إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” حرب الدول والشعوب والأهل بالمخدرات “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” حرب الدول والشعوب والأهل بالمخدرات “.

  • 25 ديسمبر 2020
  • 3٬007
  • إدارة الموقع

حرب الدول والشعوب والأهل بالمخدرات

الخطبةالأولى: ــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ القاهرِ فوقَ عبادِه، آخذِ المُفسدينَ بشديدِ عقابِه، واللهُ عزيزٌ ذُو انتقام، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ الذي يَقبلُ التوبةَ عن عِبادِه، ويَعفو عن السيئات، ويَعلمُ ما يفعلون، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الذي جاء بشريعةٍ تَحمِي الإنسانية، وتَحفظُ أمْنَ البشرية، فصلاةُ الله وسلامُه عليه بالليل والنهار، وعلى آله وأصحابه وأتباعه على شريعته القويمةِ السَّويَّة.

أمَّا بعدُ، فيَا عِبادَ الله:

إنَّ للإجرامِ صورًا، وللإرهابِ أشكالًا، ولِخيانةِ الأُمَّةِ والأوطانِ والأهلِ ألوانًا، وإنَّ مِن أعظمِ ذلكَ وأشدِّهِ وأغلظِهِ وأكبرِهِ مفاسدَ وأضرارًا:

إدخالَ المُخدِّراتِ إلى البلاد، وترويجَها بين أهلِها، والتغاضِي أو التساهُلِ عن مُروِّجِيها، والسُّكوتَ أو التَّستُّرَ عن موزِّعيها وبائعيها، والتغافُلَ عن المُخادِعينَ الناسَ بها، ولو كانوا أقربَ قريب.

لأنَّ هؤلاءِ مُفسدونَ في الأرض، يُفسدونَ بها الدِّينَ والأخلاقَ والأمْنَ والأموالَ والصِّحةَ والأبدان، ومُجرمونَ يتسبَّبونَ لأنْ يَقتلَ أو يَسرقَ أو يَفجُرَ مُتعاطُوها، ومُدمِّرونَ لاقتصادِ الوطنِ بالإنفاق الكبيرِ في مُحاربتها، وعِلاجِ أهلِها، وإصلاحِ أضرارِها، وملاحقةِ جرائمِ أهلها، وخوَنَةٌ حيثُ يُعينونَ الأعداءَ بِها على بلدانِهم وأهليهِم، ويَتعاونونَ بها معَهم، وبالمال تُشترى ذِمَّةُ مُتعاطِيها لِضعفِه أمامَها، ومُمزِّقونَ للأُسَرِ بعقوقِ واعتداءاتِ وجرائمِ مَن يتعاطها مِن زوجٍ أو أبٍ أو أخٍ أو ابنٍ أو بنت.

ولهذا وجَبَ أنْ نُكافِحَهم، ونَبذُلَ جُهدَنا في مقاومتِهم، وكسرِ تجارتِهم، واستحقُّوا أشدَّ العقوباتِ في الدنيا والآخِرة، حيث قال الله ــ جلَّ وعزَّ ــ: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

عِبادَ الله:

إيَّاكم والتساهلَ في شأن المُخدِّراتِ أو مع تُجارِّها أو مُروِّجيها أو مُتعاطِيها حتى لا تكونوا عونًا لَهم على تمزيقِ دِينِكم، وتدميرِ بلادِكم، وإضعافِ اقتصادِكم، وتفكيكِ أُسَرِكم، فضرَرُهم على الجميع، وليس عليهم وحدَهم، وجميعُنا على سفينةٍ واحده، وكُلُّنا على ثَغر، وقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا )).

أيُّها المُتعاطِي للمُخدِّرات:

إنَّكَ اليومَ صغيرٌ أو شابٌّ، وغدًا قد تكون زوجًا وأبًا وجدًّا، ولك أبناء وبنات وأحفاد، فلا تُورِّط نفسك بالمُخدِّرات، وأبعد نفسَكَ شديدًا عمَّن يَتعاطها مِن قريبٍ لكَ أو صديق، وإنْ تورَّطتَ فتُب إلى الله، وعجِّل في العلاج، وفي إخبار أجهزةِ الأمنِ بأهلها، قبلَ أنْ تندمَ حين لا يَنفعُ النَّدم، قبلَ أنْ تَضُرَّ بدنياك وأهلِكَ وبلدِك، وصِحَّتِكَ وعقلِك، ودِينِكَ وآخِرَتِك.

أمَا اتَّعظتَ بمَن سَبقكَ في تعاطِي المُخدِّراتِ، وكيف أفسدَت عقلَه، ودمَّرَت خلايا مُخِّه، فأصبحَ شرًّا وضررًا كبيرًا على أبيهِ وأُمِّه، وزوجتِه وأبنائِه وبناتِه، وإخوانِه وأخواتِه، حتى هجروهُ ونَبذوه وأبغضوه، لِكثرةِ ما آذاهُم، وسبَّبَ لَهم مِن مشاكل، وبينَ الناسِ فضحَهُم وأصغرَهُم، بل إنِّ بعضَهم وصلَ بسبب إفسادِ المُخدِّراتِ لعقلِه إلى قتل زوجتِه أو أبيهِ أو أمِّه أو أحدِ مَن حولَه.

وإيِّاكَ أنْ تكونَ مِمَّن لا يَتَّعِظُ ولا يعتَبِرُ ولا يَنتبِهُ ولا يَعقِلُ إلا إذا رَأى الشَّرَ قد حَلَّ بنفسِه وصِحَّتِه ومالِه وأهلِه، وقد ثبتَ عن ابن مسعودٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ )).

عِبادَ الله:

لا تَضُرُّوا بنات غيرِكم بما لا ترضونَه لِبناتِكم، فبعضُ الناسِ قد فسدَ ولدُه بالمُخدِّرات، فيُعالِج فسادَه بتزويجِه لا علاجِه، ثُمَّ هو لا يُبيِّنُ حالَ ولدِهِ لِمَن خطبَ مِنهم، فيُزوِّجونَهُ وهُم مع ابنتِهم لا يَعرفونَ حالَه، فتَشقَى بِهِ ابنتُهم، وتَتضرَّرُ كثيرًا، وتُسَامُ بالأذية ليلًا ونهارًا، ويَنكِمدُ قلبُها بالهَمِّ والغَمِّ والحُزنِ والضِّيق، فكيف إذا كانت لا أهلَ لَها، أو كانت مِن بلادٍ أُخْرى، فمأساتُها أكبر، وضرَرُها أعظم، وعندَ اللهِ يَلتقي الظالمُ والمظلومُ، ويَحصلُ الحسابُ والقِصاصُ لِبعض.

اللهم اكفِنا شَرَّ الأشرار، ومَكرَ الفُجَّار، وكيدَ الأعداء، فلا حولِ ولا قُوَّة لَنَا إلا بِك.

الخطبةالثانية: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله المُستعانُ بِه على كلِّ حال، الرَّبِّ الجوادِ الكبيرِ المُتَعال، والصلاةُ والسلامُ الجميلانِ على النبيِّ محمدٍ جليلِ الخِصال، وعلى آلِه وأصحابِه كِرامِ الأفعال، وعنَّا معَهم يا ربَّنا ما تعاقبتِ الأيامُ والليال.

أمَّا بعدُ، فيَا عِبادَ الله:

اتقوا اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ حقَّ تقواه، وعظِّموهُ حقَّ تعظيمِه، وأجِلُّوهُ إجلالًا كبيرًا، فلا يَرى مَنكم إلا ما يُرضِيه، ولا يَراكم إلا حيثُ يُحِب، وإيَّاكُم والتكاسلَ عن الطاعات، والإصرارَ على الذنوبِ والآثامِ، والتسوِيفَ في التوبةِ والاستقامةِ على دِينه، فإنَّكم على وشَكَ النُقْلةِ والارتحال، ونفوسَكم وآجالَكم بيدِ اللهِ لا بأيديكم، وإليهِ وحدَه لا إلى غيرِه، ألَسْنَا نَرى الإنسانَ ينامُ في فراشِه مُطمئنًا هانئًا ينتظرَ غدَهُ ثمَّ لا يقومُ مِنه؟ ألَسْنَا نَرى مَن وافَاهُ أجَلُه وهو في مركبتِه يريدُ بيتَه وأهلَه؟ ألَسْنَا نَرى مَن قُطِعَت حياتُه وهو يُؤمِّلُ أنْ يتزوجَ، وأنْ يكون ذا مالٍ وأهلٍ وولَد؟ ألَسْنَا نَرى مَن جاءتهُ ساعةُ موتِه وهو على معصيةٍ، أو على كبيرةٍ ومُنكرٍ وفاحشة؟ ألَسْنَا نَرى مَن قَضَى نَحبَه وهو يقولُ لِنفسِهِ: غدًا أتوبُ، غدًا أرجِعُ إلى ربِّي، غدًا ألزَمُ ما يُرضِيهِ، غدًا أكونُ مِن المُصلِّينَ، غدًا أكونُ مِن الذَّاكرينَ اللهَ كثيرًا والمُستغفِرين.

وقد قال ربُكم ــ تباركَ وتقدَّس ــ مُذكِّرًا لك وواعِظًا ومُنبِّهًا: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }، وثبتَ: (( أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ ــ رضي الله عنه ــ كانَ إذا قرأً هذهِ الآيةِ: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } بَكَى حتى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ البُكاءُ، ويقولُ: بلَى يَا رَبِّ )).

جعلني اللهُ وإيَّاكُم مِمَّن لا تبْطُرُه نِعمَه، ولا تقْصُر بِهِ عن طاعةٍ معصيَة، ولا يَحِلُّ بِه بعدَ الموتِ حسرَة، وأعن الولاةَ ونوَّابَهم على كَبْحِ جِماحِ أهلِ الإفسادِ والإرهابِ والإجرامِ والفُجورِ والرَّذيلة، إنَّه ربِّي لسميعُ الدعاء، وواسعُ الفضلِ والعطاء.