مواعِظ زاجِرَة مِن آيات القرآن العزيز البَاهِرة
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي لا حولَ ولا قوَّة إلا بِهِ، ولا عِزَّ إلا بطاعتِهِ، ولا خيرَ إلا بالقيامِ بفرائضِهِ، ولا راحةَ لِنفسٍ إلا باجتنابِ معصيتِهِ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على النبيِّ الكريمِ محمدٍ أتْقَى الناسِ لِربِّهِ، وأكملِهِم في ذِكرِهِ واستغفارِهِ، وأشدِّهِم إنابةً إليهِ، ورَضِيَ اللهُ عن آلِهِ وأصحابِهِ، ومَن سارَ على مِنهاجِه.
أمَّا بعدُ، أيَّها الناس:
فقد قالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ آمِرًا عبادَهُ المُؤمنينَ، ومُبيِّنًا نفعَ أمْرِهِ هذا لهُم، ومُرَهِّبًا باطِّلاعِهِ عليهِم إنْ هُمْ خالَفُوا ما أمَرَ بِهِ: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }.
ألَا فغُضُّوا ــ يا عبادَ اللهِ ــ أبصارَكُم عن الحرامِ، غُضُّوها عن النِّساءِ، وعن الأحداثِ والمُردَانِ، وعن العوراتِ التي لا تَحِلُّ لكُم، وحينَ الخَلوةِ بالأنفُسِ، ووقتَ العلَنِ والظهورِ مع الناسِ أو الأصحابِ، وعندَ النظرِ إلى الفضائياتِ ومقاطعِ وصُوَرِ برامجِ التواصلِ، وفي الأسواقِ والأسفارِ والغُربَة، وصُونوا فُرُوجَكُم عن النِّساءِ اللآتِي هُنَّ حرَامٌ عليكُم، وعن الرِّجال، وعن الاستمناءِ، وعن جماعِ الزَّوجاتِ في الأدْبارِ، وفي جميعِ أوقاتِكُم، وسائرِ أحوالِكُم وأعمارِكُم، وفي بُلدانِكُم وأسفارِكُم وغُربَتِكُم.
فذلِكُم ــ أيُّها الناسُ ــ أزْكَى لكُم عندَ الله، وآمَنُ لِنُفوسِكُم يومَ الحساب، وأطهرُ لِقُلوبِكُم، وأشرَحُ لِصُدورِكُم، وأسلَمُ لِبُلدانِكُم، وأنْقَى لِمُجتمَعاتِكُم، وأحفظُ لِدِينِكُم وأُسَرِكُم وللإسلامِ وأهلِهِ وبلادِه.
وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ عن مُخاطبَةِ غيرِ المَحارِمِ مِن النِّساء: { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُبشِّرًا: (( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ــ وهوَ: اللسان ــ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ــ وهوَ: الفرْج ــ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ ))، وقالَ اللهُ سبحانَهُ عن عبادِهِ الذينَ يُباعِدُهُم عن النَّارِ وشديدِ عذابِها: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ }، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ))، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ )).
أيَّها الناس:
قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ زاجِرًا ومُخوِّفًا عبادَهُ المُؤمنينَ: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ }.
أي: لا تَميلوا إلى الكُفَّارِ الذينَ ظلموا أنفُسَهُم بأعظَمِ أنواعِ الظُّلمِ ــ وهوَ: الشِّركُ باللهِ وفي عبادَتِهِ ــ لا بقُلوبِكُم، ولا بأفعالِكُم، ولا بألسِنَتِكُم، ولا في عادَاتِهِم، ولا أفعَالِهِم، ولا أقوالِهِم، ولا في أعيادِهِم الدِّينيَّةِ، ولا أعيادِ الفسادِ التي جاؤوا بِها، ولا في ما هوَ مِن خصائِصِهِم، ولا ما هو مِن شعائرِهِم وشعاراتِهم.
لأنَّ فسادَ أنفُسِنا، وفسادَ نسائِنا، وفسادَ أبنائِنا وبناتِنا، وفسادَ مُجتمعَاتِنا وبُلدانِنا مُبتَغاهُم، وهدَفٌ يسعونَ إليهِ دومًا، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ كاشفًا لَنَا عن مُرادِهِم هذا: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }.
بل إنَّ مَطلَبَهُم أكبرُ مِن ذلكَ، إذْ يُريدونَ أنْ نَكفُرَ باللهِ، ونجعلَ معَهُ إلاهًا آخَرَ، حيثُ قالَ اللهُ خالِقُهُم ــ تبارَكَ وتقدَّس ــ مُبيِّنًا لَنَا ذلك: { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }، وقالَ تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ }، وقال سُبحانَه: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }.
وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رهَّبَنَا أنْ نكونَ مِن القومِ الذين يَستجيبونَ لِمَآرِبِهِم، ويَنجرِفونَ إلى أفعالِهم، ويَنقادونَ لِفسادِهِم، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ))،
أيَّها الناس:
قالَ اللهُ ــ جلَّ وعزَّ ــ في وصْفِ أهلِ تقواهُ ورِضْوانِهِ: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }.
فأبانَ اللهُ سُبحانَهُ في هذهِ الآيةِ: أنَّ المُؤمنَ المُتجلِّلَ بتقواهُ إذا مَسَّهُ طائفٌ مِن الشيطانِ فأذنَبَ بفعلِ مُحرَّمٍ عليهِ أو ترْكِ واجبٍ أبصَرَ وأفاقَ سريعًا، وأحسَّ بألمِ ذنْبِهِ، وشُؤمِ خطيئتِهِ، وثِقَلِ معصيتِهِ على نفسِهِ، فاستغفرَ اللهَ ربَّهُ التَّواب، واستَدرَكَ ما فرَّطَ فيهِ بالتوبةِ النَّصوحِ، والإكثارِ مِن الحسناتِ، فرَدَّ بذلِكَ شيطانَهُ الذي صالَ عليهِ خاسِئًا وحسيرًا، وأفسدَ عليهِ كُلَّ ما أدركَهُ مِنهُ، وعادَ أقوى مِن قبْلُ وأكمَل، وفي تأكيدِ هذا الحالِ للمُؤمنِ مع الشيطان، يقولُ اللهُ سُبحانَه: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ }.
وقالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ مُرغِّبًا عبادَهُ في مَحوِ خطيئاتِهِم بفعلِ الحسناتِ: { أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ آمِرًا بذلكَ ومُوصِيًا: ((وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ))، وصحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ: { أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» ))، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (( طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا ))، وقالَ اللهُ سُبحانَه: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.
فاللهمَّ: اجعلْنا مِن التَّوَّابينَ، ومِن المُستغفرينَ، إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ، وسلامٌ على عبادِهِ الذين اصْطفَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ العليُّ الأعلَى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المُرتَضَى.
أمَّا بعدُ، أيَّها الناس:
فقد قالَ اللهُ ــ تبارَكَ اسمُهُ ــ مُحرِّضًا لكُم ومُبشِّرًا: { والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }.
أي: هؤلاءِ الذين جاهَدوا أنفُسَهُم على فِعلِ الطاعاتِ والاستمرارِ عليها إلى المَماتِ، وعلى تَرْكِ الشِّركيَّاتِ والبدعِ والمعاصِي إلى انتهاءِ الأجَلِ بالوفاةِ، وعلى مُجانبَةِ الشُّبُهاتِ والشهواتِ، وسُمومِ أهلِهِما ودُعاتِهِما ومجالِسِهِما وقنواتِهِما وبرامجِهِما، وجاهَدوا الشيطانَ وأهلَ الكُفرِ ودُعاةَ الفسادِ والانحلالِ وأصحابَ التغريبِ عن جَرِّهِم إلى طريقِ النَّار، وإيقاعِهِم في أفعالِ أهلِ النَّار.
وهؤلاءِ الذينَ جاهَدوا أنفُسَهُم في الله، قد أثْنَى اللهُ عليهم في هذهِ الآيةِ، ووعدَهُم بالهدايةِ والتسديدِ والإعانةِ إلى سُبلِ الحقِّ، وإلى فِعلِ الأعمالِ الصالِحة، وتجنُّبِ الخطيئاتِ، وإلى التوبةِ إنْ حصلَ تقصيرٌ وزَلَل.
ومُجاهدَتُهُم العظيمةُ لأنفُسِهِم، مِن أسبابِ نَيلِهِم محبَّةِ ربِّهِم، ودَفْعِهِ ودِفَاعِهِ عنهُم، وتوفِيقهِ وتسديدِهِ لهُم، وإجابَةِ دعوتِهِم، حيثُ صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).
إذِ النفسُ أمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلا ما رَحِمَ رَبِّي، فتَحتاجُ إلى مُجاهدةٍ شديدةٍ، وقهرٍ لَهَا وقسْرٍ، وصبْرٍ على ذلكَ ومُصابَرةٍ، وقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ))، وقالَ رجلٌ لِعبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو ــ رضِي الله عنهما ــ: (( مَا تَقُولُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ؟ فقَالَ له: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا )).
هذا وأسألُ اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ: أنْ يُباعدَ بينَنا وبين ما حرَّمَ علينا، وأنْ يُعينَنا على ذِكرِه وشُكرِه وحُسنِ عبادته، اللهمَّ لا تُهلكنا بذنوبِنا وآثامِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا عن دِينِنا وآخِرتِنا، اللهمَّ صَرَّف قلوبَنا وأسماعَنا وأبصارَنا وجوارحَنا إلى مراضيك، اللهمَّ قوِّنا بالاعتصامِ بالتوحيدِ والسُّنة، وباعدَ بينَنا وبينَ الشِّركِ والبدعِ والمعاصي والفسادِ والدُّعاةِ إلى ذلك، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ عِيشةً هنيَّة، ومِيتتةً سوِّية، ومرَدًّا غير مُخْزٍ، اللهمَّ لَيِّن قلوبَنا قبلَ أنْ يُليِّنَها الموت، واجعلْها خاشعةً لِذكْرِكَ، وما نزَلَ مِن الحقِّ، اللهمَّ جنِّبنا كيدَ الكائِدين، ومَكرَ الماكِرين، وقوِّ إيمانَنا بِك، واجعلْ قلوبَنا متعلِّقةً بك، وحسِّنْ أخلاقَنا، وجمِّلْنَا بأطايبِ الآدابِ، اللهمَّ ارفعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرين مِن المسلمينَ في كلِّ أرض، اللهمَّ ووفِّق ولاةَ أمورِ المسلمينَ ونُوَّبَهُم وجُندَهُم لحفظِ الإسلامِ ونُصرَتِه، وارزُقهُم التوفيقَ والسَّدادَ في أقوالِهم وأفعالِهم، إنَّكَ سميعٌ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكم.
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي لا حولَ ولا قوَّة إلا بِهِ، ولا عِزَّ إلا بطاعتِهِ، ولا خيرَ إلا بالقيامِ بفرائضِهِ، ولا راحةَ لِنفسٍ إلا باجتنابِ معصيتِهِ، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على النبيِّ الكريمِ محمدٍ أتْقَى الناسِ لِربِّهِ، وأكملِهِم في ذِكرِهِ واستغفارِهِ، وأشدِّهِم إنابةً إليهِ، ورَضِيَ اللهُ عن آلِهِ وأصحابِهِ، ومَن سارَ على مِنهاجِه.
أمَّا بعدُ، أيَّها الناس:
فقد قالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ آمِرًا عبادَهُ المُؤمنينَ، ومُبيِّنًا نفعَ أمْرِهِ هذا لهُم، ومُرَهِّبًا باطِّلاعِهِ عليهِم إنْ هُمْ خالَفُوا ما أمَرَ بِهِ: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }.
ألَا فغُضُّوا ــ يا عبادَ اللهِ ــ أبصارَكُم عن الحرامِ، غُضُّوها عن النِّساءِ، وعن الأحداثِ والمُردَانِ، وعن العوراتِ التي لا تَحِلُّ لكُم، وحينَ الخَلوةِ بالأنفُسِ، ووقتَ العلَنِ والظهورِ مع الناسِ أو الأصحابِ، وعندَ النظرِ إلى الفضائياتِ ومقاطعِ وصُوَرِ برامجِ التواصلِ، وفي الأسواقِ والأسفارِ والغُربَة، وصُونوا فُرُوجَكُم عن النِّساءِ اللآتِي هُنَّ حرَامٌ عليكُم، وعن الرِّجال، وعن الاستمناءِ، وعن جماعِ الزَّوجاتِ في الأدْبارِ، وفي جميعِ أوقاتِكُم، وسائرِ أحوالِكُم وأعمارِكُم، وفي بُلدانِكُم وأسفارِكُم وغُربَتِكُم.
فذلِكُم ــ أيُّها الناسُ ــ أزْكَى لكُم عندَ الله، وآمَنُ لِنُفوسِكُم يومَ الحساب، وأطهرُ لِقُلوبِكُم، وأشرَحُ لِصُدورِكُم، وأسلَمُ لِبُلدانِكُم، وأنْقَى لِمُجتمَعاتِكُم، وأحفظُ لِدِينِكُم وأُسَرِكُم وللإسلامِ وأهلِهِ وبلادِه.
وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ ))، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ عن مُخاطبَةِ غيرِ المَحارِمِ مِن النِّساء: { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال مُبشِّرًا: (( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ــ وهوَ: اللسان ــ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ــ وهوَ: الفرْج ــ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ ))، وقالَ اللهُ سبحانَهُ عن عبادِهِ الذينَ يُباعِدُهُم عن النَّارِ وشديدِ عذابِها: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ }، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ))، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ )).
أيَّها الناس:
قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ زاجِرًا ومُخوِّفًا عبادَهُ المُؤمنينَ: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ }.
أي: لا تَميلوا إلى الكُفَّارِ الذينَ ظلموا أنفُسَهُم بأعظَمِ أنواعِ الظُّلمِ ــ وهوَ: الشِّركُ باللهِ وفي عبادَتِهِ ــ لا بقُلوبِكُم، ولا بأفعالِكُم، ولا بألسِنَتِكُم، ولا في عادَاتِهِم، ولا أفعَالِهِم، ولا أقوالِهِم، ولا في أعيادِهِم الدِّينيَّةِ، ولا أعيادِ الفسادِ التي جاؤوا بِها، ولا في ما هوَ مِن خصائِصِهِم، ولا ما هو مِن شعائرِهِم وشعاراتِهم.
لأنَّ فسادَ أنفُسِنا، وفسادَ نسائِنا، وفسادَ أبنائِنا وبناتِنا، وفسادَ مُجتمعَاتِنا وبُلدانِنا مُبتَغاهُم، وهدَفٌ يسعونَ إليهِ دومًا، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ كاشفًا لَنَا عن مُرادِهِم هذا: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا }.
بل إنَّ مَطلَبَهُم أكبرُ مِن ذلكَ، إذْ يُريدونَ أنْ نَكفُرَ باللهِ، ونجعلَ معَهُ إلاهًا آخَرَ، حيثُ قالَ اللهُ خالِقُهُم ــ تبارَكَ وتقدَّس ــ مُبيِّنًا لَنَا ذلك: { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }، وقالَ تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ }، وقال سُبحانَه: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }.
وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رهَّبَنَا أنْ نكونَ مِن القومِ الذين يَستجيبونَ لِمَآرِبِهِم، ويَنجرِفونَ إلى أفعالِهم، ويَنقادونَ لِفسادِهِم، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ))،
أيَّها الناس:
قالَ اللهُ ــ جلَّ وعزَّ ــ في وصْفِ أهلِ تقواهُ ورِضْوانِهِ: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }.
فأبانَ اللهُ سُبحانَهُ في هذهِ الآيةِ: أنَّ المُؤمنَ المُتجلِّلَ بتقواهُ إذا مَسَّهُ طائفٌ مِن الشيطانِ فأذنَبَ بفعلِ مُحرَّمٍ عليهِ أو ترْكِ واجبٍ أبصَرَ وأفاقَ سريعًا، وأحسَّ بألمِ ذنْبِهِ، وشُؤمِ خطيئتِهِ، وثِقَلِ معصيتِهِ على نفسِهِ، فاستغفرَ اللهَ ربَّهُ التَّواب، واستَدرَكَ ما فرَّطَ فيهِ بالتوبةِ النَّصوحِ، والإكثارِ مِن الحسناتِ، فرَدَّ بذلِكَ شيطانَهُ الذي صالَ عليهِ خاسِئًا وحسيرًا، وأفسدَ عليهِ كُلَّ ما أدركَهُ مِنهُ، وعادَ أقوى مِن قبْلُ وأكمَل، وفي تأكيدِ هذا الحالِ للمُؤمنِ مع الشيطان، يقولُ اللهُ سُبحانَه: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ }.
وقالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ مُرغِّبًا عبادَهُ في مَحوِ خطيئاتِهِم بفعلِ الحسناتِ: { أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ آمِرًا بذلكَ ومُوصِيًا: ((وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ))، وصحَّ: (( أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَزَلَتْ: { أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» ))، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (( طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا ))، وقالَ اللهُ سُبحانَه: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.
فاللهمَّ: اجعلْنا مِن التَّوَّابينَ، ومِن المُستغفرينَ، إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ، وسلامٌ على عبادِهِ الذين اصْطفَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ العليُّ الأعلَى، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المُرتَضَى.
أمَّا بعدُ، أيَّها الناس:
فقد قالَ اللهُ ــ تبارَكَ اسمُهُ ــ مُحرِّضًا لكُم ومُبشِّرًا: { والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }.
أي: هؤلاءِ الذين جاهَدوا أنفُسَهُم على فِعلِ الطاعاتِ والاستمرارِ عليها إلى المَماتِ، وعلى تَرْكِ الشِّركيَّاتِ والبدعِ والمعاصِي إلى انتهاءِ الأجَلِ بالوفاةِ، وعلى مُجانبَةِ الشُّبُهاتِ والشهواتِ، وسُمومِ أهلِهِما ودُعاتِهِما ومجالِسِهِما وقنواتِهِما وبرامجِهِما، وجاهَدوا الشيطانَ وأهلَ الكُفرِ ودُعاةَ الفسادِ والانحلالِ وأصحابَ التغريبِ عن جَرِّهِم إلى طريقِ النَّار، وإيقاعِهِم في أفعالِ أهلِ النَّار.
وهؤلاءِ الذينَ جاهَدوا أنفُسَهُم في الله، قد أثْنَى اللهُ عليهم في هذهِ الآيةِ، ووعدَهُم بالهدايةِ والتسديدِ والإعانةِ إلى سُبلِ الحقِّ، وإلى فِعلِ الأعمالِ الصالِحة، وتجنُّبِ الخطيئاتِ، وإلى التوبةِ إنْ حصلَ تقصيرٌ وزَلَل.
ومُجاهدَتُهُم العظيمةُ لأنفُسِهِم، مِن أسبابِ نَيلِهِم محبَّةِ ربِّهِم، ودَفْعِهِ ودِفَاعِهِ عنهُم، وتوفِيقهِ وتسديدِهِ لهُم، وإجابَةِ دعوتِهِم، حيثُ صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).
إذِ النفسُ أمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلا ما رَحِمَ رَبِّي، فتَحتاجُ إلى مُجاهدةٍ شديدةٍ، وقهرٍ لَهَا وقسْرٍ، وصبْرٍ على ذلكَ ومُصابَرةٍ، وقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ))، وقالَ رجلٌ لِعبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو ــ رضِي الله عنهما ــ: (( مَا تَقُولُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ؟ فقَالَ له: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا )).
هذا وأسألُ اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ: أنْ يُباعدَ بينَنا وبين ما حرَّمَ علينا، وأنْ يُعينَنا على ذِكرِه وشُكرِه وحُسنِ عبادته، اللهمَّ لا تُهلكنا بذنوبِنا وآثامِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا عن دِينِنا وآخِرتِنا، اللهمَّ صَرَّف قلوبَنا وأسماعَنا وأبصارَنا وجوارحَنا إلى مراضيك، اللهمَّ قوِّنا بالاعتصامِ بالتوحيدِ والسُّنة، وباعدَ بينَنا وبينَ الشِّركِ والبدعِ والمعاصي والفسادِ والدُّعاةِ إلى ذلك، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ عِيشةً هنيَّة، ومِيتتةً سوِّية، ومرَدًّا غير مُخْزٍ، اللهمَّ لَيِّن قلوبَنا قبلَ أنْ يُليِّنَها الموت، واجعلْها خاشعةً لِذكْرِكَ، وما نزَلَ مِن الحقِّ، اللهمَّ جنِّبنا كيدَ الكائِدين، ومَكرَ الماكِرين، وقوِّ إيمانَنا بِك، واجعلْ قلوبَنا متعلِّقةً بك، وحسِّنْ أخلاقَنا، وجمِّلْنَا بأطايبِ الآدابِ، اللهمَّ ارفعِ الضُّرَ عن المُتضرِّرين مِن المسلمينَ في كلِّ أرض، اللهمَّ ووفِّق ولاةَ أمورِ المسلمينَ ونُوَّبَهُم وجُندَهُم لحفظِ الإسلامِ ونُصرَتِه، وارزُقهُم التوفيقَ والسَّدادَ في أقوالِهم وأفعالِهم، إنَّكَ سميعٌ مُجيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكم.