَ الإسلامِ والقُرآنِ:
إنَّ الاستهزاءَ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم، والسُّخرِيَةَ مِنه، وبماء جاءَ بِه مِن عندِ اللهِ، والأذيَّةَ للهِ ورسولِه ليست بوَليدَةِ اليوم، ولا خاصَّةٍ بأهل الكُفرِ المُعاصِرينَ، كما سمعتُم في آياتِ القٌرآنِ السابقةِ، وقد سمعتُم أيضًا كيف قضَى اللهُ سبحانه فيها، وأرشدَ رسولَه حينَها، فاستمسكوا بِحُكمِه، واعملوا بما جاء في شريعته، فقد قال ــ جلَّ وعلا ــ: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، واعلموا ــ سدَّدكمُ اللهُ ــ أنَّنا قد أصبَحنا في هذه الأيَّامِ، ومع هذهِ الاستهزاءاتِ والسُّخرِياتِ الحاصِلَةِ مِن أعدادٍ كثيرٍة مِن أهلِ الكُفرِ والإشراكِ بالله تحتَ ثلاثِ مطارِق تتجاذبُنا إليها:
المِطرَقةُ الأولى: مِطرقَةُ العَلْمَانِيينَ واللِّيبرالِيينَ والتَّغرِيبيينَ وأحزابِهم ــ طُلَّاب الحُكمِ والُّلحوقِ بِرَكْبِ الكافرينَ ــ مِن بَنِي جِلدَتِنَا، ولُغَتِنَا، وبُلدانِنَا، وهؤلاءِ كعادَتِهِم أخَذوا في التَّبريرِ، وإيجادِ الأعذارِ والمَخَارجِ، لأسيادِهم مِن أهلِ الكُفر، في استهزائهم وسُخريَّتِهم برسولِ رَبِّ العالمين صلى الله عليه وسلم، وأنَّهم يَقصِدونَ كذا وكذا، ودافعَهُم كذا وكذا، وقد قال الله تعالى في فضْحِهم: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، وقال سبحانَه في كَبْتِهم: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}.
المِطرَقَةُ الثانية: مِطرقَةُ الأحزابِ التي اتَّخذت الدِّينَ مَطِيَّةً لأهدافِها السِّياسيَّةِ، وأطماعِها في الحُكمِ والسُّلطة، حيثُ جعَلَتْ الفِتنَ والأزمات والنَّوازِلَ ـ كالاستهزاء والسُّخريةِ بالرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرها ــ مصيَدةً لاستعادَةِ جماهيرِيتِها وشَعبيَّتِها التي ضَعُفَتْ كثيرًا، فأكثَرَتْ في كلامِها حولَ ذلك، لِيَطْغَى موقِفُها على مواقفِ غيرِها، ويَدخُلَ كلَّ بيت، وبَنَتْ مواقِفَهَا على وِفْقِ ما يزيدُ شعبيَّة أحزابِها، ودونَ نظرٍ لِدَلالة الفقهِ الصَّحيحِ لٍنصوصِ القرآنِ والسُّنةِ النَّبويةِ، ولا لِفعلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه في مِثلِ هذهِ الأحوال، ولا لِلمفاسدِ الكبيرةِ التي تعودُ على الإسلامِ والمسلمين بسببِ مواقفهم وطُرُقِهِم هذه، بل إنَّ بعضَ أتباعِهم قد كفَّروا مَن لم يَتخِّذ موقِفًا كالذي اتَّخذوه، مع أنَّ مُخالِفَهُم مِن أكابِرِ أهلِ العلمِ والفقه، وأرسَخُ مِنهم، وأعلم بشريعِةِ الله، وقولُه هو الصَّحيح شرعًا، وزادَ رَواجَ موقِفِهم:
تناغُمُ العَلْمَانِيينَ واللِّيبرالِيينَ والتَّغرِيبيينَ معها بجعلِ تَشدُّدِهِم والمُتشدِّدينَ مِنهم هو المقصودَ باستهزاءِ الكٌفارِ، حتى لكأنَّهُم يَتبادلونَ الأدوار بِضَربِهِم لِبعض، فهؤلاءِ يَضربونَ دينَ الإسلامِ ويُشوِّهونَه بتصرُّفاتِ هذه الأحزاب وأفرادِها وأقوالِهم، وهؤلاء يَتكسَّبونَ وتَرتفِعُ شَعبيَّتُهم بموقفِ العَلْمَانِيينَ واللِّيبرالِيينَ والتَّغرِيبيينَ مِنهم.
وسبحانَ اللهِ عددَ خلقِه، ورِضَا نفسِه، وزِنَةَ عرشِه، ومِدادَ كلماتِه.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ العليِّ العظيم، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّهِ الصادقِ الأمين، وعلى آلِه وأصحابِه الكِرامِ المُهتَدِين، وعلى جميعِ عبادِه المؤمنين.
أمَّا بعدُ، يَا أهلَ الإسلامِ والقُرآنِ:
فالمِطرَقَةُ الثالثة هي:
مِطرقَةُ العاطِفِيينَ الحَماسيِّين الذين لا يَتأنَّونَ في مواقِفهم، وطريقةِ التعبيرِ عنها، وكيفية الرَّدِ على غيرِهم، حتى يَسألوا الرَّاسخينَ مِن أهلِ العلمِ والفِقهِ الثِّقاتِ الأثبات، بل يَركبونَ الموجَةَ الموجودةَ في الساحة سريعًا، لاسِيَّما موجَةَ الأحزابِ التي اتَّخذت الدِّينَ سِتارًا لأهدافها، لأنَّها تكلَّمت باسم الدِّين والدَّعوة للإسلام، وظنُّوا أنَّ كلَّ كلامٍ بهذه الطريقةِ حقُّ وصحيح، حتى تسبَّبوا في زيادةِ الاستهزاءِ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم، والسُّخريةِ مِنه أكثرَ، وهُم لا يَشعرون، وتَعاضُدِ أهلِ الكُفرِ مِن بلدانٍ عديدةٍ على ذلك، وتناصُرِهِم عليه, وتقويةِ بعضِهِم بعضًا فيه، بمُقابلَةِ ذلكَ بالرُّدودِ الفاحشةِ البذيئة، والرُّسومِ المُحرَّمة، والتَّعميمِ الجائرِ، والمعلوماتِ المغلوطة التي لا يُدرَى مِن أينَ أتَت، والرَّميِّ المُطلَقِ بالخَنا، ونحنُ المسلمونَ لَسْنَا كغيرِنا، نحن أدَّبَنا اللهُ بآدابِ شريعتهِ، ونَحمِلُ هَمَّ دعوةِ الناسِ وهِدايتِهِم إلى دِينِ اللهِ الإسلام، وجمعِ وتأليفِ قلوبِ الخلقِ عليه، بل رسولُنَا الذي يَستهزئونَ بِه، ويَسخرونَ مِنه، لم يُرسَل إلا لِرحمَتِنا ورحمَتِهِم، كما قال سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }، وكما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قِيلَ لَه: (( يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» ))، بل حاولتْ يَهودُ قتلَه بلحمِ الشاةِ المسمومةِ، ورَمْي الحَجَرِ الثقيلةِ عليه، وتأليبِ الكفارِ والمنافقينَ عليه، وكانوا يَدعونَ عليه بالسَّامِ، وهو: الموتُ والهلاك، ومع ذلكَ فقد صحَّ: (( أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ والفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ» )).
ناهِيكَ عن الضَّررِ والتشويهِ الذي سَيلحقُ بالإسلامِ والمسلمينَ في بلادِ الكفارِ ومساجِدهم بسببِ مِثلِ هذه الطرائقِ في الرَّدِ، لأنَّه إنْ كان في بُلدانِنا سُفهاءٌ وجُهال، فعِندَهُم أكثر، وفيهم حاقِدونَ على الإسلام كثيرًا، ويَتعصَّبُ لَهم أقوامُهم، وبَني جِلدَتِهم، ومَن على دِينِهِم، وهُم أكثرُ مِنّا سلاحًا ومالًا، وأكبَرً قوةً وعددًا، وغالبُ وسائلِ الإعلامِ تحتَ أيدِيهِم، بل قد نهانا اللهُ تعالى عن سَبِّ آلهتِهِم الباطلةِ التي يَعبدونَها مِن دونِ اللهِ حتى لا يكونَ سَبُّنَا لَهَا سببًا في سَبِّهم للهِ سبحانه، لأنَّهم يَتعصَّبونَ لآلهتِهِم، وتأخذُهُم الحَمِيَّةَ لَها، فقال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }، وصحَّ أنَّه: (( قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ» )).
والدَّفعُ والدِّفاعُ عن النَّبيِّ الكريمِ صلى الله عليه وسلم مشروعُ ومُتأكِّدٌ جِدًّا، بل مِن أعظمِ القُربَات، وأكثرِها ثوابًا، وأرفعِها درجةً، إلا أنَّه يكون وِفقَ شريعةِ اللهِ، مُجَلَّلًا بالفقهِ والعدلِ والحقِّ، مع مُراعاةِ المصالحِ والمفاسدِ، بحيثُ لا نتسبَّبُ في زيادةِ الاستهزاء، وتكثيرِ السُّفهاءِ السَّاخِرِين، وتكثيرِ مواقعِه الإلكترونية، وقنواتِه الفضائية، وتصريحاتِ دُعاتِه، ومجلَّاتِه، ورُسُومِه، ومَحافِلِه، ومؤتمراتِ أهلِه، وتَعاضُدِ بلدانِه وأقوامهم فيهِ وعليه، وعدمِ الإضرارِ بالإسلامِ ودعوتِه، والمسلمينَ ومساجدِهم، مَصحوبًا بأدبِ الإسلام، ورِفقِه، ورحمتِه، وجميلِ خطابِه، وقُوَّةِ حُجَجِه وبراهينه، ورجاحةِ عُقولِ أهلِه، وأنَاتِهِم.
اللهم اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ لا يَهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرْف عنَّا سيِّئَها لا يَصرْفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنت، اللهم ألِّف قلوبَ المسلمين على بعض، وزِدْ مِن تراحُمِهم وتعاطُفِهم، واجمَع حُكَّامَهم على التوحيد والسُّنة، وقوِّهِم بالإسلام والمسلمين، وزِدنَا علمًا وفقهًا بشريعتِك، وأعِنَّا بالصبرِ والصلاةِ على الكُروبِ، واهدِ بِنَا ضالَّ الخلقِ إلى الإسلام والتوحيدِ والسُّنة، إنَّك سميعٌ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكم.