إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > التربية > خطبة مكتوبة بعنوان: ” صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان “. ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان “. ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 2 ديسمبر 2021
  • 14٬565
  • إدارة الموقع

صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان

 

صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان

الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله، ولا ربَّ لنَا سِواه، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه الذي لم يَجعلْ له نظيرًا، ورسولُه كافةً للناسِ بشيرًا ونذيرًا، فصَلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فقد قال ربُّكم ــ جلَّ وعلا ــ في آخِرِ سورةِ “الفُرقانِ” في وصفِ عبادِه الذين أضافَهُم إلى اسمِه الرَّحمن تشريفًا لهم، وتفضيلًا على غيرِهم، وإشارةً إلى أنَّهم إنَّما وصَلوا إلى هذهِ الحالِ بسببِ رحمتِه لهم: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } أي: باتزانٍ ووقارٍ وسَكينةٍ لا كَمِشيَةِ المجنونِ والسَّفيهِ غيرِ المُهذَّب، متواضعينَ للهِ والخلق، تطمئِنُ نفسُ مَن رآهم أو قابلَهم إليهم، ولا تَفزَع مِنهم.

ثم قال سبحانَه: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } أي: إذا تكلَّم معهم أهلُ السَّفَهِ والطَّيشِ والظُّلمِ والجهالاتِ والغضبِ المُتسَرِّعونَ العَجَلَةُ بكلامٍ جاهلٍ فاحشٍ بذيءٍ غليظٍ لم يَردُّوا عليهم بمِثله، بل قالوا: { سَلَامًا } أي: قولًا حليمًا رفيقًا جميلًا يَسلَمونَ فيهِ مِن الإثم، ويُسلِّمونَ الجاهلَ عليهم مِن التطاولِ في الأذية، وزيادةِ الوِزْر.

ثم قال سبحانَه في بيانِ حالِهم مع الخالقِ بعد بيانِ حالِهم في مُعاملةِ الخلق: { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }، فوصَفَهم سبحانَه بكثرةِ صلاةِ الليلِ، وأشارَ بقوله: { لِرَبِّهِمْ } إلى إخلاصِهم له في أدائِها، والإخلاصُ لله أحدُ شُروطِ قبولِ العملَ، وخصَّ قيامَهم بالليلِ بالذِّكرِ لأنَّهُ أبعدُ عن الرِّياء، ولأنَّ مَن يحافظُ على قيامِ الله، يكونُ أشدُّ تعاهُدًا ومحافظةً على بقيَّةِ الصلواتِ كالفرائضِ، والسُنَنِ الرَّواتبِ، والكسوفِ، والاستسقاءِ.

ثم قال سبحانه: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } أي: يَدعونَ ربَّهم بأنْ يَصرِفَ عنهم عذابَ النَّارِ، بالبُعدِ عن أعمالِ أهلِها، وبمغفرةِ ما وقعَ مِنهم مِن ذُنوبٍ سابقةٍ ممَّا هو مُقتَضٍ للعذاب، لأنَّ عذابَها غرَامٌ مُلازِمٌ لِمَن كانَ مِن أهلِها لا يَنفكُ عنه، ولا يُفارِقه، وهي أسوأُ مَقرٍّ ومُقامٍ خلقَهُ الله.

ثم قال سبحانه: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }، وهذا وصْفٌ لإنفاقِهم على عيالِهم، وأهلِيهم، ومَن تجبُ عليهمُ نفقتُهم بأنَّهم يتوسَّطون، فلا إسرافَ حتى لا يَقعوا في التبذيرِ المُحرَّم، أو يَحصلَ بسببِ هذا الإسرافِ إضرارٌ في الإنفاقِ على بقِيَّةِ أهلِ الحقوق، أو إعانةٌ للأهلِ والعيالِ بإنفاقِ ما زادَ على اللهوِ واللعبِ، والمَلذاتِ والشهواتِ،  فيكونونَ بذلك مُعينينَ لهم على مُواقعةِ الحرامِ، ولا تقتيرَ حتى لا يَضُرُّوا بأهليهم ومَن يعولون فيَأثَموا، ولِئلَّا يُلحَقوا بأهل البُخلِ والشُّحِ فيُذَمُّونَ ويُهانون، ويُطعَنَ فيهم.

