إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الأسباب المعينة على استقرار الحياة الزوجية واستمرارها “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الأسباب المعينة على استقرار الحياة الزوجية واستمرارها “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 19 نوفمبر 2020
  • 9٬028
  • إدارة الموقع

الأسباب المعينة على استقرار الحياة الزوجية واستمرارها

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الملِكِ الأعلى، وسلَّمَ على محمدٍ النَّبيِّ المُصطَفَى، وآلهِ وصحبِهِ وصَلَّى، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ الزواجَ في الإسلامِ لَه حِكَمٌ عاليةٌ رفيعة، وغاياتٌ نبيلةٌ، وأهدافٌ جليلةٌ.

مِنها: صِيانةُ الزَّوجينِ عن الحرام، لِما صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ )).

ومِنها: حفظُ المُجتمع مِن الفواحشِ، وتَحلُّلِ الأخلاقِ، إذْ لولا النِّكاحُ لانتشرَتِ الرَّذائلُ، وزَادَ عددُ أولادِ الزِّنا، وكثُرَ مَن لا أهلَ لَه، وضَاعُوا وتَشرَّدوا، واسْتُغِلُّوا في الفسادِ والإجرامِ إنْ لم يَتدارَكْهُم اللهُ برحمةٍ مِنه.

ومِنها: استمتاعُ الزَّوجينِ بِبعضٍ، وبما يَجبُ بينهُما مِن حُقوقٍ وعِشْرة، فالرَّجلُ يَكفلُ المرأةَ، ويقومُ بالنَّفقةِ عليها بالمَعروفِ، والمرأةُ تَكفلُ الرَّجلَ بالقيامِ بما يَلزمُها في البيتِ مِن رعايةٍ وإصلاح، وغيرِ ذلك.

ومِنها: إحكامُ الصِّلةِ بينَ الأُسَرِ والقبائلِ، فبِالزَّواجِ تعارَفوا تقارَبوا وتعاشَروا وزالتْ عداوتُهُم،وقد جعلَ اللهُ الصِّهرَ قسيمًا للنسَبِ، فقالَ سبحانهُ مُمتنًّا: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا }.

ومِنها: بقاءُ النوعِ الآدَميِّ على الأرضِ، وبوجْهٍ سليمٍ، لأنَّ النكاحَ سببٌ النَّسلِ، حيثُ قالَ اللهُ تعالى: { رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً }، ولولَا الزَّواجُ لَلزِمَ: إمَّا فناءُ الإنسان أو وجودُ إنسانٍ مِن سِفاحٍ لا يُعرَفُ لَه أصلٌ، ولا يقومُ على أخلاق.

ومِنها: توسيعُ الرِّزقِ، إذْ جعلَ اللهُ الزواجَ سببًا فيهِ، فقالَ سبحانهُ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، وقالَ جمعٌ مِن الصَّحابةِ: (( ابْتَغُوا الغِنَى في النِّكَاحِ )).

أيُّها المسلمون:
لمَّا كانَ الزواجُ بهذهِ المكانةِ العظيمةِ، كانَ الشيطانُ شديدَ الحرصِ على التفريقِ بينَ الزَّوجينِ بِسُبلٍ كثيرةٍ مُختلِفَة، حيثُ قالَ اللهُ تعالى: { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ:(( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ويَلْتَزِمُهُ ))، وفي المُقابِلِ فإنّ شريعةَ الإسلامِ قد رغَّبَتْ في استمرارِهِ، وبيَّنَت سُبُلَ دَوامِهِ، وعالَجَتْ مُنَغِّصَاتِهِ، وأعْظَمَتْ أُجُورَ أهلِه.

ودُونَكُم بعضَ الأسبابِ المُعينةِ على استقرارِ الزَّواجِ واستمرارِه:

السببُ الأوَّلُ / عدمُ العجلةِ في الحُكمِ على الحياةِ الزوجيةِ بعدمِ صلاحِها، ولُزومُ الأناةِ، فقد تتأخَّرُ الأُلفَةُ والمَحبَّةُ شهورًا أو أكثر.

وقد ذمَّ اللهُ العجلةَ، فقالَ سبحانهُ: { وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا }، ومدحَ رسولُهُ الأناةَ، فصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ لِرَجُلٍ: (( إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ ))، ويا للهِ كَمْ ضَيَّعتِ العجَلةُ مِن خَيرٍ، وكَم سَبَّبَتْ مِن ضَرَرٍ، وقد قالَ اللهُ لِعبادِه لِئلَّا يَعجلوا: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ }، وقالَ الحافظُ ابنُ حِبَّانَ: «والعَجِلُ تَصحَبُهُ النَّدامَة، وتَعتزِلُهُ السلامَة، وكانتِ العربُ تُكنِّي العَجلَةَ: أُمَّ النَّدَامَات».

السببُ الثاني / استحضارُ كلِّ واحدٍ مِن الزَّوجينِ مَحاسِنَ الآخَرِ عندَ الغضبِ والاختلافِ والشِّجَارِ وإرادةِ الافتِراق.

لأنَّ المحاسنَ تُهَدِّأُ النفوسَ، وتُقلِّلُ النُّفرَةَ، وتأتلِفُ بها القلوبُ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا يَفْرَكْ ــ أي: لا يُبغْضْ ــ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ )).

السببُ الثالثُ / استمرارُ القَوامَةِ والسِّيادَةِ للرجال، ولا تَنتقِلُ للمرأة.

لأنَّ اللهَ جعلَ القَوامَةَ في الرِّجالِ، فقالَ سبحانهُ: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }، واللهُ لا يَقضِي إلا ما فيهِ صلاحُ وسَدادُ وسعادةُ عبادِه جميعًا، وقد ميَّزَ سبحانَهُ الرِّجالَ في خِلقَتِهم وتركيبَتِهم وشخصيَّتِهم بما يَتناسَبُ مع هذهِ القَوامَةِ التي لا تَستقيمُ الحياةُ الزوجيةُ إلا بِها، وإذا انعكسَ الأمرُ فغَلبَتِ المرأةُ، وأنزَلَتْ نفسَها منزلةَ الرِّجلِ، فشِلَتِ الحياةُ الزَّوجية، وتضرَّرَ أهلُ البيتِ جميعًا، وقد صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ))، وليسَ معناهُ: أنْ تُترَكَ استشارةُ الزَّوجةِ ولا يُستفادُ مِن رأيِها، بل تُستَشارُ ويُستفادُ مِن رأيها ويُتعاونُ معها على الخيرِ، وقبولُ ذلكَ مِنها دليلُ كمالِ عَقلِ وقَوامَةِ الرَّجلِ.

السببُ الرابعُ / معرفةُ مقصودِ الحياةِ الزَّوجيةِ، وتَذكُّرُهُ باستمرِار.

وهذا المقصود هوَ: بِناءُ أُسْرةٍ صالحةٍ، وإعفافُ النفسِ، وإعانةُ بعضٍ على مصالحِ الدُّنيا والآخِرة، ومَن لم يَلتفِتْ إلى هذهِ المقاصدِ أو يَجعلْهَا دَومًا على بالِه، فسَتَختَلُّ حياتُهُ الزَّوجيةُ، وتَكثُرُ مُنغِّصَاتُها، ويَتضَّررُ الزَّوجانِ والأبناءِ والبنات، وقد لا تَستمِر، وليسَ مقصودُ الزَّواجِ التسلِيةَ واللعِبَ والسُّفرَ والنُّزهةَ، والتَّسلُّطَ والإذلالَ، ونِدِّيَةَ المرأةِ للرَّجل.

السببُ الخامسُ / فِعلُ الأسبابِ المُجدِّدَةِ والمُرَغِّبَةِ في الحياةِ الزَّوجيةِ واستمرارِها، كتَجَمُّلِ الزَّوجينِ لِبعضٍ، والهدايا بينَهما، واستعمالِ الكلامِ الطيِّبِ الرفيقِ الليِّن، ونِّداءِ بعضٍ بأحبِّ الأسماءِ إليهِ، والإعانةِ لهُ على الطاعاتِ والخيرِ عندَ التكاسُلِ والانشغالِ لاسِيَّما في أوقاتِ مُضاعَفةِ الأُجورِ، والمساعدةِ في أمورِ البيتِ أحيانًا، وإذا احتِيج.

وقد ثبَتَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( تَهَادَوْا تَحَابُّوا ))، وقالَ اللهُ تعالى: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ }، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ))، وصحَّ أنَّ عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ سُئِلَتْ: (( مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، كَانَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ ))، وعكسُ هذا انشغالُ الزَّوجةِ عن زوجِها بأولادِها وأحفادِها وصديقاتِها وخُروجَاتِها وزياراتِها وطبخِها، وغيرِ ذلك، وانشغالُ الزوجِ عن زوجتِهِ بأصدقائِه وكثرةِ مُسامرتِهم والخروجِ مَعهم، وأسفارِهِ المُتعدِّدةِ دونَ حاجَة.

السببُ السادسُ / الإنصافُ بينَ الزوجينِ عند الاختلافِ والتنازُعِ والمُناقشةِ، مع الاعترافِ بالجميلِ والفِعلِ الحسَنِ وصوابِ الآخَر، وسُلوكِ التسامُحِ والعفوِ والسُّهولة والتَّغافُل.

حيثُ قالَ اللهُ سبحانهُ مُذكِّرًا لِعبادِهِ: { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }، ولمَّا فجَرَتْ في الخُصومةِ كثيرٌ مِن النساءِ مع الأزواجِ وكفَرْنَ إحسانَهُم وجميلَهُم، تسبَّبنَ لأنفسِهنَّ بِشَرٍّ عظيمٍ وخسارةٍ كبيرةٍ، فكُنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ، إذْ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِالله؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ))، ولو فَعَلَ الرَّجلُ مِثلَ ذلكَ دخلَ في نفسِ الوعيدِ، لأنَّ كُفرانَ الجميلِ مذمومٌ مِن الجميعِ، بل يُذَمُّ الرَّجلُ بِه أكثر.

هذا وأسألُ اللهَ: أنْ يُؤلِّفَ بينَ الأزواج، ويزيدَهُم أُلفَةً ورحمَة، ويجعلَ زواجَهُم سعادةً لهُم، وعونًا على الخيرِ، إنَّه سميعٌ مُجيب.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ، وسلامٌ على عبادِهِ الذينَ اصطفَى.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فأوصيكُم بطاعةِ اللهِ وتقواهُ ومَرضَاتِه، فهيَ سببُ كلِّ خيرٍ وفلاحٍ، وأُحَذِّرْكُم معصيتَهُ، لأنَّها سببُ كلِّ شَرٍّ وبلاءِ، لِقولِهِ سبحانهُ آمِرًا: { وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، وقولِه مُحذِّرًا: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }.

ودُونَكُم تكمِلَةً الأسبابِ المُعينةِ على استقرارِ الزَّواجِ واستمرارِه:

السببُ السابعُ / القناعَةُ بما كتبَ اللهُ مِن رِزقٍ وبيتٍ وجمالٍ، وعدمُ المُنافسةِ للآخَرِين، أو التَّطَلُّعِ إلى ما عندَهُم، أو التَّوجُّعِ مِن ضِيقِ الحَال.

وبسببِ عدمِ مُراعاةِ كثيرٍ مِن الأزواجِ والزَّوجاتِ لِهذا الأمرِ تدَمَّرتْ كثيرٌ مِن البيوتِ أو زادتِ المشاكلُ فيها وكَبُرَ حَجمُها واتَّسَعَ، وبعضُ النُّسوَةِ إذا رأينَ ما عندَ غيرِهِنَّ مِن حالٍ طيِّبٍ وسَعةٍ وتَنعُّمٍ زائدٍ تَشوَّفَتْ إليهِ أنفُسُهنَّ، ونَدَبْنَ حظُّهُنَّ وتَسخَّطْنَّ على الأزواجِ أنْ ليسَ عندَهُنَّ مِثلَهُ، والواجبُ أنْ تَشكُرَ المرأةُ اللهَ على كلِّ حالٍ، وتَرضَى بما قَسَمَ لَهَا، وتَسْعَدَ بأجْرِ ذلكَ، وتَنظرَ إلى مَن هوَ أقلُّ مِنها، وهوَ أقوَى لِصَبرِها، وأكثرُ لِشُكرِها، وأكبرُ لأجْرِها، لِما صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:(( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ))، وبعضُ الرِّجالِ يَزهَدونَ بنسائِهم لأجلِ ما يُشاهدونَ مِن جمالٍ خَدَّاعٍ يَحْرُمُ النظرُ إليهِ عبرَ الفضائياتِ وبرامجِ التواصُلِ، وأخرجَهُ بهذِهِ الصورةِ أدواتُ وأصباغُ التَّجميلِ، والمُجمِّلونَ المُتخَصِّصونَ وموادِّهِم، وصالاتُ التَّجميل.

السببُ الثامنُ / الرًّغبةُ الجادَّةُ في الإصلاحِ إذا وقعَتْ بينَهُما خصومةٌ ونِزاع، فإنَّه بابُ التوفيق.

حيثُ قالَ اللهُ تعالى في شأنِ الزَّوجينِ:{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }، إذِ الرَّغبَةُ في الإصلاحٍ سببٌ عظيمٌ للإنصافِ، وللسُّهولةِ والتغافُلِ والتنازُل عن بعض ِالأمور، ولِلِّينِ مع بعضٍ، مِمَّا يُرجِعُ الحياةَ الزوجيةَ إلى سابقِ استقرارِها وحُسنِهِ، وقد قالَ اللهُ سبحانهُ: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }.

السببُ التاسعُ / إكثارُ الدعاءِ مِن الزَّوجينِ لبعضٍ، لاسِيَّما في أوقات الإجابة، وعندَ الاختلافِ: بالتوفيقِ والسَّدادِ والإنصافِ.

والدعاءُ سهلٌ ويَسير، ويَتأتَّى في كلِّ وقتٍ، ومفتاحٌ لِخيرِ الدُّنيا والآخِرةِ، ومِغلاقٌ لكلِّ شَرٍّ، وقد قالَ اللهُ سبحانهُ: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ))، ومِن دعاءِ الصالحينَ في القرآنِ: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}، وثبتَ أنَّه قيلَ للحسنِ البَصريِّ: ((يَا أَبَا سَعِيدٍ: مَا هَذِهِ الْقُرَّةُ الأَعْيُنِ؟ أَفِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الآخِرَةِ؟ فقَالَ: بَلْ فِي الدُّنْيَا, فَقِيلَ لَهُ: فَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنْ يُرِيَ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ زَوْجَتِهِ مِنْ أَخِيهِ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ حَمِيمِهِ: طَاعَةَ اللَّهِ)).

اللهمَّ: لا تجعلْ لَنَا ولا معَنَا أيِّمًا ولا أعزَبَ إلا زوَّجْتَه، ولا ذُرِّيَّةً إلا بارَكتَ لَنَا فيها، واجعلْ زواجَ المسلمينَ زواجَ خيرٍ وتعاونٍ على البِرِّ والتقوى، وجنِّبنَا كيدَ الكائدين ومَكرَ الماكِرين وإفسادَ الفاجِرين، وأصلِحِ العبادَ والبلادَ وسدِّدِ الوُلاةَ ونُوَّابَهُم، إنَّكَ سميعُ الدعاءِ، وأقولُ هذا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.