إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الترغيب في صيام شعبان، وبيان أحكام قضاء رمضان، وحكم الاحتفال بليلة المعراج “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الترغيب في صيام شعبان، وبيان أحكام قضاء رمضان، وحكم الاحتفال بليلة المعراج “.

  • 11 مارس 2021
  • 2٬433
  • إدارة الموقع

الترغيب في صيام شعبان، وبيان أحكام قضاء رمضان، وحكم الاحتفال بليلة المعراج

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الموفِّقِ لطاعتِه، والإيمانِ بوحيهِ، وله الحُكمُ، وإليه تُرجعون، وصلَّى اللهُ على النبيِّ محمدٍ الأمين، وعلى آله وأصحابِه والتابعين.

أمَّا بعد، فيا عباد الله:

أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ فاتقوا اللهِ في السِّر والعلن، وراقبوه مُراقبةَ أصحابِ القلوبِ الخاشية، وإيَّاكم والأمنَ مِن مَكْرِه، والقُنوطَ مِن بِرِّه، وتعرَّضوا لأسبابِ رحمتِه ومغفرتِه، واعملوا كلَّ سببٍ يُوصلُكم إلى رضوانِه، ويُقرِّبُكم مِن جنَّته، ويُباعدُكم عن ناره، فإنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ مِن المُحسنين، وقد قال سبحانه آمِرًا لكُم بتقوا، ومُذَكِّرًا بمحاسبةِ النَّفْسِ، ومُحذَّرًا مِن نسيانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، واعلموا أنَّ مِن أعظم ما تقرَّبَ به المُتقرِّبون إلى الله، وأوصلَهم المنازلَ العاليةِ، وهذّبَ نفوسَهم وأخلاقَهم، ورقّقَ قلوبَهم وأصلحَها، وأعفَّ عن الحرام فروجَهم وألسنَتهم: “عبادةَ الصيام”، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في تعظيم شأنها: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ -: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ))، وثبت عن أبي أُمَامَةَ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ», فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ)).

عباد الله:

إنَّكم على مَقرُبةٍ مِن شهرِ شعبان، وما أدراكُم ما شهرُ شعبان؟ إنَّه شهرٌ قد جاء فيه حديثٌ حسَّنه عديدٌ مِن العلماء، عن أسامةَ بنِ زيدٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ، إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فّقَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ، إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ))، وصحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها سُئلَت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (( وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا))، فبادِروا ــ سدَّدكُم اللهُ وقوَّاكُم ــ إلى الاقتداء بنبيِّكم صلى الله عليه وسلم بالصيامِ في شهر شعبان، والإكثارِ مِنه، حتى إذا رُفعَت أعمالُكم إلى ربِّكم ــ جلَّ وعلا ــ رُفعَت وأنتم صائمون، لعَلَّه سبحانه أنْ يُعْظِمَ أُجُورَ أعمالِكم الصالحة، وإنْ صَغُرَتْ أو قلَّت، ويتجاوزَ عن تقصيراتكم، ويُدخلَكُم في عفوِه ورحمتِه الواسعة، فتَسْعَدوا وتُفلحوا دومًا وأبدًا.

عباد الله:

لقد تكاسلَ وتشاغلَ أكثرُنا عن صيام التطوع، مع عِظَمِ ما ورَدَ في شأنه مِن أحاديثَ نبويَّةٍ اكثيرةِ مُبيِّنةٍ لأنواعِه، ومُرغِّبةٍ فيه، ومُعدِّدةٍ لِثمارِه، وما فيه مِن الحسناتِ الكثيرات، والأجورِ العاليات، والمكاسبِ الطيبةِ التي تنفعُ العبدَ في دُنياه وأُخْراه، ولأنَّ النُّفوسَ تَتُوقُ وتَتشوَّقُ لِما له فضائل، وتتزايدُ أُجُورُه، وتعلو بسببه منزلةُ أهله،  فدونَكم ــ سلَّمَكم الله ــ جُملة مِن فضائل صيامِ التطوع، والتنفلِ بالصيام.

فَمِن هذهِ الفضائلِ: أنَّه مِن أسبابِ تكفيرِ الذُّنوب، لِمَا صحَّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ)).

ومِن هذهِ الفضائلِ: أنَّه مِن أسبابِ البُعدِ والعِفَّةِ عن الحرام، لِمَا صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)).

ومِن هذهِ الفضائلِ: أنَّه يُسَدُّ بِه يومَ القيامةِ النَّقصُ والخلَلُ الذي وقعَ مِن العبد في صيام الفريضة، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ)).

ومِن هذهِ الفضائلِ: أنَّه مِن أسبابِ نَيلِ العبدِ محبَّةَ ربِّه سبحانَه له، ودَفْعِهِ ودِفَاعِه عنه، وتوفِيقهِ وتسديده، وإجابةِ دعوتِه، إذ صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)).

عباد الله:

لقد جرَت عادةُ بعضِ المسلمينَ على الاحتفال في ليلة السابعِ والعشرينَ مِن شهرِ رجبٍ بِذِكْرى حادثةِ الإسراءِ والمِعراج، ويَعتقدونَ أنَّ الإسراءَ والمَعراجَ قد حصِلا في هذه الليلة.

وهذا الاحتفال والاعتقاد يَكتَنِفُه أمران:

الأمرُ الأول: أنَّ هذا الاحتفالَ غيرُ جائز، لأنَّه لم يَرد في نصوص القرآنِ والسُّنَّة النَّبويةِ، ولا فَعلَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابُه، ولا أحدٌ مِن أئمة المسلمين في القُرون الأولى، ولا أئمةُ المذاهبِ الأربعةِ وتلامذتُهم، ولا باقي أئمةِ الفقهِ والحديث، والخيرُ كلُّه والأجْرُ والسلامةُ في مُتابعتِهم، وليس في مُخالفَتِهم، ولعلَّ مَن ابتدأَ هذا الاحتفال وأَتَى بِه هُمُ الشِّيعةَ الرافضة، فبئسَ القُدوة، وبئسَ التَّشَّبُه، والعلماءُ العارِفونَ بالسُّنة يَحكمُونَ على ما كان هذا حالُه مِن الاحتفالات بأنَّه: “بِدعة”، والبِدعة مِن أشدِّ المحرَّمات، بل هي أغلظُ مِن المعصيةِ بالنصِّ واتفاق العلماء.

الأمرُ الثاني: أنَّ ليلةَ السابعِ والعشرينَ مِن شهرِ رجبٍ لا دليلَ على أنَّها الليلةُ التي حصلَ فيها الإسراءُ والمِعراج، بل قد اختلفَ العلماءُ في تاريخ وقتِ الإسراءِ والمِعراجِ على عشَرة أقوالٍ أو أكثر، واختلفوا في سَنةِ الوقوع، وشهرِه، ويومِه، ولا يَصحُّ في تحديد وقتِ ذلك حديثٌ ولا أثرٌ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، كما قال عديدٌ مِن العلماء.

بل قال الفقيهُ ابنُ دِحيَةَ المالكي ــ رحمه الله ــ: “ذَكرَ بعضُ القُصَّاصِ أنَّ الإسراءَ كان في رجب، وذلك عندَ أهلِ التعديلِ والتجريحِ عينُ الكذب”.اهـ

وقال الفقيهُ ابن العطَّار الشافعيُ ــ رحمه الله ــ: “ذكرَ بعضُهم أنَّ المعراجَ والإسراءَ كان في رجب، ولم يَثبت ذلك”.اهـ

هذا وأسأل الله أنْ يُعينَنا على الإكثار مِن صيام شعبان، وأنْ يُجنِّبَنا البدعَ، إنَّه سميع الدعاء.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله الذي بنعمتِهِ تَتِمُّ الصالحاتُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وبالله أستعين.

أمَّا بعد، فيا عباد الله:

مَن كان مِنكُم أو مِن أهليكُم قد بَقِيَت عليه أيَّامٌ مِن شهرِ رمضانَ الماضي لم يَصُمْها، فليُبادر إلى قضائها قبلَ أنْ يَدخلَ عليه شهرُ رمضانَ الجديد، فقد صحَّ عن عائشةَ ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: ((كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ))، وأمَّا مَن فرَّطَ فأخَّرَ القضاءَ بعد تَمكُنِّه مِنه حتى دَخل عليه رمضانَ آخَر: فإنَّه آثمٌ، وعليه مع القضاءِ فِديةٌ وكفارة، وهي إطعامُ مسكينٍ عن كلِّ يومٍ أخَّرَه، وبهذا قال أكثرُ الفقهاءِ، وصحَّت به الفتوى عن جمعٍ مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا وأسأل اللهَ الكريمَ أنْ يشرحَ صدورَنا بالسُّنة والاتباع، وأنْ يُسدِّدَ إلى الخيرِ والهُدى ولاتَنا وجُندَنا وأهلينا وأولادَنا وجيرانَنا، اللهم ثبِّتنا في الحياة على طاعتك، وعندَ المماتِ على قولِ لا إله إلا الله، وفي القبور عندَ سؤالِ مُنكَرٍ ونَكِير، وليِّن قلوبَنا قبلَ أنْ يُليِّنَها الموت، وارحَم موتانا وموتى المسلمين، وارفعِ الضُّرَ عن عبادِك المؤمنين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.