ثم شَرَعَ سبحانَه بعدَ ذِكرِ إتيانِهم بالطاعاتِ ببيانِ اجتنابِهم للمعاصي، فقال سبحانه: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ }، فوصَفهم سبحانَه: بأنَّهم لا يَصرفونَ عبادةَ الدعاءِ لغيرِ ربِّهم، فلا يَصرفونَها لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيَدعونَهُ قائلين: “فرِّج عنَّا يا رسولَ الله”، ولا للحُسين فيدعونَهُ: “أجِرْنا مِن النَّارِ ياحُسين”، ولا للبدَوي فيدعونَهُ: “مدَد يا بدَوي”، ولا للجيلاني فيدعونَهُ: “أغِثنا يا جيلاني”، ولا لِزينَبَ فيدعونَها قائلين: “شيئًا للهِ يا سَيِّدة”، ولا لِغيرِهم، وقدَّمَ ذِكرَ هذهِ الصِّفةِ، لأنَّ دعاءَ غيرِ الله ِمع اللهِ شِركٌ وكُفر، وصاحبُه مُخلَّدٌ في النّار، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ ))، وأشارَ بقوله: { إِلَهًا آخَرَ } إلى أنَّ مَن دعا مع اللهِ غيرَهُ فقد اتَّخَذَهُ له إلهًا مع الله شاء أمْ أبَى، ثم وصفَهم سبحانَه: بأنَّهم لا يقتلونَ النُّفوسَ التي حرَّمَ اللهُ قتْلَها، وهي: نفسُ المُؤمنِ، ونفسُ الكافرِ الذِّمي، ونفسُ الكافرِ المُعاهَدِ، ونفسُ الكافرِ المُستأمَن، وقولُه في شأنِ القتلِ: { إِلَّا بِالْحَقِّ }، والحقُّ هو: السَّببُ المُزيلُ لِحُرمَتِها وعِصمَتها ويَحقُّ به أنْ تُقتلَ النُّفوس، كَالرِدَّةِ عن الإسلام، أو الزِّنى بعدَ الإحصانٍ، أو قتلِ مَن قتلَ مؤمنًا، أو قتلِ الكافرِ في أثناءِ الحربِ معَهم، ثم وصفَهم سبحانَه: بأنَّهم لا يَقربُونَ الزِّني، وقرَنَهُ مع الشِّركِ والقتلِ لِخُبثِهِ وعِظَمِ جُرمِه عندَ اللهِ، وعندَ الناسِ، ولِمَا فيه مِن فسادِ الأنسابِ والأعراض، وقد صحَّ أنَّ رجلًا قال: (( يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ فَقَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، فَأَنْزَلَ اللهُ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ تَصْدِيقَهَا: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } ))، وصحَّ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ )).

ثم قال سبحانه: { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } أي: لا يَحضُرونَ الزُّور، والزُّورُ هو: القولُ والفِعلُ المُحرَّم، فيَجتنِبونَ جميعَ المجالسِ المُشتمِلةِ على الأقوالِ المُحرَّمةِ أو الأفعالِ المُحرَّمةِ، كالخوضِ في آياتِ اللهِ، والجِدالِ الباطلِ، وشهادةِ الزُّور، والغِيبةِ، والنَّميمةِ، والسَّبِ، والقذْفِ، والاستهزاءِ والسُّخريَةِ، والغِناءِ المُحرَّمِ، وشُربِ الخمرِ، وفرْشِ الحريرِ، وتصويرِ ورسْمِ الصُّورِ المُحرَّمة، ومَحافِلِ الرَّقصِ والموسيقى، وأماكنِ التَّبرُّجِ والسُّفورِ والاختلاط، وأعيادِ الكفارِ، وأماكنِ الدعاءِ والذَّبحِ والنَّذرِ والطوافِ لِغير الله، وموالِدِ أهلِ البدع، وجميع أماكنِ المعاصي قوليَّةً كانت أو فِعليَّة، وإذا كانوا لا يَشهدونَ الزُّور فمِن بابٍ أولَى وأحرَى أنْ لا يقولوهُ ويفعلوه ويُشِيعوه.

ثم قال سبحانه: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا }، واللغوُ هو: الكلامُ الذي لا خيرَ فيه، ولا فيه فائدة دِينيةً ولا دُنيوية، ككلامِ السُّفهاء، ونحوهم، وقِيل اللغوُ هو: المعاصِي كلَّها، فإذا مَرُّوا بأهلِ ذلكِ وأماكِنِه { مَرُّوا كِرَامًا } أي: مُكرِمينَ لأنفسِهم، حيثُ لم يَدخلوا في هذا اللغوِ، ولم يَختلطوا بأهلِه، لأنَّه لا يَخلو مِن إثْمٍ، أو سَفَهٍ ونقصٍ للإنسانيةِ والمُروءة، فرَبَأُوا بأنفسِهم عنه، وفي قوله تعالى: { مَرُّوا بِاللَّغْوِ } إشارةٌ إلى أنَّهم لا يَقصدونَ حضورَهُ ولا سماعَه، ولكن حصلَ عندَ المُصادفة التي وقعتْ مِن غيرِ قصد.

ثم قال سبحانه: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا }، أي: إذا وُعِضُوا وذُكِّروا ونُصِحوا واحتُجَّ عليهم فيما أخطئوا أو أذْنَبوا أو قصَّروا بآياتِ القرآنِ أقبَلوا عليها، وأصغَوا أسماعهم إليها، وانقادوا لِمَا فيها، وسلَّموا بها، ولم يَستكبِروا عنها، ولا أخذَتْهُمُ العِزَّةُ بالإثم، ولا تحرَّجوا أمامَ الناسِ مِن الخضوعِ لِما دلَّت عليه، بخلافِ الكافرِ فلا تؤثِّرُ فيه، ويَستمر على حالِه كأنْ لم يَسمعْها، كأنَّ في أُذًنَيهِ صَمَمٌ، وفي قلبِه عمَى، فلا يُسلِّمُ، ولا ينقادُ، ولا يُنيبُ.

ثم قال سبحانه: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }، فبيَّنَ سبحانَه أنَّهم: يدعون لزوجاتِهم وقُرنائِهم وذُريَّاتِهم بأنْ يكونوا قُرَّةَ عينٍ لهم، ولا تَقَرُّ أعيُنهم إلا إذا كانوا مُطيعينَ لله، عامِلينَ بشريعتِه، وهذا كما أنَّه دعاءٌ لأزواجِهم وذُرِّياتِهم بصلاحِهم، فإنَّه دعاءٌ لأنفسِهم أيضًا، لأنَّ نفعَهُ يعودُ عليهم، ولهذا جعلوا ذلك هِبةً لهم فقالوا: { هَبْ لَنَا }، وثبتَ أنَّه قيلَ للحسنِ البَصري ــ رحمه الله ــ : (( يَا أَبَا سَعِيدٍ قَوْلُ اللَّهِ: { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } مَا هَذِهِ الْقُرَّةُ الأَعْيُنِ أَفِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الآخِرَةِ؟ فقَالَ: لا وَاللَّهِ بَلْ فِي الدُّنْيَا, قِيلَ: فَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنْ يُرِيَ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ زَوْجَتِهِ, مِنْ أَخِيهِ, مِنْ وَلَدِهِ, مِنْ حَمِيمِهِ طَاعَةَ اللَّهِ, لا وَاللَّهِ مَا شَيْءٌ أَقَرّ لَعِينِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَرَى وَالِداً أَوْ وَلَداً أَوْ أَخاً أَوْ حَمِيماً مُطِيعاً لِلَّهِ ))، وأمَّا دعاؤُهم: { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }، فهوَ دعاءٌ بأنْ يُوصِلهم ربُّهم إلى هذهِ الدرجةِ العاليةِ، درجةِ الكُمَّلِ مِن الخلقِ، وهي: درجةُ الإمامةِ في الدِّين، فتكونَ أقوالُهم وأفعالُهم واعتقاداتُهم موافقةً للشريعة، فيُحِبَّهم الناس، ويَقتدوا بِهم ويَهتدوا، فكأنَّهم دعوا الله بأنْ يُمكِّنهم مِن فِعلِ العباداتِ التي تُوصِلُهُم إلى هذهِ المنزلة.

وسبحانَ اللهِ حِينَ تُمسُون، وحِينَ تُصبحُون، وعَشِيًّا وحِين تُظْهِرُون.

الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ أوَّلًا وآخِرًا، وصَلَّى اللهُ وسلَّم على محمدٍ وآلٍه وصحبٍه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فلقد سمعتُم صفاتَ عِبادِ الرحمن، وتعرَّفتُم إليها، فكونوا مِنهم، وامشُوا في ركابِهم، واتقوا اللهَ بالتَّحلِّي بها، فقد ختمَها الله بخاتِمَةٍ جليلةٍ تُبشِّرهم لِيزدادُوا خيرًا، وتَسعَدَ نفوسُهم، فقال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا }، والغُرفةُ هي: الجنَّةُ التي يَنالونَ فيها المنازلَ الرفيعةَ، والمساكنَ الأنيقةَ الجامعةَ لكلِ ما يُشتَهى، وتلذُّه الأَعيُن، خيرُ مُستقَرٍّ، وأفضلُ مُقام، وأنعَمُ مجلِس، ولِصَبرِهِم على فِعلِ الخيراتِ، وترْكِ المُنكراتِ، نالوا ما نالوا، { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا } يَعنِي: مِن ربِّهم، ومِن ملائكتهِ الكِرام، ومِن بعضٍ على بعض، ويَسلَمونَ فيها مِن جميع المُنغِّصَّاتِ والمُكدِّرات، وقد صحَّ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ )).

اللهم إنَّا نسألكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعمل، ونعوذُ بكَ مِن النَّار وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعمل، ربَّنا اصرْف عنَّا عذابَ جهنَّمَ إنَّ عذابَها كان غرامًا، ربنَّا هبْ لنَا مِن أزواجِنا وذُرِّياتِنا قُرَّةَ أعيُنٍ واجعلنا للمتقينَ إمامًا، ربنَّا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخِرةٍ حسنةً وقِنا عذابَ النَّار، ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذا هديتَنا وهبْ لنا مِن لدُنكَ رحمةً إنَّك أنتَ الوهاب، هذا وأقولُ ما سمعتُم، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكم.