لا تربوا أبناءكم وبناتكم على أن يتقاطعوا ويتباغضوا إذا أخطؤوا في حق بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تُربوا أبناءكم وبناتكم على أنْ يتقاطعوا ويتباغضوا إذا أخطؤوا في حق بعض
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ لله الذيِ خلقَ مِن الماءِ بَشَرًا، فجعلَهُ نسَبًا وصِهرًا، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ العلِيُّ الأعلى، وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المُرتضَى، فصَلَّى اللهُ عليهِ دومًا وأبدًا، وعلى آلِه وأصحابِه ساداتِ أهلِ الرُّشْدِ والتُّقَى.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فإنَّ شأنَ الأُخُوَّةِ ــ ذُكورِيَّةً كانت أو أُنثَوِيَّةً ــ لَعظيمٌ جليل، ورابطَها كبيرٌ ومَتِين، وآصِرَتَها عالِيَةٌ نَفيسَة، بل هيَ أقوَى الراوابطِ بعدَ الأُبُوَّةِ والأُمُومَةِ والبُنُوَّة، إذ خَرجوا جميعًا مِن صُلْبٍ واحدٍ، فكانوا إخوةً لِأًبٍ أو أُمٍّ، أو مِن صُلْبَينِ، فكانوا أشقاء، وحمَلَهُم بَطنُ الأُمِّ جميعًا، ورضَعوا مِن لَبَنِها، وبِرابطَةِ الأُخُوَّةِ يَسعَدونَ ويأنَسون، ويَزِينُونَ ويَجْمُلُون، ويَقوَونَ ويَعلَون، ويَتعاضَدونَ ويَتحامَون، ويَتواسَونَ ويَتوارثُونَ، ويَفخَرونَ ويَتعزَّزُون، ويَتَّسِعُ التَّرَاحُمُ بينَهُم، ويَزدادُ التَّوادُّ والتَّواصُلُ والتَّعاطُف، وتَكثُرُ شَفقتهُم وحُنُوهُم ولِينُهُم ببعض، ويَقوَى احتمالُهم وتجاوزُهُم وعفوُهُم وتغافُلُهُم وصبرُهُم لِخطَئِهم على بعض، وتَكْبُرُ إعانَتُهُم ونُصْرَتُهُم لِبعض.
ولِعظيمِ شأنِ الأُخُوَّةِ، فإنَّهُ لمَّا أكرَمَ اللهُ كليمَهُ موسَى ــ عليه السلام ــ بالنُّبُوَّةِ وفضلِها الكبير، وعملِها الجليلِ، وأجرِهَا الكثيرِ، أحَبَّ حُصولَها أيضًا لأخيهِ هارونَ ــ عليه السلام ــ فقال يَدعو ربَّهُ: { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي }، فاستجابَ اللهُ دعاءَهُ هذا لأخيهِ، فقال سبحانه: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا }، وقال تعالى: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ }.
ولِعظيمِ حقِّ الأُخُوَّةِ، تَرَكَ الصحابيُّ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ ــ رضي الله عنهما ــ مصلحةَ نفسِهِ بالزواجِ مِن امرأةٍ بِكْرٍ وتزوَّجَ بِثَيِّبٍ، مع أنَّه كانَ في سِنِّ الشباب، فقالَ ــ رضي الله عنه ــ: (( تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ تَزَوَّجْتَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «بِكْرٌ، أَمْ ثَيِّبٌ؟» قُلْتُ: ثَيِّبٌ، قَالَ: «فَهَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا، وَتُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَخَشِيتُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُنَّ، وكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ» )).
أيُّها المسلمون:
قد يَحصلُ بين الإخوةِ أو الأخواتِ خِلافٌ وتجاوُزٌ وخطأٌ وتقصيرٌ في حقِّ بعض، وقد يكونُ على مالٍ وعقارٍ وأرضٍ وإرْثٍ، أو في تجارة، أو بسببِ زواجٍ وزوجاتٍ وأزواجٍ وأصْهَار، أو مواقفَ سيئةٍ مع بعض، أو معَ والدٍ أو والدَة أو ابنٍ أو بِنت، أو لأجلِ صُدورِ أفعالٍ تَجْرَحُ أو تَشِينُ أو تُهِين أو تَفضَح، أو كلامٍ قَبيحٍ وغليظٍ ثَقيلٍ على النَّفس، أو لِضَعفِ إعانةٍ أو صِلَة، أو جَحْدِ إحسانٍ وفضلٍ ومعروف، أو غيرِ ذلك.
لكنَّ هذا الخِلافَ والخطأَ والتَّجاوَزَ والتقصيرَ لا يَليقُ ولا يجوزُ:
ــــ أنْ يَتجاوزَ حُدودَه، ويَعلُوَ على وِثَاقِ الأُخُوَّةِ وعُرَاها، فيَكسِرَها ويُفلِّلَها ويَقطعَ مَودَّتَها وآصِرَتَها، ويَقلِبَها إلى تباغُضٍ وتقاطُعٍ وشَحناء، وطعنٍ في بعضٍ وتَسفيهٍ وتشوِيهٍ وتَكرِيهٍ وتحذير، وإدخالِ الحُزْنِ والأَلَمِ والحسرَةِ والضِّيقِ والكرْبِ على الوالدِ أو الوالدةِ أو عليهما جميعًا.
ــــ أو تَنغلِقَ دُونَهُ وبِسَببِهِ أبوابُ الصُّلحِ والتراجُعِ والأَوبَةِ، أنَفَةً للنَّفسٍ، وقساوةً مِنها، وغِلَظًا فيها، فيَمتدَّ عندَ بعضِهم حتى الموتَ أو السِّنينَ الطَّوال.
ــــ أو يَكْبُرَ مع الأيامِ ولا يَصغُر، ويَتَّسِعَ ولا يَضيق، ويَشتَدَ ولا يَنحسِر.
ــــ أو يَزيدَهُ الوالدانِ أو أحدُهُما أو الزَّوجاتُ أو الأزواجُ أو الإخوةُ والأخواتُ أو الأبناءُ والبناتُ أو غيرُهم مِن القرابةِ والأصهارِ ضَراوةً وشَراسةً وهجْرًا وقطيعةَ، ويكونوا مَغاليقَ خيرٍ وصُلحٍ وتَهدِئة وتراجُع، ومفاتيحَ شَرٍّ وفُرْقَة واختلافٍ وفتنةٍ وفساد.
ولَنا في نَبِيِّ اللهِ يُوسفَ ــ عليه السلام ــ ومَوقِفِهِ مِن إخوتِه، أُسوَةُ حسَنة، فإنَّهُم اعتدَوا عليه صغيرًا، فتَشاورُوا في قتلِه، وفرَّقُوهُ عن أبيهِ الشيخِ الكبير، وألقَوهُ في قَعْرِ البِئرِ المُوحِشةِ المُظلِمة، ولمَّا أُنقِذَ مِنها أهانُوهُ فباعُوهُ لِقومٍ سَيارة، وبثمنٍ بَخْسٍ دراهِمَ معدودةٍ كأنَّهُ عبدٌ مَملوكٌ غيرُ مرغُوبٍ فيه، ورَمَوهُ بالسِّرقة، وحينَ مكَّنهُ اللهُ وأضعَفَهُم والتقَوا بِه وعرَفوهُ، اعتذَرُوا له، واعترَفُوا بذَنْبِهِم، فقالوا: { تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ }، فقابلَهم ــ عليه السلام ــ بالعفوِ والمُسامحةِ وعدمِ المُعاتبةٍ واللَّومِ والدعاءِ لَهم بالمغفرةِ، فقال: { لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }، ثُمَّ أمرَهُم بإحضارِ أبَوَيهِ وأهلِهِم أجمعينَ، لِيُكرِمَهُم بِقُربِهِ وإحسانِهِ وكرَمِه، وتَلطَّفَ معَهُم فجعلَ ما حصلَ مِنهم معَهُ مِن نَزْغِ الشيطان، فقال بعد قُدومِهم جميعًا إليه: { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي }.
وحِين رَجعوا إلى أبيهِم يعقوبَ ــ عليه السلام ــ بقميصِ يُوسفَ اعتذَرُوا مِنه، واعترفوا بخطئِهم أمامَه، وطلبوا أنْ يَدعوَ الله لهُم بالمغفرة، فقالوا: { يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ }، وكانَ أبوهُم ــ عليه السلام ــ معَ شناعةِ ما فعلوهُ في حقِّهِ، وحقَّ أخيهِمُ الصغير، عونًا لهم على التوبةِ مِمَّا فعلوه، ومُسامِحًا لهم، وطالبًا لهُم المغفرةَ مِن ربِّه، فقال لهُم: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.
