الأحكام الفقهية الخاصة بالصوم والصائمين
الأحكام الفقهية الخاصة بالصيام والصائمين
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ لله الذي خلق فسوى، والذي قدَّر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أنٍ لا إله إلا الله، وحده لا شريك، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث للناس رحمة وهُدى، وخيرُ مَن قام بحقوق ربَّه واتَّقى، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدُّجى، ومَن بِه وبِهم اقتدى، وعنَّا معهم يا خالق الورَى.
أمَّا بعد، فيا عباد الله:
إنَّ الفقه في الدين، وتعلًّمَ أحكامه، ودراسةَ مسائله، وحفظَ متونه لمِن أجَلِّ العبادات، وأفضل القربات، وأعظم الحسنات، ومِن تقوى الله، وأعلى خِصال المتقين، وأكبر أسباب زيادة الإيمان والخشية، وقد قال الله سبحانه مُرغِّبًا: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }، فأقبِلوا على العلم، وتزوَّدوا مِنه، لاسِيَّما ما يتعلَّق مِنه بالصيام عند حلول وقته، ووجوبه على العبد، ودونكم ــ سلَّمكم الله ــ جُملة مِن المسائل الفقهية المتعلقة بالصوم والصائمين، فنحن في شهر رمضان:
المسألة الأولى / عن صوم الصِّغار ذكورًا وإناثًا.
يُستحب للقائم على الصغير أو الصغيرة إذا رأى أنهما قد أطاقا الصوم وقدِرا عليه قبل بلوغهما أنْ يأمرَهما ويحثَّهما على صيام رمضان أو أكثره أو بعضه ليعتادانه، ويتمرَّنا عليه، وقد كان تصويمهم عند الإطاقة والقُدرة معمولًا بِه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد صحَّ عن الرُّبَيِّعِ بنت مُعَوِّذ ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت في شأن يوم عاشوراء: (( فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ ))، وصَحَّ أنَّ رجلًا أفطر في نهار شهر رمضان، وأُتِيَ بِه إلى عمر بن الخطاب ــ رضي عنه ــ فقال له: (( وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ، فَضَرَبَهُ )).
المسألة الثانية / عن صوم المُغْمَى عليه.
المُغْمَى عليه في شهر رمضان لا يَصنع أهله جهته شيئًا حتى يتبيَّن لهم حاله ويتضح، فإنْ استمر معه الإغماء حتى مات فلا شيء عليه، لا صيام عنه، ولا إطعام مساكين، لأنَّه مات قبل التمكُّن مِن القضاء، فسقط عنه، وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء، وقد صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه: (( قَالَ فِي الرَّجُلِ الْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا حَتَّى يَمُوتَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ))، وإنْ مَنَّ الله تعالى عليه بالشفاء مِن الإغماء وجَب عليه قضاء جميع أيَّام إغمائه باتفاق أهل العلم.
ومَن نَوى الصيام مِن الليل ثم أُغمِي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفِق مِنه إلا بعد غروب الشمس، فقد فسد صوم يومه هذا، وعليه القضاء عند أكثر العلماء، وأمَّا مَن نَوى الصيام مِن الليل ثم وُجِدَت مِنه إفاقة في النهار ثم أُغمِي عليه في باقيه، فصيام يومه هذا لم يَفسُد باتفاق الأئمة الأربعة، وبعض الناس قد يُغمَى عليه في نهار الصوم قليلًا ثم يفِيق، وهذا صومه صحيح ولم يَفسُد باتفاق المذاهب الأربعة، ويؤكد عدم فساد صومه ما ثبت عن ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه: (( كَانَ يَصُومُ تَطَوُّعًا فَيُغْشَى عَلَيْهِ فَلَا يُفْطِرُ ))، والغَشْيُ أو الغَشِيُّ: قليل الإغماء.
المسألة الثالثة / عن صوم المريض.
أباح الله ــ عزَّ وجلَّ ــ للمريض أنْ يُفطِر في شهر رمضان رحمة بِه وبأهله، فقال سبحانه: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }، إلا أنَّه ليس كل مرض يُبيح الفِطر لصاحبه، وإنَّما يُبيحه المرض الذي يُجهِد الصائم أو يَضُر بِه، وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وبعض الأمراض يكون حال الإنسان فيها كحال الصحيح، فهذا يجب عليه الصيام كالصحيح، وللمريض مع صيام شهر رمضان أحوال ثلاثة:
الحال الأوَّل: أنْ يكون مرضه مِن الأمراض المُزمِنة التي لا يُرجَى شفاؤه مِنها، ويَضُر بِه الصوم، أو يَشُق عليه ويُجهِده، وهذا يُباح له الفطر باتفاق أهل العلم، إلا أنَّه يجب عليه عند أكثر العلماء إذا لم يَصم أنْ يُطعِم عن كل يوم أفطره مسكينًا، وإنْ تَحامَل على نفسه فصام، فصيامه صحيح ومُجزئ باتفاق أهل العلم.
الحال الثاني: أنْ يكون مرضه مِن الأمراض التي يُرجَى شفاؤه مِنها، فهذا ينتظر حتى يُشفَى، فإنْ شُفِي قضى بعدد ما ترَك صيامه مِن أيَّام، لقوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.
ومَن نَوى الصيام مِن الليل وفي أثناء النهار أصابه مرض فإنَّه يُباح له الفِطر بالإجماع، قاله الفقيه الْبَلُّوطِيُّ المالكي ــ رحمه الله ــ.
الحال الثالث: أنْ يَمرَض في شهر رمضان، فيُفطِرَ فيه، ثم يموت قبل القضاء، وهذا لا يخلو عن أمرين:
الأوَّل: أنْ يتمكَّن مِن القضاء بحصول الشِّفاء له إلا أنَّه يُفرَّط فيموت ولم يقض بعد، وهذا يُطعَم عنه عن كل يوم مسكينًا باتفاق العلماء، وقد وصحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( مَنْ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ أَيَّامًا وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِسْكِينًا )).
الثاني: أنْ يستمِر معه المرض حتى يموت وهو لم يتمكَّن مِن القضاء، وهذا لا شيء عليه، لا إطعام عنه ولا صيام، وقد صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه: (( قَالَ فِي الرَّجُلِ الْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا حَتَّى يَمُوتَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ )).
المسألة الرابعة / عن العاجز عن الصيام بسبب كِبَر السِّن.
الرجل المُسِنّ والمرأة العجوز إذا كانا لا يُطيقان صيام شهر رمضان، فإنَّه يجوز لهما الفِطر، ولا إثم عليهما، باتفاق أهل العلم، إلا أنَّه يجب عليهما عند أكثر الفقهاء أنْ يُطعِما عن كل يوم أفطراه مسكينًا، لِما صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( الشَّيْخُ الكَبِيرُ وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ))، وثبت عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ أنَّه: (( ضَعُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَأَفْطَرَ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُطْعِمُوا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ))، ويَجب عليهما عند أكثر الفقهاء أنْ يُطعِما مساكين بعدد أيَّام الشهر، فإنْ أطعَما عددًا أقلّ بَقِيَ في ذِمَّتهما إطعام بعدد ما تركا، ولم تَبرأ حتى يُكملا العدد، وإذا وصل الرَّجل المُسِنّ أو المرأة العجوز إلى حَدِّ الخَرَف والتَّخْرِيف، فإنَّ الصوم يَسقط عنهما، لفقد أهلية التكليف وهي: العقل، وعلى هذا فلا إطعام عنهما، لا مِن مالهما، ولا مِن مُتبرع، فإنْ كانا يُميِّزان أيامًا، ويَهذيان أيامًا أخرى، وجَب عليهما الصوم أو بَدَله وهو الإطعام حال تَمييزهما، ولم يَجب حال هذيانهما.
المسألة الخامسة / عن صوم المرأة الحامل والمُرضِع.
المرأة الحامل أو المُرضِع إذا كان بدنها قويًا، وتتغذَّى تغذية جيَّدة مُفيدة، وكان الصوم لا يَضُر بِها، ولا بالجَنين الذي في بطنها أو الطفل الذي تُرضع، فإنَّها تصوم ولا تفطر، وأمَّا إذا خافت على نفسها أو على ولدها مِن الصوم، فإنَّه يُباح لها الفِطر باتفاق أهل العلم، وصحَّت بذلك الفتوى عن ابن عمر وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ ))، وللحامل والمُرضع حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يُفطِرا بسبب الخوف على نفسيهما مِن المرض، فيجب عليهما القضاء فقط عند عامة الفقهاء، لأنَّهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، والمريض لا يجب عليه إلا القضاء بنصِّ القرآن، وذهب عامة الفقهاء أو أكثرهم إلى أنَّه لا إطعام عليهما مع القضاء في مثل هذه الحالة كالمريض.
الحال الثاني: أنْ يُفطِرا بسبب الخوف على ولديهما مِن الضَّرر، فيجب عليهما القضاء باتفاق الأئمة الأربعة، وإنْ أطعمتا مع القضاء عن كل يوم مسكينًا فحسَنٌ، لثبوت الإطعام في بعض الروايات عن ابن عمر وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ مِن الصحابة.
المسألة السادسة / عن صوم المرأة الحائض أو النُّفساء.
المرأة الحائض والمرأة النُّفساء يحرُم عليهما الصيام، ويجب عليهما قضاء ما فاتهما مِن أيَّام شهر رمضان إذا طَهُرَتا باتفاق أهل العلم، وإذا طَهُرَت الحائض أو النُّفساء قبل طلوع الفجر بقليل ولو للحظات ثم نَوت الصيام، فإنَّ صيامها يكون صحيحًا، حتى ولو لم تَغتسل إلا بعد طلوع الفجر وأذانه وصلاته، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء، والنُّفساء إذا طَهُرت قبل الأربعين وجَب عليها عند أهل العلم أنْ تُصلي، وأنْ تصوم.
بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، وزادنا فقهًا بدينه وشرعه، إنَّه سميع الدعاء.
الخطبة الثانية:ــــــــــــــ
الحمد لله الغفور الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأفضلهم، وعلى آله وأصحابه، وتَمَّم بالتابعين لهم بإحسان.
أمَّا بعد، فيا عباد الله:
لا يزَال الكلام متواصلًا معكم ــ سلَّمكم الله ــ عن أحكام الصيام، فأقول مستعينًا بالله ــ جلَّ وعز ــ:
المسألة السابعة / عن جماع الصائم في نهار شهر رمضان.
الجماع في نهار شهر رمضان محرَّم على الصائم، ومُفسِد لصومه، ومَن وقع فيه مختارًا فعليه الكفارة المغلَّظة، وهذا كله ثابت بنصِّ السُّنة النَّبوية الصحيحة وإجماع أهل العلم، والكفارة المغلَّظة بنصِّ السُّنة هي: تحرير رقبة، فمَن لم يَجد فصيام شهرين مُتتابعين، فمَن لم يَستطع فإطعام سَتِّين مسكينًا.
ومَن وقع مِنه جماعٌ في أيِّامٍ عِدَّة ومُختلِفة مِن شهر رمضان، فيجب عليه عن كل يوم جامع فيه كفارة مُستقِلَّة، لأنَّ كل يوم مِن أيَّام شهر رمضان عبادة مُنفرِدة، ويجب على المجامع مع الكفارة المغلَّظة قضاء اليوم الذي أفطره، وإنْ كانت الزوجة مطاوعة لزوجها في الجماع فعليها مثل ما عليه مِن كفارة وقضاء، لأنَّها مُكلَّفة بالصوم مثله، وحصل مِنها مثل ما حصل مِنه مِن هَتك حُرمة صوم رمضان، وبهذا كله قال أكثر العلماء.
المسألة الثامنة / عن أحكام قضاء الصوم.
مَن ترَك صيام رمضان كلَّه أو بعضَه ــ وهو مِن أهل وجوب الصوم ــ فلا يخلو عن أمرين:
الأمر الأوَّل: أنْ يَترُك الصوم لِعُذر كمرض، أو سَفر، أو حيض، ونحو ذلك، وهذا لا إثم عليه ولا حَرج، لأنَّ الشَّرع قد أذِن له في الفِطر، إلا أنَّه يجب عليه القضاء بعدد ما ترَك صيامه مِن أيَّام باتفاق أهل العلم.
الأمر الثاني: أنْ يَترُك الصوم لغير عُذر مع إيمانه بفرضيته عليه، وهذا عاص لله تعالى، وقد ارتكب كبيرة مِن كبائر الذنوب، وعليه التوبة، بالنِّص والإجماع، ويجب عليه قضاء جميع ما ترَك صيامه مِن أيَّام، وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، لأنَّ الصوم كان ثابتًا في ذِمَّته، ولا تَبرأ إلا بأدائه، وهو لم يُؤدِّه، فبقي على ما كان، ومَن قَضَى ما أفطره مِن أيَّام شهر رمضان قبل الدخول في رمضان الذي بعده فلا كفارة عليه باتفاق العلماء.
ومَن أخَّر قضاء ما فاته مِن شهر رمضان حتى دخل عليه رمضان آخَر أو عِدَّة رمضانات، فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يُؤخِّر القضاء لِعُذر، كمرض يَمتدُّ بِه مِن رمضان إلى رمضان آخَر أو عِدَّة رمضانات، وهذا لا كفارة عليه، لأنَّه لم يُفرِّط، ولا يجب عليه إلا القضاء وحدَه إذا شُفِي، وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم.
الحال الثاني: أنْ يُؤخِّره مع تمكُّنه مِن القضاء حتى دخل عليه رمضان آخَر، فهذا عليه القضاء والكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم أخرَّه، لثبوت الفتوى بالكفارة عن جمع من الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، وقد قال الفقيه ابن القصَّار المالكي ــ رحمه الله ــ: وبٍه قال عَدِيدُ أهل العلم، وهو عندنا إجماع الصحابة.اهـ
المسألة التاسعة / عن كيفية إطعام المساكين لِمَن لزِمه الإطعام بسبب ترْك الصيام أو تأخيره.
جاء عن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ في إطعام المساكين طريقتان:
الطريقة الأولى: أنْ يُعطَى المساكين مِن القُوت الذي يُكال بالصاع، كالشَّعير والبُر والذُّرة والعدَس والأُرْز والدُّخْن وأشباه ذلك، حيث صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَيُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ))، ومقدار ما يُعطَى المسكين هو نصف صَاع مِن جميع ما ذُكِر وأشباهه، ما عدا البُر، فمِن الصحابة مَن قال: يُخرِج نصف صاع، ومِنهم مَن قال: رُبْعه، ونصف الصاع يَقْرُب مِن الكيلو ونصف.
الطريقة الثانية: أنْ يُعطَى المساكين طعامًا مطبوخًا يُشبعهم، حيث صحَّ عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُ ضَعُفَ عَنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَبِرَ عَنْهُ، فَأَمَرَ بِمَسَاكِينَ فَأُطْعِمُوا خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى أُشْبِعُوا )).
ولا يجوز أنْ يُعطَى المساكين نُقودًا، بل يجب أنْ يُعْطَوا طعامًا، وعلى هذا دلَّت نصوص القرآن والسُّنة وفتاوى وأفعال الصحابة، ولم يَرِد فيها ولا عنهم إلا ذلك فقط، والعلماء ــ رحمهم الله ــ مُتفقون على أنَّ مَن أخرج طعامًا فقد برِأت ذِمَّته، وأمَّا مَن أخرج نُقودًا فلا تُجزئه، ولم تبرأ ذِمَّته عند أكثرهم.
ولا يَصلح أنْ تُبذَل الكفارة في تفطير الصائمين في المساجد، لأنَّ مِنهم مَن هو فقير مسكين، ومِنهم مَن ليس كذلك، والكفارة لا تُجزئ إلا إذا صُرِفت في الفقراء والمساكين، وأمَّا إذا تُحقِّق أنَّ جميعهم مساكين فتُجزِئ.
هذا وأسأل الله تعالى أنْ يبارك لنا في أقواتنا وأوقاتنا وأعمارنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا تُلهنا بِها عن آخِرتنا، ووفقنا لِما ينفعنا في معادنا، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، وأصلح ذات بينهم، وارزقهم الأمن والإيمان، وسكِّن قلوب شيوخهم ونسائهم وأطفالهم، وأعذنا وإيَّاهُم مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، ووفِّق للخير ولاتنا وعلماءنا وجُندنا، وأصلح بِهم الدين والدنيا، اللهم تقبَّل صيامنا وقيامنا وسائر طاعاتنا، واجعلنا مِمَّن صام وقام رمضان إيمانًا واحتسابًا فغفرت له ما تقدَّم مِن ذنبه، إنَّك سميع الدعاء.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.