فاحشة الزِّنَى وآثارها القبيحة وطُرق البُعد عنها
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الملِكِ القهَّار، العظيمِ الجبَّار، المُحيطِ علمُه وبصرُه وقُدرتُه بجميعِ الخلائقِ في الآفاق، وفي كلِّ الأحوالِ والأحيان، عَظُمَ حِلمُه على مَن عصَاهُ فسَتر، وأمهلَ أهلَ الذُّنوبِ وصبَر، ويُملِي للفاجرِ حتى اذا أخذَهُ لم يُفلِتْه، إنَّ أخْذَهُ أليمٌ شديد، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ محمدٍ المبعوثِ رحمة وإصلاحًا، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه إلى يومِ الدِّين.
أما بعد، أيُّها المسلمون:
فإنَّنا نعيشُ في زمَنٍ قد كثُرتْ فيه الإباحِيةُ، وتضاعَفَ دُعاتُها، وتنوَّعَت قنواتُها ومواقعُها ووسائلُها وأسبابُها، حتى وصلَت أفواجٌ غفيرةٌ مِن الناس فيها إلى حالٍ مُزْرٍ وفاضِحٍ ومُخْجِل، وبلغَ التهاونُ في التَّهتُّكِ والتَّفسُّخِ في بابِ الأعراضِ مبلغًا كبيرًا، بل لم تُصبحِ الفواحشُ في كثير مِن بلدانِ الدنيا جريمةً يُحاسَبُ عليها إذا وُجِدَ الرَّضا بينَ أهلِها، ووصَلَ كثيرونَ فيها إلى أبشَعِ السُّفُول، وحَضِيضِ الحيَوانيَّة، فتعرَّوا وفجَرُوا وزَنوا وعمِلوا عملَ قومِ لوطٍ وتَساحَقوا، بل ومِنهم مَن يَفعل ذلكَ في الطُّرقاتِ والشواطئِ والمركباتِ أمامَ أعيُنِ الناسِ، وكأنَّهم بهائِمٌ، وليسوا ببشَر، وصوَّروا أنفسَهم وأفعالَهم هذه في فيديُوهاتٍ وبرامجِ التواصل، لا يَرْدَعُهم دِينٌ، ولا دولةٌ، ولا حياءٌ، ولا غَيرَةٌ، ولا مُجتمَعٌ، وليسَ المسلمونَ ولا بلادُهم بمَنأى بعيدٍ عن ذلك، لِمَا نَراهُ مِن ضَعفٍ شديدٍ في الدِّين، وتساهلٍ كبيرٍ في التربية، وانحدارٍ شديدٍ في الحياءِ، وجُرأةٍ غريبةٍ على مَحارمِ اللهِ وحُرمَاتِه، ولِمَا صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُحذِّرًا: (( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ ــ أي: الزِّنَى ــ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ، وَالمَعَازِفَ )).
أيُّها المسلمون:
إنَّ الزَّنى لا تَخفَى حُرمَتُه على مُسلمٍ عاقلٍ بالِغ، وأنَّه مُحرَّمٌ بنصِّ القرآنِ، ونصِّ السُّنةِ النِّبويةِ، واتفاقِ العلماء، بل هوَ مِن المُحرَّماتِ الكُبرى، والمُنكراتِ العُظمى، والفواحشِ الغليظة، والقبائحِ الفظيعة، والآثامِ المُهلِكة، والرَّذائلِ البَشِعَةِ، والجرائمِ الشَّنيعة، ومِمَّا يَدُلُّ على عظيمِ تحريمِ الزِّنى، وشديدِ قُبحِه، وفظاعَةِ جُرمِه، وكبيرِ فُجْرِه، وعُهْرِ فِعلِه، وأنَّه مِن كبائرِ الآثامِ وغليظِها، هذهِ الأمور:
الأمْرُ الأوَّل: أنَّ الله تعالى نَهَى عن قُربَانِه ووصفَه بالفاحشةِ وبئسَ السبيل، حيثُ قال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلًا }، بل كُنَّ النساءُ في أوَّلِ الإسلامِ يُبايِعنَ الرسولَّ صلى الله عليه وسلم على عدمِ الزِّنى، حيثُ قال الله ــ جلَّ وعلا ــ: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ }، وقد قال العلماء: “اتفقَّ جميعُ أهلِ المِللِ على تحريمِه وقُبحِه، فلم يُبَحْ في مِلَّةٍ قط”.
الأمْرُ الثاني: أنَّه مِن أكبرِ الذُّنوب عند الله التي يُضاعفُ عذابُ أهلِها، حيث صحَّ عن ابنِ مسعودٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قَالَ: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قَالَ: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا: { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } )).
الأمْرُ الثالث: غِلَظ ُعقوبةِ مُرتكِبِيه.
فإنَّ الزَّانيَ إنْ كانَ رجلًا مُحصَنًا أي: مُتزوِّجًا أو كانتِ الزَّانيةُ امرأةً متزوِّجةَ، فإنَّهما يُقتلَانِ بأبشَعِ صُورِ القتل، حيث يُرجمَانِ بالحِجارةِ على مَلأٍ ومَرأَى مِن الناسِ ومِنهم إلى أنْ يَموتا، حيثُ صحَّ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ))، والثَّيِّبُ الزَّاني هو: مَن سَبقَ لهُ زواجٌ ذَكرًا أمْ أُنثَى فيُباح دَمُه إذا زَنَى، وصحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ، وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ )).
وأمَّا إنْ كانَ الزَّانِي وكانتِ الزَّانيةُ غيرَ متزوِّجَينِ، فيُجلَدانِ مِئةَ جلدةِ، لكلِّ واحدٍ مِنهما، على مَرأى مِن الناس، ويُغرَّبانِ عن بلدِهِما وأهلِهِما ومعارِفهِما ورِفاقِهِما سَنة كاملة، حيثُ قال الله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ }، وصحَّ عن زيدِ الجُهَنِيِّ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ: جَلْدَ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبَ عَامٍ )).
الأمْرُ الرابع: أنَّ فُشُوَّ الزِّنَى مِن أسبابِ نُزولِ العذابِ بأهلِ الأرضِ، وكثرةِ العقوبات، حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا ظَهْرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَى وَالرِّبَا إِلَّا أَحَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ ــ جَلَّ وَعَلا ــ ))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا، فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا، فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ بِعِقَابٍ ))، وسببُ وجودِ المَولودِينَ مِن الزِّنَى وفُشوِّهِم هو: كثرةُ حُصولِ الزِّنى.
الأمْرُ الخامس: أنَّ الزُّناةَ مُتوعَّدونَ بالعذابِ الشديدِ في النَّار، حيثُ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: (( إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ،فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، فقُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟ فقَالاَ لِي: وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي )).
الأمْرُ السادس: أنَّ الإيمانَ يُفارِقُ العبدَ حالَ زِنَاه، حيثُ صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ))، وثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنَّه قال: (( إِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ )).
الأمْرُ السابع: أنَّ ظهورَ الزِّنَى مِن أسبابِ المُعاقبةِ بالأوبِئةِ والأمراضِ التي لم تَكنْ معروفةَ عندَ مَن مَضَى مِن الناس، حيثُ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ))، وصحَّحهُ: الحاكمُ، والذَّهبيُّ والألبانيُّ.
الأمْرُ الثامن: أنَّ ظهورَ الزِّنَى مِن أسبابِ تسليطِ الموتِ على الناس، حيثُ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( وَلَا ظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ ))، وصحَّحهُ: الحاكمُ، والذَّهبيُّ، والألبانيُّ.
الأمْرُ التاسع: أنَّ الله قد شَرعَ حدَّ القذفِ فيمَن رمَى بِه غيرَهُ بالزِّنَى بُدونِ أربعةِ شهودٍ على رؤيتِه، حيثُ قال اللهُ سبحانه: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
نفعني اللهُ وإيَّاكم بما سمعتُم، وأكرمَنا باجتنابِ ما حرَّمَ، إنَّه جواد كريم.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الرَّحيم، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ العظيمُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الكريم، فاللهمَّ صلِّ عليه مع الآلِ لهُ والأصحابِ يا حَيُّ يا قيُّوم.
أمَّا بعدُ أيُّها المسلمون:
فلقد أغلَقتْ شريعةُ الخيرِ للخلقِ، شريعةُ الإسلامِ، جميعَ الأبوابِ المُوصِلةِ إلى الزَّنَى، وسَدَّتْ ما يَدعو إليه، فأمرَت الرجالَ والنساءَ بغضِّ البَصرِ عن أسبابِه في الطُّرقات، والفضائيات، وبرامج التواصل، ومواقع الإنترنت، والهواتف، وغيرها، فقال اللهُ سبحانه: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }.
وزجَرَت عن الاختلاطِ بغيرِ المَحارمِ مِن النساء، فصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((«إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ» ))، والحَمْوُ هو: قريبُ الزَّوجِ كأخيهِ وعمِّه وخالِه وأبنائِهِما.
ومَنَعَت مِن الخَلوةِ والإنفراد بالمرأةِ دونَ محْرَمٍ، ومِن سفرِها أيضًا بغيرِ محْرَمٍ، فصحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )).
وأغلَظَت في خروجِ المرأةِ مِن بيتِها إلى أماكِنِ الرِّجالِ الأجانبِ عنها مُتعطِّرةً، فثبتَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ )).
بل وحتى في مُبايعةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم النساءَ على الإسلام لم تمَسَّ يَدُهُ يَدَ امرأةٍ أجنبيةٍ عنه، حيثُ صحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالكَلاَمِ، وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا ))، وثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ )).
هذا وأسألُ الله تعالى أنْ يُباعدَ بينَنا وبين ما حرَّمَ علينا، وأنْ يُعينَنا على ذِكرِه وشُكرِه وحُسنِ عبادته، اللهمَّ لا تُهلكنا بذنوبِنا وآثامِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا عن دِيننا وآخِرتِنا، اللهمَّ صَرَّف قلوبَنا وأسماعَنا وأبصارَنا وجوارحَنا إلى مراضيك، اللهمَّ قوِّنا بالاعتصامِ بالتوحيدِ والسُّنة، وباعدَ بينَنا وبينَ الشِّركِ والبدعِ ودعاتِهما، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ عِيشةً هنيَّة، ومِيتتةً سوِّية، ومرَدًّا غير مُخْزٍ، اللهمَّ ووفِّق ولاتَنا وجُندَنا لحفظِ الإسلامِ ونُصرَتِه، إنَّكَ سميعُ مُجيب، وأقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ اللهِ لِي ولَكم.