إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > خطبة مكتوبة بعنوان: « حادثة الإسراء والمعراج بين الإنكار والغلو مع الترغيب في صيام شعبان ». ملف [ WORD – PDF] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: « حادثة الإسراء والمعراج بين الإنكار والغلو مع الترغيب في صيام شعبان ». ملف [ WORD – PDF] مع نسخة الموقع.

  • 8 فبراير 2024
  • 4٬705
  • إدارة الموقع

حادثة الإسراء والمِعراج بين الإنكار والغُلو مع الترغيب في صيام شعبان

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي أيَّدَ المُرسَلينَ بالمُعجزاتِ الباهرةِ، والحُجَجِ الظاهِرةِ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ ولَدِ آدمَ أجمعينَ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ المُهتدِينَ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:

فإنَّ حادثةَ الإسراءِ والمِعراجِ ــ بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُسْرِيَ به برُوحِهِ وجسدِّهِ مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصَى ثُمَّ عُرِجَ بهِ إلى السماءِ ــ حادثةٌ عظيمةٌ، وآيةٌ كبيرةٌ، ومُعجزةٌ باهِرةٌ، وكرامةٌ جليلةٌ، جاءَ إثباتُها في القرآنِ العظيمِ، وتكاثرتْ فيها الأحاديثُ النَّبويةُ الصَّحيحةُ حتى قرُبَتْ مِنَ الثلاثين، بل نصَّ العلماءُ على تواتُرِها، والتَّواترُ أعلَى درجاتِ الصِّحَةِ، وأخرجَها البُخاريُّ ومُسلمٌ في “صحِيحَيهِما”، واتفقَ المسلمونَ على حصولِها، وقد قالَ اللهُ سُبحانَهُ عنها في أوَّلِ سُورةِ “الإسراءِ”: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، وقالَ اللهُ تعالى عنها في أوَّلِ سُورةِ “النَّجمِ”: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }، وأخرجَ الإمامُ مسلمٌ في “صحيحهِ” عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ ــ عَلَيْهِ السَّلَامُ ــ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ))، وأصبحَ أهلُ السُّنةِ يَذكرونَ حادثةَ “الإسْراءِ والمِعرَاجِ” في كُتبِ الاعتقاد، وأنَّها مِن جُملةِ الأصولِ التي يجبُ الإيمانُ بها، والغَيبِ الذي يُؤمَنُ بهِ لُزُومًا.

أيُّها المسلمون:

إنَّ الإسلامَ وأهلَهُ اليومَ لَفِي معركةٍ شديدةٍ مع طائفةِ مِن بَنِي جِلدَتِهِم تأثَّروا بالعلمانيةِ، وتلبَّسوا بالفِكرِ الليبراليِ، وباتوا دعاةً لِتغريبِ شُعوبِهِم، وإبعادِهِم عن الإسلامِ وأُصولِهِ وتشريعاتِهِ السَّاميةِ، ودفعِ ذُكورِها وإناثِهِا إلى هاويةِ الإلحادِ والزَّندقةِ وطرائقِ أهلِ الكُفرِ والفسادِ، تَبَعًا لأسيادِهِم في الشَّرقِ والغربِ، وقد سلِمَتْ مِنهُم سائرُ مِلَلِ الكُفرِ فلا يَجترِئونَ عليها، ولا على رُموزِها ودُعاتِها كما يفعلونَ مع الإسلامِ، فجعلوهُ نَهبًا لَهُم، يُنكِرونَ أصولَهُ، ويُشوِّشونَ على ثوابتِهِ، ويَهدمونَ تشريعاتِهِ، ويُشوِّهونَ صورةَ علمائِهِ ودُعاتِه، وكانَ مِن ذلكَ الذي يَتجدَّدُ حِينًا بعدَ حِين، ويتبادَلونَ الأدوارَ فيهِ: تصريحُ أقوامٍ مِنهم بإنكارِ حادِثَةِ: «الإسراءِ والمِعرَاجِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم».

أيُّها المسلمون:

جَرَتْ عادةُ بعضُ النَّاسِ في ليلةِ السابعِ والعشرينَ مِن شهرِ رجَبٍ على الاحتفالِ بِذِكْرَى حادِثَةِ “الإسراءِ والمِعراجِ”، معَ اعتقادِ أنَّها حصَلَتْ فيها، وهذا الاحتفالُ يَكتَنِفُهُ أمران:

الأمرُ الأوَّل: أنَّ هذا الاحتفالَ غيرُ جائزٍ، لأنَّه لم يَردْ في القرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويةِ، ولا فَعلَهُ رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابُهُ، ولا أحدٌ مِن أئمةِ المسلمينَ في القُرونِ الأُولَى، ولا أئمةُ المذاهبِ الأربعةِ، وتلامذَتُهُم، ولا مَن في زمَنِهم مِن العُلماءِ، والخيرُ كلُّهُ والأجْرُ والسلامةُ في مُتابَعَتِهم، ولَعلَّ الشِّيعةَ الرَّافِضَةَ هُم مَن ابتدأَ هذا الاحتفالَ، فبئسَ القُدوةُ هُم، وبئسَ التَّشَبُّهُ بِهِم.

والعلماءُ العارِفونَ بالشريعةِ يَحكمُونَ على ما كانَ هذا حالُهُ مِن الاحتفالاتِ بأنَّهُ بِدعَةٌ، والبِدعةُ مِن أشدِّ المُحرَّماتِ، وأغلظِها جُرمًا، بل هيَ باتفاقِ العلماءِ أعظمُ مِن المَعصيةِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُحذِّرُ مِنها إذا خطبَ بالناس، فيقول: ((أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ في وصِيَّتِهِ الوداعيةِ لِأُمَّتِهِ: (( فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ))، ولا رَيبَ أنَّ ما زُجِرْنا عنهُ، ووُصِفَ بأنَّهُ شرٌّ، وأنَّهُ ضَلالةٌ، وتُوعِّدَ عليهِ بالنَّار، لا يكونُ إلا مِن كِبارِ المُحرَّماتِ، وصحَّ عن ابنِ عمرَ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً )).

الأمر الثاني: أنَّ ليلةَ السابعِ والعشرينَ مِن رجَبٍ لا يَصِحَّ دليلٌ مِن حديثٍ نَبويٍّ أو أثَرٍ عن صحابيٍّ أنَّها هيَ الليلةُ التي حصَلَتْ فيها حادثةُ «الإسراءِ والمِعراجِ»، ولِهذا اختلَفَ العلماءُ والمؤرِّخونَ في يومِ حُدوثِها إلى عشَرةِ أقوالٍ أو أكثر، ذَكرَ ذلكَ عديدونَ مِن أهلِ المذاهبِ الأربعةِ والسِّيَرِ والتاريخِ، وغيرِهِم، واختلفوا أيضًا في سَنةِ وقوعِها، وفي شهرِ حُصولِها.

وذَكرَ الفقيهانِ ابنُ سيَّدِ الناسِ الأندَلُسِيُ، والسَّخاويُّ المِصريُ ــ رحمهُما اللهُ ــ: «أنَّ المشهورَ أنَّها كانتْ في ليلةِ سبعٍ عشرَةَ مِن شهرِ ربيعٍ الأوَّل».

بل إنَّ مِن أضعفِ الأقوالِ قولُ مَن قالَ إنَّها حصَلَتْ في: «ليلةِ سَبعٍ وعشرينَ مِن شهرِ رجَبٍ»، حيثُ قالَ الفقيهُ أبو الخطَّابِ المالكيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «وذَكرَ بعضُ القُصَّاصِ أنَّ الإسراءَ كان في رجب، وذلكَ عندَ أهلِ التعديلِ والتجريحِ عَينُ الكذِب»، وقالَ الفقيهُ ابنُ العطَّارِ الشافعيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «وقد ذَكرَ بعضُهم أنَّ “المِعراجَ والإسراءَ” كان فيه ــ يَعني: في رجبٍ ــ، ولم يَثبُتْ ذلك»، وقالَ الفقيهُ العُثيمينُ الحنبليُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «يَظنُ بعضُ الناسِ أنَّ “الإسراءَ والمِعراجَ” كان في رجبٍ، في ليلةِ سبعةِ وعشرين، وهذا غلطٌ، ولم يَصحَّ فيهِ أثَرٌ عن السَّلفِ أبدًا، وأهلُ التاريخِ اختلفوا في هذا على نحوِ عشَرةِ أقوالٍ»، وقال الفقيهُ ابنُ الأميرِ الصنعانيُّ ــ رحمهُ اللهُ ــ: «هيَ ليلةٌ مُعيَّنةٌ لم يَرِدْ بتَعيينِها سُنَّةٌ صحيحة».

ألَا فاتقوا اللهَ ــ عِبادَ اللهِ ــ ولا تكونوا مِن المُحتفِلينَ بهذهِ الحادثةِ، ولا مِن الداعمينَ لاحتفالِها بمالٍ أو مكانٍ أو طعامٍ أو رسائلَ أو كتاباتٍ، ولا تُؤيِّدوا المُحتفِلينَ بِها، فإنَّ البدعةَ ضَلالةٌ وحرامٌ وإثْمٌ، والإعانةُ عليها حرامٌ وإثمٌ وضَلالٌ، وقد قالَ ربُّكُم زاجرًا لَكُم ومُرهِّبًا: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خوَّفَكُم فقالَ: (( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ))، والحمدُ للهِ أوَّلًا وآخِرًا، وعلى كلِّ حال.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمَدُ اللهَ على إِفضَالِهِ، وأشكرُهُ على آلائِهِ، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على أنبيائِه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمونَ:

فأنَّ مِن أعظمِ ما تقرَّبَ بِهِ المُتقرِّبونَ إلى ربِّهِم، وأوصلَهُمُ المنازلَ العاليةَ، وهذّبَ نفوسَهُم وأخلاقَهَم، ورقّقَ قلوبَهُم وطِبَاعَهُم وأصلحَها، وأعفَّ عن الحرامِ فُروجَهُم وألسِنَتَهُم: «عبادةَ الصيامِ»، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في تعظيمِ شأنِها: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ))، وثبتَ أنَّ أبا أُمَامَةَ ــ رضِيَ اللهُ عنهُ ــ قالَ لِلنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ», فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ، قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ )).

وإنَّكُم ــ يا عِبادَ اللهِ ــ على مَقرُبَةٍ مِن شهرِ شعبانَ، وصيامُ عامَّةِ أيَّامِهِ مسْنُونٌ، حيثُ صحَّ عن عائشةَ ــ رضِيَ اللهُ عنها ــ أنَّها سُئِلَتْ عن صيامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: (( لَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا ))، فبادِرُوا إلى الاقتداءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم بالصيامِ في شهرِ شعبانَ، والإكثارِ مِنه.

ولقد تكاسَلَ وتشاغَلَ أكثرُنا عن صيامِ التطوعِ، والتَّنفُّلِ بالصيامِ، مع عِظَمِ وكثرةِ ما ورَدَ في شأنِهِ مِن أحاديثَ نبويةٍ، مُبيِّنَةٍ لأنواعِهِ، ومُرغِّبَةٍ فيهِ، ومُعدِّدةٍ لِثمَارِهِ، وذاكرةٍ لِكبيرِ أُجورِهِ، وجَزيلِ فضْلِه.

فَمِن فضائِلِهِ: أنَّهُ يَسَدُّ النَّقصَ الذي وقعَ للعبدِ في صومِ الفريضَةِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ )).

ومِن فضائِلِهِ أيضًا: أنَّهُ مِن أسبابِ مَحبَّةِ اللهِ لِلعبدِ، ودَفْعِهِ ودِفَاعِهِ عنهُ، وتوفِيقِهِ وتسديدِهِ، وإجابةِ دعوتِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

اللهمَّ: جنِّبْنا الشِّركَ والبدعَ والمعاصي، وأكرِمْنا بلُزومَ التوحيدِ والسُّنَّةِ والطاعةِ إلى المَماتِ، اللهمَّ ارفعِ الضُّرَّ عن المُتضرِّرينَ مِن المسلمينَ في كلِّ مكان، وأعِذنا وإيَّاهُم مِن الفتنِ في الدِّينِ والدُّنيا ما ظهرَ مِنها وما بطَنَ، اللهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ مِن علمٍ لا يَنفعُ، ونفسٍ لا تَشبعُ، وقلبٍ لا يَخشعُ، ودعاءٍ لا يُستجابُ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.