تعظيم المساجد في الإسلام وشيء من فضلها وأحكامها وآدابها
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ غافرِ الذَّنبِ، وقابِلِ التّوبِ، شديدِ العِقابِ، ذِي الطَّولِ لا إلهَ إلا هوَ، وإليهِ المصير، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على عبدِهِ ورسولِهِ محمدٍ الأوَّاهِ المُنِيبِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ إلى قِيامِ السَّاعة.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فإنَّ أحبَّ البِقاعِ إلى اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ المساجدُ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا )).
وكانتِ المساجدُ أحبَّ البقاعِ إلى اللهِ: لأنَّها أُسِّسَتْ على التقوى، وخُصِّصَتْ لِعبادةِ اللهِ وحدَهُ، وإقامَةِ ذِكرِهِ، وفيها يَجتمعُ المؤمنونَ لِطاعةِ ربِّهِم، وإظهارِ شعائِرِ دِينِهِ، وتحضُرُهُم فيها الملائكةُ، وهيَ مدارسُ العلمِ والفقهِ، ومَحاضِنُ التربيةِ، وأماكنُ الترغيبِ في الآخرةِ، والعملِ لَهَا، وموضعُ انشراحِ الصَّدرِ، وطُمأنِنَةِ القلبِ بِذكرِ اللهِ ومُناجاتِهِ ودعائِهِ واستغفارِهِ وتلاوةِ كتابِهِ، ومركزُ الدعوةِ إلى ائتلافِ المؤمنينَ وتعاطُفِهِم وتراحُمِهم الأكبر، وأمَّا الأسواقُ، فكانتْ أبغضَ البِقاعِ إلى اللهِ: لأنَّها أماكِنُ الغِشِّ والخِداعِ والرِّبا، والأَيمان الكاذبةِ وإخلافِ الوعدِ والسِّلَعِ المُحرَّمة، والإعراضِ عن ذِكرِ اللهِ وعن الصلاةِ، وكثرةِ الفسادِ والإفسادِ، والتَّبرُّجِ والسُّفور، والتَّزاحُمِ على الدُّنيا، والتنافسِ على ملَذَّاتِها.
وقدْ قالَ اللهُ تعالى عنِ المساجدِ وأهلِها: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن فضلِ ذِكرِ اللهِ في المساجدِ: (( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))، وتوعَّدَ اللهُ بوعيدٍ شديدٍ مَن تسبَّب في منْعِ عبادتِهِ وذِكرهِ في المساجدِ، وسَعَى في خرَابِها الحِسِّيِّ والمَعنَوِيِّ، فقالَ سبحانَهُ: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }، والخَرابُ الحِسِّيُّ يكونُ: بهدمِها وتقذِيرها، والخَرابُ المَعنويُّ يكونُ: بمنعِ الذَّاكِرينَ لاسمِ اللهِ فيها، ومنعِ عُمَّارِها مِن عبادَةِ ربِّهم فيها.
وأبانّ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ أنَّهُ لا يَعمُرُ المساجدَ إلا أهلُ الإيمانِ بِهِ، فقالَ تعالى: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }، ونَهَى اللهُ أنْ يُعبدَ معَهُ أحدٌ فيها، ولا في غيرِها، لا ملَكًا مُقرَّبًا، ولا نبيًّا مُرسَلًا، ولا وليًّا صالحًا، لا بعبادةِ دعاءٍ ولا بغيرِها مِن العبادات، فقالَ سبحانَهُ: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }، ولقد خالَفَتْ الشِّيعةُ الرَّافِضةُ وغُلاةُ الصُّوفيةِ هذا، فجعلوا المساجدَ أماكنَ لِعبادةِ أئِمَّتِهم فيها، حيثُ بَنوا على قبورِهِم المساجدَ، ودفنُوهُم في المساجدِ، وأصبَحوا يدعونَهُم فيها معَ اللهِ، ويَحلِفونَ بِهِم، ويَزحفونَ إلى قبورِهِم ساجدينَ، ويَتمسَّحونَ بقُبورِهِم وأعمدتِها طلبًا للبَرَكةِ مِنهُم، تقليدًا لليهودِ والنَّصارى، ومُتباعَةً لهُم، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ قبلَ موتِهِ بليالٍ زاجِرًا أمَّتَهُ عن ذلكَ: (( أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ))، وصحَّ أنَّه ذُكِر لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كنيسةٌ بالحبشةِ فيها تصاويرٌ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ )).
أيُّها المسلمون:
دُونَكُم ــ سدَّدكم الله ــ بعضُ الأحكامِ والآدابِ التي تحتاجونَها عندَ الذَّهابِ إلى المساجدِ، والتواجُدِ فيها، فأقولُ مُستعينًا باللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ:
أوَّلًا ــ أنْ يَخرجَ الرَّجلُ مِن بيتِهِ أو عملِهِ إلى المسجدِ مُتطهِّرًا وماشيًا، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً )).
ثانيًا ــ أنْ يَأتيَ الرّجلُ إلى المسجدِ وقد اجتنَبَ الروائحَ المُؤذيةَ أو الكريهةَ في لِباسِهِ أو بدَنِهِ أو فمِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ))، وبعضُ العطورِ لِرُخْصِ ثَمنِها، وقوَّةِ رائحتِها، يَتأذَّى مِنها الناسُ أكثرَ مِن غيرِها، وهذهِ ترْكُها خيرٌ مِن الإتيانِ بها، بل قد لا يَصدُقُ على صاحبِها أنَّه مُتطيِّب، لِقُبح رائحةِ كثيرٍ مِنها.
ثالثًا ــ أنْ يأتِيَ المُصلِّي إلى المسجدِ بلِباسٍ نظيفٍ، مِن أحسنٍ لِباسِه، لأمرِ اللهِ لهُ بذلكَ في قولهِ سبحانَهُ: { يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.
رابعًا ــ الإتيانُ إلى الصلاةِ بوقارٍ وسَكينةٍ في المَشيِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ )).
خامسًا ــ أنْ يَدخلَ العبدُ المسجدَ برجلِهِ اليُمنَى ويَخرجَ باليُسرى، لِمَا ثبتَ أنَّ أنَسًا ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى ))، وقالَ الإمامُ البُخاريُّ في “صحيحهِ”: (( كَانَ ابْنُ عُمَرَ ــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ــ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ اليُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ اليُسْرَى )).
سادسًا ــ أنْ يُقولَ العبدُ ذِكرَ دُخولِ المسجدِ والخُروجِ مِنهُ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ )).
سابعًا ــ أنْ يُصلِّيَ الداخلُ للمسجدِ ركعتينِ تحيَّةَ المسجدِ قبلَ أنْ يَجلسَ، حتى ولو كانَ الإمامُ يَخطبُ للجُمعةِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ))، وصحَّ أنَّ رَجُلًا: (( دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ )).
ثامنَا ــ ترْكُ المُتأخِّرِينَ في الحُضورِ إلى المسجدِ أذيَّةَ الناسِ وإشغالَهم بتَخطِّيِ رِقابِهِم، لِمَا صحَّ أنَّهُ: (( جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ, فَقَالَ لَهُ: «اجْلِسْ, فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ» ))، أي: جمَعْتَ بينَ التأخُّرِ عن الخُطبةِ وبينَ أذِيَّةِ المُبكِّرينَ للجُمعة.
تاسعًا ــ أنْ يُصلِّيَ مَن يَدخلُ المسجدَ إلى سُترَةٍ، ويَقرُبَ مِنها، ولا يَدَعَ أحدًا يَمُرُ بينَ يديهِ ولا بيينَهُ وبينَ سُترَتِهِ، وكذلكَ لا يَمُرُ بينَ يدَيهِ أحدٌ إذا كانَ يُصلِّي إمَامًا أو لِوَحدِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ مُرَهِّبًا: (( لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ )).
عاشرًا: تَرْكُ الإنسانِ السؤالَ في المسجدِ عمّا ضَاعَ مِنهُ وفقدَهُ، والبيعَ والشِّراءَ في المسجدِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا ))، وفي حديثٍ حسَّنهُ وصحَّحهُ عديدٌ مِن العلماءِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ )).
وأخيرًا: عدمُ منعِ الرَّجلِ لِلمرأةِ مِن أهلِهِ الصلاةَ في المسجدِ إذا استأذنتْهُ وكانتْ تذهبُ غيرَ مُتبَرِّجةٍ ولا مُتطيِّبَة، لِمَا صحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( ذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، فَإِذَا خَرَجْنَ فَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ ))، أي: غيرَ مُتطيِّبات.
نفعَنيَ اللهُ وإياكُم بهذا التذكيرِ، وسُبحانَ اللهِ حينَ تُمسُونَ وحِينَ تُصبِحون.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ المَلِكِ الأعلَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ عالِمُ السِّرِ والنَّجوى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الأتقَى، ورضِيَ اللهُ عن آلِهِ وصحبِهِ أئمَّةِ الهُدى.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فاتقوا اللهَ تعالى في بيوتِهِ وأماكنِ عبادتِهِ المساجد، وذلكَ بتَجنِيبِها الشِّركياتِ والبِدَع، وإبعادِها عن المعاصي والمَكروهات، وإعمارها بطاعةِ اللهِ وعبادتِهِ وإقامةِ ذِكرِهِ، وجنِّبوهَا الأذَى والقذَرَ، ورفعَ الأصواتِ، والشِّجارَ والخُصومات، وتجنَّبوا زَخرَفَتْها، واترُكوا التَّباهِي في بُنيانِها، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ ))، وصحَّ أنَّ ابنَ عباسٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ: (( لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ))، و صحَّ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ: (( أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: «أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ )).
واعلَموا ــ سدَّدكمُ اللهُ ــ: أنَّ في بناءِ المساجدِ فضْلًا عظيمًا، وأجْرًا كبيرًا، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ))، ومَفْحَصُ القَطَاةِ هو: “الموضِعُ الصغيرُ الذي يَجثُوا فيهِ طائرُ القَطَاةِ على بيضِه”، وفي الذهابِ إليها خيرًا كثيرًا، ونفعًا عظيمًا، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ وذَكرَ مِنهم ــ: رَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ )).
جعلَنِي اللهُ وإيَّاكم: مِمَّن إذا ذُكِّرَ ادَّكَرَ، وإذا وُعِظَ اعتبَرَ، وإذا أُعطِيَ شَكَرَ، وإذا ابتُلِيَ صبَرَ، وإذا أذنَبَ استغفَرَ، ربِّ اغفرْ وارْحمْ إنَّكَ أنتَ الأعَزُّ الأكرَم، اللهمَّ ارزُقنَا مِن خيراتِ بِرَّكَ وإحسانِك، وأدخِلنا في زُمرةِ أحبابِكَ المَخصُوصِينَ بِمَنِّكَ وأمانِك، واجعلْنا مِمَّن يكونُ في القبورِ وعندَ القيامةِ مُنعَّمًا مسْرورًا، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفِرُ اللهَ لِي ولكُم.