بذل الأسباب حتى لا تهلك النفس والأهل والعيال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذْل الأسباب حتى لا تهلك النفس والأهل والعيال
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي بنعمتِه تتِمُّ الصالحات، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ القهَّار، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الدَّاعِي إلى رضوانِ ربِّه، اللهمَّ صَلِّ عليه، وارضَ عن آلِه وأصحابِه، وعنَّا معَهُم.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فاتقوا اللَه ــ جلَّ وعلا ــ بحمايةِ أنفسِكم وأهليكم، وجميعِ مَن تعولونَ، ومَن تحتَ تربيتِكم وتعلِيمِكم، مِن أنْ تكونوا أو يكونوا حُثالَةَ الخلْقِ، وسَقَطَ البشريةِ، وخِباثَ الناسِ، وحُقراءَ الأُمَم، وأفراخَ المُفسِدين، وأدواتَ المُبطِلين، وأذنابَ الفاجِرين، ومُستخَرَجاتِ القَذِرِينَ، الذين يَسيرونَ خلْف خُططِ وبرامجِ وأهدافِ الماسونيةِ العالميةِ اللادِينيَّة، وقادتِها مِن رجالاتِ اليهودِ والنصاري، وأذيالِهم وأبواقِهم في الشَّرقِ والغرب، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُحذِّرًا لنَا: (( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ))، وقال اللهُ سبحانَه آمِرًا لنَا ومُرهِّبًا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ))، والرِّاعِي هو: الحافظُ المُؤتَمَنُ بإصلاحِ ما قامَ عليه، وما هو تحتَ نظرِه.
أيُّها المسلمون:
إنَّنا نعيشُ في زمَنٍ: قد كثُرتْ فيه الإباحِيةُ، وتضاعَفَ دُعاتُها، وتنوَّعَت قنواتُها ومواقعُها ووسائلُها وأسبابُها، حتى وصلَت أفواجٌ غفيرةٌ مِن الناس فيها إلى حالٍ مُزْرٍ وفاضِحٍ ومُخْجِل، وبلغَ التهاونُ في التَّهتُّكِ والتَّفسُّخِ في بابِ الأعراضِ مبلغًا كبيرًا، بل لم تُصبحِ الفواحشُ في كثيرٍ مِن بلدانِ الدنيا جريمةً يُحاسَبُ عليها إذا وُجِدَ الرَّضَا بينَ أهلِها، ووصَلَ كثيرونَ فيها إلى أبشَعِ السُّفُول، وحَضِيضِ الحيَوانيَّة، فتعرَّوا وفجَرُوا وزَنَوا وعمِلوا عملَ قومِ لوطٍ وتَساحَقوا، بل ومِنهم مَن يَفعل ذلكَ في الطُّرقاتِ والشواطئِ والمركباتِ أمامَ أعيُنِ الناسِ، وكأنَّهم بهائِمٌ، وليسُوا ببشَر، وصوَّروا أنفسَهم وأفعالَهم هذه في فيديُوهاتٍ وبرامجِ التواصل، لا يَرْدَعُهم دِينٌ، ولا دولةٌ، ولا حياءٌ، ولا غَيرَةٌ، ولا مُجتمَعٌ، وليسَ المسلمونَ ولا بلادُهم بمَنأىً بعيدٍ عن ذلك، لِمَا نَراهُ مِن ضَعفٍ شديدٍ في الدِّين، وتساهلٍ كبيرٍ في التربية، وانحدارٍ شديدٍ في الحياءِ، وجُرأةٍ غريبةٍ على مَحارمِ اللهِ وحُرمَاتِه.
إنَّنَا نعيشُ في زمَنٍ: قد تلاطمَت فيه أمواجُ الفتن، وتكاثَرت أسبابُ الفسادِ والعَفن، وفاضَت مَهاوِي الرَّدَى ومساقِطِه، وتزايدَ أهلُ الشَّرِ ودعاتُه، وتناصروا على بَثِّ الحرامِ ونَوَّعُوا وتَفنَّنوا، يُفشُونَهُ بالليل والنَّهار، وفي السِّرِ والعلَن، وبالمقالِ والفِعال، فِتَنُهم عِظام، وشُرورُهم جِسام، وتدميرُهم كُبَّار، وخطرُهم شديدٌ قتَّال، أتوا بفتنٍ تحرقُ الدِّين، وفتنٍ تحرقُ العقل، وفتنِ تحرقُ الأخلاق، وفتنٍ تَهتِكُ بالأعراض، وفتنٍ تُخرِّبُ العِبادَ والبلاد، وتُورِّثُ الذُّلَ والهَوان، وتُسلِّطُ الأعداءَ والفُجَّار، وتُخلِّفُ العقوباتِ والدَّمار.
وفتنُ الشُّبهاتِ والبِدَعِ المُضِلَّة، وفتنُ الشَّهواتِ والمعاصي المُضِرِّة، وفتنُ الأحزابِ والجماعاتِ والانتماءات، وفتنُ أهلِ التكفيرِ والتفجير، وفتنُ العَلمانيينَ واللبرالَيينَ والتَّغريبيين، وفتنُ أجهزةِ الإعلامِ المقروءةِ والمسموعةِ والمَرئِية، وفتنُ النساءِ وتَكشُّفِهِنَّ وتَعرِّيهِنَ والاختلاطِ معهُنَّ والاتصالِ بهِنَّ، وفتنُ الشَّاذِّينَ جِنسيًا والشَّاذات، وفتنُ الفضائياتِ ومواقعِ الإنترنت، وفتنُ المسارحِ والمراقصِ والسِّينما، وفتنُ الشواطِئِ والمُنتزهات، وفتنُ المَهرجاناتِ والمُنتديات، وفتنُ جُلساءِ وجليساتِ السُّوء، وفتنُ المُسكِراتِ والمُخدِّرات، وفتنُ الأسفارِ، وفِتنُ برامجِ التواصلِ الاجتماعِي، حتى صارَ الوالدُ أو الوالدةُ مع أبنائهما وبناتهما بمثابةِ راعِي الغنمِ في أرضِ السِّباعِ الضَّارية، إنْ غَفلَ عنها أو تهاونَ أكلتْها أو مَزَّقتْها، ويا للهِ كم ضاعَ مِن الأبناءِ والبناتِ وفسَدوا وهلَكوا بسببِ تقصيرِ وإهمالِ وتَغافلِ واستِسهالِ الآباءِ والأُمَّهات.
وصدَقَ اللهُ القائلُ سبحانه: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، والقائلُ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ }.
ألَا فاتقوا اللهَ ــ عِبادَ اللِه ــ في تربيةِ أبنائِكُم وبناتِكم، أحسِنوهَا، واحرِصوا شديدًا على إصلاحِها، وابذُلوا وسْعَكُم فيها، وادفعوا عنهم أسبابَ الفسادِ، ولا تكونوا مِمَّن يُعِينُهم على الفساد، أو يُيَسِرُ لهم أسبابَه، وجنِّبوهُم قدْرَ استطاعتِكم مُخالَطةَ مَن لا يُوثقُ بدِينِهِ وخُلُقِه وأمانتِه ومَدخلِه ومَخرَجِه، مِن بعيدٍ أو قريب، وأبعِدُوهُم عن أسفارِ ومجالِسِ ومُلتقياتِ ونوادِي ومسارحِ ومجامِعِ الفساد الدَّينِي والأخلاقِي، وفرِّقوا بينَهم في مضاجِعِ النَّوم، واهتموا بألبستِهم في البيتِ، وفي خارجِ البيتِ، حتى لا تفتِنَهم، فتُوقِعَهُم في فواحشِ المِثلِيين، وقبائِح اللادِينِيين، وبهيميَّةِ الشَّاذِين، ويكونوا لُقمَةً سهلةً للفاجِرين، وكلُّ ذلكَ مُجلَّلًا بالرِّفقِ واللِّين، والشَّفقةِ والرحمة، وجميلِ الكلامِ، وبعيدًا عن العُنفِ المُفرِط، والغِلظةِ المُوحِشَة، مع المُتابعةِ والمُراقبة، والترغيبِ والترهيب، وإظهارِ العطْف والحُنُوِّ، ولا تتساهلوا أو تتغافلوا، فإنَّ النَّارَ المُحرِقةَ للأخضرِ واليابسِ أصلُها مِن شرارةٍ صغيرة.
واعلموا ــ سدَّدكمُ اللهُ ــ أنَّ مِن دعاءِ الصالحينَ لأنفُسِهم وأهلِيهِم: { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الرحمن، وصلاتُه وسلامُه على المُرسَلين، وأتباعِهمُ المُؤمنين.
أمَّا بعدُ، أيُّها الآباء:
فإنَّ صلاحَكُم واستقامتَكُم، بلُزومِ ما أمرَ اللهُ بِه، وترْكِ ما نَهَى عنه، وحُسنِ أخلاقِكُم، وجميلِ معامَلتِكُم مع الناس، ولِينِكُم ورِفقِكُم وحِلمِكُم ورحمتِكُم لمِن أعظمِ أسبابِ انتفاعِ أبنائِكم وبناتِكم بِكُم، وأقوَى المُعيناتِ على صلاحِهمِ وحُسنِ أحوالهم.
فاحرِصوا على هذا الصلاحِ، الصلاحِ الموافقِ للقرآنِ والسُّنةِ النَّبوية، الصلاحِ الذي يكون على طريقةِ السَّلفِ الصالحِ مِن أهلِ القُرون الثلاثةِ الأُولى، وعلى رأسهِم الصحابةُ ــ رضي الله عنهم ــ، الصلاحِ المَبنِيِّ على قال اللهُ تعالى، وقال رسولُه صلى الله عليه وسلم، وقال الصحابة، لأنَّ هذا هو الصلاحُ الذي أمرَ اللهُ بِه، وجاءَ بِه رسولُه صلى الله عليه وسلم، والنافعُ في الدنيا الآخِرة، ويُبارَكُ لأهلِه فيه، ويَنتقلُ نفعُه إلى البنينَ والبنات والأحفاد، وقد قال اللهُ تعالى في شأنِ اليَتِيمَينِ في سور “الكهف”: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ }، وثبتَ عن ابن عباسٍ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال عندَ هذهِ الآية: (( حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُمَا صَلَاحًا ))، وقال سعيدُ بنُ جُبيرٍ ــ رحمه الله ــ عندَ هذهِ الآية: (( كَانَ يُؤَدِّي الْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعَ إِلَى أَهْلِهَا، فَحَفِظَ اللهَ تَعَالَى لَهُ كَنْزَهُ حَتَّى أَدْرَكَ وَلَدَاهُ فَاسْتَخْرَجَا كَنْزَهُمَا ))، وثبتَ عن ابنِ المُنكَدرِ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( إِنَّ اللهَ لِيُصْلِحُ بِصَلَاحِ الْعَبْدِ وَلَدَهُ، وَوَلَدَ وَلَدِهِ ))، وثبتَ عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( إِنِّي لَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي مِنْ أَجْلِ ابْنِي هَذَا )) رجاءَ أنْ يُحفَظَ فيه.اهـ
اللهمَّ هَبْ لنَا مِن أزواجِنا وذُرِّياتِنا قُرَّةَ أعيُن، واجعلنا وإيَّاهُم مِمَّن يَعملُ بطاعتِكَ في السِّرِ والعلَن، والصِّغرِ والشبابِ والشيخوخة، اللهمَّ جنِّبنا وإيَّاهُم الشِّركَ والبدعَ والآثام، وقِنَا وإيَّاهُم السُّوءَ ودعاتِه وأهلِه وقنواتِه ومواقعِه، اللهمَّ اصرِف عنَّا وعنهُم وعن المسلمين شَرَّ الكفار، ومَكرَ الفُجِّار، وكيدَ الضُّلال، وتلبيسَ المُبتدعة، وإفسادَ الفسَقة، وإلحادَ التغريبيين، اللهمَّ لا تُهلكنا بذنوبِنا وآثامِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا عن دِينِنا وآخِرتِنا، اللهمَّ صَرَّف قلوبَنا وأسماعَنا وأبصارَنا وجوارحَنا إلى مراضيك، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ عِيشةً هنيَّة، ومِيتتةً سوِّية، ومرَدًّا غير مُخْزٍ، إنَّكَ سميعُ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهِ لِي ولَكم.