إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر “.

  • 18 مارس 2021
  • 4٬981
  • إدارة الموقع

الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله الذي أنزَلَ على عبادِه الدِّينَ الحقَّ المُبين، والصلاةُ والسلام على محمدٍ المبعوثِ بالإسلام رحمةً للعالمين، وعلى جميعِ الأنبياءِ والمُرسَلين، وأتباعِهمُ المؤمنين.

أمَّا بعد، أيُّها الناس:

فقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ)).

وكانتِ الدنيا سِجنًا للمؤمنِ، بالنِّسبةِ لِمَا أمامَهُ مِن النعيمِ الأخرويِّ الدائمِ، والراحةِ الخالصةِ من المُنغِّصاتِ في الدارِ الآخِرة، حيثُ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((قَالَ اللهُ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»، مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }))، فهوَ في الدنيا مسجونٌ إكرامًا لَه وتشريفًا، ورحمةً بِه وإعلاءً، لا تضييقًا عليهِ وإخزاءً، أو تنكيدًا لِه وإذلالًا، مسجونٌ لأنَّه ممنوعٌ فيها من الشهواتِ المُحرَّمة، ومأمورٌ بفعلِ الطاعاتِ الشاقةِ على النفس، ومُرَغَّبٌ بالتميم بالسُّننِ المُستحبَّات، ومُمتَحَنٌ بالصبرِ على ما فُرِضَ وقٌدِّرَ وآلَمَ، وتَرْكِ ما حُرِّم حتى يموت، وبهذا تُنال الجنَّة، وهذه أعمال أهلها.

وكانت الدنيا جنَّةً للكافرِ، بالنسبة لِمَا أمامَهُ في الدارِ الآخِرةِ من العذابِ الأليمِ الدائمِ الذي لا يَنقطع، حيثُ أهمَلَ نفسَه وأهانَها بمُتَعِ الدنيا ولذَّاتِها وشهواتِها، فيُعتبَرُ ها هُنا في جنَّةٍ ونَعيمٍ.

وقد بيَّنتِ الشريعةُ للجميعِ طريقَ الجنَّةِ من طريقِ النَّار، وما هُما مَحفُوفانِ بِه، لِيكونوا على بصيرة، ويَرحموا أنفُسَهم، ويُقدِّموا المُتعَةَ الكاملةَ الأبدية على المُتعَةِ العاجلةِ الزائلة، فصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ))، وثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الجَنَّةِ فَقَالَ: «انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا»، فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَقَالَ: فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ  بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا»، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا»، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، «فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ»، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا)).

وحينَ الموتِ، يَستعجلُ المؤمنُ إلى جنَّتِه التي كان مسجونًا عنها في الدنيا، ويَتحسَّرُ الكافر، حيثُ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:((إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ)).

وأمَّا في القبرِ، فحالُ المؤمنِ المسجونِ في دُنياه، كما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ: اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: «اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى»، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: «أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ»، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي)).

وأمَّا حالُ الكافرِ الذي جنَّتُهُ الدنيا مع القبر، وفيه، فكما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ، فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ، فَيَقُولُ اللهُ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: «اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى»، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ)).

وأمَّا في الآخِرة، فأوَّلُ غَمسَةٍ لِمَن كانتِ الدنيا سِجنَهُ، وهو: المؤمن، ومَن كانتِ الدنيا جنَّتهُ، وهو: الكافر، فتُنسيهِم جميعَ ما مَرَّ بهِم في حياتِهمُ الدنيا، حيثُ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ)).

وسُبحانَ اللهِ وبحمدِه، سُبحانَ اللهِ العظيم.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــ

الحمدُ لله، وأتوبُ إليهِ وأستغفِرُه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، مَن اتَّبَعَهُ نجَا، ومَن عصَاهُ هلَك.

أمَّا بعد، أيُّها الناس:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، حيثُ قالَ سبحانَه آمِرًا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}.

واعلموا أنَّما دُنياكُم هذهِ عَرَضٌ حاضرٌ، يأكلُ مِنها الْبَرُّ والفاجرُ، وأمَّا الآخِرةُ فأجَلٌ صادقٌ، يَقْضِي فيها مَلِكٌ قادِرٌ، والخيرُ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ في الجنَّةِ، والشَّرَّ كُلَّهُ بِحَذَافِيرِهِ في النَّارِ، وكونوا مِن اللَّهِ على حَذَرٍ، ومِن أعمالِكم في وجَلٍ، فهيَ مكتوبةٌ عليكُم، ومَعرُوضَة، وأنتم عنها مُسائَلون: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} و { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }.

اللهمَّ اجعلنا ممَّن إذا ذُكِّرَ ادَّكَر، وإذا وعِظَ اعتبر، وإذا أُعطِيَ شكَر، وإذا ابتُلِي صبر، وإذا أذنبَ استغفر، ربِّ اغفر وارحم إنك أنت الأعزُّ الأكرم، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، أنت وليُّها ومولاها، أنت خيرُ مَن زكاها، اللهم إنا نعوذُ بكَ مِن علمٍ لا ينفع، ونفسٍ لا تشبع، وقلبٍ لا يخشع، ودعاء لا يُستجاب.

وأقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم.