فضل أيَّام عشر ذي الحِجَّة ويوم عرفة وشيء مِن أحكام التكبير والأضحية
الخطبة الأولى: ــــــــــــــ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فإنَّكم لا تزالون تَنْعمون بعَشْرٍ مباركة، عَشرِ ذي الحِجَّة الأُوَل، أفضلِ أيَّام السَّنَة، حيث جاء بسند حسنه جمعٌ مِن المحدِّثين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ))، بل إنَّ الأجور فيها على الأعمال الصالحة تُضاعَف وتَعْظُم لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى )).
والسيئات إذا فُعِلَت فيها عَظُم إثمها واشتدَّ وغَلُظ، لأنَّها قد وقعت في شهر مِن الأشهر الحُرُم، التي زجَّر الله عباده عن ظُلم أنفسهم فيها بالبِدع والمعاصي، حيث قال سبحانه: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }، وثبت عن قتادة التابعي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا )).
وفي هذه العَشر أيضًا: يَبدأ الحج الذي هو أحد أركان الإسلام وأصوله العِظام، في ضُحَى اليوم الثامن مِنها، فيُحْرِمَ الناس مِن أماكنهم، ثم يتوجهون إلى مِنىً فيُصلُّون بها الظهر وما بعدها مِن فرائض.
وفي هذه العَشر أيضًا: يوم جليل عظيم، ألا وهو يوم التاسع منها، يوم عرفة، وما أدراكُم ما يوم عرفة، إنَّه يوم الرُّكن الأكبر لحجِّ الحجاج، ويوم تكفير السيئات، والعِتق مِن النار لهم، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ))، وصيامه على يُسرِه وسُهولته يُكفِّر ذُنوب سنتين، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ))، فهنيئًا هذا الأجُر الكبير لِمَن صامه مِن ذَكرٍ أو أُنثى، صغيرٍ وكبير، وصيام الأيَّام الثمانية التي قبل يوم عرفة أيضًا مسنون عند أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، وثبت عن السَّلف الصالح أنَّهم كانوا يصومنها، فاحرصوا على صيامها.
وفي هذه العَشر أيضًا: يوم الحجِّ الأكبر، وهو يوم النَّحر، ويوم عيد الأضحى، حيث صحَّ: (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» ))، وسُمِّي يومُ النَّحر بيوم الحجِّ الأكبر، لأنَّ مُعظَم وأهمّ مناسك الحج تكون في ليلته ويومه، كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورَمي جمرة العقبة، وذبح الهَدي، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وسعي الحج.
وفي هذه العَشر أيضًا: صلاة عيد الأضحى، والتي هي مِن أعظم شعائر الإسلام، وقد صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وداوم على فِعلها هو وأصحابه والمسلمون في زمنه وبعد زمنه، بل حتى النساء كُنَّ يشهدنها في عهده صلى الله عليه وسلم وبأمْره.
وفي هذه العَشر أيضًا: نُسُك الهدي والأضحية، حيث يبدأ وقت التَّقرُّب إلى الله بالذبح لَهما مِن ضُحى اليوم العاشر مِنها.
وفي هذه العَشر أيضًا مع أيَّام التشريق: تكبير الله ــ عزَّ وجلَّ ــ، حيث يُسَنُّ للرجال والنساء، الكِبار والصغار، تكبيرُ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد” في سائر الأوقات، ويبدأ هذا التكبير مِن بعد غروب شمس آخِر يوم مِن أيَّام شهر ذي القَعدة، ويستمر إلى آخِر يوم مِن أيَّام التشريق قبل غروب شمسه، ثُمَّ يُقطع.
وأمَّا التكبير الذي يكون بعد السلام مِن صلاة الفريضة فيبدأ وقته: مِن صلاة فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر مِن آخِر أيَّام التشريق، ثم يُقطع.
والمشهور في كتب المذاهب الأربعة: أنَّه يكون بعد السلام مِن صلاة الفريضة على الفور، وقبل أذكارها.
وقد اتفق العلماء على مشروعية هذا التكبير، وصحَّ فِعله عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومَن كبَّر في أيام عشر ذي الحِجَّة الأُوَلِ ويوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وأيَّام التشريق فإنَّه يُكبِّر لوحده، وأمَّا التكبير الجماعي مع الناس بصوت متوافق في ألفاظ التكبير بحيث يبتدئون وينتهون سويًّا، فلا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ.
أيُّها المسلمون:
إنَّ مِن العبادات الجليلة الطَّيِّبة التي يتأكد فِعلها في آخِر يوم مِن أيَّام العَشر وهو يوم عيد الأضحى:
التقربَّ إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، فالأضحية مِن أعظم شعائر الإسلام، وهي النُّسك العام في جميع الأمصار، والنُّسك المقرون بالصلاة، وهي مِن مِلة إبراهيم الذي أُمِرنا باتَّباع مِلَّته، وهي مشروعة بالسُّنَّة النَّبوية المستفيضة، وبالقول والفعل عنه صلى الله عليه وسلم، فقد ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضحَّى المسلمون معه، بل وضحَّى صلى الله عليه وسلم حتى في السفر، وأعطى أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ غنمًا ليُضحوا بها، ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه ترَكها، فلا ينبغي لِمُوسِر تركها، وقد قال ربَّكم سبحانه عن البُخل على النَّفس بما يُقرِّبها منه: { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ }، فاتقوا الله ولا تبخلوا بها عن أنفسكم، فإنَّها مِن السُّنن المؤكَّدة عند أكثر أهل العلم مِن الصحابة والتابعين فمَن بعدهم، ذَكر ذلك العلامة الأمين الشنقيطي ــ رحمه الله ــ، وغيره.
ودونكم ــ فقَّهَكم الله ــ جملةً مِن الأحكام المتعلِّقة بالأضحية، فأقول مستعينًا بالله:
أوَّلًا ــ الأضحية لا تُجزأ عند سائر أهل العلم إلا مِن هذه الأصناف الأربعة، وهي: الإبل والبقر والضأن والمعز، ذكورًا وإناثًا، كِباشًا ونِعاجًا، تُيوسًا ومَعزًا.
وثانيًا ــ الأضحية بشاة كاملة أو مَعزٍ كاملة تُجزأ عن الرجل وأهل بيته ولو كان بعضهم متزوجًا، ما دام أنَّهم يسكنون معه في نفس البيت، وطعامهم وشرابهم مُشتَرَك بينهم، لِمَا صحَّ عن أبي أيوب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ ))، وأمَّا إذا كان لكل واحد منهم شَقةً مُنفردة لها نفقة مستقلة، ومطبخها مستقل، فله أضحية تخُصُّه.
ولا يجوز لأهلِ البيتِ الواحدِ أنْ يَشتركوا في ثمن شاةِ الأضحية، بحيثُ يَدفع كلُّ واحدٍ مِنهم جزءً مِن القِيمة لِيُضَحُّوا بها عنهم جميعًا، بل يُضَحِّيَ أحدُهم بماله ثُمَّ يُدخِل في ثوابها أهلَ بيته، لأنَّ اشتراكَ أكثرَ مِن واحدٍ في الشاة الواحدة لا يجوز باتفاق العلماء، وإنْ أعانوا والدَهُم أو أخاهُم أو المرأةُ زوجَها في ثمن الأضحية مِن باب التَّبرُعِ لًه والهِبَةِ لِيُضَحِّي عن نفسه، ثُمَّ إنْ شاء أشرَكَهم معَهُ في الثواب، وإنْ شاء تَرَك، فيجوز.
وثالثًا ــ يبدأ أوَّل وقت الأضحية: ضُحَى يوم العيد بعد الانتهاء مِن صلاته وخطبته، وهذا الوقت هو أفضل أوقات الذبح لأنَّه الوقت الذي ذبح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته، ومَن ذبحها قبل صلاة العيد لم تُجزئه، لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ ))، وأمَّا مَن كان في مكان لا تُقام فيه صلاة العيد فإنَّه ينتظر بعد طلوع شمس يوم العيد وارتفاعها قِيد رُمحٍ مِقدار صلاة العيد وخطبته ثم يذبح أضحيته.
وأمَّا آخِر وقت ذبح الأضاحي فهو: غروب شمس اليوم الثاني مِن أيَّام التشريق، فتكون أيَّام الذبح ثلاثة: يوم العيد ويومان بعده، ــ يعني: اليوم العاشر، واليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر إلى غروب شمسه ــ، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وهو الثابت عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وحكاه بعض الفقهاء إجماعًا مِنهم، ومَن ذبح في اليوم الأخير مِن أيَّام التشريق وهو الثالث عشر، فللعلماء خلاف في إجزاء أضحيته، وأكثرهم على أنَّها لا تُجزأ.
ورابعاً ــ السُّنَّة في الأضحية أنْ تكون سَليمة مِن العيوب.
ومِن العيوب التي لا تُجزأ عند جميع العلماء أو أكثرهم: العمياء والعوراء البيِّنُ عورها، والمريضة البيَّنُ مرضها، ومقطوعةُ أو مكسورة الرِّجل أو اليد أو الظَّهر، والمشلولةُ والعرجاء البيِّنُ عرجها، والهزيلةُ الشديدة الهُزال، ومقطوعةُ الأذن كلها أو مقطوعةُ أكثرها أو التي خُلقت بلا أُذنين، والتي لا أسنان لها، والجرباءُ، والمقطوعةُ الإلية.
ومِن العيوب التي لا تُؤثر في صحة وإجزاء الأضحية: الأضحيةُ بما لا قَرْن له خِلقة، أو مكسور القرْن، والمَخْصِيّ مِن ذكور الأضاحي، وما لا ذنَبَ له خِلقة، والقطع اليسير أو الشَّقّ أو الكيّ في الأذن.
وخامسًا ــ المستحب عند أكثر العلماء في لحم الأضحية أنْ يَتصدق المضحي بالثلث، ويهدي الثلث، ويأكل هو وأهله الثلث، لثبوت ذلك عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال للناس في شأن لحوم الأضاحي: (( كُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا ))، فإنْ لم يأكل المُضحِّي مِن أضحيته شيئًا، وأطعم الفقراء جميعها جاز، وكان تاركًا للأفضل والمسنون، وكذلك مَن أولم عليها قرابته ولم يُعطي منها الفقراء جاز فعله، وكان مُقصِّرًا تاركًا للأفضل والمسنون، وفاته أجر عظيم، ويجوز أنْ يُعطى الكافر مِن لحم الأضحية عند أكثر العلماء، لاسيَّما إنْ كان جارًا أو لتأليف قلبه على الإسلام، أو دفعًا لشرِّه.
وسادسًا ــ مَن ضحَّى بالغنم فالأفضل مِنها ما كان موافقًا لأضحية النبي صلى الله عليه وسلم مِن جميع الجهات، ثم الأقرب منها، وقد صحَّ عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ))، والأملح هو: الأبيض الذي يشوبه شيء مِن السواد في أظلافه وبين عينيه ومَبَارِكه.
ويُستحب أنْ تكون الأضحية سَمينة، لِما ثبت عن سَهل بن حُنَيف ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ )).
والسُّنَّة عند ذبحِ الأُضحية أنْ تُوَجَّهَ إلى القِبلة، ويقول الذابح عند إضْجَاعِها: (( بسم الله، والله أكبر، اللهم مِنكَ ولكَ، اللهم تقبَّل مِن فلانٍ وآل بيته ))، هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أصحابه، وأقصِدُ بفلانٍ: أنْ يَذكرَ اسمَ نفسه.
وسابعًا ــ الأضحية مِن جهة السِّن تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الإبل والبقر والمَعز.
وهذه الأصناف الثلاثة قد اتفق العلماء على أنَّه لا يُجزأ مِنها في الأضحية إلا الثَّنِيُّ فما فوق.
والثَّنِيُّ مِن المَعز: ما أتمَّ سَنَة ودخل في الثانية، ومِن البقر: ما أتمَّ سنتين ودخل في الثالثة، ومِن الإبل: ما أتمَّ خمس سنين ودخل في السادسة.
القسم الثاني: الضأن مِن الغنم.
ولا يُجزأ منه إلا الجَذَع فما فوق عند سائر أهل العلم.
والجَذَعُ على الأصحِّ: ما أتمَّ سِتَّة أشهر، ودخل في الشهر السابع فما فوق.
نفعني الله وإياكم بما سمعتم، والحمد لله ربِّ العالمين، وسلام على المرسلين.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــ
الحمد لله مُعزِّ مَن أطاعه واتَّقاه، ومُذلِّ مَن أضاع أمرَه وعصاه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمدٍ المُنيبِ الأوَّاه، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنَّها وصيَّتُه لعباده أجمعين، وأحذِّرُكم ونفسي معصيتَه، فإنَّها مَورد غضبه الذي حذَّر مِنه الأوَّلِين والآخِرين: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }، وانتبهوا شديدًا إلى أنكم لا زلتم تَنْعَمون بالعيش في الأشهُر الحُرُم المعظَّمة، وفي أشهُرِ الحجِّ المحرَّمة، وفي عَشْر ذي الحِجَّة المكرَّمة، التي أقسَم الله بها في كتابه، وأعدَّ لصائمها وقائمها جزيلَ ثوابه، فواظِبوا في ما بقي مِنها على الطاعات، وأكثرِوا مِن الصدقات، وتوبوا مِن جميع السِّيئات، لتفوزوا بالخيرات والبركات، في الحياة، وبعد الوفاة.
هذا، وأسأل الله أنْ يوفِّقنا لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، وأنْ يهدينا الصراط المستقيم، اللهم تجاوز عن تقصيرنا وسيئاتنا، واغفر لنا ولوالدينا وسائر أهلينا، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأقواتنا وأوقاتنا، اللهم اكشف عن المسلمين ما نزل بهم مِن ضُرٍّ وبلاء، ووسِّع علينا وعليهم في الأمن والرزق والعافية، وأعذنا وإيَّاهم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق ولاتنا ونُوابَّهم وجندهم لِما فيه صلاح الدين والدنيا، وخير العباد والبلاد، وعزِّ الإسلام والمسلمين، إنك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.