أيُّها المسلمون:
لا تكونوا عونًا لأبنائِكُم وبناتِكُم في تقاطُعِهم وتَباغُضِهم وتَنافُرِهم وتَهاجُرِهِم إذا كَبِروا واختَلفوا، وأخطأَ بعضُهم على بعض، وتَظالَمُوا فيما بينَهم، فيَرَونَ مِنكُم نفسَ هذهِ المواقفِ الشَّنيعةِ مع إخوانِكُم أو أخواتِكُم ، فإنَّ هذهِ الطريقةَ بمَثَابةِ تربيةٍ عمليةٍ مِنكُم لهُم على ذلك، لأنَّ الأفعالَ تُؤثِّرُ أكثرَ مِن الكلام، وتَرسَخُ في الذِّهنِ والنَّفسِ أشَد، وقد تَجعلُهم يَستسهِلونَ فِعلَ ذلكَ مع إخوانِهم وأخواتِهم، لأنَّهُم قد رَأوا مِثلَهُ مِن أبيهِم أو مِن أُمِّهِم، وشاهدُوهُ مُنذُ الصِّغر، وعايَشُوهُ أيَّامًا طويلة، أو شُهورًا مُتتابِعَة، ورُبَّما سِنينَ عديدة.
ولِيَحذَرِ الزَّوجُ: أنْ يكونَ عونًا لِزوجتِهِ على اتَّخاذِ مِثلِ هذهِ المواقفِ مع والِدَيها أو أحدهِما أو معَ إخوتِها أو أخواتِها، فقد يَقتدي أبناؤهُ وبناتُهُ بِها إذا كَبِروا، وليَكنْ عونًا لها على العَفوِ والصَّفح، ومِفتاحَ خيرٍ بينَها وبينَ أهلِها، لا مِفتاحَ شَرٍّ، ومُذكِّرًا لهَا بعظيمِ أجْرِ الصَّبرِ والعَفو، وومُنبِّهًا لهَا إلى أنَّ أقرَبَ الناسِ إليها أهلُها، وهُم أحقُّ الخلقِ بعَفوِها وصفْحِها ومُسامحَتِها ورِفقِها ولِينِها ولُطْفِها وتجاوُزِها وتغافُلِها.
ولِتَحذَرَ الزَّوجةُ: أنْ تكونَ عونًا لِزوجِها على اتَّخاذِ مِثلِ هذهِ المواقفِ مع والِدَيهِ أو أحدهِما أو معَ إخوتِهِ أو أخواتِهِ، فقد يَقتدي أبناؤها وبناتُها بِه إذا كَبِروا، ولتَكنْ عونًا له على العَفوِ والصَّفح، ومِفتاحَ خيرٍ بينَهُ وبينَ أهلِه، لا مِفتاحَ شَرٍّ، ومُذكِّرَةً لهُ بعظيمِ أجْرِ الصَّبرِ والعَفو، ومُنبِّهةً لهُ إلى أنَّ أقرَبَ الناسِ إليه أهلُه، وهُم أحقُّ الخلقِ بعَفوِهِ وصفْحِهِ ومُسامحَتِهِ ورِفقِهِ ولِينِهِ ولُطفِهِ وتجاوُزِهِ وتغافُلِه.
وقد قال اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ آمِرًا ومُرغِّبًا: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }، وقال سبحانَه: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُبشِّرًا: (( وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ))، وكانَ أبو الدَّرداءِ ــ رضي الله عنه ــ يقول: (( مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحُ لِلْخَيْرِ، وَمَغَالِيقُ لِلشَّرِّ، وَلَهُمْ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحُ لِلشَّرِّ، وَمَغَالِيقُ لِلْخَيْرِ، وَعَلَيْهِمْ بِذَلِكَ إِصْرٌ )).
ولِيعلَمَ الأزواجُ والزَّوجاتُ أنَّ رابطَ الأُخُوَّةِ وآصِرَتَها وأحكامَها لا تزولُ ولا تنقطعُ مهما حصلَ بينَهُم مِن خطأٍ في حقِّ بعض، لأنَّها رابطةُ نسَبٍ ودَم، بخلافِ عقدِ الزَّوجية فيَنقطعُ بالطلاقِ والخُلعِ.
جعلَنِي اللهُ وإيَّاكُم مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشر، إنَّهُ سميعُ الدعاء.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي لا تَنفَدُ خزائِنُهُ مع كثرةِ أفضَالِه, والصلاةُ والسلامُ على مَن أُوتِيَ جوامعَ الكَلِمِ، ومَحاسِنِ السُّنن، ومَكارمِ الأخلاق، وأصحابِه وآلِه.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فإنَّ مِمَّا لا يَليقُ ولا يَجوزُ ولا يَنبغِي بالمرَّة:
أنَّ يكونَ الأبناءُ والبناتُ عونًا لآبائِهم أو أُمَّهاتِهم على القطيعةِ والتباغُضِ والطعنِ في إخوانِ الآباء والأُمَّهاتِ وأخواتِهم، مهما حصلَ بينهُم مِن خلافٍ وتَجاوزٍ وخطأ في حقِّ بعض، لأنَّ مَقامَ الأُخُوَّةِ كبير، وحقَّها عظيم، والمِساسَ بجانِبِها وخِيم، وتَفكيكَ أو إضعافَ آصِرَتِها ذَنْبٌ غليظٌ، وإِثْمٌ كُبَّار، إذ العُمومَةُ بمَقامِ الأُبوَّة، حيثُ تَحمَّلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صَدقةَ عمِّهِ العبَّاسِ ــ رضي الله عنه ــ لأجلِ أُخوَّتِهِ لأبيِه، وأنَّه بِمَقَامِه ومنزلتِه، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال حِينها: (( أَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِىَ عَلَىَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا، يَا عُمَرُ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ))، أي: مَثيلُهُ ونظيرُه، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال في شأنِ الأخواتِ: (( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، اتَّقَى اللهَ وَأَقَامَ عَلَيْهِنَّ، كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ )).
بل إنَّ الأبناءَ والبناتِ لا يَرضونَ أنْ يَفعلَ مِثلَ ذلكَ السُّوءِ معَهُم أحدٌ مِن الناسِ جهةَ إخوانِهم وأخواتِهم، فكيفَ يَليقُ أنْ يَقوموا بِه مع أعمامِهم وعمَّاتِهم، بل حقُّهُم أنْ يكونوا أكبرَ عونٍ لِتآلُفِ وائتِلافِ وتصالُحِ آبائِهم وأُمَّهاتِهم مع إخوانِهم وأخواتِهم.
ألَا فاتقوا اللهَ ــ عِبادَ اللهِ ــ بالحْذَرِ مِن أنْ تكونَ بينَكُم وبينَ إخوانِكُم وأخواتِكم نُفرَةٌ وشَحناء، وعداوةٌ وبَغضاء، وتحاسُدٌ وتهاجُر، وغِلٌّ وحِقد، وغِلظةٌ وجفاءُ، وقطيعةٌ وفُرْقةٌ، وقسوةٌ ووحْشَة، وبالحَذّرِ مِن أنْ يَكونَ عفوكُم وتجاوزُكُم ولِينُكُم ورِفقُكُم ولُطفُكُم وتغافلُكُم وسَعَةُ صُدورِكُم واحتمالَكُم الأذَى مصروفًا لِعمومِ الخلق، وقويُّ معَهُم، لكِنَّهُ ضعيفٌ مع إخوانِكُم وأخواتِكم، ويَطمعُ بِه مِنكُمُ البعيد، ويَأنسُ بِه الرَّفيق، ويَتمنَّى قليلًا مِنهُ القريب، وقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال وهو يَخطبُ بالناس: (( يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ )).
أجارَنِي اللهُ وإيَّاكُم مِن مُنكراتِ الأعمالِ والأخلاقِ والأهواء، اللهمَّ ارزُقنا الهُدى والتُّقى والعفافَ والغِنى، وعافِنا مِن كلِّ شَرٍّ قاصرٍ ومُتعدٍّ وفتنة، وطهِّر قلوبَنا وألسنَتَنا وجوارَحَنا عمَّا يُغضِبُكَ ويُردِينا، وأصلح أحوالَنا وأحوالَ أهلينا أجمعين، وارْحَم أمواتَنا، ونَعِّمهُم في قبورِهم، وأكرِمْ ولاةَ أمورِ المسلمينَ بالعملٍ بما يُرضِيك، ويُصلحُ دِينَ المسلمينَ ودُنياهُم وأحوالَهم، إنَّكَ يا ربَّنا سميعٌ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم