فضل شهر الله المحرم، وتخصيص آخر العام بعبادات واحتفالات، وإرسال رسائل تتعلق بذلك، وهل تُطوى الصحائف آخره
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــ
الحمد لله مُنشِئِ الأيَّامِ والشهور، ومُفنِي الأعوامِ والدُّهور، ومُقلِّبِ الليلِ والنهار، ويُديلُ الأيَّامَ بين عبادهِ عِبرةً لِذوي العقول والأبصار، والصلاةُ والسلام على عبده ورسوله محمدٍ، الذي عَمَرَ سِنينَه وشهورَه وأيَّامَه بطاعة ربِّه ومولاه، وعلى آل بيته وأصحابه، ما تكرَّرت الأعوام.
أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:
فاتقوا اللهَ تعالى حقَّ تقاته، واعلموا أنَّ تقواكم لَه سبحانَه إنَّما تَتحقَّقُ بامتثالِكم لأوامِره، واجتنابِكم لِما نَهَى عنه وزجَرَ، وتَودُّدِكم إليه بالإكثار مِن الصالحات، والمسارعةِ إلى الطاعات إلى حين ساعةِ الاحتضارِ والمَمات، وبهذا تُنالُ مغفرتُه وعَفُوه ورحمتُه، ويَحصُلُ الفوزُ بثوابه وجنَّاتِه، ويكونُ العبدُ مِن المفلحين، وقد قال تعالى آمرًا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }، وتَبصَّرُوا في هذه الأيَّامِ والشُّهورِ والأعوام، وكيفَ تَصرَّمَت يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بعد شهر، وعامًا بعد عام، ولا زِلْنَا في غفلةٍ كبيرةٍ عن الآخِرة، وتنافسٍ شديدٍ على الدنيا الفانية، وضَعفٍ في الإقبال على الله والإنابة إليه، وتقصيرٍ في الأعمال الصالحة، وتقليلٍ مِن الحسنات الزاكية، وإكثار ٍللسيئات المهلكة، ونحنُ نعلم أنَّ أمامَنا يومُ حصادِ الأعمال، فَعبدٌ فَرِحٌ مسرور مُنعَّم، وعبدٌ مُعَذَّبٌ مقهور: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }.
أيُّها الناس:
لقد أوشكتُم على الدخول في شهر اللهِ المحرَّم، أحَدِ الأشهرِ الأربعةِ الحُرم، شهرٌ شرَّفه الله وفضَّله، وأضافه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الله وعظَّمَه، فاستدركِوا فيه ما وقعَ مِن تقصيرٍ فيما مضَى مِن العُمُر بالإكثار مِن الصيام فيه، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ ))، بل إنَّ صيامَ يومِ العاشرِ مِنه يُكفِّر ذُنوبَ سَنةْ كاملة، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ )).
واحْذَروا أنْ تظلموا فيه أنفسَكم وفي باقِي الأشهرِ الحُرم بالسيئات شِركيةً كانت أو بَدَعًا أو ذُنوبًا، فقد زجَرَكم ربُّكم عن ذلك، فقال سبحانه: { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }، لأنَّ السيئات تَعْظُمُ وتَتغلَّظُ إذا فُعِلَت في زمانٍ فاضلٍ كالأشهر الحُرم، وشهرِ رمضان، وعشرِ ذي الحِجَّة الأُوَل، أو مكانٍ فاضلٍ كمكة أو مسجد، وقد صحَّ عن تلميذ الصحابةِ قتادةَ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( إِنَّ الظُّلْمَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُ )).
أيُّها الناس:
هذه ثلاثُ وقفاتٍ مُهمَّات، يَجْدُرُبِنا أنْ نَتنبَّهَ لها، ونَفقَهَ حُكمَها، ونَتَبصَّرَ بواقع الناس معها قديمًا وحديثًا:
الوقفة الأولى / عن بداية العمل بالتأريخ الهجري.
قال الإمامُ العُثيمينُ ــ رحمه لله ــ: “لم يكن التاريخُ السَّنويُّ معمولًا بِه في أوَّل الإسلامِ حتى كانت خلافةُ عمرَ بنِ الخطاب، واتَّسَعت رَقعةُ الإسلام، واحتاجَ الناسُ إلى التأريخ في أُعْطِياتِهم، وغيرِها، ففي السَّنة الثالثةِ أو الرابعة مِن خلافتِه كتبَ إليه أبو موسى الأشعريُّ: “إنَّه يأتينا مِنكَ كُتبٌ ليس لها تأريخ”، فجَمعَ عمرُ الصحابةَ فاستشارَهم، فقال بعضُهم: أرِّخوا كما تُؤرِّخُ الفُرسَ بملوكها، كلَّما هلكَ ملِكٌ أرَّخُوا بولاية مَن بعدِه، فكَرِهَ الصحابةُ ذلك، فقال بعضُهم: أرِّخُوا بتأريخ الرُّوم، فكَرِهوا ذلك أيضًا، فقال بعضُهم: أرِّخوا مِن مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال آخَرونَ: مِن مَبعَثِه، وقال آخَرونَ: مِن هِجرَتِه، فقال عمرُ: “الهجرةُ فرَّقت بين الحقِّ والباطل فأَرِّخُوا بها “، فأرَّخُوا مِن الهِجرة، واتفقوا على ذلك، ثُمَّ تشاوروا مِن أيِّ شهرِ يكون ابتداءُ السَّنَة، فقال بعضُهم: مِن رمضان، لأنَّه الشهرُ الذي أُنزِلَ فيه القرآن، وقال بعضُهم: مِن ربيعٍ الأوَّل، لأنَّه الشهرُ الذي قدِمَ فيه النبيُ صلى الله عليه وسلم المدينةَ مُهاجِرًا، واختارَ عمرُ وعثمانُ وعليٌ ــ رضي الله عنهم ــ أنْ يكون مِن المُحرَّم، لأنَّه شهرٌ حرامٌ يَلِي شهرَ ذِي الحِجَّة، الذي يُؤدِّي المسلمونَ فيه حجَّهم الذي بِه تُمامُ أركانِ دِينِهم، والذي كانت فيه بيعةُ الأنصارِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والعزيمةُ على الهِجرة، فكان ابتداءُ السَّنَةِ الإسلاميةِ الهجريةِ مِن الشهر المُحرَّم الحرام”.اهـ
الوقفة الثانية / عن بعض المحرَّماتِ التي تقعُ مِن بعض الناسِ عند قُرْبْ دخولِ العامِ الهِجريِّ الجديدِ أو خروجه.
ومِن هذه المحرَّمات:
الاحتفالُ في المساجد أو البيوت أو الطُّرقات أو غيرِها مِن الأماكن بِذِكْرى هِجرةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن مكة إلى المدينة.
والمُحتفِلُ بهذه الذِّكْرَى لا يَسير على سُنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، بل هو مُشاقٌّ لها ومُخالِف، لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يَحتفل، ولا حَثَّ أمَّتَه ودعاهم إلى الاحتفال، ولا يَسيرُ أيضًا على هَدْيِ السَّلفِ الصالح، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، لأنَّهم لم يَحتفلوا، ولا دعَوا مَن في عهدِهم ولا مَن بعدَهم إلى الاحتفال، ولا هوَ على طريق أئمةِ المذاهب الأربعةِ، وغيرِهم مِن أئمِّة الإسلامِ الأوائل، ولا يُتابِعُهم، لأنَّهم لم يَحتفلوا، ولا دعوا أحدًا إلى الاحتفال.
والعلماءُ العارِفون بنُصوصِ القرآنِ والسُّنَّةِ النَّبوية يَحكُمونَ على ما كان هذا حالُه مِن الأُمور بأنَّه بِدعة، والبِدعةُ مِن أشدِّ المُحرَّمات، وأغلظِها جُرْمًا، لِما صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُحذِّر مِنها فيقول: (( وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ))، وصحَّ عن عمرَ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، وصحَّ عن ابنِ عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً ))، ولا ريبَ عندَ الجميعِ بأنَّ ما وُصِفَ في الشَّرع بأنَّه شرٌّ، وأنَّه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يَدخل في شَديد المُحرَّماتِ وكبيرِها.
ثُمَّ اعلموا أنَّ المُحتفِلَ بهذه الذِّكرى ــ شاءَ أمْ أبَى ــ مُتشبِّهٌ بصِنفينِ مِن الناس:
الصِّنف الأوَّل: أهلُ الكُفرِ بجميع مِلَلِهم ونِحلِهم، فهم مَن جَرَت عادتهم على الاحتفال بالحوادث، ووقائعِ الأيَّام، وتَغيُّراتِ الأحوال.
الصِّنف الثاني: أهلُ الضَّلالِ ملوكُ الدَّولةِ الفاطميةِ العُبيديةِ الباطنيةِ الشِّيعيةِ الرَّافِضِيَّةِ الخوارِج، فَهُم مَن أحدَثَ هذا الاحتفالَ في بلاد المسلمين، ذَكرَ ذلك الفقيهُ الشافعيُّ والمؤرِّخُ المِصريُّ المشهورُ بالمَقْرِيزِي ــ رحمه الله ــ في كتابه: “الخِطَط”.
وهؤلاءِ القومُ قد قال عنهم مؤرِّخُ المسلمينَ الحافظُ الذَّهبيُّ الدِّمشقيُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ في كتابه “سِيَرِ أعلامِ النُّبلاء” إنَّهم: “قلَبُوا الإسلام، وأعلنوا الرَّفْض، وأبطنوا مذهبَ الإسماعيلية”.اهــ
ثُمَّ نَقلَ عن قاضي المالكية عِياضٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال في شأنهم: “أجمَعَ العلماءُ بالقيروان أنَّ حالَ بَنِي عُبيدٍ حالَ المُرتدِّين والزَّنادقة”.اهـ
فيا لِخسارةِ المُتشَبِّهِ بهذين الصِّنفين، ويا لِقَبَاحَة ما فعَل، حيثُ ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ))، ولا ريبَ أنَّه لا يَرضَى مُحبٌّ للسُّنة النَّبوية، وللنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابهِ ــ رضي الله عنهم ــ: أنْ يكون هؤلاء قدوةً له وسَلَفًا في هذا الاحتفال، أو في أيِّ أمْرٍ كان.
ثُمَّ إنَّ هِجرَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لِمَن لَه عقلٌ وإدرِاكٌ جيِّدٌ لم تكن في شهر اللهِ المُحرَّم، ولا في أوَّل يومٍ مِنه، وإنَّما كانت في شهر ربيعٍ الأوَّل، كما ذَكرَ أهلُ التأريخِ والسِّير، والذي وقعَ مِن الصحابة إنَّما هو تحديدُ السِّنينَ الإسلامية بسَنة الهِجرة، بجعلها أوَّلَّ السِّنين، وليس التَّحديدُ بيوم الهِجرة، وأنَّه هو أوَّلُ أيَّامِ السَّنة.
ومِن هذه المحرمات أيضًا:
تخصيصُ آخِرِ أو أوَّلِ جُمعةٍ مِن العامِ بمزيدٍ مِن العبادات والطاعات، أو تخصيصُ آخِرِ يومٍ مِن العامِ أو أوَّلِ يومٍ مِنه بدعاءٍ يُسمَّى دعاءَ آخِرِ العامِ أو دعاءَ أوَّلِ السَّنة، يُدعَى بِه في آخِرِ سجدةٍ أو بعدَ الركوعِ مِن آخِرِ صلاةٍ في العامِ المُنصرِمِ أو أوَّلِ صلاةٍ في العامِ الجديد، وقد يُدعَى بهذا الدعاء في أماكن الاحتفالِ بِذِكْرى الهجرة أو يَتناقله الجاهلونَ بدِينِ الله عبرَ مواقعِ الإنترنت، أو رسائلِ الجوال، أو الوتس آب، أو الفيس بوك، أو التلغرام، أو السِّناب شات، أو غيرِها مِن برامج التواصل، وهذا التخصيصُ مُحرَّمٌ وضَلالٌ بيِّن، لأنَّه لم يأت في القرآن، ولا في السُّنة النبَّوية، ولم يَفعلْه الصحابة، ولا مَن بعدَهم، ولا قرَّرَهُ أئمَّةُ المذاهبِ الأربعة وتلامذتِهم، ومَن في أزمنتِهم مِن أئمِّةِ أهلِ الفقهِ والحديث، وإرسالُ الرَّسائلِ في الدعوة إليه مُحرَّمٌ أيضًا، ومِن إشاعةِ الحرامِ بينَ الناس ونَشْرِه، وتَلْحَقُ المُرسِلَ أيضًا آثامُ مَن عمِلَ بما أرسَل، لِمَا صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ )).
وَ { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــ
الحمدُ لله الذي أوجَبَ على عبادهِ النُّصحَ في العباداتِ والمعاملات، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الذي بلَّغَ شريعةَ ربِّه إلى الخلق كاملة، فصلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه السائرين على هديه وسُنَّته.
أمَّا بعد، أيُّها الناس:
فلا يَزالُ الحديثُ معَكم متواصلًا عن بعض ما يَقعُ في آخِرِ العامِ مِن محرَّماتٍ وضلالات، فأقولُ مُستعينًا بالله ــ جلَّ وعزَّ ــ:
الوقفة الثالثة / حولَ ما يتناقلُه بعضُ الناسِ في آخِرِ السَّنةِ عبْرَ رسائلِ الجوَّالِ أو الوتس آب أو الفيِس بوك أو التِّلغرام أو السِّناب شات أو مواقع الإنترنت فيها هذا القول: ” احرصْ على أنْ تُطوى صحيفةُ أعمالِكَ آخِرَ السَّنةِ: باستغفارٍ وتوبةٍ وعملٍ صالح ” ونحو هذه الكلمات.
وهذه الرسالةُ وما شابَهَها مِمَّا يَحرُمُ على المسلم والمسلمةِ إرسَالُه وتناقُلُه ونَشرُه بين الناس، لأمورٍ ثلاثة:
الأمر الأوَّل: أنَّ في الإرسالِ دعوةً إلى تخصيص آخِرِ العامِ بشيءٍ مِن العبادات، وهذا التخصيصُ لا يُعرَفُ في القرآن، ولا في السُّنة النَّبوية الثابتة، ولا عن الصحابة، ولا مَن بعدَهم، بل هو بِدعة مُحرَّمة، والبدعةُ ضلالةٌ، وشَرٌ، وفي النار، كما جاءت بذلك السُّنة، والمُرسِلونَ لهذه الرسائلِ داخلونَ في قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ )).
الأمر الثاني: أنَّ القولَ بأنَّ صحائِفَ الأعمالِ تُطوَى في آخِر كلِّ عامٍ قولٌ يَحتاج صاحبُه إلى دليلٍ مِن القرآن أو صحيحِ السُّنة، إذ الطَّيُّ مِن أمورِ الغيب، وإلا كان قائلًا على الله وفي دِينه وشرعِه بغير علم، والقولُ على الله بغيرِ علمٍ مِن كبائر الذنوب، فأينَ دَليلُكَ يا مُرسِلَ هذا الكلام؟ أمْ هوَ الجهلُ والتقليدُ؟.
ثُمَّ ــ يا هذا ــ إنْ كُنتَ تَعقِلُ، فالتأريخُ الهِجريُّ لم يُوضَع إلا في عهد عمرَ ــ رضي الله عنه ــ، فيا تُرَى متى كانت تُطوَى صحائِفُ أعمالِ مَن كان قبلَ وضْعِ هذا التأريخ؟.
الأمر الثالث: أنَّ المُقرَّرَ عند أهل العلم أنَّ صحائِفَ أعمالِ العبدِ إنَّما تُطوى بالموت، ولا تَزال صحيفتُه يُكتبُ فيها ما عمِلَ مِن خيرٍ أو شرٍّ حتى يَنتهيَ أجَلًه بالموت.
حيثُ قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ ــ رحمه الله ــ: “وإذا انقضَى الأجَلُ رُفِعَ عملُ العُمُرِ كلِّه، وطُويَت صحيفةُ العمل”.اهـ
هذا وأسألُ اللهَ الكريمَ: أنْ يُجنِّبني وإيَّاكُم الشِّركَ والبِدع، وأنْ يَرزقَنا لزوم التوحيد والسُّنة إلى الممات، اللهم طهِّر أقوالَنا وأقلامَنا وأسماعَنا وجوارِحَنا وهواتِفَنا عن كلِّ إثْمٍ ودعوةٍ إليه، واشرح صُدورنا بالسُّنة والاتباع، وآمِنَّا في مراكبِنا ومساكِنِنا ومساجدِنا وأعمالنِا وأسفارِنا، وأصلِح وسدِّد ولاتَنا ونوَّابَهم وجُندَهم وأهلينا وأولادنا ذكورًا وإناثًا، وثبتنا في الحياة على طاعتك، وعند الممات على قول لا إله إلا الله، وفي القبور عند سؤال مُنكرٍ ونَكير، اللهم ليِّن قلوبنا قبل أنْ يُليِّنَها الموت، واجعلها خاشعةً لِذِكرِكَ وما نَزلَ مِن الحق، اللهم ارفع الضُّر عن المتضررينَ مِن المسلمينَ في كلِّ أرض، وأعذنا وإيّاهُم مِن الفتن ما ظهر مِنها وما بَطن، وارحَم موتانا وموتى المسلمين، واجعلهم في نعيمٍ دائم مُقيم، إنَّكَ سميعُ الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.