الاجتماع على ولاة الأمر ونَبذ الفِرَق والأحزاب والاختلاف
الخطبة الأولى:ــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي بنعمتِه تَتِمُّ الصالحات، وأشهد أنْ لا إله إلا الله خالقُ جميع المخلوقات، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله المبعوثُ بالهُدى والبيِّنات، فصلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه مِن المؤمنين والمؤمنات.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فأُوصيكم ونفسيَ بتقوى الله، فإنَّها العُدَّةُ الوافية، والجُنَّةُ الواقية، وخيرُ زادٍ لكم إلى الآخرة، فاتقوا الله ربَّكم في السِّر والعلانية، وكونوا مِن عباده المتقين، واستمِروا على تقواه إلى حين انتهاء آجالِكم، فقد أمركم بذلك فقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }، وصحَّ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال عن معنى قوله سبحانه: { حَقَّ تُقَاتِهِ }: (( وَحَقُّ تُقَاتِهِ: أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى, وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى, وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ )).
أيُّها المسلمون:
إنَّ مصالحَ العبادِ في دينِهم ودنياهُم، وإقامتِهم وأسفارِهم، ومع أهلِ دينِهم وأهلِ المِللِ الأُخرى، لا تستقيمُ ولا تصلحُ إلا بوجودِ حاكمٍ وسُلطان عليهم، ولهذا اتفقَ الصحابةُ والتابعونَ ومَن بعدَهم مِن العلماء على وجوبِ تنصيبِ حاكمٍ على الناس، بل لِعظمِ شأنِ تنصيبِ الحاكمِ وأهميتِه الكُبرى بادرَ الصحابةُ ــ رِضوانُ اللهِ عليهم ــ حين ماتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى تنصيبِ خليفةٍ عليهم قبلَ الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ودفنِه، فاجتمعوا في سقيفةِ بَني ساعدةَ وبايعوا أبا بكرٍ الصِّديقَ ــ رضي الله عنه ــ خليفةً عليهم، وإمامًا لَهم، ولو لم يَكن على الناسِ حُكَّامٌ، لسَفكَ بعضُهم دماءَ بعض، ولأكلوا أموالَ بعض، ولهُتِكَت الأعراض، ولم يأمَن على نفسِه وأهلِه ومالِه حاضِرٌ ومسافرٌ وبَاد، ولَخافَ الناس حتى في آمَن بِقاعِ وهي بيوتُ اللهِ المساجد، ولَتَسَلَّطَ أهلُ الإجرامِ والفسادِ والإرهاب، ولنَحَرَ واضطَهدَ الأقوياءُ الضُّعفاء، ولتَمكَّنت القبائلُ والعِرقياتُ الأكثرُ عددًا ومالًا مِن إذلالِ مَن هُم أقلَّ رجالًا، وأضعفَ عتادًا وجُندًا، ولَتقاتَلَ أهلُ البلدِ الواحدِ على ثرَواتِها، ولَحَكَم أهلُ الكُفر بلادَ الإسلام، ونحنُ نَرى اليوم بأعيُنِنا مِثلَ هذا الشرَّ إذا ضَعُفَ حاكمُ بلاد، وكيف تَضعُف معَه الدولة، وتَنكسرُ هيبتَها، ويتقسَّمُ جُندها، فكيف إذا أُزِيلَ الحاكم وأُسقِط ولم يَبقى على الناس والٍ وإمام.
أيُّها المسلمون:
إنَّ اجتماعَ الناسِ على حاكِمِهم المسلمِ ــ ولو كان عندَه خلَلٌ وتقصيرٌ ولَه ذُنوب ــ بالسَّمعِ والطاعةِ لَه في غيرِ معصيةِ الله، وعدمِ الخُروجِ عليه، ومُناصحتِه في السِّر لا العلن، وتَرْكِ التحريض عليه، لَمِن محاسِنِ الإسلامِ، وأصولِ الاعتقاد، وأسبابِ قوةِ البلادِ دينيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وائتلافِ أهلِها، وانكسارِ شوكةِ أعدائها.
فاحمَدوا اللهَ ــ عبادَ الله ــ واشكُروا لَه: أنْ أكرمكم في بلادكم بحُكَّامٍ يَحكمون بالشريعة، وتتحاكمونَ قضاءً إليها، ويُقرِّرونَ التوحيد ويَنشُرونَه ويُدرِّسونَه في المساجد، وفي جميعِ مراحلِ التعليم، وقطاعاتِ الدولةِ، ويَنهونَ عن الشِّرك، ويَمنعونَ مظاهرَه، ويُعاقِبونَ أهلَه، ويَسعونَ إلى تقوية البلادِ اقتصاديًّا وعسكريًّا وأمنيَّا، وقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ الله ))، بل إنَّ نُكرَانَ النساءِ لِمعروفِ وإحسانِ وفضلِ الأزواجِ عليهنَّ مِن أعظمِ أسبابِ كونِهنَّ أكثرِ أهلِ النار، حيث صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِالله؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ )).
أيُّها المسلمون:
كُفوا ألسنَتَكم وأقلامَكم وتغريداتكم عن الطعن في ولاةِ أمورِكم وحُكامِكم، وعن غِيبتِهم، والوقيعةِ في أعراضهم، وذِكرِ مثالبِهم، وتحريضِ الرعيةِ عليهم، فإنَّكم منهيون عن ذلك شديدًا، وهو محرَّم عليكم، بل ومِن الأسباب الكبرى لفساد الدين والدنيا على الشُّعوب والمجتمعات، وقد رأيتم وعايشتم وسمعتم وقرأتم ما حلّ بالمسلمين مِن فتن، وكُروب، وشُرور، وقتل واقتتال، وذهابِ أمْن، وضعفِ اقتصاد، وتدميرِ بلدان، وتشرُّد، وتَسلُّطِ أعداءٍ، وتكفيرٍ، وتفجيرات، بسبب ترْك التعامل مع الحكام وِفْق ما جاء بِه الشرع، وكان عليه سَلف الأمَّة الصالح مِن الصحابة فمَن بعدهم، إلى أفكارِ ومخططات جماعات وأحزاب مُنحرفة، وكلامِ مُنَظِّرِيها ودعاتها ورُموزها.
باركَ اللهُ لِي ولَكم في ما سمعتم، ونفعنَا به، وغفرَ لَنا، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله مُبيدِ الأُمَمِ والأجناد، وجامعِ الناس ليومٍ لا ريبَ فيه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المفضَّل على جميع العِباد، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعَهم بإحسان إلى يوم الحشر والتًّناد.
أمَّا بعدُ أيُّها المسلمون:
فاحذروا التَّفرُّقَ في دِينكم إلى أحزابٍ وجماعاتٍ وتنظيماتٍ وطُرقٍ صوفيه، فذلك مِن غلاظ المُحرَّمات، وأشدِّها ضررًا على الدِّين والدُّنيا، والعبادِ والبلاد، وقد جاء في ذلك وعيدٌ شديد، فصحَّ عن صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الْجَمَاعَةُ» ))، وبرأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم مِن ذلك، فقال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }، وزَجَر ــ جلَّ وعزَّ ــ المؤمنين عن ذلك وبيَّن أنَّه مِن التَّشبُّه بالمشركين، فقال تعالى: { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }، ووعَد على ذلك بالعذاب العظيم، فقال ــ جلَّ وعلا ــ: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.
أيُّها المسلمون:
إنَّ مِن أشَرِّ وأضَرِّ الفِرَق والأحزابِ والجماعات على الدِّين والدُّنيا والعِبادِ والبلاد: جماعةَ الإخوانِ المسلمين، وقد صَدَر في حقِّهم قبل أيامٍ قليلةٍ بيانٌ عن هيئة كبارِ العلماء، هذا بعضُ ما جاء فيه وخُلاصتَه:
«فَعُلِمَ مِن هذا: أنَّ كلَّ ما يُؤثر على وِحدَة الصفِ حول ولاةِ أمورِ المسلمين مِن بَثِّ شُبهٍ وأفكار، أو تأسيسِ جماعاتٍ ذاتِ بيعةٍ وتنظيم، أو غيرِ ذلك، فهو محرمٌ بدَلالة الكتابِ والسُّنة.
وفي طليعة هذه الجماعات التي نُحذِّر منها: جماعة الإخوان، فهي جماعة مُنحرفةٌ، قائمةٌ على منازعة ولاةِ الأمرِ والخروجِ على الحكام، وإثارةِ الفتنِ في الدُّول، وزعزعةِ التعايشِ في الوطن الواحد، ووصفِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ بالجاهلية، ومُنذ تأسيسِ هذه الجماعةِ لم يَظهر منها عنايةٌ بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسُّنة، وإنَّما غايتها الوصول إلى الحُكم، ومِن ثَمَّ كان تاريخ هذه الجماعة مليئًا بالشُّرور والفتن، ومِن رَحِمها خرَجَت جماعاتٌ إرهابيةٌ مُتطرِّفة عاثَت في البلاد والعِباد فسادًا، مِمَّا هو معلومٌ ومشاهدٌ مِن جرائم العُنف والإرهاب حول العالم.
ومِمَّا تقدَّم يَتضح: أنَّ جماعةَ الإخوانِ جماعةٌ إرهابيةٌ لا تُمثِّل منهجَ الإسلام، وإنَّما تتَّبِع أهدافَها الحزبية المُخالفة لِهَدْيِ دِيننا الحنيف، وتَتستَّر بالدِّين، وتُمارِس ما يُخالفه مِن الفُرقة، وإثارةِ الفتنة، والعُنفِ والإرهاب، فعَلَى الجميع الحذَر مِن هذه الجماعة، وعدم الانتماء إليها، أو التعاطُف معها».اهـ
اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا للعمل بشريعتك، ونُصرتِها، ونشرِها في الأرض، وأقمَع بِهمُ أهلَ الشَّرِ والإجرامِ والفسادِ والإرهابِ والبدعِ والضلالات، وارزُقهم نُوَّابًا وعمَّالًا وجندًا صالحين ناصحين أمينين صادقين، اللهم جنِّبنا الشرك صغيرَه وكبيرَه، ربَّنا هَبْ لنَا مِن أزواجنا وذُرياتنا قُرَّة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لِي ولكم.
كتبها:
عبد القادر الجنيد.