هل يبدأ التكبير في عيد الفطر بغروب ليلته أو مِن حين الغدو إلى صلاته
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فقد اختلف أهل العلم – رحمهم الله – في وقت بدء التكبير في عيد الفطر على قولين:
القول الأول: أنه مِن حين الذهاب إلى مصلى العيد.
وهو قول جماهير أهل العلم مِن السلف الصالح فمَن بعدهم.
نسبه إليهم:
الحافظ ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – في كتابه “الإشراف على مذاهب العلماء” (3/ 159 و 160)، وأبو زكريا النووي في كتابه “المجموع شرح المهذب” (5/ 48).
فقال- رحمه الله -:
قال جمهور العلماء لا يُكبر ليلة العيد إنما يُكبر عند الغدو إلى صلاة العيد، حكاه ابن المنذر عن أكثر العلماء.اهـ
وهذا القول هو الموافق لما ورد عن السلف الأوائل – رحمهم الله – من الآثار.
ومن هذه الآثار:
أولًا: ما ثبت عند الفريابي – رحمه الله – في كتابه “أحكام العيدين” (رقم:39) عن ابن عمر – رضي الله عنه -:
(( أنه كان يُكبِّر إذا غدا إلى المُصلى يوم العيد )).
ثانيًا: ما ثبت عند الفريابي- رحمه الله – في كتابه “أحكام العيدين” (رقم:59) عن الإمام الزهري التابعي – رحمه الله – أنه قال:
(( كان الناس يُكبِّرون من حين يخرجون من بيوتهم )).
وقال الحافظ ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – في كتابه “الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف ” (4/ 249):
فأما سائر الأخبار عن الأوائل دالة على أنهم كانوا يُكبِّرون يوم الفطر إذا غدوا إلى الصلاة، فممن كان يفعل ذلك: ابن عمر، وروي عن علي بن أبي طالب، وأبي أمامة الباهلي، وأبي رهم، وناس مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم..، وفعل ذلك إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو الزناد، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان، وأبي بكر بن محمد، والحكم، وحماد، ومالك بن أنس، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور.اهـ
وقال في كتابه “الإشراف على مذاهب العلماء” (3/ 160):
بالقول الأول أقول، لأن ذلك قد رُوِّيناه عن جماعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة التابعين.اهـ
وقال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله – في “تفسيره” (3/ 479 – رقم:2903):
قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد:
(( والجماعةُ عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلَّى )).
القول الثاني: أنه من حين رؤية هلال شهر شوال.
وبه قال الشافعي، وهو مذهب أحمد وابن حزم.
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الأم”(1/ 385):
أخبرنا إبراهيم قال: حدثني صالح بن محمد بن زائدة أنه:
(( سمع ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة وأبا بكر بن عبد الرحمن يُكبِّرون ليلة الفطر في المسجد يجهرون )).
وسنده ضعيف جدًا، فيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وقد كذبه غير واحد.
واحتُج لهم بقول الله تعالى في ختام آيات الصيام من سورة البقرة:
{ ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم }.
ووجه الاستدلال مِن هذه الآية:
أن التكبير يكون عقب إكمال العدة، وإكمالها يكون بغروب الشمس.
وقال أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب” (5/ 48-49) مُجيبًا عن استدلالهم:
هذا الاستدلال لا يصح إلا على مذهب مَن يقول الواو تقتضي الترتيب، وهو مذهب باطل، وعلى هذا المذهب الباطل لا يلزم مِن ترتيبها الفور، فالحاصل أنه لا دلالة فيها للمصنف، والله أعلم.اهـ
وينظر للاستزادة هذه الكتب:
الأم (1/ 400-401 و 384-385) للشافعي، والأوسط (4/ 249-251)، والإشراف (3/ 159-160) لابن المنذر، والمحلى (2/ 404 -مسألة:58) لابن حزم، وشرح السنة (4/ 300) للبغوي، والإفصاح (1/ 256) لابن هبيرة، والحاوي الكبير (3/ 106-107) للماوردي، وبدائع الصنائع (2/ 279-208) للكاساني، والمغني (3/ 255-256) لموفق الدين ابن قدامة، والمجموع (5/ 48) للنووي، والفروع (2/ 146) لابن مفلح، ومجموع الفتاوى (24/ 221) لابن تيمية، وغاية المرام (7/ 371-386) للعبيكان.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد