إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الشائعات وآثارها في الإفساد والإثم والفتن ومعها الترهيب من تهنئة الكفار بأعياد دينهم ” ملف [ word – pdf] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الشائعات وآثارها في الإفساد والإثم والفتن ومعها الترهيب من تهنئة الكفار بأعياد دينهم ” ملف [ word – pdf] مع نسخة الموقع.

  • 21 ديسمبر 2023
  • 2٬986
  • إدارة الموقع

الشائعات وآثارها في الإفساد والإثم والفتن ومعها الترهيب مِن تهنئة الكفار بأعياد دِينهم

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المُطلِّعِ على خفايا الأمورِ، وأسرارِ العبيدِ، وهوَ بكلِ شيءٍ عليمٌ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المُؤيَّدُ بالنصرِ والتسديدِ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فإنَّ شريعةَ الإسلامِ لا تعودُ على أفرادِ الناسِ وعُمومِهِم ومُجتمعاتِهِم وبلدانِهِم إلا بما يُصلِحُهم، ويُقوِّي لُحْمَتَهم، ويزيدُ في أُلْفَتِهم وتآلُفِهِم، ويَشرحُ صدورَهُم، ويُطمئِنُ قلوبَهُم، ويُقلِّلُ الفِتنَ والشُّرور عنهُم وبينَهُم، ولِهذا أمرَتْ بالتَّثبُّتِ قبلَ نقلِ الأخبارِ وعندَ وصُولِها وعندَ نشرِها، وزَجَرَتْ عن  إشاعتِها وإذاعتِها قبلَ التَّبيُّنِ مِنها وفيها، وذَكرَتْ بعضَ عواقبِ الإخلالِ بهذا الحُكمِ وقانونِ بابِ الإخبار والشائعاتِ والأرَاجِيفِ، حيثُ قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }.

وإذا كانت الأخبارُ أو الشائعاتُ تتعلَّقُ بالأُمَّةِ أو البلدِ جميعًا أو وُلَاةِ الأمورِ والدَّولةِ، أو الفتنِ والشُّرورِ العامَّةِ، أو وِحدَةِ وائتلافِ الناسِ، أو جهادِ الأعداءِ، أو الأمْنِ والخوفِ، كانَ الأمرُ أشدّ، والتثبُّتُ أوجَب، وإدراكُ الأمورِ على وجهِها الصَّحيحِ آكد، ومُرعاةُ المصالحِ والمفاسدِ أكبرَ وأعظَم، لأنَّ الضَّررَ مِنها لا يعودُ على ناقِلِها وحدَهُ، بل على كثيرٍ، أو على عُمومِ الناسِ أو البلدِ، ولأنَّ الشائعاتِ، وهيَ: «الحربُ النفسيَّةُ» مِن أعظمِ أسلحةِ الأعداءِ لِتدميرِ البلدانِ، وتفتيتِ الشُّعوب، وتناحُرِ الأمَّةِ والبلدِ الواحدِ معَ بعضٍ، ولِهذا قالَ اللهُ في ضَبطِ هذا الأمرِ، وغلقِ بابِهِ، وذمِّ أهلِ العجَلَةِ فيهِ: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }، وجاءَ في حديثٍ صحَّحهُ جمعٌ مِن العلماءِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ )).

ولكنْ ــ وللأسفِ الشديدِ ــ أصبحَ هَمُّ كثيرٍ مِن الناسِ في بابِ الأخبارِ والإخبارِ هوَ السَّبْقُ والتقدُّمُ والتَّميُّزُ على الغيرِ، والشُّهرَةُ في النَّاسِ، وكثرةُ المُتابعِينَ لهُم في برامجِ التواصلِ الإجتماعِيِّ، والإصْغاءُ إليهِم في المجالسِ والفضائياتِ والاهتمامِ بِهِم وتقديمِهِم، وكلٌّ هذا على حسابِ دِينِهِم وإيمانِهِم، لأنَّهُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )).

وقد أبانَ هذا الحديثُّ النَّبويُّ: أنَّ كلَّ مَن حدَّثَ وأخبَرَ غيرَهُ بكلِّ ما يَسمعُ أو يَقرأُ سَيقعُ في الإثمِ الكثير، والسَّيِّئاتِ العديدةِ، وسواءٌ أخبَرَ عنهُ بلسانِهِ في المجالسِ أو الفضائياتِ أو برامجِ التواصُلِ المسموعةِ أو كتبَهُ بيدِهِ في جريدةٍ أو موقعٍ إلكترونيٍّ، أو برامجِ التواصُلِ المَقروءَةِ، لأنَّ كثيرًا مِن هذهِ الأخبارِ كذبٌ، وعديدًا مِنها أرادَ الأعداءُ إشاعتَهُ للإضرارِ بالإسلامِ والمسلمينَ وبلادِهِم، وجمعًا مِن الشَّرِكاتِ تريدُ أنْ تضرِبَ بضائِعَ غيرِها، وبعضَهَا قد يُلحِقُ الضَّررَ بأشخاصٍ أو جهاتٍ أو أُسَرٍ أو قبائلَ أو مطاعِمَ أو دكاكينَ أو تُجَّارٍ أو جِنسيَّاتٍ أو غيرِهِم.

ثُمَّ لو تأمَّلْنَا لوجدْنَا أنَّ أكثرَ أو كثيرًا مِن الأخبارِ والوقائعِ والأحداثِ والمُشكلاتِ لا تَعنِينَا، ولا تَخُصُّنَا، ولا علاقةَ لَنَا بها، وإنَّما يَحشُرُ بعضُنا نفسَهُ فيها لإضعافِ دِينِهِ وإسلامِهِ وتكثيرِ خطاياهُ، وليسَ لإحسانِهِ وتقويَتِهِ، ولإظهارِ عقلِيَّتِهِ القاصِرةِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ))، وثبَتَ عن جمْعٍ مِن السَّلفِ الصالحِ أنَّهُم قالوا: (( سُئلَ لُقمانُ: أيُّ عملِكَ أوثَقُ في نفسِكَ؟ فقالَ: تَرْكُ مالا يَعنِينِي ))، وقالَ سَهلٌ التَّسْتُريُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: (( مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا لا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ )).

{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي تتابَعَتْ على خلقِهِ نِعمُهُ، وتكامَلَتْ فيهِم حُجَجُهُ، وصلَّى اللهُ على خاتَمِ الأنبياءِ محمدٍ وآلِهِ وأصحابِهِ وسلَّمَ كثيرًا.

أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:

فاتقوا اللهَ ــ جلَّ وعلا ــ بِبُغضِ الكُفرِ والكافرينَ، والبَراءَةِ مِن الكُفرِ والكُفارِ، حيثُ قالَ اللهُ سُبحانَهُ مُخبِرًا عن حالِ المؤمنينَ حقًّا معَ الكافرينَ: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }، وثبت أنَّ النِّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ: الْحَبُّ فِي الله، وَالْبُغْضُ فِي الله ))، واتقوهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ بترِكِ التشبُّهِ بِالكافرين في عاداتِهِم وأعيادِهِم وأقوالِهِمِ وأفعالِهِم ولِباسِهِم، حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُرهِّبًا لكُم عن ذلكَ: (( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).

أيَّها النَّاسُ:

سَيحصُلُ بعدَ يومينِ أو ثلاثةٍ احتفالٌ للكُفارِ مِن النَّصَارَى بعيدٍ دِينِيٍّ عندَهُم، وهوَ المُسمَّى «بالكِرِيسْمِس»، يَحتفلونَ فيهِ بعيدِ ميلادٍ نَبيِّ اللهِ عيسى بنِ مريمَ ــ عليهِ السلامُ ــ مُدَّعِينَ أنَّهُ الرَّبُ أو ابنُ الرَّبِّ، تعالَى اللهُ عمَّا يقولونَ عُلوًا كبيرًا، { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا  وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدً }.

ولا يجوزُ باتفاقِ العلماءِ، مِنهم: الأئمةُ الأربعةُ: تَهنِئَتُهُم بهذا العيدِ الدِّينيِّ لا كِتابيًّا ولا شَفوِيًّا، ولا حُضورُهُ معَهُم، ومُشاركتُهُم فيهِ، وإجابةُ دعوتِهِم إليهِ، ولا إعانَتُهُم عليهِ بمالٍ أو مكانٍ أو إعلامٍ أو طعامٍ أو إعلانٍ، ولا فِعلُهُ في بيوتِنا، ولا إظهارُهُ في شَرِكاتِنا وبلادِنا، ولا إهداؤُهُم بِسبَبِهِ ولأجلِه.

ولا يجوزُ أيضًا في شريعةِ الإسلامِ: أنْ يُحتفلَ معَهُم برأسِ السَّنةِ المِيلادِيةِ الجديدةِ، ولا إعانَتَهُم، ولا تَهنِئَتَهُم.

ولقد كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَحرصُ شديدًا أنْ تُخالِفَ أُمَّتَهُ الكفارَ في كلِ شيءٍ، حتى قالَ عنهُ اليهودُ كما في “صحيحِ مسلمٍ”: (( مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ ))، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ في وصْفِ عبادِ الرَّحمنِ: { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ }، وقالَ بعضُ السَّلفِ الصالحِ: (( الزَّورُ هوَ: أعيادُ المُشرِكِينَ ))، وصحَّ عن عمرَ بنِ الخطابِ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( َلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ )).

وقال الإمام ابن قيم الجوزية ــ رحمه الله ــ: «وأمَّا تَهنِئَتُهم بشعائرِ الكُفرِ المُختَصَّةِ بِهِم فحرامٌ بالاتفاقِ، مِثلَ أنْ يُهنِئَهُم بأعيادِهِم، فيقولَ: “عيدٌ مُبارَكٌ عليكَ”، أو: “تَهنَأُ بهذا العيدِ”، ونحوَهُ، فهذا إنْ سَلِمَ قائِلُهُ مِن الكُفرِ فهوَ مِن المُحرَّماتِ، وهوَ بمنزلةِ أنْ يُهنِئَهُ بسُجودِهِ للصَّليبِ، بل ذلكَ أعظمُ إثمًا عندَ اللهِ، وأشدُ مَقتًا مِن التَّهنِئَةِ بشُربِ الخمرِ وقتلِ النفسِ وارْتِكابِ الفرْجِ الحرامِ، ونحوِهِ، وكثيرٌ مِمَّن لا قدْرَ للدِّينِ عندَهُ يقعُ في ذلكَ، ولا يَدري قُبحَ ما فعَل».انتهى كلامُه.

ومعَ اتفاقِ العلماءِ على تحريمِ التهنئةِ بأعيادِ الكفارِ الدِّينيةِ: فقدْ وجِدَ الآنَ مِن دُعاةِ أهلِ البدعِ والضَّلالِ المُعاصِرينَ مَن جوَّزهُ، وبعضُهُم استحبَّهُ، وجاءَ اليوم مَن أوجبَهُ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ مُرَهِّبًا لَنا مِن هؤلاءِ الدُّعاةِ: (( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةُ الْمُضِلِّينَ ))، فحافُوهُم على دِينِكُم، فذلكَ مِن تقوى اللهِ.

والكفارُ ــ وإنْ هنَّؤونا بأعيادِنا ــ فلا نُقابِلُهُم بالمِثلِ، ونُهنِّئُهُم بأعيادِهِم، لأنَّ أعيادَنَا مشروعةٌ، وأعيادُهُم مُحرَّمةٌ، بل ومُشتَمِلَةٌ على أنواعٍ مِن الكُفرياتِ، والمُحرَّماتِ الشديدةِ، والمُنكراتِ الغليظةِ، ولِهذا لا يجوزُ أنْ تُهنِّئ أحدًا على أنَّهُ سرَقَ أو شَرِبَ الخمرَ أو زَنَى أو قتلَ أو على فِعلِ أيِّ معصيَة.

اللهمَّ: قِنَا شرَّ أنفُسِنا والشيطانِ، واغفر لنَا ولوالِدِينا وجميعِ أهلِينا، اللهمَّ خفِّفْ عن المسلمينَ ما نزلَ بِهِم مِن ضُرٍّ وبَلاءٍ، وقتلٍ وجِراحاتٍ، وجوعٍ وخوفٍ وتشريدٍ، اللهمَّ أبعِدْ عن الفسادِ والمُفسِدينَ أبناءَنا وبناتَنَا، وسدِّد إلى الخيرِ ولاتَنا ونُوَّابَهم، اللهمَّ أجِرْنَا مِن مُنكراتِ الأعمالِ والأخلاقِ والأهواء، واجعلْنَا مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشرِ، اللهمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ، وزِدْهُم إيمانًا بِكَ، وتوحيدًا لكَ، ومُتابعةً لِنبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم، وارحَمْ أمواتَنا وأمواتَ المسلمينَ، وأدخِلنَا وإيَّاهُم جنَّاتِ النَّعيم، إنَّكَ يا ربَّنَا سميعٌ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.