إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” شيء مِن المظاهر السيئة في بيوع الناس ومعاملاتهم “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” شيء مِن المظاهر السيئة في بيوع الناس ومعاملاتهم “.

  • 15 مارس 2015
  • 7٬868
  • إدارة الموقع

شيء مِن المظاهر السيئة في بيوع الناس ومعاملاتهم

 

الخطبة الأولى:ــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله تعاظمَ ملكوتُه فاقتَدر، وتعالى جبروتُه فقَهر، رفعَ وخفض، وأعزَّ ونصر، وهو العليم بما بطنَ وظهر، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، أحلَّ الحلال وبيَّن طريقه، وبالطيِّبات أمَر، وحرَّم الحرام، وأوضح سبيله، وعن الخبائث زجَر، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، المؤيَّدُ بالبراهين الدَّالة على صِدقه وكماله، أرحمُ الخلق بالخلق، وأنصحُ الناس للناس، وأشفقُ العباد بالعباد، بيَّن لهم الخبائِث وحرَّمها، وبين لهم الطيِّبات وأحلَّها، وفي المآكل والمشارب والمساكن والألبسة والمكاسب وأنواع المعاملات، فصلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آل بيته أعلى الناس نَسَبًا، وأصحابه السَّادة الغُرر، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان، ما ليلٌ أدْبَر، وصُبحٌ أسْفَر، وأذَّن مؤذِّن الله أكبر.

أمَّا بعد، فيا أيُّها المسلمون:

اتقوا الله ربَّكم حقَّ تقاته، اتقوه في أنفسكم وأهليكم، واتقوه في أعمالكم وأموالكم، واتقوه في بيعكم وشرائكم، واتقوه فيما تأكلون وما تُطعَمون وما تُنفِقون وما تَدَّخِرون، واتقوه في جميع عقودكم ومعاملاتكم، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }، واعلموا أنَّ تقواكم لِربِّكم سبحانه لا تَتِمُّ إلا باتباع شَرعه ودينه الطيِّب القويم في العبادات فيما بينكم وبينه، وفي المعاملات فيما بينكم وبين خلقه، وذلك بأنْ تُوقِعوها على الوجوه الشرعية، والطُّرق الصحيحة المَرْضِّية، وتُجنِّبوها الغِش والكذب والخِداع والتدليس والتغرير، فقد قال سبحانه زاجرًا لكم :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ))، وصححه العلامة الألباني.

وقد أوجب الله تعالى عليكم في المعاملات مِن بيع وشراء وإجارة وصِيانة وعلاج وعقود وأعمال الصِّدق والبيان، ونهاكم عن الغِش والخَديعة والكِتمان والتغرير والتدليس والتلبيس مع الناس جميعًا، ذَكَرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم، مسلمهم وكافرهم، فصحَّ عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ))، فمَن كَتم عيبًا في سِلعةٍ وبضاعة وعَرَض، أو خَدَع في حِرفته وصناعته وصِيانته، أو تلاعبَ في تطبيبه وعلاجه وأدويته وتحاليله، أو دلَّس في ثمنٍ أو وصفٍ أو شروطِ عقد وصفقة، أو كذب في إظهار وصفٍ يُرَغِّبُ وهو على غير صفته، فهو غاش، والغاش للناس مرتكب لكبيرة مِن كبائر الذُّنوب، وتبرَّأ مِنه سيِّد المرسلين، وعابَه وقبَّحه، وأهانه وحقَّره.

أيُّها المسلمون:

صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ))، فأخبر سيِّدُ ولد آدم، نبِيُّ الرحمة، الشَّفيق على الخلق، والحريص على استقامة أمورهم وأحوالهم ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ في هذا الحديث العظيم: أنَّ الصِّدق والبيان واجب في البيع والشراء، ومُوجب للبركة والخير والنَّماء في هذا البيع، وأنَّ الكذب والكِتمان مُحرٌم، وماحق للبركة عن البيع.

أيَّها المسلمون:

دونكم ــ سلَّمكم الله وسدَّدكم وبارك في أرزاقكم ــ بعض المظاهر المٌظلمة، والصُّور البِشِعة، والأعمال السِيئة، والخِلال الرَّديئة، والفِعال القبيحة، التي قد تقع وتظهر في معاملات بعض مَن ضَعُف إيمانه، وغرَّه شيطانه، وألهته دنياه، وأردَته شهوته:

المظهر الأوَّل: أنْ تأتي إلى طبيب لطلب علاجٍ ومُداواة، فتراه في مداواته ودوائه يَضْعُف إيمانه، ويُنقِص دينه، وتنخفِض مراقبته لِربِّه سبحانه، ويَقِل تَذكُّره لآخِرته، فينظر حينها إلى مصلحة نفسه وزيادة أجْره ونِسبته المالية، أو إلى مصلحة المستشفى الذي يعمل فيه، أو إلى مصلحة الشركة الدوائية التي يَكتب للمريض أدويتها، حيث يكتب ويُقرِّر للمريض مِن التحاليل أو الأشعة أو الأدوية أو الأجهزة أو القِطع مِن جهة أنواعها وأعدادها وكلفتها ما لا يُحتاج إليه، أو ما غيره أنفع مِنه وأجود، ويُحقِّق المقصود، وهو أقل في الثَّمن، ناهيك عن زيادة الكسب والتكسُّب بلا احتياج، ومِن غير سَبب مُعتبر ومُطابِق، عن طريق باب الترقِيد والتنوِيم في المستشفى وأيامه، وباب الإسراف في الفُحوصات والعمليات، ولا فرْق في ذمِّ ذلك وتقبيحه واستهجانه وتحريمه بين أنْ تكون كُلفة العلاج مِن قِبَل شركة التأمين، أو على حساب المريض، أو مِن الحكومة وبيت مال المسلمين، أو كان دافع المال غنيُّا أو فقيرًا، أو كان مِن بلد الطبيب أو مِن غير بلده، أو مِن معارفه أو مِن الأباعد.

المظهر الثاني: أنْ تذهب إلى السوق لتشتري مِن دكاكينه ومحلاته سِلعة، فترى البائع لا ينظر إلا إلى مصلحة متجره، أو الدُّكان الذي يعمل فيه، وكيف يُدخِل عليه مِن الربح أكثر، وتَحْصُل له مِنه عمولة أكبر، ثم هو يَخرج مِن هذه البيعة وقد كذب على المشتري في أشياء، أو غبَنه في الثّمن، فباعه السِّلعة بربح فاحش، أو دلَّس عليه فوصف سِلعته بما ليس فيها وما لا تستحق، أو وصفها بأنَّها أصلية وهي مُقلَّدة، أو أظهر للمشتري أنُّه يُريد مصلحته والأفضل له فيما يختار مِن سِلعة، وهو في الحقيقة لا يُريد بذلك إلا وثوقه بما يقول، حتى لا يخرج مِن عنده إلا وقد اشترى، ورُبَّما زاد على ذلك أيمانًا كاذبة، وذمًّا بالباطل لبضاعة غيره.

المظهر الثالث: أنْ تضع سيارتك أو جهازك أو آلتك أو مُعدَّتك عند مَن يقوم بصيانتها وإصلاحها، ثم هو بعد ذلك يَغبِنك فيأخذ عليك سعرًا فاحشًا، أو يكون العيب يسيرًا فيظهره لك كبيرًا ليأخذ منك مالًا أكثر، أو يَخدَعك فيظهر لك أنَّه قد نصح لك واجتهد وأصلح بسعر أقَل لِتثق بِه وتأتي إليه مرَّة أخرى، والأمر ليس كذلك، وبعضهم قد يَنهب مِن سيارتك أو جهازك أو آلتك أو مُعدَّتك قطعة أصلية فيضع مكانها مُقلَّدة، أو تُكلِّفه بشراء قطعة جديدة فيضع مكانها قطعة مِن عنده أو مِن عند غيره مُستعمَلة، أو يأتيك بفاتورة فيها سِعر القطعة وهو قد تواطأ مع البائع على كتابتها بغير السِّعر الذي اشتراها لك بِه.

المظهر الرابع: أنْ تتفِق مع عامل مِهَنِيٍّ أو صاحب حِرفة وصنعة لإصلاح شيء أو تمديد كهرباء أو إقامة بناء أو صيانة عقار أو إنجاز عمل في مُدَّة مُعيَّنة، ثم إذا أبْرَم معك العقد واتفقت معه، إذا بَه يجد عقدًا أو صفقة أو عملًا فيه مِن الرِّبح ما هو أكثر، فلا يُنجِز لك عملك في مُدَّته، ويَظلُّ يُماطِلك ويُتعِبك في طلبه والبحث عنه لِيُكمل ما بَقِي مِن عمله، وكلِّما لَقيته أو هاتفته أعطاك موعدًا ثم هو لا يأتي فيه، ومرَّة يعتذر إليك بأنَّه قد مرض، وفي أخرى بأنَّ قريبًا له قد مات، ومرات لا يرُد على اتصالك بَه، وليس فيه إلا عِلَّة الطَّمع والجَشع، صرفته إلى العمل الجديد وما فيه مِن ربح أكثر.

ومَن كانت هذه حاله فقد أهان نفسه وأسْفلها وأضرَّ بَها، حيث كذب في تَعذُّرِه واعتذاره، وأخلَف وعده، وماطلَ في الحقوق، وآذَى أصحابها وكدَّرهم، وتشبَّه بقوم مذمومين، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: َ(( آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))، وخالف أمِرَ ربِّه ــ جلَّ وعزَّ ــ له حيث قال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ ))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ))، وصحَّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسَم فقال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ – أَوْ قَالَ: لِأَخِيهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )).

نفعني الله وإيَّاكم بما سمعتم، ورزقنا البركة في أموالنا، والصدق في معاملاتنا، إنَّه سميع مُجيب.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد الله العزيز الجبَّار، الملك القهَّار، مُكوِّرِ الليل على النهار، وجاعلِ الظلمات والنور، والصلاة والسلام على نبيه المُجتبى مِن بَني عدنان، وآله وصحابته الكرام.

أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:

فلأنْ طلبتم المال وبرَكَته ونفعَه الطيِّبَ لكم ولأهليكم وبلادكم فاطلبوه مِن وجه طيب حلال، فإنَّ المال الحلال مُباركٌ إنْ أكلتموه، ومُباركٌ إذا أطعمتموه لِمَن تعولون، ومُباركٌ لو تصدقتم بِه، ومُباركٌ إذا حفظتم بعضَه للمستقبل والأمور الطارئة، ومُباركٌ إن ورَّثتُموه لِمَن بعدكم، ويُكتب لكم الأجر في تحصيله لِلقيام بما وجب عليكم مِن النفقة، وما أردتم بِه مِن مقاصد جليلة نبيلة، وإيَّاكم أنْ تختاروا مَقْتَ ربِّكم وغضبَه وأليمَ عقابه، فتكسبوا المال وتكتسبوه مِن وجْه حرام، فإنَّ المال الحرام مَنزوع البركة، وماحِقٌ لِما خالطه وحلَّ بِه، إنْ أكلتموه فقد أكلتم حرامًا، وإنْ تصدقتم بِه لم يُقبل مِنكم، وإنْ تركتموه للورثة كان في صحيفة سيئاتكم، ورجعتم مِنه بالصفقة الخاسرة غير الرابحة، حيث بعتم الدين والآخرة بعرَضٍ وحُطامٍ يَسير مِن الدنيا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ ))، ويعني بذلك صلى الله عليه وسلم: الجسم الذي تغذَّى ونبَت مِن مال حرام.

أيُّها المسلمون:

 بادروا بالتوبة النَّصوح والإقلاع عن الغِش والخِداع والكذب والكِتمان والتدليس والتغرير والوعود الكاذبة ومُماطلة الناس في البيع والشراء، وسائر المعاملات والعقود، وما لهم مِن حقوق وجَبَت عليكم، قبل الأخذ بالنواصي والأقدام، يومَ يبُعثر ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور، ولا ينفع درهمٌ ولا دينار، ولا تكونوا عبيدًا لأهوائكم ومطامعكم، وكُفُّوا جَشع قلوبكم.

ومَن كانت بينه وبين أحَدٍ مظلمة في مال بسبب الغِش والخِداع والتدليس والتغرير في المعاملات والبيع الشراء، أو بسبب السِّرقة والنَّهب والغصب والاختلاس فليخرج مِنها بردِّها أو التحلُّل مِنهم قبل أنْ يَتعذَّر الوفاء عليه إلا مِن أعماله الصالحة يوم القيامة، فيؤخذ مِن حسناته وتُعطى لِخصمائه، فإنْ فَنِيَت حسناتهم أُخٍذ مِن سيئاتهم وطُرِحت عليه، فقد صحَّ عن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لأصحابه: (( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ )).

واعلموا أنَّ الخير والبركة، وتيسير الرزق وازدياده، والسعادة بِه والطمأنينة إنَّما هي في النُّصح الذي لا غِش فيه، والصدق الذي لا كذب معه، وأنَّ القليل مع تقوى الله فيه، خيرٌ مِن الكثير الذي جاء بطُرق مذمومة، وسُبل مُريبة، وصُور مشينة.

وقد صح عن أمِّ المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ ))، فانظروا إلى صِديق الأُمَّة وخيرِها بعد نبيِّها أبي بكر  ــ رضي الله عنه ــ، حيث أخرج مِن بطنه طعامًا دخل إليه مِن كسبٍ فيه مخادعة، وكسَبه غيره، حتى لا يتأثَّر بِه جسده ويَنمو  ولو قليلًا منه، فكيف بمَن يأكلون الحرام البيِّن، ومِن كسْب أيديهم، ألا يخافون؟ ألا يَرعَوون؟ ألا يتوبون عن أكلهم السُّحْت لبئس ما كانوا يعملون.

فاللهم اغننا بحلالك عن حرامك، ويسِّر لنا في الأرزاق، وبارك لنا في أقواتنا وأوقاتنا وأعمارنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا تُلهنا بحطامها عن آخِرتنا، ووفِّقنا لِما ينفعنا في معادنا، اللهم جنِّبنا الكذب والغش، وارزقنا الصدق والنصح، اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ولا يؤمنون بكتابك، ويقتلون أهل دينك، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، وأنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم ارفع الضُّر عن المتضرِّرين مِن المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال والخوف والجوع والأمراض والأوبئة، اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين إلى الخير والهدى، والرُّشد والسداد، والصلاح والإصلاح، والاجتماع والائتلاف.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.