خِيرَةُ أهلِ الأرضِ بعدَ النَّبيِّينَ صَحْبُ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ المُكرِمِ عبادَهُ المُتقينَ بحبُّ الصَّحابةِ أجمعين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العالَمين، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ بالسُّنة والقرآنِ المُبِينِ، اللهمَّ فصَلِّ وسَلِّم عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأئمةِ المُهتدين.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فإنَّ خيرَ الناسِ بعدَ النَّبيين الصَّحابةُ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ قالَ: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي))، واتفقَ على ذلكَ علماءُ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ.
ووجودُ الصحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ خيرٌ لأُمَّةِ الإسلامِ، إذْ لا يَزالُ أهلهُا بخيرٍ ما وُجِدَ فيهِم مَن رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وصاحَبَهُ، ومَن رَأى الصحابةَ وصاحَبَهُم، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي، وَاللَّهِ لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي )).
ووجودُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيَّا في وقتِهِ أمَانٌ لأصحابِهِ، ووجودُ الصحابةِ أمَانٌ لأُمَّتِهِ مِن بعدِهِ، وبَقاءُ النُّجومِ في السماءِ أمانٌ مِن قيامِ القيامةِ، وذلكَ لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِى فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِى مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِى أَمَنَةٌ لأُمَّتِى، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِى أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ )).
وحُبُّ الصحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ دِينٌ وإيمانٌ وعبادَة، وبُغضُهم معصيةٌ وإثْمٌ ونِفاقٌ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ )).
ولو أنفقَ مَن بعدَ الصحابةِ مِثلَ جَبلِ أُحُدٍ ذهبًا صدقةً وأنفقَ الصحابيُ مِلءَ يديهِ أو مِلءَ كَفِّ يدٍ واحدةٍ لكانت صدقةُ الصحابيُّ أعظمُ عندَ اللهُ، واللهُ يَختَصُّ بفضلِهِ مَن يشاء، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ ))، ولأنَّ إنفاقَ الصحابةِ كانَ وقتَ بَدءِ الإسلامِ وإقامتِهِ في الأرضِ، وفي نُصْرَةِ ذاتِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم وحِمايتِه.
والصحابةُ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ قد أثنَى اللهُ عليهِم في القرآنِ والتوراةِ والإنجيلِ، وزَكَّى سبحانَهُ بواطِنَهُم وظواهِرَهُم، وكَفَى بِهِ شهيدًا ومُثنيًا ومُعدِّلًا، ووعدَهُم المغفرَةَ والأجرَ العظيم، حيثُ قالَ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.
فزَكَّى اللهِ سبحانَهُ في هذهِ الآيةِ ظاهِرَ الصحابةِ بقولهِ: { تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا }.{ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ } وزَكّى باطِنَهُم بقولِهِ: { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا }.
والصحابةِ قد رَضِيَ اللهُ عنهُم، فهَنيئًا لهُم رِضَاهُ، وما أسعدَهُم بِه، بل ورضيَ سبحانَهُ على مَن اتَّبَعَهُم بإحسانٍ مِمَّن جاءَ بعدَهُم، حيثُ قالَ اللهُ ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.
أيُّها المسلمون:
إنَّ مِن الأُصولِ الكُبرى التي اتفقَ عليها علماءُ أهلُ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ، هذهِ الأربعة:
الأصلُ الأوَّلُ: البُغضُ والبَراءَةُ مِن كل مَن يَذكُرُ الصحابةَ أو يَذكرُ أحدًا مِنهم بسُوء، وأنَّه مُبتدِعٌ ضالٌ مُنحرِفٌ.
وقد جاءَ في رسالةِ “أصولِ السُّنَّةِ”، لإمامِ أهلِ السُّنَّةِ أحمدَ بنِ حنبلٍ ــ رحمه الله “: «مَن انتقصَ واحدًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أو أبغضَهُ لِحدَثٍ كان مِنهُ، أو ذَكرَ مساويَه، كان مُبتدِعًا، حتى يترَحَّمَ عليهِم جميعًا، ويكونَ قلبُهُ لهُم سليمًا»، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي )).
الأصلُ الثاني: أنَّ الصحابةَ لا يُذكَرونَ في الناسِ إلا بالخيرِ والجميلِ، وتكونُ القلوبُ مُحِبَّةً لَهُم، ولا غِلَّ ولا حِقدَ ولا بُغضَ فيها لأحدٍ مِنهم.
حيثُ قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ في بيانِ حالِ قلوبِ وألْسُنِ المُؤمنينَ مع الصحابةِ: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا }، وصحَّ عن عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ أنَّها قالت في شأنِ الخوارجِ والرَّوافض: (( أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبُّوهُمْ )).
الأصلُ الثالثُ: وجوبُ السُّكوتِ عمَّا شجرَ بين الصحابةِ مِن خِلافٍ بعدَ مقتلِ عثمانَ بنِ عفَّانٍ، حتى لا تَنجرَّ الألسُنُ أو القلوبُ إلى ذَمِّ أو بُغضِ أو انتقاصِ أحدِ مِنهم فتهلَك.
ولأنَّ أكثرَ ما يُروى مِن الأقاويلِ والقَصَصِ في ذلكَ كذِبٌ عليهِم، ومِنهُ ما قد زِيدَ فيه أو نُقِصَ حتى تغيَّرَ وتحرَّفَ عن معناهُ الصَّحيح، والصَّحيحُ مِنهُ قليلٌ جدًا، وهُم ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ فيه: إمَّا مُجتهِدونَ مُصِيبونَ أو مُجتهِدونَ مُخطِئون، ولهُم مِن السوابقِ والفضائلِ ما يُوجِبُ مغفرةَ ما يَصدرُ مِنهم مِن خطأٍ إنْ صدَرَ، حتى إنَّه يُغفرُ لهُم مِن السيئات ما لا يُغفرُ لِمَن بعدَهُم، لأنَّ لهُم مِن الحسناتِ التي تَمحُو السيئاتِ ما ليس لِمَن بعدَهُم، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في تقريرِعُذْرِ وأجْرِ مَن اجتهدَ مِن العلماءِ فأخطأَ: (( إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ))، والصحابةُ هُم أكابرُ علماء ومُجتهدِي هذهِ الأُمَّة، وجاءَ في بيانِ عظيمِ أجْرِ وثوابِ الصحابة على المُقامِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم زمَنًا يسيرًا، ما ثبتَ عن ابنِ عمرَ ــ رضيَ اللهُ عنهُما ــ أنَّه قالَ: (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَلَمَقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ )).
وعلينا أنْ نَحذَرَ مِن المجالسِ والمُحاضراتِ والأشرطةِ والفضائياتِ ومواقعِ الإنترنيت ومقاطعِ برامجِ التواصلِ التي تخوضُ فيما شجرَ بين الصحابةِ مِن خِلاف، فلا تُقرأُ، ولا يُسمَعُ لِهَا، ولا تُرسِلُ لأحدٍ، وقد نَقلَ الإمامُ ابنُ بَطَّةَ ــ رحمهُ اللهُ ــ :«اتفاقَ ساداتِ علماءِ هذه الأمِّةِ على ترْكِ النَّظرِ في الكتبِ التي تتكلمُ فيما شَجرَ بين الصحابةِ مِن خِلاف».
الأصلُ الرابعُ: التَّمسُّكُ بما كانَ عليهِ الصحابةُ مِن العلمِ والعملِ والفَهْمِ، والعقيدةِ والفقهِ، ومُتابعتُهم فيه.
حيثُ قالَ اللهُ ــ جلَّ وعلا ــ عنهُم: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ }، فجعلَ اللهُ سبحانَهُ الصحابةَ في هذهِ الآيةِ: متبوعِينَ في الدِّين، وأثنَى على مَن بعدَهُم باتِّباعِهم لهُم، ووعدَهُم مع مَن اتَّبَعَهُم برِضَاهُ والجنَّة.
وقد كانت أوَّلُ جُملةٍ في رسالة “أصولِ السُّنة”، لإمامَ أهلِ السُّنة أحمدَ بنِ حنبلٍ ــ رحمه الله ــ: «أصولُ السُّنةِ عندَنا: التمسكُ بما كانَ عليهِ أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والاقتداءُ بِهِم».
أيُّها المسلمون:
إنَّ آلَ بيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذينَ هُم أزواجُهُ وذُرِّيتُهُ وأعمامُهُ وأولادُ أعمامِهِ ذكورًا وإناثًا، وباقي مَن كانَ مِن آلِهِ المؤمنينَ إلى آخِرِ الزَّمان، قد أوصَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ بالإحسانِ إليهِم، وإكرامِهِم، فصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ مُوصِيًا أُمَّتَهُ: (( وَأَهْلُ بَيْتِى، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِى أَهْلِ بَيْتِى ))، قالَهَا ثلاثَ مرَّات.
وحفظَ الصحابةُ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ هذهِ الوصيَّةَ، فصحَّ أنَّ أبا بكرٍ الصديقَ ــ رضي الله عنه ــ قال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي )).
وقرَّر علماءُ أهلِ السُّنةِ في كتبِ الاعتقادِ محبَّةَ وإكرامَ آلِ البيتِ، وبُغضَ مَن يُبغِضُهُم، والتبرؤَ مِمَّن يؤذِيهِم.
وقالَ الإمامُ ابن تيميةَ ــ رحمهُ اللهَ ــ في كتابهِ “العقيدةِ الواسطيةِ”، عن أهلِ السُّنة: «ويُحِبونَ أهلَ بيتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويَتولونَهُم، ويحفظونَ فيهِم وصيَّةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حيثُ قالَ: (( أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِى أَهْلِ بَيْتِى ))».
فاللهمَّ اجعلنا مِمَّن يُحِبُّ صحابةَ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم حُبًّا كثيرًا، ويوقِّرُهم، ويَترضَّى عنهم، ويَستغفرُ لهُم، ويسيرُ على طريقِهم، إنَّكَ سميعٌ مُجيب.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ مُعزِّ أوليائِهِ، ومُحِبِّ أهلِ طاعتِهِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على النبيَّ محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِه.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
فاتقوا اللهَ حقَّ تقواهُ، واعلَموا أنَّ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ والحديثِ مُتَّفِقون على هذهِ الأمورِ الثلاثةِ:
الأمرُ الأوَّل: البَراءَة مِن طريقة الشِّيعةِ الرَّافضةِ الذين يُبغَضونَ الصحابةَ، بل ويُكفِّرونَهم ويَسبُّونَّهم، لأنّها تُخالِفُ القرآنَ والسُّنةَ النَّبويةَ الثابتة.
الأمرُ الثاني: البَراءَة مِن طريقةِ النَّاصِبَةِ الذينَ يُبغِضُونَ بعضَ آلِ البيتِ، لأنَّها تخالِفُ السُّنَّةَ النَّبويةَ الصَّحيحة.
الأمرُ الثالث: البَراءَة مِن حالِ الشِّيعةِ الرافضةِ وغُلاةِ الصوفيةِ مع بعضِ آلِ البيتِ، حيثُ يَعبدونَهُم مع الله، فيَدعونَهُم مع اللهِ، ويطلبونَ مِنهم تفريجَ الكُرَبِ والمَدَدَ وإزالةَ الشدائِدِ، ويَزعمونَ أنَّهُم يعلمونَ الغيبَ، ويتصرَّفونَ في الكونِ، ولا يَعلمُ الغَيبَ ويتصرَّفُ في الكونِ إلا اللهُ وحدَهُ.
وآلُ البيتِ عبادٌ وليسوا بمعبودِين، وقد قالَ اللهُ مُنكرًا على الكفارِ دعاءَهُم لِعبادٍ مِثلِهِم: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لابنتِهِ: ((يَا فَاطِمَةُ: أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا )).(( يَا فَاطِمَةُ: لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ))، وقالَ اللهُ سبحانه: { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ }.
هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يُجنِّبنا الشِّركَ والبِدعَ والمعاصي، وأنْ يَرزقَنا لُزومَ التوحيدِ والسُّنَّةِ إلى الممات، وأنْ يُعيذَنا مِن الفتنِ ما ظهرَ مِنها وما بطنَ، إنَّه سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.