آلُ بيت النبي صلى الله عليه وسلم وما لهم مِن مكانة وحقوق وما يَحصل جهتهم مِن غُلو
الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ مُنزِلِ القرآنِ هدايةً للإنسِ والجانِّ، وباعِثِ النبيِّ محمدٍ لإخراجِهِم مِن الظُّلماتِ الى النُّورِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ فصَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِه.
أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:
فإنَّ آلَ بيتِ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم المؤمنينَ عندَ أكثرِ العلماءِ، هُم: «مِن تحرُمُ عليهِمُ الصَّدقةُ»، لِقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ: (( إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ))، والذينَ لا تَحِلُّ لهُم الزَّكاةُ، هُم: «أزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وذُرِّيَّتُهُ وكلُّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ مِن نَسْلِ شَيبَةَ، وهو: عبدِ المُطَّلِبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَناف».
ويَدُلُّ على دخولِ أعمامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبَنِيهِم في آلِ بيتِ، وآلِ محمدٍ:
أوَّلًا: ما صحَّ عن زيدِ بنِ أرْقَمَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّه قيلَ لهُ: (( مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «مَنْ تُحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ» قِيلَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ» )).
ثانيًا: ما صحَّ أنَّ رَبيعةَ بنَ الحارثِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ والعبَّاسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ ــ رضيَ اللهُ عنهما ــ بعَثَا عبدَ المُطَّلِّبِ بنَ رَبيعةٍ والفضلَ بنَ العبَّاسٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَطلُبانِ مِنهُ أنْ يُولِّيَهُما على الصَّدقةِ ليُصِيبَا مِن المالِ ما يَتزوَّجانِ بِهِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم لهُما: (( إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ )).
وألحَقَ بعضُ العلماءِ: بَنِي المُطَّلِبِ بنِ عبدِ مَنافٍ بِبَنِي هاشمٍ في تحريمِ الصَّدقةِ عليهِم، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صحَّ عنهُ أنَّهُ أشرَكَهُم في خُمسِ الخُمسٍ، وقالَ: (( إِنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ )).
وأمَّا الشِّيعةُ الرَّافِضَةُ الإثنَي عشرِيَّةَ: فآلَ البيتِ عندَهُم أربعةٌ مِن أهلِ القرْنِ الأوَّلِ، وهُم: فاطمةُ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ، والحسنُ والحسينُ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ، وزادوا معَهم تِسعَةً مِمَّن جاءوا بعدَهُم مِن ذُرِّيَّةِ الحسينِ بنِ عليٍّ وحدَه.
فأمَّا إدخالُ الأربعةِ: فاحتجُّوا لهُ بقولِ عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ الصَّحيحِ: (( خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، ــ يَعني: كِسَاء ــ فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } )).
وهذا الحديثُ: ليسَ فيهِ حصْرُ أهلِ البيتِ في عليٍّ وفاطمةَ والحَسنِ والحُسين، كما زَعَموا، وإنَّما فيهِ أنَّهُم مِن جُملةِ أهلِ البيتِ، وأخَصِّهِم وأقرَبِهِم مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بدليلِ أنَّ سِياقَ هذهِ الآيةِ: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }، وما قبلَها وما بعدَها مِن آياتٍ كُلَّهُا في خطابِ زوجاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبِما صحَّ: (( أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ بَعَثَ إلَى عَائِشَةَ بِبَقَرَةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَرَدَّتْهَا، وَقَالَتْ: «إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» ))، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذبَح أُضحيَتَهُ عنهُ وعن أهلٍ بيتِهِ مِن زوجاتٍ، وغيرِهِم، قالَ: (( اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ))، وبدَلالةِ الأحاديثِ الأُخْرَى الصَّحيحةِ التي تُدخِلُ غير هؤلاء الأربعة في آلِ البيت.
وأمَّا إدخالُ التِّسعَةِ مِن ذُرِّيَّةِ الحُسين معهُم: فلا يُوجدُ عليهِ دليلٌ مِن القرآنِ، أو السُّنةِ النَّبويةِ الصَّحيحةِ، أو آثارِ الصحابَةِ الثابتَة.
أيُّها النَّاسُ:
آلُ بيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المؤمنينَ لهُم مكانةٌ عاليةٌ، وشرَفٌ كريمٌ، لأنَّهُ قد اجتمعَ في حقِّهم شرَفانِ، شرَفُ الإيمانِ، وشرَفُ النَّسَبِ والقرابةِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ومِمَّا يَدُلُّ على فضلِهِم وشرَفِهِم هذهِ الأمور:
الأوَّلُ: قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ )).
الثاني: قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الثابت: (( كُلُّ سَبَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ القيَامَةِ إِلاَّ سَبَبي وَنَسَبِي )).
الثالثُ: تحريمُ الزَّكاةِ عليهم، تكميلًا لِتطهِيرِهِم، لِقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحيحِ: (( إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ ))، ووُصِفِتْ بأوساخِ الناسِ: لأنَّها تُطهِّرُ ذُنوبَهُم، وتُزَكِّي أموالَهُم ونفوسَهُم، فهيَ كالماءِ الذي غُسِلَ بِهِ الوَسَخ.
الرابعُ: أنَّهُ يُدْعَى لهُم بالصلاةِ والمُباركةِ مِن كُلِّ مُسلمٍ ومسلمةٍ في التشهدِ الأخيرِ مِن صلاةِ الفريضَةٍ أو النَّافِلَة.
الخامس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ لهُ عندَ ماءِ غَديرِ خُمٍّ قد جعلَهُم ثَقَلًا، وأوصَى أُمَّتَهُ بِهِم بعدَ موتِهِ، وذكَّرَهُم اللهَ فيهِم مِرارًا، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (( «أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» ))، ويُقالُ لكلِّ نفيسٍ ثَقَلٌ، وسمَّاهُما ثَقَلَيْنِ إعظامًا لِقدرِهِما، وتفخيمًا لشأنِهِما.
فأمرَ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديثِ: بالأخذِ بكتابِ اللهِ، والاستمساكِ بِما جاءَ فيهِ، ثمَّ ذَكَّرَ الناسَ وأوصاهُم بأهلِ بيتِهِ خيرًا، بأنْ يُحسَنَ إليهِم، ويُكرَموا، ويُحترَموا، ولا يُظلَموا، ولا يُعتدَى عليهِم، ولا يُهانُوا، وهذا مِن بابِ التوكيدِ، إذْ كلُ مُسلمٍ لهُ هذهِ الحقوقُ، ولكنْ لِلمؤمنِ مِن آلِ البيتِ حقٌّ زائدٌ على غيرِهِ، لِقُربِهِ وقرابَتِهِ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وصحَّ عن أبي بكرٍ الصِّديقِ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ))، أي: احفظوهُ فيهِم، فلا تَسُبوهُم، ولا تُؤذُوهُم، ولا تَعتدوا عليهِم، وتلَطَّفُوا معَهُ، وأحسِنوا بالتَّجاوُزِ عن مُسيئِهِم، وصحَّ عنهُ أيضًا أنَّهُ قالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي )).
وليسَ في حديثِ غَدِيرِ خُمٍّ المُذَكِّرِ بآلِ البيتِ خيرًا: أنَّ آلَ البيتِ أو بعضَهم معصُومونَ، ويَعلمونَ الغيبَ، وأنَّ دِينَ الإسلامِ يُؤخذُ مِن طريقِهِم، وأنَّهُ لا نجاةَ يومَ القيامةِ إلا لِمَن اتَّبَعَهُم، كما تَزعُمُهُ الشِّيعةُ الرَّافضةُ لِبعضِهِم.
بلْ أهلُ البيتِ كغيرِهِم مِن النَّاسِ: مأمورونَ باتِّباعِ القرآنِ والسُّنةِ النَّبويةِ وما كانَ عليهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابُهُ، وبِلُزومِ التوحيدِ والسُّنةِ، واجتنابِ الشِّركياتِ والبدعِ والمعاصي، وبابُ القُرْبِ مِن اللهِ، والنَّجاةِ مِن عذابِهِ، والتَّنعُّم بجنَّتِهِ ليس بالأنسابِ، وإنَّما بتقوَى اللهِ باتِّباعِ أوامِرِهِ، واجتنابِ ما عنْهُ نَهَى، والتكميلِ بالسُّننِ، والإكثارِ مِن الطاعاتِ بإخلاصٍ للهِ فيها، ومُتابعَةٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيثُ قالَ اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }، وثبَتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَىِ ))، وصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )).
وقد حفظَ أهلُ السُّنَّةِ وصيةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لهُم في غَديرِ خُمٍّ، وهذا التذكيرِ مِنهُ بأهلِ بيتِهِ خيرًا، وكتبوا ذلكَ وقرَّرُوهُ في كُتبِ الاعتقادِ والعقيدةِ.
ومِن ذلكَ قولُ الإمامِ ابن تيميَّةَ ــ رحمهُ اللهُ ــ في “العقيدةِ الواسطِيِّةِ” عن أهلِ السُّنَّةِ: «ويُحِبُّونَ أهلَ بَيتِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ويَتوَلَّونَهُم، وَيَحفظونَ فيهِم وصِيَّةَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حيثُ قالَ يومَ غَدِيرِ خُمٍّ: (( أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ))، ويَتولَّونَ أزواجَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّهاتِ المؤمنينَ، ويُقِرُّونَ بأنَّهُنَّ أزواجُهُ في الآخِرةِ، ويَتبرَّؤُونَ مِن طريقةِ الرَّوافض الذينَ يُبغِضونَ الصحابَةَ ويَسُبونَهُم، وطريقةِ النَّواصِبِ الذينَ يُؤذُونَ أهلَ البيتِ بقولٍ أو عملٍ».
والإحسانُ إلى آلِ البيتِ وإكرامُهُم: قُربَةُ إلى اللهِ وطاعةٌ، وفيها أجرٌ كريمٌ، فهَنيئًا لِمَن كانَ مِن أهلِها، وكثيرٌ مِن الطاعاتِ قد يَترُكُها بعضُ المسلمينَ مِن آلِ البيتِ وغيرِهِم، أو يُقصِّرون فيها، وإذا أخطأَ مسلمٌ في حقِّ أحدٍ مِن آلِ البيتِ، أو قصَّرَ جِهتَهُ، أو أغلظَ في قولٍ أو فِعلٍ معَهُ، فلا يَعني أنَّهُ يُبغِضُ آلَ البيتِ ويُعادِيهِم، ولا يَحمِلٌ وِزْرَ خطئِهِ وإثمِهِ معَهُ أهلُ السُّنةِ ولا مذهبُهُم.
وليسَ المطلوبُ مِنَّ الناس شرعًا جِهةَ آلِ البيتِ: أنْ يَصرِفَوا لهُم بعضَ العباداتِ معَ اللهِ، كالدُّعاءِ، أو يَعتقِدوا عِلمَهُم بالغيبِ، أو تدبيرَهُم للكونِ، أو عِصْمِتَهُم، أو أنَّهُ لا يَحصلُ رِضِا اللهِ وعبادتُهُ إلا عن طريقِهم، أو يَحلِفوا بِهِم، أو يَتبرَّكوا ويتمسَّحوا بقبورِهِم أو ثيابِهِم أو أيدِيهِم أو أبدانِهم، بل ذلكَ كلُّه مُحرَّمٌ عليهِم، وهو ما بينَ كُفرٍ يُخرِجُ عن دِينِ الإسلامِ، أو شِركٍ أصغر، أو بدعةٍ مُحرَّمَةٍ، كما هو حالُ الشِّيعةِ الرَّافضةِ مع بعضِ آلِ البيتِ.
بل إنَّ أبعَدَ الناسِ عن وصِيَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بآلِ البيتِ في غَديرِ خُمٍّ، هُم: الشِّيعةُ الرَّفِضَةُ، لأنَّهُم يُعادونَ ويُبغِضون أكثرَ أهلِ بيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويُكفِّرونَ بعضَ الصحابَةِ مِن آلِ البيتِ، بل ويُكفِّرونَ بعضَ زوجاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كعائشةَ بنتِ أبي بَكرٍ، وحفصَةَ بنتِ عمر بنِ الخطابِ، وهُم مَن أعانَ كُفَّار التَّتارَ على غَزْوِ إسقاطِ الدَّولةِ العباسيَّةِ التي جميعُ حُكَّامِها مِن آلِ البيت. { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }.
الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ، وسلامٌ على عِبادِهِ الذينَ اصطفَى، ورضِيَ عن أصحابِ كلِّ نَبِيّ.
أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ:
فإنَّ أشرَفَ الأنسابَ في شريعةِ الإسلامِ نسَبُ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأشرَفَ انتسابٍ ما كانَ إليهِ صلى الله عليه وسلم، وإلى أهلِ بيتِهِ إذا كان الانتسابُ صحيحًا، وقد كثُرَ في لأنَّهُ قد اجتمعَ في حقِّهم شرَفانِ، شرَفُ الإيمانِ، وشرَفُ النَّسَبِ والقرابةِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم.الناسِ الانتماءُ إلى هذا النَّسبِ، فمَن كانَ مِن أهلِ هذا البيتِ وهوَ مؤمنٌ، فقد جمَع اللهُ لهُ بينَ شرَفِ الإيمانِ وشرَفِ النَّسَبِ، ومَن ادَّعَى هذا النَّسَبَ الشريفَ وهوَ ليسَ مِن أهلِهِ فقدِ ارتَكبَ مُحرَّمًا كبيرًا، حيثُ صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنِ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ )).
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }.
اللهمَّ: اهدِنَا وسَدِّدْنَا وألهِمْنَا رُشْدَنَا وقِنَا شَرَّ أنفُسِنا، وأعِذْنَا مِن الشيطانِ وأوليائِهِ، وطهِّرْ جوارِحَنَا عن مُقارَفَةِ الآثام، وبُطونَنَا عن أكلِ الحرامِ، وقلوبَنَا عن الغفْلَةِ، وأعنَّا على ذِكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسْنِ عبادَتِكَ، واستُرْنْا مِن الفضيحةِ بينَ خلقِكَ في الدُّنيا والآخِرةِ، واغفرْ لَنا ولأهلينا أحياءً وموتَى، إنَّكَ كُنتَ بِنَا رحِيمًا، وكريمًا غفَّارًا، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.