الترغيب في الصدقة والتذكير بإخراج الزكاة والتنبه لأماكن إخراجها ومن يجمعونها
الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــ
الحمد لله العليِّ العظيم، وأشهد أن لا إله هو القوي العزيز، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله الصادق المَصْدُوق، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه.
أمَّا بعد،أيها الناس:
فاتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله تعالى جعل الليل والنهار خِلفَةً لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا، فهما خزائن الأعمال، ومراحل الآجال، يُودعهما الإنسان ما قام به فيهما مِن عمل، ويقطعهما مرحلة مرحلة حتى ينتهي به الأجل، فانظروا رحمكم الله ماذا تودعونهما، فستجدُ كل نفسٍ ما عملت، وتعلمُ ما قدَّمت وأخرَّت في يوم لا يستطيع به الخلاص مما فات: { يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }.
أيها الناس:
إن من أعظم القُرب، وأجلِّ أعمال البِر، في شهر رمضان: الإنفاقَ في سبيل الله، والصدقةَ على المُحاويج، وإطعامَ الفقراء والمساكين، وقد قال تعالى لكم: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }، وقال سبحانه: { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }، وقال عزَّ وجلَّ: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)).
أيها المسلمون:
ألا تثقون بوعد مَن لا يُخلف الميعاد، ومَن ليس لخيره وفضله نقصٌ ولا نفاد، فإن الله وعد على الإنفاق الأجرَ ومضاعفةَ الثواب، ومدافعةَ البلايا والنِّقمِ والعذاب، والخلفَ العاجل في المال والبركة في الأعمال، ووعد بفتح أبواب الرزق، وصلاح الأحوال، فكونوا بوعده واثقين، وببرِّه ومعروفه طامعين، فالقليل مِن الإنفاق مع النية الصالحة يكون كثيرًا، ويُنيل الله لصاحبه مغفرة وأجرًا كبيرًا، حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلَّا أَخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، أَوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ، أَوْ أَعْظَمَ ))، ليتصدقَ أحدكم من درهمه من ديناره من صاع بُرِّه من صاع شعيره، كيف يَشبع أحدنا وأخوه المسلم جائع، كيف يَتقلب أحدنا في نعيم الدنيا وأخوه مُعدَم فاقد؟ أين أهل الرحمة والشفقة؟ وأين من يَقتحم العقبة ؟ { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ }، لقد قست قلوب كثير منَّا فما ينفع فيها وعظ ولا تذكير، ولقد قلَّت رغبتها في الخير فما يؤثِّر فيها تشويق ولا تحذير، أين نحن من أهل الصدقة والإحسان؟ الذين حَنوا بما في قلوبهم من الرحمة على نوع الإنسان، يسارعون إلى الخيرات، وإخراج المَخبوءات، ويفرحون بالمال الذي يدفعون به الحاجات والضرورات، ويتقربون بذلك إلى ربِّ السماوات، أولئك الذين يُظلهم الله في ظله الظليل، وأولئك الذين حازوا الأجرَ والثواب الجزيل، وسلِموا من العقاب والعذاب الوبيل، فليبشروا بالخلف العاجل من المولى الكريم، وبالبركة في أعمالهم، وأعمارهم وأرزاقهم، والخيرِ الجميل، يقول الله سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }.
نفعني وإياكم بما سمعتم، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:ــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي فرضَ الزكاة تزكية للنفوس، وتنمية للأموال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي حاز أكملَ صفات المخلوقين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أمَّا بعد أيها الناس:
فاتقوا الله تعالى، وأدُّوا زكاة أموالكم، فإن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله، ومن جَحَد وجوبها كفر، ومن منعها بُخلاً وتهاوناً فسق، ومن أدَّاها معتقدًا وجوبها راجيًا ثوابها، فليبشر بالخير الكثير والخلف العاجل والبركة.
أيها المسلمون:
أدَّوا الزكاة قبل أن تفقدوا المال مُرتحلين عنه، أو مرتحلاً عنكم، فإنما أنتم في الدنيا غرباء مسافرون، والمال وديعة بين أيديكم لا تدرون متى تعدمون، أدُّوا زكاة أموالكم قبل أن يأتي اليوم الذي يُحمي عليه في نار جهنم، فتكوى به الجِباه والجُنوب والظهور قبل أن يَمثُلَ لصاحبه شُجاعًا أقرع، فيأخذ بِشدقَيه، ويقول: أنا مالك أنا كنزك.
أيها المسلمون:
إن الزكاة لا تنفع، ولا تَبرأ بها الذِّمة حتى يخرجها العبد على الوجه المشروع بأن يصرفها في مصارفها الشرعية في الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى فقال: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }، فالفقراء والمساكين هم الذين لا يجدون كفايتهم، وكفاية عائلتهم، فمن كان له كفاية من صنعة أو حرفة أو تجارة أو راتب أو عطاء من بيت المال أو نفقة ممن تجب عليه نفقته أو غير ذلك، فإنه لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، إلا أن يكون عليه دَين يطالبه به الناس ولا يستطيع وفاءه، فلا بأس أن تعطيه لوفاء دَينه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في شأن الصدقة: (( لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ )).
ولا تضعوا صدقاتكم وزكواتكم وتبرعاتكم إلا في أيدٍ أمينة، تتمتع بِدينٍ قويم، وخوفٍ مِن الله شديد، ومنهجٍ صحيح، ولا تُعرف بحزبٍ مُنحرف، ولا جماعةٍ ضالة، ولا فِكرٍ خارجي، ولا سفاهةٍ عقل، حتى لا يتقووا بأموالكم، وتكونوا شركاءهم في الإثم والإضلال والأفساد، واحذروا الجماعات والجمعيات والشخصيات التي تجمع الأموال باسم الزكوات والصدقات والأوقاف وغيرها، وهي معروفة بانحراف المُعتقد، وضلال المنهج، والسَّعيِّ وراءَ الحُكم، وسواء كانت لها مواقع حقيقية في أيِّ بلد، أو كانت لها مواقع في الإنترنت، أو تأتيكم رسائلها عبر برامج التواصل الاجتماعي، لأنكم بهذا تنصرونها، وتنصرون مذاهبَها وأفكارها، ولا تنصرون الفقراء، وتَسُدون حاجتَهم،، بل قد تتسببون لبلدانكم بأضرارٍ عديدة، وتكالب الأعداء عليها، واتِّهامها بالإرهاب وجرائِمه.
وفقني الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، وهدانا وإياكم الصراط المستقيم إنه جواد كريم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، واجعلنا ممن فعل ذلك إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه، اللهم اكشف عن المسلمين ما نزل بهم من ضُر وبلاء، وأعذنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وقوموا إلى صلاتكم سددكم الله.